بسم الله الرحمن الرحيم
الأعمال الشعريّة الكاملة
أديب كمال الدين
The Complete
Poems of
Adeeb Kamal
Ad-Deen
المجلّد الأوّل
منشورات ضفاف، بيروت، لبنان 2015
بسم الله الرحمن الرحيم
ن والقَلَمِ وَمَا يَسْطرُون.
سورة القلم. الآية 1
الإهداء
إلى: نقطتي وهلالي
بمناسبة استمراري حيّاً حتّى الآن.
المحتويات
* نون 13
- قاف 15
- جنّة الفراغ 54
- خطاب النون 77
- أحبّكِ كما
أحبّك 79
- خطاب الألف 83
* أخبار المعنى 133
- أنا وأبي والمعنى 135
- أخبار المعنى 138
- أخطاء المعنى 140
- موت المعنى 143
- ألف المعنى 146
- أنثى المعنى 148
- نون المعنى 152
- راء المعنى
154
- حواريّة المعنى 156
- قبور المعنى 159
- صراخ المعنى 161
- دال المعنى 162
- باء المعنى 165
- نسيان المعنى 168
- مخاطبة المعنى 171
- صورة المعنى 171
- طيران المعنى 171
- إله المعنى 172
- ارتباك المعنى 172
- مأساة المعنى 173
- خيانة المعنى 174
- إيقاع المعنى 175
- رومانسيّة المعنى 176
- شمس المعنى 178
- زمن المعنى 179
- نَصّ المعنى
181
- أغنية المعنى 182
- بيت المعنى 182
- عري المعنى 183
- ماضي المعنى 185
- ضحك المعنى 188
- كاف المعنى 190
- وصول المعنى 192
* جيم 195
- إشارات التوحيديّ 197
-
الشهيد 207
- العقاب والبلبل
والعصفور والهدهد 208
- مأدبة السيّدة 219
- أبجديّة
البحر 221
- المعرّي في
التيه
228
- أرق 234
-
الرجل 236
- الأربعاء:
الخميس
238
-
برقيتان 242
- أساطير 243
- جيم
249
- الثعالب
252
- طيور
254
- كهيعص
256
- طلسم
259
* ديوان عربيّ
261
- ديوان الأسئلة 263
- ديوان
المقابلات
266
- ديوان
عربيّ 272
- ديوان الأشياء 274
-
ديوان الرقصات
276
- ديوان الأغاني 283
- ديوان المراثي 287
* تفاصيل
291
- لقاء : وداع 293
- النبيّ الصغير
294
- قصيدة حُبّ
298
- طفولة 301
- قصائد
صغيرة 302
- أبو الهول
305
- لم
308
- قصيدة 309
* آراء 310
* سيرة ذاتيّة 337
نون
مطبعة الجاحظ، ط1 ، بغداد، العراق 1993
قاف
لكلّ مَن لا يفهم في الحرفِ أقول:
النونُ شيءٌ عظيم
والنونُ شيءٌ صعبُ المنال.
إنّه مِن بقايا حبيبتي الإمبراطورة
ومِن بقايا ذاكرتي التي نسيتُها ذاتَ مَرّة
في حادثٍ نونيّ عارٍ تماماً عن الحقيقة
ومقلوبٍ، حقّاً، عن لُبّ الحقيقة.
وهكذا اتضحَ لكم كلّ شيء
فلا تسألوا، بعدها، في بلاهةٍ عظيمة
عن معنى النون!
*
لعنفوانكِ ينبغي أنْ أنحني،
لجمالكِ ينبغي أنْ أكتبَ الشعر،
لمحبّتكِ ينبغي أنْ أخترعَ أبجديةً جديدة،
لعشقكِ ينبغي أنْ أعيدَ اكتشاف الدموع.
*
ينبغي للشاعرِ أنْ يعشق
حتّى يتعرّف إلى الشمسِ وهي تشرقُ ليلاً
وإلى الهلالِ وهو يصبحُ نوناً من غيرِ نقطة
وإلى النقطةِ وهي تصبحُ سِحْراً
يضيءُ فحمةَ الليل.
*
سأمنحكِ أيّتها النون المجنونة بالجمالِ والانكسار
مجدَ الكلمة،
وسأعلنكِ إمبراطورةً حقيقيّة،
وأتوّجكِ في احتفالٍ سرّيّ عظيم
بتاجِ الحروف
وقلادةِ الكلمات
وطيلسان القصائد
ووسامِ الهيام
وعصا السحر.
*
أين كنتِ كلّ هذه السنين؟
لماذا صعدتِ الآن إلى سطحِ أيامي
بعد أنْ كانَ الغموضُ يأكلك
كما يأكل سمكُ القرشِ السمكَ الصغير؟
هذه أسئلة وضعتـُها أمامَ النون
فرأيتُ الألفَ يلقي بنفْسه في البحر
بهدوء.
*
كلمةٌ عابرةٌ منكِ أعادتْ لي يومي المسروق
وشمسي الضائعة
وابتهالاتي التي لا تكفُّ عن التمتمة.
كلمةٌ عابرةٌ منكِ رتّبتْ نبضاتِ قلبي
وأعادتْ لها الرنين
وإيقاع الحنين.
*
أعترفُ لكِ الآنَ أنّ الشاعر مجنون
والعشق جريمة.
فمنذ أنْ عرفتكِ وأنا لا أكفُّ عن الهلْوَسَة
أمام إيقاع نونكِ المريب
ولا أتوقّفُ عن ترجمةِ أحلامي إلى كلّ لغاتِ الأرض
متصوّراً أنّ اللغة تعيدكِ إلى نفْسك
وتعيدُ نفْسكِ إليّ،
فأنتبهُ إلى نفْسي
أيّتها الأسطورة الضائعة فيَّ.
*
ينزفُ الشاعرُ حين يعشق
آلافَ الكلماتِ والحروف
ليغربل لغتَه من أدغال الصدأ
ويغربل قلبَه من أدغال الموت.
*
أيّتها الإمبراطورة
سمعتُ أنكِ بحاجةٍ إلى ملكٍ أو أميرٍ أو شاعر
أو عاشقٍ أو جلّادٍ أو خادمٍ أو شحّاذ
أو صعلوكٍ أو مُهرّجٍ أو بوّاب.
ولأجل ِأنْ أنال نونَكِ فأنا مُستعدّ أنْ أكون
الملك أو الأمير أو الشاعر أو العاشق
أو الجلّاد أو الخادم أو الشحّاذ أو الصعلوك
أو المُهرّج أو البوّاب.
أيّتها الإمبراطورة
تذكّري هذا المجنون الذي لا يكفُّ عن ترديد
هذه النغمة ليل نهار أمامَ قصر حُبّك
تذكّريه فهو يشبهني تماماً.
إنّه أنا!
*
دخلتُ في الإيقاعِ الخطير:
لقد بدأ الحُبّ يسدُّ عليَّ مسامات روحي
ويعلنُ في مكبراتِ الصوت:
أنني خطأٌ فادح
وأنكِ خطئي الذي يتكرّرُ في الساعة
ستّين مَرّة.
*
الإمبراطورةُ حبيبتي
لم أعدْ أستطيع النظرَ إليها من فرطِ الحُبّ.
لم أعدْ أستطيع أنْ أحدّثها من فرطِ الصدفة.
لم أعدْ أستطيع أنْ أشير إليها
أو إلى نونها من فرطِ البهجة.
وهكذا يصغرُ لديَّ العالمُ شيئاً فشيئاً
حتّى يكتمل ضياعي ويبدأ موتي السعيد.
*
أرجوكِ
أسرعي في قتلي.
فنزفُ الحروفِ يومياً
يصيبُ قلبي بفقرِ الدم.
*
أيّتها الإمبراطورة
أنا الصعلوك الذي سيقود كلَّ لغاتِ الأرض
ليتآمر على عرشِكِ ويسرق كنوزه
وينسفه
ثُمَّ بهدوء يجلس بوّاباً
يحرس ممرّات العرشِ مِن العابثين!
*
دمعتي حجر.
*
مصيبتي أنني ألتقي بقاتلتي كلّ يوم،
أتبسّمُ لها
مفتوناً بجمالِها الغامض.
وأعطيها السكّين
لتذبحني مِن الوريدِ إلى الوريد
دون أنْ أتفوّه بكلمةٍ واحدة.
*
دمي يسقط
وجسدي ينهارُ بهدوءٍ أسطوريّ
وروحي تتحوّلُ إلى رماد
لكنّها تتماسك
كما يتماسكُ الحظُّ السيّئ.
*
موتي مناسبةٌ طيّبة
لأعزّي نفْسي بهدوءٍ وصدق.
*
دمعتي إله.
*
سُحقاً لك أيّتها الضائعة:
سُحقاً لنونك
سُحقاً لنقطتك.
*
خيبتي فيكِ بحجمِ الطوفان.
*
لكنّي لم أكنْ نُوحاً
ولم تكنْ عندي سفينة
لذا طافَ جسدي فوق الماء،
طافَ وطافَ حتّى مللتُ من الطوفان.
*
كم بكيتُ على هذا الجسد الغريق
بكيتُ
وبكيتُ
وبكيت.
لكنّي لم أجدْ مَن يأبه بي
سوى رصاصة الرحمة
التي أطلقتُها على رأسي حرفاً
قادني إلى النور
وإلى الشمس
وإلى الطمأنينة
وإلى الموتِ العظيم.
*
إلى الكاف
أذهبُ لاجئاً مُستجيراً.
فخذيني أيّتها الكاف
وبدّدي موتي الدائمَ الوصول كزلزال
وبدّدي ذكرى طفولتي وأرجوحتها المهجورة
بأنوارك
وشمسكِ الكبرى.
وإذا اقتضى الأمر بدّدي روحي
ولا تتركيني كالمشنوقِ الذي انقطع
الحبل به قبلَ الموت.
*
يا كافي
بين يديكِ ألفي،
بين يديكِ دمعتي وشمس روحي،
فارحميني.
ولتكنْ رحمتك
أربعةً من الطير يأتين سعياً،
وبحراً ينشقُّ فأدفنُ فيه همومي،
وعرشاً تضيءُ فيه كماناتُ دمي وطبولُ طفولتي،
وقمراً يجلسُ بين حواجبي وظنوني.
*
أموتُ ومعي حرفي
وأُبعَثُ من الموت
ومعي حرفي.
*
دمعتي عبث!
*
ليس غريباً أنْ أبتهل إلى نقطةِ الحرف
وأجلس قبالتها مذهولاً في مسرّاتها
ومجيئها من الشرقِ إلى الغرب
محمّلةً بالدفوف والدموع والطبول.
ليس غريباً، بعد هذا، أنْ أبتهل إلى الهلال
وأدعوه لينقذني من نفْسي.
*
ما أن تراكِ الأبجدية
حتّى تنفض عن ثيابِها
النومَ والنسيانَ واللامبالاة
لتأخذ من كفّكِ شمسَ الحنان
وينبوعَ الصحو
وإناءَ الانتباه
وملعقةَ الحُبّ
وملحَ الطمأنينة.
*
انظري الآن يا حبيبتي
إنّ في الحرفِ لسحراً
يطوّقكِ فلا مهرب عنه
إلّا إلى الضياع.
أنا أنتظرُ أن تضيعي
وتذوبي
وتمّحي
لأدفن جسدَكِ البضَّ في شمسٍ من الحروف.
*
وا أسفاه
أنتِ فرحٌ متكلّس
وأنا جنونٌ ينبض.
*
وا أسفاه
كيف مزّقتِ – بهذه البساطة - جغرافيا الجسد؟
وألقيتِ القبض على جغرافيا الموت؟
*
ها أنذا أنتظرُ من الحروفِ أن تهبط لي
بشلّالاتِ شمسكِ
وأنهارِ ربيعكِ
وجداول شوقكِ
وقطراتِ وعودكِ
وذرّاتِ إشاراتكِ
ونواةِ طمأنينتكِ.
وإلى الآن فلا ملاذ لي سوى الحروف
وإلى أنْ أجد ملاذاً آخر
فإنني أجلسُ أمامها
كما يجلسُ المجانين أمام الأنبياء.
*
ها أنذا أقتربُ منكِ لأبتعد عنك،
أصل إليكِ لأغادركِ كوميضِ البرق
فرحاً كغيمةٍ، محزوناً كبحرٍ ميّت.
لكنّكِ في طلاسم جسدي أبداً
مرآة حُبّ كبيرة تتعرّى.
*
أيّ سحر هذا؟
إنّ حرفكِ ليخلق اسمي من جديد يا حبيبتي.
وأنا أضحكُ من هذا السحر
كطفلٍ يرى المطرَ أوّل مَرّة.
*
الحرفُ هو الزلزال
وأنا أسكنُ الحرفَ يا زلزالي.
*
ليس للعبتكِ نهاية
وليس لخيالكِ بدء
وأظنّ أنّكِ ستنهين عبثَكِ العظيم
بأنْ تطلقي عليَّ الرصاص
وأنا أضحكُ من الضحك.
*
انظري:
الفراغ سيّد العرش ونحن عبيده.
*
انظري:
بخلُكِ أسطورة
وكرمي سفينةٌ من الخرافات.
*
وا أسفاه
أيّةُ قصيدةٍ تبدأُ بكِ تفضي إلى الموت!
*
حزنُكِ طائر
وحزني تمساح.
*
أيّتها الأسطورة الضائعة
هناك مؤتمر صاخب للأساطير
سَيُعْقَدُ قريباً في قلبي.
فلبّي الدعوةَ أرجوك!
*
أحبّكِ
كما يُحبّ المجنونُ الأطفالَ الذين يرمونه
بالحجارة.
*
صرتُ أرى نونَكِ من غير نقطة
فأبكي.
*
خرافاتكِ امتدّتْ وأصبحتْ بحراً
فدعوتُ الجغرافيين ليعطوه اسماً.
*
ذاتَ يوم
ستبكين أيّتها الضائعة
على السنين الطويلة التي سفحتُها
أمام جبل انتظارك.
*
أجمل ما فيكِ: أكاذيبك
التي لا تكفُّ عن التجدّدِ والانبعاث.
*
تحبّينني بالسنسكريتية
وأحبّكِ بالعربية!
*
صرتِ تشاركينني مخاطبة الكاف
والبكاء بين يديها
والسجود العظيم في حضرتها الخضراء.
فمتى ستشاركين دمي غربته
وحرفي محنته
وألفي انتحاره؟
*
حُبّكِ جرّاح
سيقتطعُ جزءاً من قلبي
وحينَ يعجزُ سيضعُ لي
شيئاً من السمِّ أشربهُ فأموت.
*
قرّرتُ أن أهجوكِ
فمدحتُ نفْسي!
*
حُبّكِ وباءٌ أصابَ خلايا جسدي كلّها
فتساقطتْ كجبلٍ منهار.
*
حُبّكِ ناطحةُ سحاب
حلمتُ بها
وخططتُ لها وبنيتُها طابوقةً طابوقة.
وحين اكتملَ البناءُ العظيم
نسفتـُها من الأعماق.
*
طولكِ ابتهال
وعيناكِ جنّة.
*
البارحة سقطَ عامٌ جديدٌ أمامَ داري
ففتحتُ البابَ مدهوشاً
وجمعتُ شظاياه
ثُمَّ صنعتُ منها تمثالاً لك.
*
في نونكِ سحر
وفي ألفي زلزال.
*
متى ستمسح الكاف
نقطةَ نونكِ من رأسي
كي يتوقّف نزيفُ حرفي
فأنام؟
*
حُبّكِ يدعو لكلِّ شيء
حتّى لعبادةِ الأصنام!
*
معجزتي أنتِ
أنا الإله الميت!
*
أعومُ في الفراغ:
أخرجُ من الفراغ
مُلطَّخاً بدمِ الفراغ
وأعودُ إليه مفتوناً بعذابه السرّيّ.
*
لم أزلْ – وقد عبرتُ أربعين موتاً –
طائراً لا يعرفُ الطيران.
ولم أزلْ – وقد عبرتُ أربعين بحراً –
شاطئاً يبحثُ عن سفينة.
*
(أحتاج اليكم)
صرخَ المغنّي من الأعماق
فتحوّلتُ إلى حاء وتاء وجيم.
وصرتُ كافاً بشوقي
في حضرةِ الكافِ الكبرى.
*
كانت الباءُ جنّةَ عدن
لكنّ الشياطين أحاطوا ببوابتها
حتّى وجدوا منفذاً فاخترقوا نقطتَها
وكسروا زجاجةَ روحي فرحين.
*
ماتَ حُبّي قبل عشرين عاماً
ولم أزلْ إلى الآن أستقبلُ المُعزّين.
*
أحببتُ – مثل كلّ مرّة – سيّدةً ضائعة
حتّى أضيع أبداً في المجاهيل.
*
الموتُ ذاكرةٌ لا تذكرُ أحداً
حتّى تاء طفولتها الممزّقة.
*
أين منّا لقاءاتنا المشمسة؟
أين منّا مصادفاتنا؟
أين منّا نزواتنا؟
أين منّا غيومنا التي كنّا نركبها
قبل أنْ تلقينا الشياطين إلى الأرض؟
*
أنتِ مَن أنتِ
حتّى أشغل أنفاسي
وأشغل حروفي
وأشغل موتي بك؟
*
وصلتُ إلى........
دون أنْ أمسك ذرّةً مِن أنفاسك.
*
موتُكِ عنوان
وحياتي صندوقُ بريدٍ محطَّمٌ بفراغه الوحشيّ.
*
سقطتُ مثل كلّ مَرّة
ووقعتُ فانكسرَ موتي
فرمّمته برغباتِ نقطتك.
*
أيّتها النون
خذيني إلى الساحلِ أو إلى البحر
إلى الصمتِ أو إلى الكلام
إلى اللغةِ أو إلى الطمأنينة.
خذيني
فجلوسي في المابين
أفسدَ روحي
ومزّقَ حاءَ طفولتي المجنونة.
*
أيّتها النون
أرسلتُ إليك الشين
هل وصلتْ؟
وأرسلتُ إليك اللام
فهل وصلتْ؟
*
بعد جنوني بك
ليس هنالك مِن فرحٍ أنتظره
سوى الموت.
*
سقطَ المغنّي على موسيقاه
فقامَ متعثراً لاعناً.
وسقطتُ على حرفي
فقمتُ طائراً مذبوحاً
من الوريدِ إلى الوريد.
*
قلبي الطيّبُ كدمعة
والضائعُ كصحراء،
قلبي الذي هو بحجمِ قبضةِ يدي اليسرى
كما يزعمُ الأطباء
أرسلَ لي برقيةَ عتابٍ قاسية
بسببِ قصص حُبّي الفاشلة حتماً.
وحين اعتذرتُ له بحروفيّةٍ مُطلَقة
رفضَ اعتذاري،
فقدمتُ له استقالتي
ومضيتُ في الطرقات
ضائعاً دون قلب.
*
قلبي الذي يشبهُ طفلاً مشاكساً،
قلبي الذي نسي حاءَ الحقدِ إلى الأبد
وتشبّثَ كمجنونٍ بحاءِ الحريّة
أرسلَ لي برقيةً يسخرُ من فشلي النونيّ العظيم.
وحين قرأتُها
ضحكتُ
وضحكتُ
وضحكتُ
ثُمَّ بكيت.
*
قلبي الذي يشبهُ نهراً كفَّ عن الجريان
أرسلَ لي برقيةً أخرى منتصف الليل،
قالَ فيها: كيفَ وصلَ الأمرُ معك؟
أيّ غدٍ ينتظرك؟
وقالَ: لِمَ لا تكون مجنوناً مثلي
فتكفّ عن الجريان وسط الوديان
كقرويّ يحملُ صرّةَ ملابسه الممزّقة؟
*
قلبي،
أيّها السيّد الذي يتنقل
ما بين كهيعص وقاف وطسم،
يا صاحب البوّابة المنقوشة بالمحبّة،
أرجوك
ادخلْني في دارِك
فإنْ لم تدخلني
فعند مَن سأنام هذه الليلة؟
*
قلبي،
أيّها النمر الجريح
المُمتلئ بالحروفِ وهذياناتها،
جنّها، ونواميسها، وقواميسها،
قلبي،
أيّها النمر الحروفيّ الجريح،
البارحة خفتُ عليكَ وأنتَ وسط البخور
ووسط الدخان
تستلهُم روحَ الماء
وآيات القاف
ومعجزات الجيم.
*
قلبي،
يا صنيعة الكاف
ورؤية الكاف،
يا جرح النون ونقطة الظنون،
يا ندبة الباء ورماد الأزمنة،
قلبي،
يا معجزة القاف
بل يا اعتذار القاف بما هو مكتوب
في اللوحِ المحفوظ،
قلبي،
يا موسيقاي المُتشظّية
وكفاحي المقطوع اليدين،
قلبي،
يا جنوني المُتّزن
وأساطيري المحفوظة
في جيوبِ طفولتي المُتهرّئة،
أعتذرُ إليك
ثانيةً وثالثةً ورابعةً وخامسةً وسادسةً وسابعة
حتّى تكتمل بي سمفونية الاعتذار
ويكفّ الاعتذارُ نفْسه عن الاعتذار!
*
ليس مُهمّاً كيف سينتهي حُبّكِ
فلقد أحببتُكِ.
هل ستسلمينني إلى الثعلبِ أم إلى الذئب؟
إلى الفراتِ أم إلى الصحراء الكبرى؟
إلى المشنقةِ أم إلى العرش؟
ليس مُهمّاً
فلقد أحببتُكِ. وكفى!
*
أكثر ما أخشاه،
يا نوني،
أنْ تكوني باءً مقلوبة
أو دالاً تنكّرَ لها الجميع.
*
مِن الموتِ إلى الحُبّ
ومِن الحُبّ إلى الموت،
صرتُ أركبُ حرفي مِن محطّةِ قلبي.
*
في شمسكِ يحيا القلب
بعد أنْ دمرّه الثلج
وصيحاتُ اليأس.
*
مخيّلتي العجيبةُ التي تنبّأتْ بسقوطِ الدول
واهتزازِ العروشِ وانكسارِ الريحِ وتمزّقِ الأساطير
لا تستطيع اليوم أن تتنبّأ بنهايةِ حُبّك.
*
حين اتصلتُ بكِ البارحة بالهاتف
عجبتُ: فَمَن أعطاكِ سلطةَ إحياءِ الموتى
وقتْلِ الأحياء؟
*
أيّتها الكاف،
... شيئاً من رحمتكِ التي وسعتْ كلّ شيء
تهبط أمطاراً على صحارى النون
علّها تخضرُّ فتخرجُ قمحَ الألف.
*
سأمتدحكِ، أيّتها النون، أمامَ عمارات حُبّك،
سأرثيكِ أمامَ خرائب حُبّك،
سأهجوكِ أمامَ مشنقة حُبّك،
وسأطريكِ أمامَ عرش حُبّك
حتّى أموت أو يأذن لي حُبّك.
*
مِن المخيفِ أن أحبّكِ كما أحبّك
أيّتها النون المليئة بالمجاهيل.
*
خرجَ لي الماضي، أمامكِ، أيّتها النون
فقرّرتُ أنْ أنسفه
حتّى تكون حياتي جديرةً بك
نظيفةً، طريّةً، دون أدغال.
*
مِن أوّلِ شروطِ حُبّكِ: المشي على الجمر.
وقد مشيتُ
ولكنْ على حروفٍ من الجمر.
*
أنتِ في عيني
وفي نور عيني.
في الأولى حبيبة
وفي الثانية نون.
فإذا جمعتهما وصلت القصيدةُ إلى الذروة.
*
مئات القصائد كتبتُها قبل أنْ تقولي: أحبّكَ.
ما الذي سأفعله، إذن،
لو نطقتِ بهذه الأسطورة
ذاتَ يوم؟
*
رمشُكِ لم يكنْ رقيقاً
رغم فتنته الطاغية.
كانَ عذاباً مُضافاً لطفولتي المُعذَّبة.
*
أنتِ بريئةٌ من كلّ تهمةٍ مُلصقةٍ بك.
لا لستِ قاسية الحرف
ولستِ حجريّة القلب
ولستِ ضائعة في الأزمنة والممرات.
أنا المُتّهم
وينبغي، لمَن يهمّه الأمر، أنْ يحاكمني
بدعوى حُبّ امرأة قاسية الحرف، حجريّة القلب
ضائعة في الأزمنةِ والممرّات!
*
الشتاءُ انقضى
والأغنيةُ انقضتْ.
ضاعَ منّي ما ضاع
وبقيتِ أنتِ غيمة تتلبّسني
كما تتلبّسُ الدمعةُ قلبَ المحكوم عليه بالإعدام.
*
ما جدوى أنْ أكتب عنك
أو إليك
أو حولك.
لا أنتِ تكتبين ما أكتب
ولا أنا آبه لما تكتبين.
ومع ذلك،
فإنّ الكلمات تنسلُّ من بين أصابعي
حين أتذكّرك
كما ينسلُّ الماءُ من بين أصابع الكفّ
وتتسطّرُ على الورقِ أطفالاً طيّبين.
*
مَن أنتِ؟
سؤال أطلقتُه بعد أنْ كتبتُ عنك
ديواناً كاملاً
ولم أجدْ أيّة بارقة أمل
تعينني على حيرتي الكبرى
وضياعي المكتوب.
*
مَن أنقذني مِن الموتِ بعد أن قتلتِني؟
أظنّها الحروف
وربّما هي النقاط
وربّما هي ال(ربّما).
*
الموعدُ الذي ينتظرنا ضاعَ في الزحام
وقيل إنّه تعرّضَ لعمليةِ اختطافٍ مُدبّرة
شاركتِ فيها بكلِّ جوارحك
وفساتينكِ التي لا حصر لها.
*
لم تعدْ ورقةُ قصيدتي بيضاء،
صارتْ صفراء.
ربّما من الأنين،
ربّما من الشتاء،
ربّما من رفيفِ أجنحةِ الطيورِ المهاجرة.
*
أعدتِ لي بكلماتكِ الباهتة
ذكرى كلّ مَن جرحتني مِن قبل
وألقتْ القبضَ على طفولتي المعذّبة.
*
ما الذي تفعله الحروفُ والنقاط
للعاشقِ المهزوم؟
*
أنا بحاجةٍ إلى ذكرياتٍ طازجة
أرمّمُ بها ذكرياتكِ التي حاصرتْ دمي
بزهورها السامّة.
*
أحلمُ أنْ أقول كلمةً واحدة
أختصر فيها كلَّ عذابي
وأكفّ عن هذا النزيف.
*
أحلمُ أن أجدكِ قد ابتعدتِ عن أيامكِ الخاوية
إلى ساعاتي الملأى بالطيور
والريشِ وليراتِ الذهب.
*
قصيدتُكِ أعادت الحياةَ لقصائدي
وحرّرتْها من الوزنِ والقافية،
لكنّها استعبدتني أنا
فضعتُ في سجونها سجيناً حيناً
وسجّاناً حيناً آخر
وقفلاً صدئاً إلى الأبد.
*
قصيدتُكِ بكاء
فمَن لي بكلّ دمعِ العالم
حتّى أستطيع أنْ أقرأها لك؟
*
قصيدتُكِ ليلةٌ دامسةُ الظلام
فمَتى يشرقُ الفجرُ حتّى أقرأها
لدمي المرعوب؟
*
قصيدتُكِ فراغٌ عجيب
سقطتُ فيه منذ سنة
ولم أزلْ أسقط وأسقط وأسقط
باحثاً عن أيّ شيء أستند اليه
حتّى لو كان قنبلةً أو قبراً أو جمجمةً طيّبة!
*
في الولادةِ ضيّعتُ الولادة
وفي الطفولةِ ضيّعتُ الطفولة
وفي الصبا ضيّعتُ الصبا
وفي الشبابِ ضيّعتُ الشباب
وفي الكهولةِ ضيّعتُ الكهولة.
وفي الموت...
وجدتُ الموت!
*
وا أسفاه
فتّشتُ جيوبي
فلم أجدْ سوى دموعي حبّات متحجّرة
فبكيت!
*
يا حبيبتي
لم يعد الحُبّ ممكناً
صار الموتُ هو الممكن الوحيد.
*
لو أُعْطيتُ إطلاقة واحدة
وقيلَ لي: على مَن تطلق النار
على الموتِ أم على الحُبّ؟
لأجبتُ: سأطلقها على نفْسي!
*
البارحة سفحتُ دمي في الغرفة
حتّى غرقتُ ونمت.
*
البارحة قرّرتُ أنْ أزيل الحزنَ من دمي
فهبطَ الحزنُ مِن رأسي إلى قدمي،
فابيضّ رأسي وضاع
وسقطتْ قدمي.
وإلى الآن لم أجدْ رأسي
بل لم أجدْ قدمي!
*
دمي مُرتبك
لأنّ قصيدتي قايضتْ دمَها بالحُبّ.
*
يقولُ النحويّ: سأضعُ النقاطَ على الحروف.
ويقولُ الفيلسوفُ: أضعُ النقاطَ على الحروف.
ويقولُ المغنيّ: ها أنذا أضعُ النقاطَ على الحروف.
أنا الوحيد الذي قلت:
سأمسحُ النقاط َعن الحروف
لأُضيع في جنوني القادم
في نونكِ التي أضاعتْ نقطتَها
في الزحامِ والثرثرةِ والخوفِ من الشوارع المظلمة.
*
أريدُ كأساً مِن الموتِ لا يحتجُّ عليها أحد
ولا يمنعها عليَّ أحد
ولا يرى أحدٌ جدوى مِن تحريمِها
على قلبي الطيّبِ حدّ الموت.
*
في حاءِ حُبّكِ التي وسعتْ كلَّ شيء
وُلِدَتِ الباءُ بريئةً كدمعة.
*
اجتمعت الحاءُ بالباءِ فكانَ الكون!
*
أعظمُ ما في الشِعْر
أنّه يصيّرُ جنوننا الفادح
حروفاً لا معنى لها!
*
في اللحظةِ التي قيلَ لي فيها
إنّكِ غادرتِ بستانَ قلبي المُحطَّم إلى الأبد،
أحرقتُ الحاءَ والباء
وذرّيتُ رمادهما في دمي.
*
يا قلبي
أعطوكَ شينَ الشيطان
وبكوا حين هبطتَ عليهم من النافذة
بسيفِ الحروف
مفتتحاً بالكافِ والهاءِ والياءِ والعينِ والصاد
مأدبةَ الشمس.
*
أعجبُ لهؤلاء الناس
كيفَ يعيشون ويموتون بهدوءٍ أسطوريّ
دون أنْ يحتجّوا على حروفهم الميّتة.
*
دمي اصفرّ لشدّةِ الفراق
وكثرةِ العياط.
دمي اصفرّ فاصفرّتْ دنياي
واخضرّتْ حروفي.
*
اختارتْ حبيبتي المستنقعَ بدلاً من الفرات.
فأطلقتُ النارَ على الفرات
وركضتُ مجنوناً لأرى أثرَ الرصاصةِ في الحروف.
*
حين فكّرتُ أنْ أرسل رسالةً إلى صباي المقتول
تذكّرتُ موتَ ساعي البريد.
*
سقطَ الشعراءُ على دينارِ الوهم
فخرجتُ اليهم وطردتُهم من بابي
وعدتُ لنومي.
*
في عُريي أتعرّى
وأناقشُ أزمنةً حُبلى
بالعُري.
*
المرأةُ طيّعةٌ كالموت.
*
لو لم أكنْ ضائعاً مثلك
لما أحببتك.
*
النهرُ يحدّقُ في ارتباكي
وارتباكي يحدّقُ في الشمس
والشمسُ تحدّقُ في مايوهاتِ الموت.
*
أين أجدكِ الآن:
في القبرِ
أم في البحرِ
أم في اللاعنوان؟
*
عمرٌ يتفتّت
وزمانٌ يشنقُ نفْسه
في بستانٍ باذخ.
*
في حُبّكِ ألقيتُ القبضَ على دمي الأسْوَد
وأعدمتُ ذاكرتي البيضاءَ وقلبي الأزرق.
*
لكثرةِ ما أفكّرُ بك
شاغلاً خلايا دمي بأسطورتك،
صرتِ تقفين أمامي
فلا أرى شروقَكِ ولا أتلمّسُ زورقَك.
*
أيّتها المُقمرة دوماً بحروفي
اتركْي لي شيئاً من الحروف
تعينني على بلواي.
*
دمي مُتّهمٌ بحُبّك
وحُبّكِ مُتّهمٌ بموتي
وموتي مُتّهمٌ بي
وأنا مُتّهمٌ بالدمِ والحُبّ والموت.
*
يا سيّدي الشاعر
قلتَ كثيراً من الكلام الجميل
دون جدوى!
فما العمل وأنتَ لا بضاعة لك
إلّا الكلام!
*
خرجتُ مِن نفْسي إليك
لأجد نفْسي
فضعتُ ولم يجدْني أحد.
*
لا الطلاسم نفعتْ،
ولا الدخان وفّى بعهده،
ولا اللام ذهبَ كما أُمِرَ ولا الشين،
لا الحروف افتتحتْ صرّةَ طفولتها ولا الشمس،
لا الشوارع،
لا الطرقات،
لا الدموع،
لا العيد،
لا النقاط،
لا الفوارز،
لا علامات الاستفهام والتعجّب والاستنكار،
لا ولا حتّى الموت نفْسه.
إذنْ، لمِن أشتكي هذه الخرافة
التي تُسمّى حُبّك؟
*
ما جدوى أنْ أحبّك
إذا ما اقترنتِ بالموت؟
*
دمي،
يا دمي
سأظلّ أصرخُ وأصرخ
حتّى تجيبني أو أموت.
*
وا أسفاه
كفّكِ امتدّتْ إليّ
وأرادتْ أنْ تحتويني بهديتِها المُزيَّفة،
لكنّ حروف قلبي رفضتْ نقاطَك
وانتصرتْ لطفولتِها الراقصة
وفراتِها البريء
وقُبُلاتِها الطيّبةِ كموعدِ حُبّ.
*
الزلزالُ وقع
والمدينةُ تهدّمتْ
والمخرجُ مُصرٌّ أنْ أقرأ قصيدتي بهدوءٍ باذخ
وأنْ لا ألمس - وأنا أبكي - المايكرفون.
*
ليس لي مِن هدايا في هذا الزمان.
الهديّةُ الوحيدةُ التي أستقبلُها على الدوامِ منك
هي أكاذيبُ حُبّك.
*
الزمنُ توقّف.
فخرجتُ لأعيد للزمنِ روحَه المسروقة
فوقعتُ في الممرِ فانكسرَ ألفي وسالَ دمُ نوني.
جنّة الفراغ
مِن المؤكّد أنّي أحببتُك
لكنْ من المؤكّدِ أيضاً
أنّي أتعالجُ الآنَ مِن مرضِ حُبّك
بأقراص ِالنقاط
في مستشفى الحروف!
*
أنا وأنتِ
كطائرٍ يعشقُ سلحفاة
ويوهمُ نفْسه أنّ السماء
هي المكان المناسب لعيشِ السلاحف.
*
غربتُكِ أشدُّ وطأة من كفٍّ مفتوحةٍ للاستجداء.
*
عندكِ فقدتُ ريشَ روحي
وعندكِ فقدتُ عنقَ شبابي.
وهكذا بحثتُ عن روحي
فتشاغلتِ بحمرةِ شفتيك
وبحثتُ عن شبابي
فتشاغلتِ بالبحثِ عن حقيبتكِ الملأى بالمواعيد.
*
من المؤلم أنْ أكتب عنكِ.
أنتِ التي لا تساوين حرفاً مما أنفث
ونقطةً مما أمنح
وإشارةً من إشاراتِ دمي الكبرى.
*
جلستُكِ فتنة
وزجاجُ روحكِ مُحطَّم حتّى
النخاع.
*
أعتذرُ إليكِ بشدّة
لأنّني امتدحتُ جمالَك
وكانَ مِن حقّه الهجاء.
وأعتذرُ إليكِ بشدّة
لأنّني حاولتُ السباحة
في إيقاعِ قلبكِ المثقوب.
*
إشارتُكِ ضائعة
والطريقُ إليكِ ملغومة بالألم.
*
حاولتُ أنْ أدلّكِ على إشارةِ الكافِ الكبرى
لكنَّ شيطانكِ كانَ قويّاً
فحاولَ كسر ذراعي التي أشارتْ إلى الشمس.
*
هكذا أنا أبداً
أقعُ في غرامِ النساءِ اللاتي لا قلب لهنّ
ولا دم في قلوبهنّ
ولا باء في حائهنّ.
*
أنا الآن في حريّتي:
أرقصُ مع الحاء
وأغنّي مع الياء
وأرسمُ أرشقَ اللوحاتِ مع الراء
ألفاً قويّاً حيّاً متماسكاً
فلا تحاولي الاقتراب منّي
ولو بتحيّةٍ عابرة.
*
عن عجرفتكِ
كتبتُ كتاباً فصّلتُ فيه
كلَّ غروركِ الصنمي
وكلَّ أكاذيبكِ الوثنيّة
ووضعتُ له عنواناً
لا أتذكّره لشدّةِ عجرفته!
*
لم أعدْ قتيلاً
ولم أعدْ قاتلاً.
صرتُ أرى القافَ قاب قوسين أو أدنى،
قاف قلبي الضائع الطيّب البسيط
ككلمةِ (ماما) يقولها طفلٌ يتكلّمُ للتوّ.
*
حُبّكِ أكذوبة
ونسيانكِ سعادة مَن لم يعرفْ السعادةَ مِن قبل.
*
لغتكِ ليستْ لغتي.
أنا المبتهلُ الكبير
أنا المتأمّلُ الكبير
لغتكِ لغةُ الفانين والمؤقّتين والمُهرّجين.
*
سقوطكِ من أعلى السُلّم:
مناسبةٌ حزينةٌ لأمثالي الذين لا يعرفون
أنّكِ لم تصعدي سُلّماً،
أيّ سُلّمٍ كان.
*
ابتهاجاً بموتِك
قتلتُ نفْسي!
*
بدلاً من أن تبتهل
كلُّ خليةٍ من خلاياي لمرآك
صارتْ تهربُ من هذا اللقاء المتطرّف
كما تهربُ ذاكرةُ المحكومِ بالإعدام
من تذكّرِ وقتِ الإعدام!
*
غربتُكِ اشتدّتْ وتحوّلتْ إلى عاصفة
طيّرتْني.
*
أنا وأنتِ
مثل أعمى يقودُ مُبصراً إلى جهنّم.
*
في اللحظةِ التي قرّرتُ فيها
أنْ أعترف بحُبّك
أطلقتِ عليَّ النار.
*
البارحة مررتُ على الحروفِ جميعاً
طالباً يدَ المساعدةِ والعون
فلم يأبه أيُّ حرفٍ بي
حتّى ألفي تظاهرَ بالنوم!
*
أخافُ عليكِ من البحر
وأخافُ عليكِ من السفنِ المثقوبة
وأخافُ عليكِ من مُخالطةِ الغرقى.
*
حُبّكِ زلزالٌ يحاصرني كلّ حين.
وحين أهرب منه إلى أرضٍ آمنة
يُقالُ لي: أيّها الغريب، إنّ زلزالكَ كونيّ
فعلامَ الهرب؟
وعلامَ التعب؟
*
صارَ اللقاءُ بك
يشبهُ مشلولاً يريدُ أنْ يتسلّق نخلةً باسقة.
*
قُبْلةٌ منك
تعيدني إلى عصرِ اكتشافِ الكتابة
حيث كلّ شيء في منتهى العذوبة
وفي غايةِ النوال.
*
يُقال: آخر الدواء الكيّ
وأقولُ: آخر الدواء الحروف!
*
عجيبٌ أمرك
أنتِ لا تبحرين إلّا في البحارِ التي يبستْ
ومحا الجغرافيون اسمَها من الخارطة.
*
عجيبٌ أمري
أحببتُكِ حين كانَ عليَّ
أنْ أتبرّع بالحاءِ والباء.
*
عجيبٌ أمري
أحببتُكِ حين كنتُ أهمّ
بارتداءِ خرقةِ الصوفيّ
وعمامةِ الشهيد.
*
أمجادُكِ امّحتْ
وزلزالُكِ على العرشِ استوى.
*
من فراغكِ صنعتُ جبلاً
تسلّقته وبنيتُ في أعلاه
قصراً وعرشاً وملائكةً طيّبين.
*
من فراغكِ صنعتُ موعداً
حضرته وكانَ قربي نهرٌ عظيم
وشمسٌ كبرى
ولحنٌ باسق
وقلبٌ مُحطَّم
مع كرسيّكِ الفارغ الجميل.
*
من فراغكِ صنعتُ أغنيةً
أذعتُها للأمواتِ فابتهجوا ورقصوا حتّى الموت.
*
أسقطُ في الفراغ
وأصعدُ
أصعدُ
أصعدُ
فلا أجدُ إلّا الفراغ يقبّلُ نفْسه.
*
لا معنى لأحزاننا
لأنَّ الموت هو الفرح الوحيد الذي ينتظرنا
كما تنتظرُ الشمسُ الأنهار
لتشرق فيها.
*
(السيّدةُ تنتظرني عند الممرّات لتبوح لي بسرٍّ
خطير).
هذا الحلمُ العجيبُ تحوّلَ عندي
إلى آلافِ القصائد وملايين الحروف
التي سقطتْ مِن ذاكرتي
فبكيتُ ومضيتُ إلى نفْسي
فوجدتُها قد ضاعتْ قبلي
منذ زمنٍ سحيق.
*
أيّها المغنّي:
عذابي عظيم
وأغنيتُكَ مليئةٌ بالأسى،
ومع هذا فإنني أدندنُ معك
بجزءٍ مِن عذابي الذي وسعَ كلَّ شيء.
*
آتوني بشمسٍ أخرى
لتشرق في الليل
لأنَّ هذا الظلام يؤذيني!
*
متى تنطقين بسرِّ الحُبّ
أيّتها الخرساء أبداً؟
*
قبل أنْ تعترفي بسرِّك
أيّاً يكون هذا السرّ،
وقبل أنْ أحترق تماماً
وأتحوّل إلى كومةٍ من رماد
سأحاولُ النسيان.
ولذا سأجلسُ قُبالة الفرات
وأبكي كأمٍّ أضاعتْ وحيدَها
علّ الفرات يقومُ مِن رقدته الكبرى
ويعيدني إلى نفْسي.
*
أيّها الشِعْر يا أبي
أنقذْني مِن عذابي،
لم يعدْ مِن ملجأ لي سواك.
أرجوك يا أبي
إنني طفلٌ ينطقُ بأوّل الحروف،
فكيف يمكنني أنْ أشرح لك
صواعق حُبّي وأفسّر لك
زلازل موتي؟
*
أيّتها المرأة
يا تلّ الرمل المنهار،
شكراً لغرورك،
شكراً لصلفك،
شكراً لضياعكِ الذي هبطَ عليَّ مِن النافذة
فملأ يومي بالسخريةِ الحامضة
والضحكِ المرّ.
*
لا جدوى
البحرُ ازداد اتساعاً
وامتدَّ حتّى أكل قلبي فبكيت.
*
أيّها الشِعْر
تعال
اركضْ
أنقذْني
مِن الطلقةِ الأخيرةِ القادمةِ باتجاه رأسي
.......
الميّت!
*
أيّتها الإمبراطورة المُزيّفة
شكراً لتعاستكِ التي أنقذتني
مِن مهالكِ نفْسي،
شكراً لموتكِ المبكّر الذي أنقذني
مِن شيخوخةِ صباي
ورعونةِ قلبي
وفجوري.
*
في حُبّكِ أيّتها المتجبّرة
أحببتُ التعسفَ والظلمَ والطغيان!
*
البارحة
سقطتِ مِن عرشكِ الوهميّ الذي أقمتُ
دعائمه بدمي وتمتماتي وحروفي المُجنّحة.
سقطتِ وتحوّلتِ إلى امرأةٍ أكثر عاديّة
مِن أيّة امرأة أخرى.
*
أنتِ خيالٌ متحرّك
دمُكِ ميّت
وقلبُكِ ميّت.
*
علمتِني أنْ أضيع ذاتَ اليمينِ وذاتَ الشمال.
*
أنا حائرٌ فيكِ
يا مأساتي الجديدة التي لا أعرفُ رقمَها
في سلسلةِ زلازلي التي لا تكفُّ
عن المجيء السعيد.
*
الشاعرُ يهذي
مصابٌ بفقرِ الحُبّ،
مصابٌ بالتشظّي،
وحبيبته تجلسُ طوال حياتها
أمام المرآة لتتعرّى وتكتحل.
*
سُحقاً لبخلِ مواعيدكِ الخرافيّ الذي جعلني
ألقي بكلِّ أساطير الحُبّ في الفرات
ثُمَّ ألقي بروحي خلفها.
*
سأسحرك
بعظامِ الكلمةِ وشياطينها.
وفي اللحظةِ التي ستستسلمين فيها لسحري
سأدهسكِ كما يدهسُ الجبلُ المنهارُ عابراً لاهياً.
*
مِن العجيبِ أن أستسلم لك
أنا الذي لم أستسلمْ مِن قبل
للذهبِ أو العاصفةِ أو الموت.
*
سقطتْ نونُكِ في الشارع
فرأيتُ الأطفال يضحكون منها.
*
من أنتِ؟
لقد انتهيتِ ونسيتُك.
فحمداً للكاف
وحمداً لأجدادي
وحمداً لي.
*
بمناسبةِ موتكِ وبعثي مِن الموت،
أحتفلُ الليلة مع حروفي احتفالاً صاخباً
نشربُ فيه نخبَ خسائرنا وفواجعنا
ونتلذذُ بأكلِ زجاجِ روحنا المُحطّم.
*
أيّها الحُبّ
اذهبْ إلى الجحيم
واتركني أرمّم سقفَ رأسي المنهار.
*
غنّى الناي
فمرَّ شبابي من ثقبِ الباب.
*
آه شبابي
طائرٌ حلّقَ في الأعلى،
حلّقَ حلّقَ حلّقَ حتّى الموت.
*
مالي اخترتكِ يا سيّدةً مِن صوتٍ ومساحيق
ألكي أكمل سلسلةَ هزائم روحي؟
*
آه شبابي
يا فراتي الميّت بين يدي أبي
يا أبي الميّت بين يدي فراتي
يا رأس أبي المحمول على ناصيةِ الريح
وخيلِ الأجلافِ السَفَلة.
*
آه شبابي
موعدُكَ الثاني فسدَ اللحظة
وموعدُكَ الثالث فسدَ الآن
وموعدُكَ الأول ميّتٌ بالفطرة.
*
صرتُ أرى الأجلاف
وأتعرّفُ إلى عُريهم المُدوّي
وأصمدُ وأتمترس.
*
آه شبابي
دمعٌ.. دال
دمعٌ.. ميم
دمعٌ.. عين
دمعٌ.. نون.
*
آه شبابي
حُبّ ولا معنى
معنى ولا حُبّ.
حاء بلا باء
باء بلا حاء.
نون جاهلة وباء مذبوحة.
*
آه شبابي
رأسي ابيضّ
كما ابيضّ الموت.
*
صرتُ لا أستطيع أنْ أسمّيكِ نوني
لكثرةِ المهرّجين
واشتدادِ الريح
وسعةِ النار.
*
سأسمّيكِ هلالي ونقطتي
فهذا أسترُ لي
أنا الذي أخافُ حُبَّكِ الفاضح.
*
سأسميّكِ صمتي
فهذا أسترُ لي
أنا خادمُ القاف.
*
منتصراً بك
أحملُ جثّتي وجثّتكِ في عربةِ الحُبّ
وأحيي المحتفلين المصطفّين على ناصيةِ الطرقات.
*
الموتُ خرافة
والحُبّ أسطورة
وأنا أؤمنُ بهذهِ الخرافة
وأتجلّى في تلك الأسطورة.
*
يا نقطة نوني
تركتِني أبكي أبجديتي المتناثرة
على ظلمةِ جسدي.
*
انتهتْ قصيدتي
ولم تجفّ دمعتي.
*
(حبيبتي)
كلمة أردتُ أنْ أقولها
فقطعتِ لساني بأنوثتكِ الجارحة.
*
قلتِ لي: إنّكَ تبحثُ عن رمزٍ تكتبُ عنه
ونسيتِ أنني حوّلتُ نقطةَ نونِك
إلى إلياذةٍ مُعاصرة.
*
الكتابةُ عنكِ نزيف.
لا طبيب يستطيعُ إيقافه،
لا ساحر ولا مهرّج،
لا مفاجأة ولا نهاية،
لا موت ولا زلزال.
*
مدينتي البعيدة
أرسلتْ إليَّ تسأل عني،
فدخلَ الثرثارون على الخطّ
وأفسدوا هيبةَ السؤال.
*
دمي أُحِيطَ به،
نسفهُ الحزن
وألقى الهمُّ القبضَ عليه بتهمةِ النسيان.
*
أيّتها الأضحوكة
أنا لاعب السيرك المُهان!
*
الليلُ مظلم
والفجرُ منتشرٌ كإشاعة.
*
طفولتي المرّة
أفسدتْ لساني
فصارَ لا يعرفُ طعمَ السُكّرِ ولا طعمَ الملح.
*
في الأربعين،
في الشاطئ الأربعين،
غرقتُ
وحملتُ جثّتي حتّى باب عُريكِ السافر.
*
موتي أسطورة
وولادتي زلزال.
*
لم أعدْ مِن نفْسي بعد
فكيفَ أستطيعُ السفرَ إليك؟
*
بعد أن جننتُ بك
وقفتُ على بابِ نفْسي أريدُ الدخول
فلم تسمحْ لي.
وهكذا صرتُ أقضي الليل وحيداً
كلّ ليلة.
*
للمرّة الألف
أعتذرُ إلى نفْسي
لأنّني سمحتُ لقلبي أنْ يتذكّر نقطتَكِ الضائعة
ويتأمّل في هلالكِ المُزّيف.
لكنّ نفْسي تعلّمت القسوةَ منك
فرفضتْ اعتذاري للمرّةِ الألف.
*
أيّتها الطيور المُعلّقة بسماءِ قلبي،
أيّتها الذكريات المصنوعة من الشمس
والهروبِ والبحثِ عن اللاشيء
في المدنِ ميتة الأجنحة.
يا أقلامي وأوراقي
يا حروفي وملابسي وأصابعي
أنقذوني مما أنا فيه:
أنا المسافر الذي سُرِقَ حلمه
وهو نائم في قطارِ الجنّةِ الذاهب
إلى جهنم!
*
أنا الذي عرفتُ الحقيقة
قبل أنْ تبيع نقاطَها في السوقِ الكبير
وعرفتُ الظنون
قبل أنْ تشتري نونَها من أصباغِ المكياج.
أنا الذي أعرفُ ما سيحدثُ لي ولكم يا أصدقائي
فلِمَ لا تعترفون بأخطائكم لي
وتكتفون بإيماءةِ الرأسِ الجميلة
حين أصطفي لكم النبوءات؟
*
في استديو الأكاذيب
جلست النونُ تهجوني بقلبِها الميّت.
*
رحلتي يجب أنْ تنتهي إلى عبيرك،
رحلتي يجب أنْ تنتهي إلى يقينكَ وحروفك.
ولذا
أحبّك كأنني أراكَ يا سيدي،
فخذْ بيدي
فالرحلةُ متعبةٌ
والزمنُ حاسر الرأس يبكي.
*
دمي احترق
فحاولتُ إطفاءه برملِ الحروف
فازدادَ اشتعالاً.
*
في حُبّكِ أيّتها الجاحدة
بدأتُ أكتبُ سمفونيةَ الاعتذار العظمى لقلبي
لاختياري الفاسد.
*
دمي احترق
فصرتُ أحرقُ كلَّ شيء ألمسه
بحضوري وصفائي.
*
مِن العجيبِ أنْ أبحثَ عن معناي فيك
أنتِ التي لا معنى لك.
*
مِن العجيبِ أنْ أنتظرَ أمطارك
أنتِ التي اخترعتِ الصحراء الكبرى.
*
مِن العجيبِ أنْ أخطو معكِ خطوة واحدة
أنتِ التي ينبغي أنْ أفرّ منك
كما يفرُّ السجين
من سيّارةِ السجنِ الذاهبةِ إلى ساحةِ الإعدام.
*
هجاؤكِ لذّة
ومديحُكِ سأم.
*
هجاؤكِ عيد
ولقاؤكِ يشبه مركباً يغرقُ ويغرق
ولا أحد ينتبهُ لصيحاتِ الركّاب
ودموعهم!
خطاب النون
ما الذي تريدهُ منّي أيّها الألف؟
دعني في حيرتي أتردّد
وفي سمائي أتيه
وفي عَظَمتي أنهار.
*
احترتُ فيكَ: أأنت شاعرٌ أم مجنون؟
إنْ كنتَ مجنوناً فعلامَ الشعر؟
وإنْ كنتَ شاعراً
فعلامَ اتكأتَ على الجنونِ ونسيتَ نفْسك؟
*
أنا النون الغامضة
أيّها الألف الصريح
سأحوّلكَ، كلّ ليلةٍ، إلى طلاسم
وقصائد جمر
وأحوّلكَ، كلّ صباحٍ، إلى رماد.
*
أنا خرافتكَ المُستترة فيك
ودمكَ الذي سُفـِحَ على المسرح
وسط أنين المرايا.
*
أنا دمعتكَ التي ستوصلكَ إلى إسراءِ الحروف
ومعراجِ النقاط.
أحبّكِ كما أحبّك
مِن العجيبِ أنْ أحبّكِ كما أحبّك
لأنّي أحبّكِ
كما يُحبّ الجلّادُ المشنقة.
*
مِن العجيبِ أنْ أحبّكِ كما أحبّك
فأنا أحبّك
كما أحبَّ نُوح سفينتَه الغامضة.
*
مِن العجيبِ أنْ أحبّكِ كما أحبّك
لأنّي أحبّك
كما أحبَّ إبراهيمُ الخليلُ النارَ التي أُلقِيَ
فيها.
*
مِن العجيبِ أنْ أحبّكِ كما أحبّك
لأنّي أحبّك
كلّما اشتعلَ الرأسُ شيباً.
*
مِن العجيبِ أنْ أحبّكِ كما أحبّك
لأنّي أحبّك
كما يُحبّ الألفُ تفرّده
والنون نقطته.
*
مِن العجيبِ أنْ أحبّكِ كما أحبّك
رغم أنّ وجهكِ متلبّس أبداً
بقناعٍ مِن المساحيق لا يمّحي.
*
مِن العجيبِ أنْ أحبّكِ كما أحبّك
رغم أنّ مواعيدكِ البخيلة قد تحوّلتْ
إلى أسطورةٍ هدّدتْ سريري بالطوفان.
*
مِن العجيبِ أنْ أحبّكِ كما أحبّك
لأنّي أحبّك
كما يُحبّ الوليُّ طريقاً
يعرفُ أنّ هلاكه سيكون في خاتمته.
*
مِن العجيبِ أنْ أحبّكِ كما أحبّك
لأنّي أحبّك
كما يُحبّ الطفلُ صباحَ العيد.
*
مِن العجيبِ أنْ أحبّكِ كما أحبّك
لأنّي أحبّك
كما يُحبّ الموتُ الجسدَ الجميل.
*
مِن العجيبِ أنْ أحبّكِ كما أحبّك
لأنّي أحُبّك
كما يُحبّ الربيعُ أوّلَ نحلةٍ تقولُ له :
(صباح الخير أيّها الرجل المُشمِس).
*
مِن العجيبِ أنْ أحبّكِ كما أحبّك
لأنّي أحبّك
كما يُحبّ الخريفُ آخرَ ورقةٍ يُسقطها
مِن الشجرةِ الكبيرة.
*
مِن العجيبِ أنْ أحبّكِ كما أحبّك
لأنّي أحبّك
كما يعلنُ الطبيبُ للمريض
أنّ حالته لا شفاء لها أبداً.
*
مِن العجيبِ أنْ أحبّكِ كما أحبّك
لأنّي أحبّك
كما يباغتُ الرصاصُ الشاعرَ
وهو يكتبُ قصيدتَه الخطيرة.
*
مِن العجيبِ أنْ أحبّكِ كما أحبّك
لأنّي أحبّك
كما يُفاجأ القاتلُ مُتلبّساً بجريمته
ومُلطَّخاً بدماءِ ضحيته.
*
مِن العجيبِ أنْ أحبّكِ كما أحبّك
لأنّي أحبّك
كما يُهجَمُ على العاشقِ العاري
وهو يركعُ أمامَ حبيبته ليقول لها:
(أحبّك).
*
مِن العجيبِ أنْ أحبّكِ كما أحبّك
لأنّي أحبّك
كما يُعْلَنُ للتاجرِ خبرُ إفلاسه
وللنهرِ خبرُ تشقّق جسده
وللجسرِ خبرُ إزالة أقدامه المغروسة وسط الماء
وللطيرِ خبرُ بيع بيضه في السوق
وللأعمى خبرُ ضياع عصاه
وللوليّ خبرُ قتْل مريديه جميعاً.
خطاب الألف
الحيرةُ تلبّستْني
فلبستُها وخرجتُ إلى الشارعِ عارياً.
*
محبّتكِ تيّار
وأنا – الذي أكلني الحزنُ ولفظتني المأساةُ – غريق.
*
مِن العجيبِ أنْ أختاركِ أنتِ
مِن كلّ نساء العالم.
ربّما لأنّني أعرف أنّ اللقاء بك
يشبه امتطاء غيمة.
*
خرافاتكِ قيّدتْ دمي بالسِحْر
ولكي أحرّر دمي مما هو فيه
صرتُ ساحِراً.
*
نونكِ نار
وألفي سقطتْ في النار.
ولم تكن النارُ برداً يا حبيبتي
ولم تكنْ سلاماً.
*
طائركِ مُبْهَم
وطائري يجيدُ اللعبَ بالطينِ ورسمَ الحروف.
*
حُبّي ازدادَ ارتباكاً
وارتباكي ازدادَ حنيناً
وحنيني ازدادَ لوعةً
ولوعتي سبحتْ في الماء
تعرّتْ وتركتني أرتجف.
*
الموتُ لذيذ
لأنَّ المعنى كامن فيه
والحُبّ حامض
لأنَّ لقاءنا لم يتمّ منذ قرون.
*
كلّما أردتُ أنْ أقول: (أحبّك)
صفعني صمتُك.
*
يا نوني
أجلسُ أمامَ الكاف، كلّ يومٍ، درويشاً
أتمتمُ، أدعو وأهذي وأبكي
ثُمَّ أموت.
*
مِن العجيبِ أنْ يُحبّ هذا الألف
نوناً قاسيةً تجيدُ طعنَه
ومسحَ زئبقِ مرآته
والسخرية مِن حروفه الجالسة على شجرةِ الجنّ.
*
النونُ خرافةٌ ضيّقة
وأنا رجلٌ يبحثُ – باتساعٍ – عن الخرافات.
*
حرفي حرفٌ عجيب
يبحثُ في الماضي والمخبوء،
يبحثُ في الغيمةِ والشعاع،
يبحثُ في الظاهرِ والباطن
ويضيع فيكِ
كما يضيعُ الخاتمُ في البحر.
*
أيّتها الكاف
أريدُ نبأً، ماءً، طائراً، نوراً.
أريدُ
أتوسّلُ
أجثو
فانظري – أيّتها الكريمة – إلى كفّي الممدودة
بالطلاسم إليك.
*
حيرةُ ألفي
وطغيانُ نوني
صارا عنوانَ أصابعي وحروفي
ومرآب جنّتي وملائكتي.
*
المقطعُ فارغ
حتّى مِن الفراغ.
*
النقطةُ سيّدة
والهلالُ هلاك.
*
النقطةُ ضياع
والهلالُ ريح.
*
النقطةُ حُبّ
والهلالُ طوقٌ لا مهرب عنه.
*
النقطةُ أعجوبة
والهلالُ أضحوكة.
*
النقطةُ دم
والهلالُ جريح.
*
النقطةُ أنا المُطوّقُ بالخيبة
والهلالُ أنتِ سُوري وسجّاني.
*
النقطةُ موتي
والهلالُ حبيبي.
*
النقطةُ جنّية
والهلالُ تعويذة.
*
النقطةُ هروبٌ
والهلالُ صمتٌ مطبق.
*
النقطةُ بخور
والهلالُ رقصةُ السحَرَة.
*
النقطةُ غموض
والهلالُ طوطم.
*
النقطةُ آه
والهلالُ أوّاه.
*
النقطةُ خروج
والهلالُ طاعة.
*
النقطةُ عبث
والهلالُ سكّين.
*
النقطةُ دمعتُك
والهلالُ حاجبُك.
*
النقطةُ نجمتي
والهلالُ شاشةُ قلبي.
*
النقطةُ مُفاجأة
والهلالُ خَرْق.
*
النقطةُ تمرّد
والهلالُ لغم.
*
النقطةُ صومعة
والهلالُ جنون.
*
النقطةُ ذهب
والهلالُ طلقاتٌ وصرخاتٌ وسكاكين.
*
النقطةُ مظاهرة
والهلالُ قمع.
*
النقطةُ كأس
والهلالُ تحريم.
*
النقطةُ لذّة
والهلالُ شُبّاك.
*
النقطةُ سخف
والهلالُ فناء.
*
النقطةُ لهو
والهلالُ كتمان.
*
النقطةُ حبر
والهلالُ رسالةُ غدر.
*
النقطةُ طعنة
والهلالُ بطن.
*
النقطةُ ملاك
والهلالُ شيطان.
*
النقطةُ ملكٌ مُشَعْوذ
والهلالُ شعبٌ مَغلوب.
*
النقطةُ سطح
والهلالُ سرداب.
*
النقطةُ عقل
والهلالُ مستشفى مجانين.
*
النقطةُ رمز
والهلالُ معنى يجيدُ التستّر.
*
النقطةُ غيمة
والهلالُ نومٌ غامض.
*
النقطةُ دفقةٌ هائلة
والهلالُ دخولٌ لا يُصدّق
أنتظره حتّى الموت
وما بعد الموت.
*
النقطةُ تلطيف
والهلالُ بوحٌ جارف.
*
النقطةُ اعتراف
والهلالُ شوقٌ بعمقِ المحيط.
*
النقطةُ حلم
والهلالُ لذّة.
*
النقطةُ آه
والهلالُ اتصالٌ عظيم.
*
النقطةُ ربيعٌ مِن القُبُلات
والهلالُ زلزال.
*
كلّ الذين أحبُّهم
يعيشون على الأرضِ ولا يتذكّرون شيئاً.
ولذا أعطيهم كلَّ شيء
ولا أنتظرُ منهم شيئاً.
*
أنتِ غيمةٌ وروحُكِ شمسٌ.
وإنّي لأرى النورَ في الغيمة
فأضحك
وأرى الغيمةَ تتمرأى في الشمس
فأبكي.
*
أنتِ جالسةٌ في المابين.
الرحلةُ قصيرة
لكنّ توقّفات الباص لا تنتهي.
*
روحُكِ الطريّة كموعدِ حُبّ
تغرّبتْ
وتشرّقتْ
وعادتْ بحاء دون باء.
*
حرفكِ معنى
والدخول إليه يتطلّبُ الجلوسَ على شجرةِ المعنى
وعبور نهرِ الجن
وتحمّل صفعاتِ الشياطين.
*
فيكِ عينُ العشق
ونون محبّة المهيمن.
وفيكِ واو الوداعِ والوعيدِ والوعدِ والموعد.
*
يا لموسيقاكِ الغامضة
يا لطبولك
يا لكمانك
يا لدفوفك
يا لحضوركِ البهيّ.
*
أنتِ شاعرتي
أنتِ شينُ الشمسِ والشعاعِ والمشمش.
*
توقّفَ القلمُ عن الكتابة
فأعطيتُه دمَ قلبي مِن أجلك
فصارَ يتلو على الورقةِ الزرقاء
قصيدةَ الرقص.
*
دمُكِ ابتهال
وعطاؤكِ مزنة.
*
شمسُكِ تحومُ على الروحِ الليل كلّه.
*
في نونكِ جلستْ روحي ما بين الحروف
ووسط النقاط
تتأمّل
وتنجو
وتعلو
وتمحو
وتنأى.
*
وا أسفاه
رحلتنا قصيرة
وسائقُ السيارة مُصرٌّ – وهو مُحقّ –
على الوقوفِ فوق المنحدر.
*
لم أكنْ أعرفكِ
حتّى أشرقتْ روحي في غموضِك
وكشفَ ألفي عن نقطةِ نونكِ العارية
وولجَ في جحيمها الأسْوَد.
*
نقطتُكِ دعاء
وهلالُكِ عبادةٌ للأصنام.
*
نقطتُكِ شِعْر
وهلالُكِ إرادةٌ ملكية.
*
نقطتُكِ رفض
وهلالُكِ انقلاب.
*
أرسلتُ لكِ سينَ سليمان
حتّى تنشرح نونكِ وتكتمل.
*
لقاؤكِ مفاجأة أربعين عاماً مِن الغياب
ووداعكِ نجمةٌ تتهاوى في التراب.
*
لماذا أنتِ بكلّ هذه الجبليّة الغامضة
التي صيّرتْ مَن حولكِ سهولاً سهلة
كدراهم ممسوحة؟
*
لماذا أنتِ بكلّ حروفي الصعبة تتجلّين
وتتركين الآخرين
يعيشون في الهوامش والفوارز وعلاماتِ التعجب؟
*
نقطتُكِ حياة
وهلالُكِ جريمةُ قتل.
*
نقطتُكِ قُبْلة
وهلالُكِ إبحارٌ في القارّةِ الحامضة.
*
نقطتُكِ رفض
وهلالُكِ هرطقة.
*
نقطتُكِ دمعة
وهلالُكِ أغنيةٌ فيروزية.
*
نقطتُكِ جلوسٌ على حافّةِ السرير
وهلالُكِ بحثٌ عن الأعماق.
*
نقطتُكِ حلمٌ أخضر في حوصلةِ طير
وهلالُكِ ثعالب ومقالب.
*
نقطتُكِ فم
وهلالُكِ جسد.
*
نقطتُكِ دخولٌ في الدفء
وهلالُكِ آهات.
*
نقطتُكِ قصيدة
وهلالُكِ منشورٌ سرّيّ.
*
نقطتُكِ ولوج
وهلالُكِ استسلام.
*
نقطتُكِ ساعةُ صِفر
وهلالُكِ هجوم.
*
نقطتُكِ نبوءة
وهلالُكِ شِرْك.
*
نقطتُكِ زعل
وهلالُكِ عسل.
*
نقطتُكِ انتفاضة
وهلالكَ إذعان مُطلَق.
*
نقطتُكِ نار
وهلالُكِ سعير.
*
نقطتُكِ كمانُ جايكوفسكي
وهلالك عودُ فريد الأطرش!
*
نقطتُكِ مديح
وهلالُكِ دنانير ذهبيّة.
*
نقطتُكِ فمي
وهلالُك ألفي.
*
نقطتُكِ أمّي
وهلالُكِ أبي.
*
نقطتُكِ انتحاري
وهلالُكِ هروبي مِن البيت
باحثاً عن شمسِ طفولتي المسروقة.
*
نقطتُكِ صورتي وأنا أشي بك
وهلالُكِ تستّري بين الدهور.
*
نقطتُكِ مُثلّثي الأسْوَد
وهلالُكِ قوسي المذبوح.
*
نقطتُكِ فجوري
وهلالُكِ زهدي وتصوّفي وتألّهي.
*
نقطتُكِ خربَشَتي
وهلالُكِ مرثيّتي المُفضّلة.
*
نقطتُكِ عُرسي
وهلالُكِ مأتمي.
*
نقطتُكِ عيدي
وهلالُكِ عيديّتي.
*
نقطتُكِ ذُعري
وهلالُكِ أصابعي.
*
نقطتُكِ حديقتي
وهلالُكِ بُحيرتي.
*
نقطتُكِ خوفي
وهلالك خيالي.
*
نقطتُكِ جلوسي على العرش
وهلالُكِ استبدالي المدن الواحدة بالأخرى
كما يستبدلُ الميّتُ أكفانَه.
*
نقطتُكِ وحدتي الخضراء
وهلالُكِ زوّاركِ المُزعجون.
*
نقطتُكِ كأسي
وهلالُكِ ترياقي وحشيشتي.
*
نقطتُكِ حمامتي
وهلالُكِ لبوتي.
*
نقطتُكِ ثيابي المُمزّقة
وهلالُكِ زجاجُ روحي المُحطَّم.
*
نقطتُكِ فراغي
وهلالُكِ أشلاء أملي.
*
نقطتُكِ مملحتي
وهلالُكِ كبدي.
*
نقطتُكِ شتيمتي
وهلالُكِ فضيحتي.
*
نقطتُكِ خنسائي
وهلالُكِ حُطَيئتي.
*
نقطتُكِ دمائي
وهلالُكِ السكّين التي ذبحتني.
*
نقطتُكِ عُريي
وهلالُكِ عرائي.
*
نقطتُكِ قبري
وهلالُكِ قيامتي.
*
نقطتُكِ أملي القزم
وهلالُكِ ممرّاتكِ الملأى بالمُهرّجين.
*
نقطتُكِ جثّتي
وهلالُكِ موعدي الذي سحقتِه
كما تسحقُ الدبّابةُ طفلاً.
*
نقطتُكِ سأمي
وهلالُكِ وجوديتي.
*
نقطتُكِ دمي
وهلالُكِ أدويتي.
*
نقطتُكِ طفولتي
وهلالُكِ شيخوختي.
*
نقطتُكِ هزيمتي
وهلالُكِ اندحاري العظيم.
*
نقطتُكِ رسالتي
وهلالُكِ أتباعي الخونة!
*
الألف نائم
فإنْ ماتَ انتبه.
*
يجلسُ الألفُ في حضرةِ الإمبراطورة
طفلاً يلهو ويلعب.
والإمبراطورةُ تعاني مِن داءِ الكآبةِ والعظمةِ
والغرور
والطفلُ ينتظرُ أنْ تتحوّل الإمبراطورةُ إلى غيمة
لتمطره أحلاماً ولُعَباً ومباهج.
*
أيّها الألف
كيف تفصحُ عن نفْسكَ وأنتَ مُدّثر
بكلّ هذا الالتباس؟
*
يا نوني
ها أنتِ كبرتِ وتعبت
وبدأتْ الأحلامُ تركضُ بعيداً عنك.
يا نقطتي وهلالي
لا مستقبل لكِ إلّا مع طفولة الصعلوك
وجنون الشاعر
ورؤية الصوفيّ
ووميض الرائي.
*
أيّتها القاسية
أيّتها الغامضة
حُبّنا بحاجةٍ إلى معجزةٍ ليولد
وإلى معجزتين لينمو
وإلى مائة معجزةٍ لينطفِئ.
*
يا نقطتي وهلالي
اخرجْي مِن عزلتكِ المُزّيفة وتقدّمي مِن الألف
كقصةٍ مِن قصصِ ألف ليلة وليلة.
*
ينبغي لي أنْ أشكر أولئك الذين اخترعوا الحروف
وأولئك الذين دمجوها فكانت الكتابة،
فلولاهم كيف يمكنني أنْ أعالج صواعق حُبّي؟
*
ينبغي أنْ أتعرّف إلى روحي
قبل أنْ أضيّعها الضياع الأخير
في حُبّكِ الذي يحيطُ بي
كما تحيطُ السباعُ بغزالٍ جريح .
*
كيفَ يمكن للناقدِ أنْ يفسّر نونَك
ويتعرّف إلى حرفكِ الوحيد
الذي هو أنا
وأنتِ محاطة بكلّ هذه القسوة
وأنا متلبّس بكلّ هذا الفناء؟
*
الماضي يحاصرني فأقولُ النون
والحاضرُ يحاصرني فأقولُ النون
والمستقبلُ فأقولُ النون.
لكنني حين فرشتُ رملَ النون
على سجّادةِ موتي رأيتُ النونَ غيمةً عظيمة.
*
الحُبّ هو الخسارةُ العظمى!
*
لو تركنا جسدينا يتحدّثان لدقائق
لقضيا على كلِّ انكساراتِ النونِ وهلْوَساتِ الألف،
ولألقيا القبض علينا بتهمةِ تضييعِ الوقت
في مناقشاتِ الحُبّ
دون دخولٍ مفيدٍ في المفيد!
*
أيّتها الإمبراطورة الصغيرة الضائعة
أخافُ عليكِ مِن خاتمةِ القصة
حين يكتشف الحبيبان
ألّا شيء وراء الستار
سوى شبح النسيان
وكلمات الوداع العرجاء.
*
وعدتني الكافُ بلقائكِ يا نون النأي
ولأنّ وعد الكاف حقّ ما بعده حقّ
فأنني فرحٌ بالانتظار،
رغم أنّ دمي يدمدم
وحروفي تسّاقطُ مِن نافذةِ القصيدة.
*
بعد قليل سأجلسُ قُبالة الكاف
وأشكرها على شمسِ لقائك
التي ومضت اليوم لي
فابتهجتُ كنبيّ أُوحِيَ إليه
ولم يُوحَ إليه بشيء!
*
يوماً ما سنصل إلى المفترق.
أتمنّى، يا نوني، أنْ يكون الموتُ حاضراً معنا
لينهي كلّ شيء بشمعه الأحمر.
*
أيّتها الجميلة كبحيرة
والضائعة كدمعةِ صوفيّ
أشكو لك نفْسي التي أفسدَها حُبُّك
والتي تقودني كلّ حين إلى ممرّاتكِ الغامضة.
فإن لم تجدكِ قادتني إلى قصيدةِ النون
التي خُلِقتْ مِن طين
فكانت سِحْراً وذهباً وغموضاً وسكاكين.
*
صرتُ مثل لاعب السيرك
ينبغي عليه أنْ يسير كلّ ليلة
على الحبلِ ذاته
بانتظارِ الموتِ أو النارِ أو التصفيقِ البليد.
*
في حلمي، البارحة، رأيتُ قلبي
وقد أُصيبَ بسهمٍ.
ولمّا استيقظتُ وجدتُ فراشي
وقد تحوّلَ إلى قطعةِ دم
وقلبي قد تحوّلَ إلى قطعةِ حلم.
*
قرّرتُ أنْ أنساكِ
فهربت الحروفُ مِن القاموس.
*
حُبّكِ قصيدة صودرتْ في وضحِ النهار.
ولدهشتي وارتباكي
لم أقدّمْ بلاغاً ضد أحد.
*
مَن يتأمل طويلاً في الحجر
لا يأمن أنْ يتحوّل إلى وثن.
*
سقطَ ألفي في الحيرة
حتّى مات.
*
قرّرتُ أنْ أنساكِ
فاكتشفتُ أننا قد رُبِطْنا
بحبلٍ مِن الأكاذيب
لا ينقطع.
*
وقرّرتُ أنْ أنساكِ
فاحتجّتْ عليَّ ساعاتُ يومي
وخرجت الدقائقُ في مظاهرةٍ حاشدة.
*
قرّرتُ أن أنساكِ
لأجد نفْسي
فاكتشفتُ ضياعي العظيم.
*
قرّرتُ أن أنساكِ
لأجد نفْسي
فاكتشفتُ أنني قد ضيّعتُ نفْسي
قبل اكتشاف النسيان.
*
كلّ امرأة أحببتُها منحتني شيئاً
إلّا أنتِ
بخلتِ عليَّ حتّى بالإشارة.
*
حُبّكِ شارعٌ غائمٌ ضائعٌ طويل
لا يؤدّي لشيء.
وحُبّي عصافير وشموسٌ وثيابٌ جديدة
وضحكات.
*
حُبّكِ فضيحة
وحُبّي جنون.
*
حبيبتي تحوّلتْ، منذ دهور، إلى دمعة
وحوّلتني، منذ دهور، إلى قصيدةِ ندمٍ عظمى.
*
لو كانَ هذا الكلام الذي قلتُه
قد قلتُه في حجرٍ لأنَّ،
ولو كانَ في بحرٍ لهاج واضطرب،
ولو كانَ في صحراء لعصفتْ وأعصرتْ،
لكنّه – وا أسفاه – كانَ فيك
فلم يحرّكْ فيكِ ساكناً
ولا مُتحرّكاً.
*
لغتُكِ ضاعتْ في الثرثرةِ والخوفِ والببغاوية
ولغتي ضاعتْ فيك.
*
المغنّي يتمنّى الصفاء
ويريد أن يقضي العمرَ مع حبيبته.
وأنا أريد أنْ أقضي معك
ساعة صفاء واحدة
أو دقيقة حُبّ واحدة
أو لحظة اطمئنان واحدة
أو ثانية مسرّة واحدة.
*
وا أسفاه
ألقيتُ بمَن أحبّني في البئر
وخرجتُ أستجدي ابتسامةَ الأموات.
*
سُحقاً لزمنٍ أحبّبتُكِ فيه
ووضعتُ جسدي الطيّب فيه
على المسامير والخشب.
*
أيّتها الكاف
أنقذيني مِن سطوةِ دمعتي
ومدّي لي يدَ الرجاء
لتنتشلني مِن مُحيطِ العبث
وثاءِ الثعلبة
وباءِ البلبلة
وتاءِ التيه.
*
مِن أجلكِ دخلتُ كهفَ الساحر
وصرتُ أتعلّم منه أنشودةَ الطين
وإشارات التمتمة
والتقاط الأزمنة.
*
ينبغي لي أنْ أعقد مؤتمراً
أدعو إليه قلبي وأصابعي وعيوني
وأدعو إليه أساطيري وخرافاتي وظنوني
وأدعو إليه أزمنتي وأباطيلي
ودفوفي وطبولي
وحروفي ونقاطي
لكي أفهم معنى الحاء
وأجلو مرآةَ الباء
وأطلق طائراً يربطُ الحاءَ بالباء،
فيحملني بعيداً بعيداً حيث لا موت ولا حياة
لا شمس ولا قمر
لا حاء ولا باء
لا أنا ولا أنتِ.
*
مِن أجلكِ صعدتُ راقصاً إلى دمي
ونزلتُ هابطاً بدمعي.
*
كيفَ يمكنني أنْ أجلو عنكِ
كلَّ هذا التأفف والعجرفة؟
وكيفَ يمكنني بعدها أنْ أحاوركِ
وأنتِ الخرساء بأعذب لسان
والصامتة بأجمل عينين؟
*
أنتِ طلقة الرحمة
التي توسّلتُ بكلّ الحروف
أن تطلقها عليَّ
فلم تفعلْ.
وتركتني أنزف
وأنزف
وأنزف.
*
أعلى فأعلى أيّها الطائر
أعلى
فأعلى أيّها الطائر
أعلى
أعلى
أعلى!
*
الموتُ ينتظرُ موتي
شيءٌ مؤسف!
*
الخرابُ ينتظرُ حياتي
كما ينتظرُ الميناءُ السفينة.
*
الغيمُ يبدّدُ روحي
ويسحقُها بسيّارته ذات الدخان الأسْوَد.
*
المحبّةُ داء
والعشقُ كيّ.
*
أيّتها الكاف
أحزاني ازدادتْ واتسعتْ
ومرآتي تهشّمتْ
ولغاتي سبقتني إلى المنافي
فبقيتُ كالأعمى بلا مكان.
*
روحي طفل
وطفلي راء.
واوي مشنقة
ومشنقتي حاء
وحائي ياء.
*
أيّتها الكاف
أطبقَ عليَّ الحزن
ورماني بالهمّ
فوقعتُ جريحاً
دمي الحروف
وصيحاتي الحروف.
*
حزني كبير
وبحرُكِ ضيّق.
*
صرتُ أكتبُ أشعاري وبابي مفتوح
لأنَّ أحزاني لم يعدْ يخيفها انفتاح الباب
أو دخول المُهرّجين.
*
جميلةٌ أنت
ومن يُحبّكِ ينتظرهُ الموتُ على الأقل.
*
وصلتُ إلى النهايةِ يا نوني
ولم أتذكّرك.
أين أنتِ: في بخلك
أم في حزنك
أم في مساحيقك؟
*
كلّ شيء اكتملَ يا حبيبتي
لم يبقَ سوى موسيقى الموت!
*
كلّ الحروف صمتتْ، ماتتْ، وامّحتْ
إلّا النون
أمسكتُ بها
فقالت: الفراقُ عنواني
والحرمانُ صندوق بريدي.
*
الكافُ هي المفتاح
كلّ يوم أتوسّل إليها
راكعاً ساجداً كي تنقذني
مِن جبالِ نفْسي ووديانها وممرّاتها الضيّقة.
*
لديَّ عصفوران
سأطلقُ واحداً
وأبكي على الآخر... الطليق!
*
أكلتُ الحاء، كانَ طعمها عسلاً.
وأكلتُ الباء، كانَ طعمها حنظلاً.
ولذا لم أستطعْ أنْ أحبّ كما ينبغي.
*
أنتِ خرافتي القادمة لتكتسحني
وتكتسح ذكراي.
*
الغيمةُ حاصرتني
فبحثتُ عن الشمسِ في كلّ مكان
لم أجدْها
إلّا في كفّي.
*
وا أسفاه
صرتُ أنتقلُ مِن حرفٍ إلى حرف
ومِن نارٍ إلى نار.
*
يا سيّدة النون
رفقاً بنفْسكِ، رفقاً بي
فلقد عبرتُ حاجزَ الخوف
وعبرتُ حاجزَ الحرمان.
إذن، لم يبقَ سوى حاجز الموت!
* نقطتُكِ وسعتْ ثواني أيامي
وهلالُكِ وسعَ يقظتي ومنامي.
كيف، إذن، أفكّر فيكِ وأنتِ فيَّ؟
*
لأوّل مرّةٍ أنتبهُ إلى كنوزكِ التي تسير.
رأيتُها بحاجبي الذي يبصرُ الماوراء
ورأيتُكِ وقد رأيتِني وأنا أرى
فأسرعتْ كنوزكِ تتحرّك
في بهجةٍ وقلقٍ وغموضٍ عظيم.
*
وا أسفاه
كيف أستطيع أن أحبّكِ وأنتِ على هذا النحو:
قارب احتضنَ الشمسَ وأعلنَ أنّ الدنيا
بين يديه؟
وا أسفاه
كانَ كلامُ القاربِ صحيحاً!
*
يا سيّدة النون
أرجعتِ قلبي إلى الصبا
وأرجعتُ قلبكِ إلى الطفولة.
فوقفتُ ورأيتُ الذئب ينتظرُ طفولتي
والثعلب ينتظرُ صباك.
*
أفرحُ أنْ أكتب لكِ أو إليكِ أو عنك
حرفاً أو فارزةً أو نقطة.
أفرحُ وأعرفُ أنّ فرحي
لا يقودني إلّا إلى السعير.
*
كلمة منّي تفسدُ هدوءكِ المصطنع،
إشارة منكِ تلقي عليَّ القبض.
كلمة منّي تخدشُ زجاجَ روحك،
إشارة منكِ ترميني بالرصاص.
*
يا للهول
كيف يجسرُ الألفُ المُتصعلك
أنْ ينظرَ إلى إمبراطورةِ النون؟
*
حقّاً لا أعرفُ ماذا يحدثُ لنا:
أنا أسبحُ في بحرٍ لا أعرفه ولم أره مِن قبل،
وأنتِ تسبحين في شيء لا تعرفينه:
أهو ماء أم رمل أم هواء!
*
أيّتها الكاف
لا ملجأ إلّا إليك.
أنتِ ألقيتِ في قلبي محبّةَ النون
فاحرقي النونَ بمحبّتي
أو قودينا – وأنتِ الرحيمة – إلى أعالي الأنهار.
*
كلّ ليلة أقفُ أمامكِ أيّتها الكاف
لأعلن لكِ نشيدَ دعائي هذا
وبمجرّد أنْ أضع القلمَ على المنضدة
سأقومُ أمامكِ لأنزع عنيّ قلادةَ الوسواسِ وقلادة
الحرمان
وأبكي كصوفيّ عرفَ الخلاص
ففرحَ وفرحَ وفرحَ حتّى أرداهُ الموتُ عاشقاً
عرفَ الخلاص: أن لا خلاص!
*
مِن جديدٍ أقفُ أمام بوّابة الموت
لأعلن أنّ اسمها بوّابة الحُبّ.
أصرخُ باتباعي فأراهم يؤيدونني مُشفقين
ويبتسمون لي مُشجّعين وهم يرون صرخاتي
تسقطُ على الأرضِ طيوراً ميّتة
وحين أرفعُ بصري إلى الأعلى
يستغلُّ أتباعي الفرصةَ فيبكون.
*
في يقظتي أو منامي
ألوذُ بالهلالِ فأراهُ جاهلاً، صلداً
بل أراه جلفاً
وأصعدُ إلى النقطةِ فإذا هي ماس
يجرحُ كلَّ شيء حتّى نفْسه.
*
أنا سيّدُ الألم
وسيّدُ الذين سكنوا في لحاءِ الحرف
وجلسوا يتأمّلون في غموضه الأعظم
حتّى سقطتْ عليهم الشمسُ مِن علٍ
وكنستهم ريحُ الفناءِ التي تكنسُ كلَّ شيء.
*
سنموتُ عمّا قريب
ونحن نبكي على رغباتنا التي تحوّلتْ إلى أشباح
وعلى أشباحنا الذين تحوّلوا إلينا.
*
أيّتها القريبة جداً
أيّتها البعيدة جداً
أقلقني القاف،
دمّرني الحاء،
أربكني صوتُكِ القادم في النون.
فانتبهي
أنتِ بالسفينة الضائعة أشبه!
وأنا أتلمّسُ رحلتَكِ بين الصخور
فأرى الدمَ يسيلُ بين أصابعي.
*
أيّتها المُتجبّرة،
أيّتها الضائعة في نفْسها وفصولها وعذاباتها،
نقطتُكِ عند الباب فهل أسمح لها بالدخول؟
*
لماذا أيّها الهلال الصلف
يعيدنا الحُبّ إلى الطفولة
بسرعةِ البرق؟
*
مِن الغريبِ أنْ أحبّكِ
أنا الإله الميّت.
*
أحبّكِ، أحبّكِ، أحبّك
كلمة تعني كلّ شيء إلّا الموت.
*
وا أسفاه
لا أعرف أن اختار أيَّ شيء.
الشيء الوحيد الذي أختاره جيداً هو موتي.
*
وا أسفاه
الشاعرُ نسي نفْسه
فوقع في بئرِ الحُبّ.
لم يجدْ مَن ينقذه،
لم يجدْ مَن يخرجه،
لم يجدْ مَن يرثيه
إلّا دلو الكلمات.
*
أيّتها المصطنعة
في حركاتها وسكناتها،
في ألفاظها وإشاراتها،
في أثوبها وألوانها،
أتتْ إليكِ البراءةُ طوفاناً هادراً
علّها تزيلُ عنكِ لغتكِ المُلفَّقَة.
*
لا شيء سوى الكاف
لا شيء سوى الميم.
فالحمد للأولى
والسلام على الثانية
وأنا بينهما امرأةٌ ضيّعتْ وحيدَها،
طالبٌ ضُبِطَ وهو يغشّ،
نهرٌ جفَّ في دورته الأخيرة،
شيخٌ تُقَطّر في فمه الأدرد آخر قطراتِ الماء،
ألفٌ ينتظرُ مِن الكافِ الرحيمة أنْ تقول: كنْ!
*
(وا أسفاه)
كلمةٌ تكسّرتْ بهدوء
فرأيتُ الواو تنأى عني،
والسين تسوّفُ أزمنتي،
الهاء تنظرُ إليَّ دون ملامح
والفاء تجلدني بالسياط
وتضعُ على جراح ظهري الفلفل
والنقطة تسخرُ منّي في ألمٍ عظيم.
*
تقولُ لي الألف: ما الذي تفعله بنفْسكَ أيّها
المسكين؟
وتقولُ الواو: حذارِ النار!
تقولُ الراء: أنا سرّ النار!
وتقولُ النون: أنا الغموض والهروب!
وتقولُ الكاف: النون لكَ ولكنْ بعد حين!
*
فمتى يأتي هذا الحين؟
أهو بعد أربعين يوماً
أو بعد سنة أو سبع شداد
أو بعد أن أقع في اللاجدوى
وتقعين يا حبيبتي في المأساة؟
وعدُ الكافِ حقّ ولو تحقق بعد الموت!
*
مِن أجلكِ سأطلبُ في احتفالٍ عام
إضافةَ ألف حرف جديد إلى الأبجدية
لكي أستطيع أنْ أصفكِ فقط.
*
(أحبّكِ)
كلمةٌ تجلسني فوق التل.
لكنْ حين أذكر حرفَكِ بعدها
أجد على الدوام
مَن يدفعني لأهبط مِن وادٍ إلى واد.
*
أنا فرحٌ
لأنَّ جنوني تمَّ بين يديك!
*
الموتُ ينتظرُنا
فلا بأس أنْ نقضي العمرَ بحكايةِ حُبّ
أو قصيدة حُبّ
أو موعد حُبّ
حتّى يجيء موعد الموت.
*
في حُبّكِ أحببتُ النون
وتشبيهاته: الهلال والنقطة.
في حُبّكِ أحببتُ النهايةَ التي تنتظرنا
والتي لا يكفُّ لسانُكِ العذب عن التلويحِ بها.
في حُبّكِ أحببتُ الصعلوكَ والإمبراطورة
فبكيتُ على الأول الذي هو أنا
ومدحتُ الثاني الذي هو أنت.
في حُبّكِ صرتُ عبداً بعد أنْ كنتُ سيّداً
وطفلاً بعد أنْ كنتُ شيخاً
ونقطةً بعد أنْ كنتُ حرفاً.
ومع ذلك
فقد بقيتُ أحبّكِ
وأحبّكِ
وأحبّكِ
حتّى تحوّل قلبي إلى شمسٍ مِن الحروف.
*
أنتِ الشمس عالية في الأقاصي
وأنا البئر ممتدة في الأعماق.
أنتِ تمنحين الدفء
وأنا أمنحُ الحنان.
أنتِ تعطين النور
وأنا أعطي الأسرار.
أنتِ تشرقين وتغيبين
وأنا ثابتٌ لا أتزحزح.
*
كلّ يوم أتوقع أن تقولي: (أحبّكَ)
وكل يوم أتوقع أن تقولي: (وداعاً).
وبين الاثنين يتقدّمُ قلبي ويتأخّر،
يضيعُ ويتأوّه،
يبكي ويضحك،
يدمدمُ ويصفر،
يصيحُ ويصمت،
يغادرُ ويسكن،
يهذي ويتلو.
*
تعالي نغسل أخطاءكِ وأخطائي في نهرِ الحُبّ.
تعالي فهذه الأخطاء تشبهُ أطفالنا الطيّبين!
*
صارت القصيدةُ أكثر حناناً منك
فهي تقبّلني بين عيني كلّما جئتها باكياً مِن حُبّك
وتجلسني قبالتها كلّما شكوتُ لها
قسوةَ هلالكِ وجبروت نقطتك.
وأحيانا تخرجُ القصيدةُ مِن هيبتِها
فتغنّي لي، وتضحكُ، بل تتعرّى
وترقص!
*
مَن يحرّرني مِن حُبّكِ؟
أصرخُ حين أرى بخلكِ الأسطوريّ
وأخاف أنْ يأتي مَن يستطيع
أن يحرّرني مِن سجني السعيد!
*
إذا ضاعت النونُ منّي ذات يوم
فمَن الذي سألتجئ إليه؟
سألتُ الأبجديةَ جميعها حرفاً حرفاً
فلم تعطني جواباً شافياً
إلّا النقطة باركتْني
وقالتْ: إذا خانت النون فعليكَ بي
أنا نقطتها
أنا سرّتها
أنا فحواها
أنا ذكراها الضائعة.
*
ستسقطين ذاتَ يوم مِن أعالي صمتكِ يا حبيبتي
وتتدحرجين إليّ
لتجدي حرفي
ناسكاً هنديّاً ضيّعَ سبعةَ قرون مِن عمره
فَرِحاً يتأمّلُ نقطةَ نونكِ القاسية.
*
لماذا نخاف الحُبّ؟
سألتُ الهلالَ فانزوى
وسألتُ النقطةَ فاحرنجمتْ وامّحتْ
ثُمَّ سألتُ النونَ كلّها فاهتدتْ إلى الغموض
وعشّشتْ فيه.
وكدتُ أنْ أسأل اسمَكِ كلّه هذا السؤال
فخفتُ عليه مِن صاعقةِ العذاب.
*
أيّتها الإمبراطورة
البارحة قدّمَ الشاعرُ لذكراكِ المُحلّاة بالطلاسم
قصيدته الجديدة ممهورةً بدمه،
مرسومةً بحروفه وألغازه وأساطيره.
وبقي ينتظرُ وينتظرُ قرب ممرّاتكِ الغامضة
علّكِ تخرجين مِن عرشكِ الذي حجبَ عنكِ الرؤيا
وحجبَ، عن الشاعرِ، الهواء.
*
ها أنذا أسارعُ لكتابةِ قصائدي الأخيرة
عن إمبراطورتي القاسية
لأنّني أتوقّع بين لحظة وأخرى
ألّا تجدّد الإمبراطورة إقامتي المزيّفة قرب
ممرّاتها.
حينها يتعيّن عليَّ أنْ أركب البحر
بحثاً عن ملاذٍ مُزيّفٍ جديد.
*
وا أسفاه
لا أعرف أنْ أبني بيتاً إلّا مِن الرمال
ولا أعرف أنْ أعشق امرأة
إلّا التي تحوّلتْ إلى قطعةِ ضياع
أو حرفِ اندحار
أو مدينةِ عبثٍ رائعة.
*
ربّما لم يعدْ لحضوركِ أو غيابكِ عندي
إشارة محرقة
فلقد تحوّلتِ، يا نوني، إلى رمز
تحتفلُ قصائدي به كلّ ليلة حتّى الفجر
حتّى أجد حروفي سكارى وما هي بسكارى.
أخبار المعنى
دار الشؤون الثقافية العامّة، ط1 ، بغداد،
العراق 1996
******************************************************
قدّمتُ
مجموعة (أخبار المعنى) إلى دار الشؤون
الثقافية العامّة لغرض طبعها عام 1992
ولم تُطبع إلّا عام 1996 بسبب الحصار
الاقتصادي المفروض على العراق وبسبب
شحّة الورق حينذاك! هكذا فإنّ مجموعة
(أخبار المعنى) سابقة في تاريخ
كتابتها لمجموعة (نون) رغم أنّ
الأخيرة قد صدرت قبلها، بعد أن
طبعتها، أي مجموعة (نون)، على حسابي
الخاص في مطبعة الجاحظ ببغداد عام
1993.
أنا وأبي والمعنى
سقطَ الساحرُ من
مائدةِ السحرِ على الأرضْ.
فتمزّق صوتُ الماءِ بكفّيه. بكى،
واهتزَّ كما يهتزُّ الطائر
حين تُمرّر سكين
الذبحِ على الرقبة.
الأرضُ تكرّرُ
لعبتَها. ما كنتُ أكون. الغيمُ يجيءُ
ويذهبُ
والفجرُ يطرّزُ
حرفَ الدهرِ فلا معنى أبداً. أختبئُ
اليومَ كطفلٍ،
أرنو
للفجرِ، أقرّرُ أنْ أبعث كلماتي حتّى
يعتدل العالم، يذهب
سيف الظالمِ في الظلماتِ. فما أحلى
الكلمات! وما أسخفها!
سقطَ الساحرُ.
كانتْ امرأةُ الساقين
الفاتنتين تهدهد...
لا معنى لإعادةِ
مشهدِ حبٍّ مكرورٍ ملتهبٍ، لا معنى.
المرأةُ واقفةٌ
خلف الشبّاك وخلف المكتب، خلف زجاج
الباص
وما مِن شيء
ينقذها. سقطَ الساحرُ من مائدةِ
الفعلِ، فعضَّ
يدي،
قالَ: سأقتصُّ من الظالمِ. هدّدني
بعيون الجمرِ، تقدّم
من دائرةِ السيفِ
وأطلقَ جمْعَ طيورٍ ملأتْ جوَّ
الغرفةِ بالهذيانْ.
أكتشفُ اللحظة أنّ الساحرَ
مسحورٌ، أنّ الساحر يبكي كالطفل..
نظرَ الساحرُ لي،
قالَ: بأنّي الطفل.
فتعجّبتُ من
القول
ونظرتُ إلى لغةِ
الفجرِ فكانتْ سوداءْ.
قامَ الساحرُ بالرقصِ، اختطَّ لنا
أرضاً تكفي لكلينا، قالَ: هنا
نرقصُ- واختطَّ
بجانبها أرضاً أصغر- وهنا سنموت.
علينا بالرقصِ
لأنّ المرأة شيء باطل
والطفل كذلك، والسيف قويّ، والمعنى
مكتنزٌ في الرقص
فارقصْ!
أخبرتُ الساحرَ
أنّي أعمى لا أعرف إلّا خيطاً من
ذاكرةِ
الفجرِ وأخفي في
كفّي وشماً لامرأةٍ عاريةٍ ماتتْ منذ
سنين.
غضبَ الساحرُ من
كلماتي وافرنقعَ منّي، قالَ
بأنّي كذّابٌ
خَرِفٌ. أخذَ
الساحرُ بالرقصِ، فهبَّ إلى
الساحةِ مدفوعاً بسهامٍ
ورموزٍ زرق
وشموسٍ حمر. واهتزّتْ ذاكرةُ الغرفةِ
حتّى غضب
الغيمُ وأمطرت
اللحظةُ وقتاً مدفوعاً باللاشيء.
افرنقعَ غيمُ شتاءِ
الروح. اشتدَّ
المطرُ البريُّ. نظرتُ إلى ما حولي
علّي أتلمّسُ
شيئاً: الغرفةُ
فارغةٌ كالموتِ. الساحرُ مشغولٌ
بالرقصِ. الطائرُ
في جوّ
الأسطورةِ ينمو. هبّتْ ريحٌ
طيّبةٌ فتذكّرتُ المرأة تأتي،
تأخذني لفراشِ
الحُبّ تؤدّبُ أوجاعي، وتذكّرتُ
الطفلَ يحلّقُ
في
النهرِ، تذكّرتُ السيفَ رجالاً ما
عرفوا إلّا الكذب الأسْوَد
وعوانس من
سخفٍ وخيوطٍ من لحمٍ ودمٍ. فصرختُ:
أبي..
هلَّ أبي
كهلالِ العيدِ بطيرِ النورسِ مؤتلقاً.
واشتدَّ المطرُ البرّيُّ.
افرنقعت الغيمةُ
واهتزَّ جدارُ الغرفةِ ثوباً في
الريح. الساحرُ
يلعبُ، لم
يتعبْ من رقصته، وخيوطُ العرقِ
المصبوب على
الجسدِ العاري
هبطتْ. كنتُ أحسّ بأنّي أُقْتَلُ هذا
اليوم وأنّي
سأغادرُ ساحةَ
رقصِ الساحرِ مُتجهاً بهدوءٍ نحو
القبر المرسوم
على الأرضِ.
المطرُ قويّاً يشتدُّ. الغيمةُ تعصفُ
تعصفُ تعصفُ.
جاءَ أبي،
هبطَ الساعة من سقفِ العالمِ. كانَ
أبي يتألّقُ شمساً للفجرْ.
صرخَ الساحرُ في
وجهي: ارقصْ. قلتُ بأنّي أعمى.
ضحكَ
الساحرُ، قهقه ثُمَّ ارتجفَ الساحرُ
حين تألّقَ وجهُ أبي في
الغرفة.
أمسكَ بالعين الجرداء فأحياها.
أمسكَ بالأذنِ الجرداء
فأسمعها، أمسكَ
بي. اشتدَّ المطرُ فخفتُ على ثوبِ أبي
الأبيض
أنْ يتّسخَ.
وقالَ أبي: لا تحزنْ إنّكَ في عيني.
فبكيتُ، نظرتُ،
رأيتُ الفجرَ
لأوّل مَرّةْ.
ووقعتُ على كفِّ
أبي لأقبّلها. والغيمةُ تعصفُ عصفاً.
وبدا أنّ الأرضَ
ستغرقُ. قالَ أبي: لا تحزنْ هذا
مطرُ الفقراءِ،
انظرْ. فنظرتُ
العشبَ بقامةِ طفل!
أخبار المعنى
مرّتْ
سبعٌ مثمرةٌ بالموحشِ من أخبارِ الطيرِ وأخبارِ الوحشِ، الناس. ومرّتْ سبعٌ مثمرةٌ بالطيّبِ من
أخبارِ العسلِ الأسْوَد والزنبقِ
والماء. ومرّتْ سبعٌ لاهيةٌ لا تعرفُ بيتاً أو عنواناً أو معنى، وأنا أتجلّى في لغةِ
الجسدِ الغامضِ. أمحو أمطاراً لم
تسقطْ وغيوماً لم تفزعْ وبحيرات من
أسباخِ طفولتي المُرّة. أشكو وجعي
للسنواتِ، وما مِن سنوات تقدرُ أنْ
تفهم هذا الوجع الأزرق. أشكو
معناي المقتولَ إلى الكلماتِ الفضّةِ:
لا جدوى، الكلماتِ الرملِ: فلا
جدوى، الكلماتِ النارِ: فلا جدوى،
أخرجُ مفزوعاً. دارتْ دائرةُ
السعفِ العالي في جسدي: والريحُ مضتْ.
سنواتٌ انقرضتْ: ماذا أفعلُ كي أنجو
من حلمٍ يتلبّسُ خاصرتي، يأخذني
للمنفى،
يدفنني حيّاً، يخرجني، يوقفني قدّام الله وحيداً
ويضيّعني كي
يلقاني في الليل فيقطع رأسي إذ أعبر
جدران الحكمة؟ يهوي الرأسُ بنهرِ
الطابوقِ المنهارِ. أصيحُ بجمْعِ
الناسِ: "و...هذا رأسي
فانتبهوا"! يبقى الجسدُ المدهوشُ
عنيفاً لا يعرفُ للموتِ طريقاً أو
معنى. عذّبني المعنى. قادَ المعنى
بيتي نحو المنفى، ألقى القبض على
أسئلتي، أودعني حجرات
المنسيين وأخرجني نحوكِ مفتوناً
فوجدتكِ في ذاتِ الغرفةِ،
في لغةِ الفضّةِ عاريةً فذهلتُ.
ومرّتْ أزمنةٌ وأنا أتجلّى في عُريكِ
حتّى فنيتْ عيني ماتتْ،
واخرسّتْ أذني عن نطقِ الكلماتِ. ومرّتْ
أزمنةٌ حافيةٌ مثمرةٌ
بالأشواكِ. التهبتْ أسناني، سقطتْ.
قامتْ أمراضُ الدنيا في جسدي. أكلَ
الدودُ أصابع أقدامي. والتفَّ الموتُ
على خاصرتي، وتقاذفني ذئبُ
الذهبِ الذائب حتّى
ضحكَ الثعلبُ: ثعلبُ أصحابي من
فرطِ طفولةِ قلبي. وبكى الصيفُ على
عريي الفاضح، وافرنقعت الغيمةُ
عنّي، تركتْني. فرأيتُ الموتى
يقتتلون ببابكِ دهراً. فتساءلتُ
نبيّاً مجنوناً عن معناكِ:
اسمكِ: مَن أنتِ؟ أميم
المعنى أم باء البلوى أم راء الرغبة أم
فاء الفتنة، شين الشهواتْ؟
سـقطَ
الماضي، وأتى ما
يأتي، وافرنقعت الساعاتُ فلا جدوى.
جسدي
يخضرُّ كعشبٍ ويموتُ كرملٍ ويضيعُ بنهرِ
الكلماتِ فلا جدوى. أُقـْتــَلُ أو
يُرفَعُ رأسي فوق الرمح،
يُنادى باسمي في الريحِ فلا جدوى.
فلغاتُكِ قد قتلتني. لم
تأكلني الأمراضُ ولم
يذبحني السيفُ وما حاصرني الماضي
بالدعوةِ للبحرِ الفاضحِ. يطلعُ
من بين لغاتكِ جسدٌ عار يفتحُ بابَ
القبرِ إلى بابِ الدارِ
يناديني. فأشيخ سريعاً وأنا
بين طفولة أسماء صباي. ويدعوني
تفّاحاً مُرّاً. يدعوني
فأجوسُ المنفى: منفى الرملِ ومنفى
القبرِ ومنفى المدنِ الموءودةِ
باللامعنى حتّى أصل الغيمات.
أخطاء المعنى
أعتذرُ
اليومَ إليكِ: إلى خطأ في أطفالِ الطين،
خطأ
في دمعِ الظالمِ، في طعناتِ
المظلومينْ،
خطأ في حبٍّ
حطّمَ فيَّ الأبوابَ وأوصدني
بالمزلاجْ.
أعتذرُ اليومْ،
قَوّمتُ بأرضِكِ
قَوْمي..
كانوا أشباحاً سلبوا
أصباغَ طفولتهم
من
ساقيةِ الأسباخْ،
ناموا منتصف الليل عُراةً كالأسماكْ.
وارتحتُ إلى
ميسمكِ المفتوحِ كشقِّ التفّاحْ.
كنتُ أوزعُ خطأً مضغوطَ الشفتين ومرتجفَ المعنى..
أسبحُ في
موجٍ أخضر، أطفو كالطحلبِ، أغفو..
سكّيراً تعتعه
الخمرُ المرّْ.
من بابكِ حتّى
محرابكِ حتّى موتك
قامَ الليلُ
الأسْوَدُ فجراً وانفتحَ الصبحُ
رسولاً من ماء
للعطشانين بجمرِ
الصحراء.
قامَ
النخلُ كأبريقِ الساحرِ. زقزقت السعفاتْ
وانفجرَ القمحُ
على بابِ الزقّورات.
قمتُ، فقامَ إلى
موتي الأخّاذ حمورابي يتظاهرُ
بالهيبة..
أنكيدو
يركبُ رمحاً من ريشِ النارْ،
كلكامش في بابِ
العصرِ يغنّي
ونبوخذ نصّر
يرسمُ روحَ المعنى في قلبي
ويعاشرُ أفخاذَ
النسوة مجنوناً مثلي..
قومِي. قامَ
الليلُ إلى فجري
فاكتحلتْ عيني
وأضاءتْ محجرَها الباردْ.
نهضَ الموتى قربَ
الباب، انشقّوا
كالومضِ،
انشقّوا كشياطين صغارْ.
قومِي، أثلجني
موتُ أبي، عذّبني دهري الأعمى..
صرخاتُ الجدِّ
المحمول على رمحِ المعنى.
من بابكِ حتّى
محرابكِ حتّى موتي
أشفقتُ على
نفْسي.
كانَ
الدهليزُ صغيراً وأنا
أدفعُ لولبَ غصني
مملوءاً
بالزيتون. أنادي علّ الغيمة تجلسُ في
حضني،
جلستْ. فتدثّرتُ
بغيمتكِ الخضراء
وبكيتُ كما
يبكي صوفيٌّ عمّدهُ الشيطانْ.
صحتُ:
انقلبي فيَّ ولا تقتربي
وانشقّي فيَّ ولا
تنفتحي..
وانفجري فيَّ ولا
تنهمري.
أرعبني صوتي..
اهتزّت شفتاكِ...
الرطبُ الأحمرُ شهداً،
سقط َالرطبُ
الأحمرُ شهداً.
فبكيتُ، صهلتُ
بقهقهتي.
عذّبني العصفوُر
الداخلُ فيَّ وأيقظني هدهدُ رأسي..
ديكُ دموعي
وهزارُ عذابي.
قمتُ إليك.
كانتْ أرضُ اللهِ
تغرّدُ فيك.
وأنا
أعتذرُ اليوم إليكِ: إلى
خطأ في اللهجةِ
من خطأ في المعنى..
خطأ في البهجةِ
أو خطأ في الدمعةْ،
خطأ في خطأ في
خطأ الرأس،
خطأ في خطأ
الرمحِ الداخلِ في الرأسِ. انهارتْ
أركاني..
هبطَ البحرُ إلى
موجي.
ركبَ الأزرقُ
أخضرَ روحي،
فابيضّتْ عيناي
من الذلّ.
قمتُ إلى ثدييكِ
أناشدُكِ الرحمة..
كانتْ كلماتكِ
جُثثاً تتساقطُ من سعفاتِ الرطبِ
الأحمر..
كانتْ كلماتكِ
أطياراً موتى فضحتْ جسدي..
من أقصى جسدي
حتّى أقصاهْ.
كانَ اللهُ
يراقبُ خيبةَ أخطائي..
ويناشدني أنْ
أصمدَ وسط الريح وأنْ لا أنهار كسدّ
من طين.
موت المعنى
أختارُ
لموتي أسئلةً من طينٍ، ومرايا تفضحُ
أجساداً من قطنٍ، ومعارك لم تحدثْ.
وأناورُ في تدبيجِ مقالاتٍ تتستّرُ في
اخفاء هزائمِ كلماتي كي
أخرجَ مُحتفلاً والناس سكارى
يرتجفونْ.
أختارُ لموتي
عنواناً ورسائل خالية إلّا من
خيبةِ أطفالي، ودراهم كاذبة، سيقاناً
تلهبُ أغنيتي الدرداء. وأختارُ لموتي
معنى، وأضمّخهُ بالطيبِ وأنشرهُ في
السرِّ على أكتافي. وأهاتفُ أنكيدو
القابعَ في أعماقي: أنّ امرأة الغابةِ توقظُ فينا
تفّاحَ الصبواتِ وتقتلُ طلعَ الربّ
حذارِ. أشاورُ كلكامش ليلاً لنؤسس
مكتبةً لحروفِ الحقِّ، الحبِّ، وحاءِ
الشعراء المنسيين. وأختارُ
لموتي مأساةً وأؤسس سيناً أخرى لا
تدخلُ في كلماتِ اليأسِ، السورِ،
السجنِ، سلامِ الرعبِ، سقوطِ الأسنان.
وأختارُ لموتي ريحاً وعواصف من قلقٍ
وأحاكمه وسط شواطئ لا يتعرّى فيها
غربانُ الكلماتِ المنخورةِ، ألقي
القبض عليه وأدفنه في الأرضِ وأختارُ
لموتي موتاً أبهى، أكثر طولاً
وشباباً. أختارُ لموتي راقصةً وأكون
الطبّال فهزّي هزّي. أتعبنا أنَّ الزمنَ
الموحشَ باعَ الريشَ هنا في حاناتِ
المنسيين، فهزّي، الناقدُ مشغولٌ
بدراهمه والشاعرُ صارَ مصفّفَ
حرفٍ في مطبعةِ السخفِ الكبرى. اشتدّي
رقصاً. صرخَ النحويّ بنا: غلطٌ غلطٌ.
فصرخنا بالنحويّ الصارخِ: غلطٌ غلطٌ.
وسكرنا حتّى نمنا في وحلِ الشارعِ،
واشتدَّ بنا قلقُ الرئتين، مواجعُ
عينين ارتبكتْ في ظلماتِ الأرضِ.
أقمنا مأدبةً لخطايانا، عاشرنا أنفسنا
فيها واشتقنا لسريرِ الحبِّ وتهنا.
كانَ اللهُ يراقبُ خيبةَ أخطاءِ
الجسدِ الفادحة المعنى. هزّي هزّي.
صرخَ الضائعُ من أقصى الأرض بحرفِ
السين فقالَ لنا: قتلتْني سينُ
الأسئلةِ المذعورةِ والخبزِ الحافي
والأطفال البردانين، فلا جدوى من
كلماتِ النورِ، لغاتِ المعنى. فاشتاقَ
إلى قتلِ الرئةِ
الثكلى، قالَ لنا: سأكون
التابع والكلب القابع. هل مِن عظمٍ
للضائعِ وسط السين البائع فجر الكلمات
بخبزِ المسلولين؟
سقطَ الشعراءُ
على سينِ الحرفِ، اختاروا القتلَ
على هيئةِ أحجارٍ وانتشروا في
دغلِ الكلمات. اخترتُ عداءَ
الضائعِ والحرفَ النائمَ في معجمه.
هدّدني. صارَ الضائعُ يهجوني حتّى يطفئ نارَ الغضبِ
المسعورِ، فأضحكُ أجتازُ دواليب
العثرات. ومن موتي الأسْوَد أبعثُ
كلماتِ الحبِّ لأشجارِ الفقراء يجيءُ
الردُّ عنيفاً: لا جدوى! انتبهي:
أختارُ لموتي حرفاً. ليكنْ هذا الحرف
الميم. نمزّقه حتّى
يتكوّن ثانيةً من غير دماء يابسةٍ
وكلابٍ تسعى. ليكنْ هذا الحرف
الواو، انتبهي سخفٌ لا حدّ له يا
سيّدتي! أتعبني دوري، كنتُ الملك
العادل وسط الأتباع
الفرحانين المملوء بحكمةِ أجدادي.
صرخَ المخرجُ وسط الحفلة: قفْ! هل
جدّدتَ إجازةَ سوقِ السيّارة؟ أتعبني
دوري، كنتُ المتأمّل في صفحاتِ
الأرضِ، أحلّلُ تاريخاً، أستجلي
أسراراً. صرخَ المخرجُ: قفْ! هل تقدر
أنْ تجعل حرفَكَ
يخرج (بالمقلوب)؟ وكنتُ العاشق،
سيّدتي الباء لها ثديٌ من عسلٍ وفمٌ
من خمرِ اللذّةِ، لحنِ مسرّاتٍ. صرخَ
المخرجُ وسط سرير الحبّ: وهل تقدر أنْ
تنبح؟ كنتُ الطفل فلا جدوى من تهديدي.
أشجاري خضرٌ وثماري زاهيةٌ كأغاني
الجبلِ الأبيض.
عانقتُ القهقهةَ البيضاءَ فلا جدوى من
تهديدي. جاءَ المخرجُ ضيّعَ معنى
الأمّ وألقى القبضَ على أسرار أبي.
فأبتهلَ الجسدُ القابعُ فيَّ. وأيقظني
المخرجُ من نومي كي أنظرَ
موتي فبكيتُ. انحسرتْ لغتي. أرسلتُ
رسائل عاجلة للأنكيدو، الكلكامش. عاطَ
النحويُّ بنا: غلطٌ غلطٌ. ركبَ
النحويُّ الضائعَ في
الدهليزِ المظلمِ. فانطفأتْ
لغتي. واقتربَ الموتُ حثيثاً من
بابِ البيتِ، فأغلقتُ البابَ، تسوّرَ
محرابي في منتصفِ الليلِ
وقالَ بأنّي الموت فلا مهرب.
أضحكني سخفُ الموتِ، فقلتُ: أنا أهرب؟
هل يهربُ شيخٌ أعمى من موتِكَ يا هذا
المتسوّر محرابي، يا هذا المتسوّر
محراب الله؟
ألف المعنى
أدخلُ اليوم في
هيئةِ الحرفِ والحرف روحْ
فرحاً مثل رأسٍ
يحدّقُ في المقصلة.
قلتُ للحرفِ:
إنّي أسوحُ بأرضِ العذابْ.
قالَ لي: الأرضُ
لا تعرفُ الناسَ والناس غرقى..
لهم أعينٌ لا
يرون بأحداقها
ولهم لعنةُ الدهرِ مدفونة كلّ يومٍ..
لهم
ألسنٌ كأفاعي الهنودْ.
حطَّ قربي
الهنودُ قليلاً قليلاً وطاروا..
أفقتُ قليلاً من
الليل
وأزحتُ الأفاعي
بعيداً بعيداً إلى أوّل الدهر،
فانكشفتُ بفجرِ
النخيلِ الطويلِ. تسلّقتُ أعذاقهُ
مثل
كفّ تساقطُ أعذاقها إصبعاً إصبعاً
في هدوء.
وانتبهتُ طويلاً:
فلا النخل نخل ولا الأرض أرض..
ولا الماء ماء.
حوصرتْ دمعتي حين
قتلاي قاموا إليَّ بسيفٍ طويل،
حوصرتْ لغتي ألف
دالٍ وياءٍ وباء
صيحة من هباء.
قلتُ
للحرفِ: أنتَ الذي يعرفُ النخلَ
يمنحهُ
فسحةَ الوقتِ
والوقت ريح.
قلتُ للحرفِ: إنّ
الأماني كلابٌ هزيلة
والليالي ذيولْ
وأنا فرحٌ
مثل رأسٍ سيهوي من المقصلة.
أنثى المعنى
1.
الباءُ لها شكلُ
الأنثى،
شكلُ
الحلمِ السرّيّ وضوضاء الأمطارْ.
الباءُ فنارْ.
(أخرجُ من
شيخوخةِ رأسي
في المرآة،
ألقي القبض على
الشاعرِ فيَّ وأجلسه قربي
منتصف الليل، وأدفئه من
بردِ شتاءٍ مقرور.)
تدخلُ في
دائرةِ الفعلِ الباء.
العشبُ يفيضُ وتحضنُه النخلة.
لا تأتمري يتها
النخلة.
القلبُ اليابسُ بين يديك
والجوعُ شديد
والأمطارُ تحاصرُ
بيتَ الفقراءْ.
2.
الباءُ جمالٌ
وحشيٌّ
الباءُ: الليلُ بلا أحداقٍ ونجوم.
الباءُ:
فِراشٌ مكتظٌّ بالمعنى..
( أخرجُ من
شيخوخةِ قلبي..
وأحدّقُ في حرفِ
الفجرِ وحرفِ اللهْ
فأرى وجهي
يتغضّنُ، والكلماتُ الحقّْ
تتوعّدني بالمحذور.)
نشتبكُ اليوم أنا
والباءْ
أغصاناً
تزهو بالجوعِ، الأثمارْ
وسط الريح
الهوجاءْ.
نتهامسُ
بالكلماتِ السودْ:
لا حبّ ولا
ذرّة حبّ
جسدٌ
يفنى بالدعوةِ للجسدِ الأفعى.
تكتسحُ
الأمطارُ الساحةَ والشارع.
3.
الباءُ:
البحرُ بعيدٌ: سجّادةُ ألوانٍ غامضةٍ
بالطيرْ.
الباءُ: الصحراءُ هنا تمتدُّ
مفاجأةً للهاربْ.
لا ليل سوى الليل
الأعمى
والفجرُ بعيداً
أقعى. الأسْوَدُ سيّدُّ دعوتنا
والأخضرُ واجمْ.
(أخرجُ من
شيخوخةِ أدويتي..
كم مِن بحرٍ
يفصلنا؟
كم مِن مرآةْ؟
كم مِن
سنةٍ ألقتْ فيها القبض على كتفينا؟
كم مِن لغةٍ
صمتتْ في منتصفِ الفعلِ الفاعلْ
واحرنجمَ فيها
فعلُ الجزمِ، صفاتُ العاشقْ،
وعيونُ القطِّ،
جناحُ الباشق؟)
4.
الباءُ دعاء سريّ أسكنتُ مخارجه قلبي
حتّى مات القلبُ
بدائرةِ الباءْ.
والباءُ لها شكلُ
الماء.
(أُخرِجُ مِن
دفترِ عمري سبعَ رسائل مِن أجلكْ
أرسلُها قبل
مراسيم الدفن وتحطيم المرآة
للطيرْ،
للفقمةِ، للطفلِ
الضائعِ، للقطِّ النائمِ، للأفعى،
للنخلةِ، لل....
أعوي بضعَ دقائق
غاضبةٍ وأضيعُ بقبري وسط الأمطار.)
ندخلُ في
دائرةِ الفعلِ ودائرةِ القبرْ.
القبرُ نظيفٌ كالحبّ
والحبُ إلهٌ في
شكلِ جماجم تتناثرُ في الطين.
5.
الباءُ لها
شكلُ الألفِ المذعورْ،
شكلُ
التاءِ الممتدّةِ ما بين اللاشيء،
شكلُ الجيمِ
المجنونةِ بالجنّة والجنّْ.
ولها هاءُ همومي،
واو وعودي،
حاءُ حنيني،
طاءُ طيوري،
ياءُ دعائي.
الباءُ لها شكلُ
الكافِ وأوعية اللام
ولها
دائرةُ الميمِ الحمراء ونون الخالقْ.
6.
الباءُ دعاءٌ لا
يفهمه أحدٌ غيري..
وأكاذيبي الموزونة: فعلن فعلن.
والباءُ لها شكلُ
الأمطارْ
تكتسحُ الدنيا
وتكونُ الطوفانْ.
(أخرجُ مِن رعبِ
حروفي شيخاً مكتهلاً
ببياضِ الرأسْ
لأفاجَأ بالباءْ.
فأمدُّ يدي
لمسدسِ خوفي وأوجهه نحو المرآة،
أطلقهُ بهدوءٍ
أعمى
وأموت).
نون المعنى
1.
بائي باءُ الغدرِ
ونوني نون المجهولْ.
أتفيّأُ
موتي مُنتظراً
حبراً مِن نور.
2.
لا بأس إذا ضحكتْ
منّي
صاحبةُ النون
وواستني
في غرفتها سرّاً.
لا بأس إذا نزعتْ
سرّتَها
وانتبهتْ لعذابِ العرجون.
3.
أقترحُ اليوم لها
حُبّاً من طين،
هذي النون
المفتونة بالفتنةِ والموتْ،
وأضيءُ لها بحراً
مُزدحماً بشموعٍ وأنينْ.
4.
لا بأس فسيدتي
أحيتْ في حرفي..
كلَّ
عذاباتي الممتدّة مِن حتفي حتّى حتفي.
5.
الكافُ إلهي-
فانتبهوا يا موتاي- الراءُ اسمي..
ضاعَ كما ضاعَ
البحرُ على سجّادةِ موتي.
والألفُ أنا:
مجهولٌ في هيئةِ شاعرْ،
وإلهٌ في هيئةِ
مجهولْ.
والباءُ حبيبةُ
قلبي ضاعتْ في دائرةِ الحوتْ.
والحاءُ أبي
والعينُ عيون من
جدّي. انتبهوا للنونِ تجيءُ من
الأقصى.
هل تحرقني النون
أم تتركني أنزفُ
في السرِّ على سجّادةِ موتي؟
6.
لا معنى لي إلّا
في حرفي.
مرّتْ سنةٌ
عاريةٌ من عمري، مرّتْ عشرون.
الحرفُ أنا:
متّهمٌ بجنونِ الراءِ، صهيلِ الألف..
بكاءِ الباءِ،
ربيعِ الكافِ، نزيفِ
الحاءِ، صمودِ العين. انتبهوا
إذ تسرقني النونُ
إلى عريي اليوميّ، أضيعُ وأفنى.
انتبهوا رأسي فوق
الرمح إلهٌ يبحثُ عن معنى!
راء المعنى
خرجتْ راؤه مِن
يقين الحروفْ.
فتنصلّتُ مِن
صهوةِ الخوفِ وسط الظلامْ
عارياً كالطفولةِ
في حلمِها،
كالفراتِ
المهاجرِ في لحمه، كالسنين التي تختفي
في رمالِ
القبورْ.
وابتسمتُ كما
ينبغي للذي يُشنَقُ اليوم في حلمه.
وتمنطقتُ بالحاء،
والحاء ماءْ،
والطفولةُ
عريانةٌ وأنا لحنها: الخربشات.
فاستقمْ أيّها
الموت
إنني قادمٌ مثل
أرجوحة طيّبةْ،
إنني قادمٌ مثلما
خرجتْ راؤه مِن يقين الحروفْ.
وحروفي تستبدلُ اليومَ عنوانَها في
هدوءٍ مجيدْ،
لا تراجع، لا
ثرثرةْ.
فاستقمْ يا
حنيني الطفوليّ في وردةٍ آملة.
إنّه زمن الراء
تأخذُ الحاءَ في
حضنِها وتقبّلها قُبْلتينْ.
إنّه زمن الباء
تأخذ الراءَ في
فجرِها باتجاه المطرْ.
فاستقمْ أيّها
السيف، قلتُ: استقمْ أيّها القوس
إنني أملكُ
الراءَ تعويذةً، أملكُ الباءَ أرجوحةً
للنبّوةْ
ويقيناً له خوذة
من حديد.
أحتوي طعنةَ
الدهرِ: حرّية الحاء
حرّية الراء:
حرّيتي كي أموت.
حواريّة المعنى
1.
إذ هبّتْ غاباتُ
السيفِ وطوّقت الصحراء،
اقتربَ الحاءُ مِن القافِ، فقالَ
القاف:
مرحى للشهداء!
قالَ الحاءُ:
أكونُ شهيداً؟
قالَ القاف:
أوّلهم أنتَ
وسيّدهم.
لكَ أنْ تتخلّدَ
في أزمنتي..
أنْ
تدخلَ دهري الأعمى.
2.
بدمي أطهو
الكلمات وأُخرِجُ حرفي فرحاً..
لأوزّعه في
السرِّ على أطفالي.
لكنّ الخيبة
تأسرني في منتصفِ الليل
وتعصّبُ عينيّ وتوقفني قدّام الموت
حثيثاً.
فأرى مائدةَ
دمائي تزهو في الغيماتْ
والعشب يثرثرُ في
أقدامي فجراً من كلماتْ.
3.
لا معنى
يولد إلّا مِن موتي.
لا معنى يزهو
إلّا في قتلاي.
4.
في حلمي
لمستني كفُّكَ يا
جدّي
فبكيتُ رأيتُ
الكفّ تشيرُ إلى
حاء الرأسِ
المرفوعِ على الرمح.
لكنّي بعد
معاشرة الأفعى ومجالسة الذئب..
وجدتُ الحاءَ هنا
حاء الرمح
لا حاء الماءْ.
5.
للخيبةِ وقعُ
سلاسل، للخيبةِ ترجمةُ رسائل قتلى،
للخيبةِ حتّى.
فعلامَ
نؤسسُ مسرحَكَ الأرضيّ ونأخذُ بالأبعد
والأدنى؟
فعلامَ وجنحكَ
يمتدُّ ويمتدُّ وبحرُكَ أكبر مِن
دائرةِ الأفعى؟
وعلامَ تلاحقُ
موتي وأنا الأعمى؟
6.
وقعتْ سينُ سمائي
في سينِ الرأسِ، اهتزَّ دمي.
بانَ عمودُ
الصحراءِ عميقاً واقتربتْ منّي ريحُ
العرش.
7.
سأكون قريباً مِن
إيقاعِكَ يا فجراً
يُحْملُ فوق
الرمح.
سأكونُ الراء،
أنا الراء
منذ طفولة أمطار
المعنى في قلبي.
وأكونُ الألف،
أنا الألف
منذ شروق
الشمس إلى غيبوبتها المرّةِ وسط
الأمطار.
سأكونُ السين،
أنا السين
منذ مجيء الهدهد
مِن سبأ الناس.
قبور المعنى
غابةُ أنثى
تتقاطعُ في موسيقى غامضةٍ،
تتسربلُ بالألوانْ
حتّى أيقنتُ
بأنَّ الماءَ له شيء مِن شكلي..
وبأنّي أتلاشى
قرب زجاج الغابة ذئباً
يبحثُ عن أنثاهْ،
وبأنّي الليل.
فماذا يحدث؟
الغابةُ تلعبُ،
واللعبُ هنا فظٌّ كالسكّينِ وقاسٍ..
والأصبعُ
ترفعُ شيئاً،
والضحكاتُ تمزّقُ
غيمَ الغرفةِ مِن شفةٍ حتّى أخرى.
الأنثى ترفضُ،
والأنثى قرب الأنثى، لا شيء سوى
الأنثى.
أولمْ لي شيئاً يا زمن الأنثى.
أوَ تعبثُ
بالغابةِ قربي وأنا أتمزّقُ أزمنةً من
رغبات؟
لا تصرخْ، لا
تطعنْ، فأنا مرميّ في ماضي الماضي.
الغابة ترفضُ،
تغضبُ، تخفي ضحكتَها
الألوانُ تسيلُ:
الأخضرُ في حضنِ الأحمرِ، والأزرقُ
بلّورْ،
والأصفرُ يشهرُ
ألوان عذابي
كي أخرجَ طفلاً
في عاشرتي..
وحشاً في
العشرين، وكهفاً في السبعينْ.
الغابةُ
تلعبُ. انظرْ، حدّقْ، لا شيء سوى
التحديق الأعمى!
الغابةُ تنضو
شيئاً، تتسربلُ بالفتنةِ، تنمو،
تتجلّى.
الغابةُ أيامٌ
غامضةٌ تتكّسرُ ليلاً
لغةً عارمةً
بالدعوةِ للبحرِ. الأنثى تضحكُ قرب
البحرْ.
تكشفُ شيئاً هذي
الأصبعْ.
يبكي في
أحشائي شيخٌ مزّقه سيلُ الألوانِ
الجارف،
رجلٌ عذبّه جسدُ
الأنثى يغفو سنوات
ويفيق على سدّ
مِن لذات،
طفلٌ أتعبَه
الليلُ وأورقَه فجرَ طيور.
الغابةُ أنثى مِن
نور.
الغابةُ
تلعبُ. انظرْ حدّقْ أنفقْ عمرَك..
لا شيء سوى
التحديق الفاسق!
الغابةُ ملهاةٌ
والشيخُ مضى للقبر.
الأنثى شبعتْ مِن
لعبتها..
لبستْ ثوباً
أسْوَد يسترُ عري الجسد البضّْ.
والطفلُ
بكى، منتصف الليل بكى.
وأنا أحملُ
تابوتَ الشيخِ بألوانِ الأنثى، ببكاء
الطفلْ،
أمضي لقبورِ
الماءْ.
صراخ المعنى
أصرخُ في أزمنتي:
مِن يومٍ حتّى
يومٍ، مِن سنةٍ حتّى أخرى،
أبكي، أتدثرُ
بالصمتِ المُرعبِ، أغفو
وأقومُ وأدعو
وأصومُ، أناشدُ بابَ المعنى
بكلامِ اللامعنى
مهزوماً مخذولاً
مطعوناً في
السرّ، ومُنتصراً في العلنِ المُعَلن!
دال المعنى
أقفرَ مِن هيئتهِ
حرفي، ناشدني في موعدِ طينٍ
مجنونٍ أنْ ألقاكِ، فمَن
أنتِ؟ سيسألني الحرفُ هنا عن مغزى
أسئلةٍ مِن هذا النوع فأضحكُ منه
قليلاً. مَن أنتِ؟ خرافاتي أم خيباتي؟
صَبواتي أم لعَناتي؟ زيفي المُعْلَن
في الشارعِ أم تاريخ زبرجد أجدادي
المحمولين على رمحِ المعنى؟ سأكون
صريحاً: أخفي قلقي في مفتتحِ المنفى
وأناور
في تحديدِ العنوانِ لأكسبَ وقتاً يخفي
خيباتي لكنّي أقفرتُ من المعنى،
وزّعتُ ثيابي للفقراء، خرجتُ
إلى الشارع عرياناً أبحثُ عنكِ فصاحَ
الأطفالُ عليَّ. افرنقعت الساعاتُ.
اشتدَّ رمادي واشتعلَ الرأسُ جنوناً.
أختارُ حديثاً أعمى فأجيبُ على
مهزلتي: أنتِ أنا، وإذن، مَن أنتِ؟
أنيرُ ظلامي: مِن أجلكِ حاربتُ دمي يا
نزوتي الكبرى. أعلنتُ الموتَ على
تاريخٍ أسْوَد. قمتُ أهشُّ على كلماتي
كي أحيا فخرجتُ إلى مدنٍ من طينٍ
وخرافات. قبّلتُ امرأةً مِن حرفِ
الباءِ، رسمتُ لها طيراً. ضحكتْ، فأتى
الطيرُ إليها حلّقَ فوق الماء قليلاً.
ورسمتُ لها البحرَ عميقاً. ضحكتْ،
وضعتْ في هيئته سفناً. ورسمتُ لها
موتاً. ضحكتْ، صارَ الفجرُ نخيلاً.
فدخلتُ إليها فيها معها، فافرنقع صوتُ
دمي واشتعلَ الماءُ وصاحَ الطيرُ
وطارَ الحرفُ. اشتدّتْ شمسي، ماءَ
غلامي وعوى قلبي. فبكتْ امرأةُ
القلبِ وقالتْ: (اهدأْ إنّكَ مجنونٌ
بالحُبِّ اهدأْ). فرفضتُ وصاياها
واشتدَّ خطابي هلعاً وبعدتُ كثيراً.
فاحتار زماني فيَّ وألقاني في الطين
ولم يسمعْ منّي شيئاً. اختطفُ
اليومَ دموعي وأصدّرها حرفاً أبيضَ
مِن قلقِ الطيرِ وموتِ البحرِ، بقايا
الرملِ وفحمِ الجمرِ. أناشدُ
نفْسي: مَن
أنتِ؟ ولكنّي في رحمِ الأنثى بايعتُ
حروفاً أخرى غير الحاء، الباء.
وبايعتُ الدال فمتُّ ومرّتْ أزمنةٌ
مِن أسباخٍ ودموعٍ، أزمنةٌ مِن عارٍ
ونباحٍ. فارَ الحرفُ كما
التنـّور فخفتُ على نفْسي وصرختُ
بقيعانكِ: مَن؟ مِنّي أم مِن غيري؟
موتي أم فجري؟ ضحكي أم نزواتي؟ مَن
أنتِ؟ اشتدّتْ أزمةُ حرفي، أقفرَ مِن
هيئتهِ، طار إليكِ قليلاً وبكى: أنتِ
الدال فمَن يغنيني عن خيبةِ حبّي
فيكِ؟ ومَن أنتِ؟ أحاقـدةٌ أم
ساحرةٌ؟ طبّالٌ أم راقصةٌ؟ مدنٌ مِن
صخرٍ وعذابٍ أم بيتٌ مِن دفء ومرايا؟
ما أفعلُ إذ ألقاكِ؟ أأطلقُ ناراً أم
أطلقُ طيراً؟ ألقي القبض على نفْسي أم
أهدأ خوف جنون يأخذنـي للأسباخِ،
القملِ؟ ومَن أنتِ؟ أدالِ الدار،
الدرّة أم دال الدلّةِ والدود؟ أكونُ
صريحاً يا خيبتي الكبرى: متّهمٌ قلبي
بالزيفِ وأغصاني بالوحشة، فاكهتي.
أنتِ الحرف عميقاً كالأسْوَد يأتي.
والربُّ يُهيّئُ مائدتي. الأخضرُ
يرحمني. جدّي يلقاني في الرملِ
يربّتُ فوق الموت الجاثم في قلبي.
أهتزُّ قليلاً فأفيقُ من الحمّى
والموتِ وأهبطُ مِن نارٍ صاخبةٍ
مُعتذراً عن جفوةِ ليلٍ من صخرٍ
ونباحٍ، مِن رملٍ وأمومةِ قشٍّ،
وأقبّلُ كفّكِ، أبكي كالأرملةِ
الثكلى، أهبطُ مِن نارٍ صاخبةٍ،
بهدوءٍ أعمى أسألُ: مَن أنت؟
باء المعنى
باءُ البعد.
باءُ البابِ ولا
باب هنا إلّا بابك.
باءُ الحزنِ عميق كالبئر.
باءُ الراءِ
ولا برّ
بل بحر يجترُّ
عميقاً قلبي،
يأكله كالذئبِ
فأبكي،
باءُ الرغبةِ في
فجرٍ يتجلّى.
أسقطُ مِن موتي
كي ألقاكِ فأفنى..
أعلنتُ براءةَ
قلبي مِن تُهمةِ قتلي..
وتنصلّتُ وكانتْ
أغنيتي تتجلّى بدمائي وسعادةِ قتلي..
الباءُ
رضابٌ وفمٌ مِن عسلٍ وفراتٌ ينطقُ
سرّاً..
والباءُ خرافاتي:
أدعو أنْ تأتي بغرائب سحري..
فتجيءُ مِن
النافذةِ القصوى
فأعلّمها أنْ
تسكن بيتاً مِن فعلن فعلن،
أنْ تتهجّى حرفاً
مِن رملٍ ورمادٍ، أنْ تتركني
لأقول
الميم فيسخر كلكامش.
لأقول العين
فتسقط عيني..
لأقول
النون فيسكت أنكيدو..
الباءُ دعاءٌ
يقتلني.
الباءُ أكاذيب
ودموع، والباءُ رجوع.
فمتى؟ أين؟ متى؟
يأخذني الدمعُ قويّاً: أين؟ متى؟..
ألموعد حبٍّ ضاعَ
ليومٍ، يومينْ،
سنة، سنتينْ،
دهر، دهرينْ؟
فانتبهي يا لغة
الطين: الكلُّ أتى وأنا وحدي..
أين؟ متى؟ قُومِي
من حفرةِ قبري..
قُومِي: كيفَ
أكونُ سعيداً وأنا في سجنكِ ليل نهار؟
الباءُ رجوعٌ:
أحملُ مبخرةَ الروحِ إليكِ وأجلو
صفحةَ روحي مِن
إثمِ الهجران.
أين تكونين
اليوم:
في باءِ
القُبْلةِ قربَ حروف الذهب الأعلى
أم في باءِ خرابي
حيث الموت له عينان؟
أين
تكونين اليوم؟
عذّبني
جسدي بالنارِ. فقامتْ أعضائي مِن
غفوتها..
قصّتْ رأسي
كالعشبِ وألقتهُ بعيداً في المرآةْ.
البابُ خرابٌ: هل
يسمعُ صوتُكِ صوتي؟
أم إني سكران
يصرخُ فوقَ السطح حتّى يحتجّ
الجيرانْ؟
الباءُ سكاكين
تقتلني في منتصفِ الليل فأنهضُ
مستتراً
ألبسُ خرقةَ
أجدادي. مَن يأخذُ بيدي؟ أصرخُ: مَن؟
كلكامش
يضحكُ. أنكيدو يهذي.
كلكامش يجلسُ في
قاعاتِ العرشْ.
أنكيدو يغفو حتّى
ساعة إعداد الساعة طفلاً ونبيّاً
مجنوناً.
أصرخُ: مَن؟ وأنا
أعلنُ عن موتي في حفلٍ رسميّ
وأوزّعُ في السرّ
بطاقاتِ المدعوّينْ،
فأرى
كلكامش يسألُ كالأعمى عن معنى الباءْ،
أنكيدو يبكي
بدموعٍ مِن طين.
نسيان المعنى
1.
وسألتُ الجمرةَ:
ما النسيانْ؟
قالتْ: ريحٌ
سوداءْ.
وسألتُ الجبلَ
فقالَ: الدمْ.
وسألتُ
الصحراءَ فقالتْ: هوذا التيه.
وسألتُ
الفجرَ فقالَ: النومْ.
فكتبتُ قصائد مِن
نومٍ ودمٍ، تيهٍ، ريحٍ سوداءْ
حتّى أنساكِ
بسينِ النسيان.
لكنّي لم أصل
النونَ ولم أصل السينَ القاسيةَ
العينين ولا ياءَ اليّم.
وكتبتُ قصائد مِن
فجرٍ وجبالٍ، جمرٍ ورمال
حتّى أنساكِ بياء
النسيان.
لكنّي عدتُ بثلجِ
الجبلِ، عناءِ الجمرةِ، لحمِ الفجرِ
وسروالِ الصحراءْ.
2.
يا نون
يا سين القسوة،
ياء اليّم.
* قالَ الأوّلُ:
يسألُ أحدٌ عن معنى النسيان؟ لماذا؟
* قالَ
الثاني: عبثٌ عبثٌ.
* قالَ
الثالثُ: هي ذي الكأس.
* قالَ الرابعُ:
كنْ فيكون.
* قالَ
الخامسُ: معناه الدهرْ.
3.
- ضعتُ
طويلاً كغرابِ الطوفان.
-
ألقيتُ القبضَ على أسئلتي كاللصّ.
- وشربتُ الخمرةَ
حتّى (تعتعني) الكأس، ارتجفتْ
أعضائي..
ماتتْ في
قلبي الصبواتْ.
- ومضيتُ أجرُّ
عذاباتي نحو القبُب الخضر.
- لكنْ طوّقني
الدهرُ وصاحَ بقلبي: اتبعني..
حتّى تعرف سرّي،
سرّ النسيان.
فمضيتُ
لنقطف أوراقاً يخفيها في البئر.
مرّتْ عشرةُ
أيامٍ وشهور وسنينْ.
لم
نصل السينْ.
وبقيتِ
أمَامي جسداً حيّاً يتبعني
في موتي، يكتبُ
سفسطتي وعنائي..
ويناقش دولابَ
الفجرِ، سريرَ اللذّةِ، بابَ المعنى
قربَ فراشي..
ويرّبتُ
فوق الكتفينْ،
يهمسُ لي
بالغامضِ مِن حرفِ السينْ
ويمزّقُ ثوبَ
مسرّاتي
ويهشّمُ كلماتِ
الحُبّ، يصادرُ قدّاحَ طفولةِ قلبي..
وبقيتِ أمَامي جسداً حيّاً يتبعني في
موتي، يهزأُ منّي،
يشتمني ويقدّمُ
لي، في طبق ٍمن ذهبٍ، فاكهةَ الموت.
مخاطبة المعنى
مَن أنت؟
وعلامَ أخاطبُكَ،
اللحظة، مجنوناً؟
صورة المعنى
سقطَ الساحرُ في
كأسي..
فبكيتُ على
نفْسي.
طيران المعنى
وأصيّرُ خوفي
حرفاً ورمادي حرفاً
وأنيني حرفاً،
أركبُها وأطيرُ إلى الموت.
إله المعنى
دعْ لي الباءَ
ولا تأخذْها
فلعلّي ألقى
نقطتَها
ذاتَ صباحٍ أو
ذاتَ مساءْ.
فأقومُ مِن
القبرِ إلهاً أبعثُ في جسدي الروحْ!
ارتباك المعنى
مرتبكاً مذعوراً
كانَ المعنى قدّامي
وورائي
يبحثُ عن معنى
لطلاسمي العظمى!
مأساة المعنى
خرجَ الحطَّابُ
إلى الغابةْ،
سرقَ الناسَ
وروّعَ أطفالَ الأمراء.
فأتى الفهد
وأتى النمر
واشتاقَ الثعلبُ
للثاءِ... أخيراً:
هبطَ الأسدُ
الغاضبُ من نفّاثتهِ العملاقةْ.
لحظتها، هربَ
الحطَّاب.
طارَ الناسُ إلى
خيبتهم.
ضحكَ الأطفالُ
كثيراً منّي إذ مُزّقتُ كثوبٍ
مُتهرّئْ،
قُطّعتُ كما شاءَ
الحظّ
وارتفعَ الرأسُ
إلى موكبهِ... فوقَ الماء!
خيانة المعنى
حاصرني المعنى
باللامعنى..
أجلسني في
تاءِ الموتِ قليلاً..
أجلسني في نونِ
الحزنِ وقالَ النونُ عيونْ.
أطفأَ نوري
مرتبكاً، قالَ بأنّ العين
سقطتْ في نكدِ
الدنيا..
فهلمّ الساعة
نخرجُ، نخفي موتاً من نورْ.
فخرجنا في
الظلمةِ. أعطاني المعنى سيفاً..
قالَ: اقطعْ
رأسكْ!
ففعلتْ!
وضعَ المعنى
الرأسَ على الرمح
ومضى يحملهُ في
الطرقاتْ
وسط صهيل الناس!
إيقاع المعنى
عبثاً أخلقُ
إيقاعاً باركني تفّاحُكِ فيه خليلاً..
أقلقني أجّاصُكِ،
أحرقني رمّانُكِ بالنار.
حين رأيتُكِ
كانتْ غرفةُ حبّكِ خضراءْ
والنورُ يجيءُ
مِن النافذةِ القصوى أخضرَ كالشمس
ومسرّاتي تخضرُّ
طيوراً مِن ماء.
وامتدّ الجسدان
بنا، أخذانا للّامعنى،
غمرانا في
إيقاعِ الحاءْ،
تركانا نُذْبَحُ،
نُؤسَرُ، نُقتَلُ مِن فرطِ اللذّةْ.
فتساءلتُ كدرويشٍ
أعمى عن معنى المعنى
وتساءلتُ كطفلٍ
عن معنى الماءْ!
رومانسيّة المعنى
يا فاءَ
فراغي، يا راءَ رعودي وطفولةَ برقي،
يا سرَّ لذائذي القصوى، يا غيماً
يتجلّى حرفاً يعشقُ ثوبَ أميرتي
الطفلة في وقتِ البهجةِ. يمنحُها
باقاتِ الورد البرّيّ.
يُقبّلُها بنثيثِ الأمطارِ البيضاء،
ويأخذُها للأرجوحةِ واسعةً بحدائق مِن
أخضر ما يمكن في كأسٍ مِن ضوءٍ لا
يفنى. يأخذها للريحِ ويجلدُ، مِن أجلِ
إشارتها، الدهرَ الجبارَ. ويرسمُ
لوحتَها غامضةً بخيوطِ الوحشةِ
والزرقةِ، فجرِ الشفتين. ويخلطُ
أقواسَ الحبّ بثوبِ مسرّتها، يشعلُ
نهديها كي يخطفَها للأعلى ويحلّق
مذهولاً ثملاً وشديد
المعنى. أنتِ معي، كفّكِ كفّي، عيناكِ
بعيني والليلُ يموء ويفتحُ عينيه
بعيداً نحو الأقصى. يا لطفولة أعضائي
ونعومة أغنيتي حدّ دخول المعنى في
اللامعنى، يا وصل لذائذي القصوى: يا
لمسرّاتي. يا لعواصف تترى. انقلبتْ
فينا الأرجوحةُ سرّاً وسقطنا في
الأسْوَد والأحمرِ، في الموتِ المرِّ
فضائح كاملةً وجراراً كُسِرتْ في عيدِ
الحرمانِ ومقتلِ شمسِ طفولتي الكبرى.
لم تأخذنا الأرضُ إليها. لم تحملنا
الريحُ وكفّكِ ضاعتْ في البحرِ
وكفّي. وسقطنا في العتمةِ وسط فراغ
الفاءِ، غباء الراءِ وألف القسوةِ،
غين الغفلةِ. ألقانا الهجرانُ بعيداً.
ضعنا طفلين يتيمين بسوقِ ثعالب
غاضبة فارتجفتْ دمعتُنا في الليلِ
الفاضحِ حتّى ظهرتْ في جسدينا
كلماتُ الموتِ فمتنا.
شمس المعنى
سينُ
الساعةِ تسعى حتّى اهتزّت خطوتُها.
زلزلت الريحُ على بابي مطراً وحشيّاً
أقعى. قلبي كالشحّاذِ سيفنى. وعلى
بابِ الشمسِ أشمُّ دمي وطيوري ومواقعَ
أحفادي المستترين بنورِ الحاءِ ونورِ
الباءِ إلى حرفٍ من ذهبٍ
يفنى الدهرُ ويبقى. وعلى بابِ الشمسِ
أبيعُ ثيابي مُبتهجاً وثيابَ
الطفلِ النائمِ في أعضائي. أمضي
مُستتراً يتبعني المعنى.
زمن المعنى
زمنٌ منكِ يجيءُ
ويولعُ شمساً أخرى في ليلي،
يولعُ أقماراً تتجلّى في أرضٍ
سوداء بفجري. زمنٌ منكِ
يخاطبُ بستانيّاً ينبتُ أشجاراً من
سمٍّ في مقبرتي. زمنٌ منكِ
يجولُ بعيداً أبعد مما
أتصوّرُ وقريباً حتّى أبكي، يخفي
هاءَ هداياه الغامضة الشفتين ويخفي
سينَ
السرّ بعينيه الضيّقتين ويصبح حارسَ
مقبرة يرغب ألّا يوقعني الزلزال
بطوفانِ الشمسِ فلا جدوى.
زمنٌ منكِ تحوّلَ في خطواتِ الفجرِ
إلى جلّادٍ، وتحوّلَ في خطواتِ
الظهرِ إلى قاضٍ، وتحوّلَ في
العصرِ إلى مجنونٍ، وتحوّلَ في
خطواتِ الليلِ إلى أفعى. زمنٌ
يمطرني بحروفِ الحاء
معذّبةً بالأسْوَد مِن قلقي
ومضمّخةً بدمي، يمطرني بحروف الراء معذّبةً
بالأصفر، يمطرني بعذابِ رحيلِ
الأجدادِ إلى المنفى، يترمّدُ في
حاضري الأبيض، يولعُ مستقبلَ
مَن لا يجلو لغةً كي يسكت عن
حرفٍ مكتوبٍ، فأراهُ يضيءُ،
يضيءُ، ويعصفُ، يعصفُ لكنْ لا يخبو
أبداً. زمنٌ سرقَ الأثمارَ،
السحرَ، النارَ فأمستْ أثماراً
فاسدةً، سحراً مِن دونِ نساء
أسطوريّاتٍ، ناراً لا تعلنُ شيئاً.
ولذا أوصاني ألّا أرثي خيبته وسط
ظلامي، أوصاني ألّا أرثي أحداً. زمنٌ
كالقاربِ يسقطُ مِن أعلى الشلالِ،
ويمضي مِن يومٍ حتّى يومٍ، مِن
سنةٍ حتّى سنةٍ، مِن قرنٍ حتّى قرنٍ.
يتجلّى بوذيّاً في الأدنى،
صوفيّاً في الأعلى، ملكاً في المعنى،
رأساً يُحْمَلُ فوقَ الرمح إلى
أقصى الأقصى.
نَصّ المعنى
جئتِ لمسرحِ
قلبي بشموعٍ مِن طينٍ وأصابع
غامضة الشفتين، ثيابٍ من ذهبٍ
عارٍ. وصعدتِ إلى أقصى المنفى بخطى
غامضة ودخلتِ إلى مأثرةِ الفعلِ
القصوى. كانَ المعنى يرقصُ مدهوشاً
مِن عُري الحرفِ وعُري الجسد ِالطالع
منكِ فقمتِ إلى أحرفه بنجومٍ مِن جمرٍ
وسيوفٍ مِن نارٍ. حاصرتِ خطاه بقاعِ
المسرحِ حتّى ضحك المعنى. إذ ما
شاهدَ مِن أسْوَدكِ الساطع إلّا
عُرياً مِن فرحٍ وسماءً
مُلِئتْ بالقطنِ الناصعِ، أرضاً
باركها نهرُ الأجداد فأضحتْ في هذه
الساعة رملاً يعصفُ عصفاً. أحرقتِ
المشهدَ حتّى أُفْسِدَ نـَصّي
وعلا نَصُّكِ. ضاعتْ ألوانُ
القُبْلةِ، ضاعتْ
أحداقُ اللوحةِ. فهوى الأبيضُ في
هدأته والأزرقُ في بهجته والأصفرُ في
لعنته ليقوم الأخضرُ يركب غامضَ أسرار
فضحتْ زيفاً، ويقومُ الأحمرُ يغتالُ
المركبَ، والأسْوَدُ يقنطُ أرملةً
ثكلى. وتغيّر حرفُ النَصّ إلى حلمٍ لا
يحوي الساعة شيئاً. إذْ كانَ يغنّي عن
حُبٍّ فإذا ينطقُ عن حجرٍ، يصفُ
الطيرَ يحلّقُ في الأقصى فإذا يصفُ
الموتَ يحلّقُ في الأرضِ. فأسألُ
سيّدةً تهوى فنَّ التمثيلِ وفنّ الحبّ
الأسْوَد، أسألُ، ودمي يهذي: كيفَ
يكون المعنى عبثاً يا سيدةً
قتلتْ نوناً تبحثُ عن صادِ المعنى؟
أغنية المعنى
أغنيةٌ مِن
لحنِ دمي تتحدّثُ عن فاكهةٍ من طينٍ
وحبورٍ وطفولاتٍ مِن فجرِ حليبٍ أبيض،
عن أحجارٍ تومئُ بالشرِّ وتغوي،
عن أفخاذٍ تعوي. أغنيةٌ يرسمُها فلاحٌ
يزرعُ أشجارَ الظلمةِ وسط
الأمطارِ وزلزلةِ الماءِ،
ويرسمُها طفلٌ يغرقُ في النهرِ
عميقاً. أغنيةٌ تفرحُ كالسكّينِ وتبكي
كالسكّين.
بيت المعنى
للمعنى بيتٌ
خَرِبٌ. للمعنى باب أدخلهُ، بهدوءٍ
أسطوريّ، أخرجُ مِن بين ثيابي سكّيناً
غامضةً وأفتشُ عن لحمِ عذابي وأقطّعه
بحروفي المرّة وسط هدوءٍ أعمى، لأدندن
في كأسي: للمعنى بيتٌ، سكينٌ، لحمٌ
ألِقٌ. للمعنى قمرٌ، موتٌ.
للمعنى أعداء شرسون، وللمعنى ربٌّ
وملائكةٌ ونجوم.
عري المعنى
يا
لحظةَ رُمّاني، يا صرخةَ تفّاحي، يا
موعدي الأقصى، يا رعدةَ
كأسي، يا قهوةَ ليلي، أولمتُ لأعضائي
فاكهةَ الفجرِ فجاءَ الموتُ سريعاً
وانقلب المعنى في فنجان لغاتي.
أصرخُ: لا جدوى. أشحذُ مِن زمنٍ
قاسٍ حرفَ مسرّاتٍ، قطرةَ ماء، دمعةَ
طيرٍ وبكاء نخيل أعمى. أصرخ: لا جدوى.
والموتُ على بابي في هيئةِ بحرٍ
أسْوَد مخضرّ العينين ومصفرّ البصماتِ
لذيذاً يتبعني في خطوةِ رملي وترابي
حتّى أحتدّ بروحي جسداً يفنى.
كفّي تحملُ تابوتي وأنا مِيتٌ وابني
في الطرفِ الثاني مِن
تابوتِ الليلِ يساعدُها في نقلِ
الجسدِ الفاني. أُنْقَلُ حتّى جدّي،
أخطو في الرملِ الأحمر، يلقاني أصرخُ:
لا جدوى. لم أشربْ ماءً، لم أرَ
سنبلةً تخفي قلبي لحظتها. يا
لبوةَ أفكاري، يا ريحَ نهاراتي،
يا كهفَ خطاي وميسمي الناهض، يا سرّ
الأفعى: أخلقُ ما شئتُ مِن الحرفِ،
أمزّقُ نوناً أو كافاً، ألفاً، راءً،
سيناً أو دالاً، لا جدوى. الشِعْرُ
يغنّي في فرحٍ أسطوريّ خيبتَه ويقومُ
يقبّلُ دمعي كي نقتل شيئاً
يدعى المعنى. الشِعْرُ يغنّي في
فرحٍ أسطوريّ لعنته ويقومُ يقبّلُ
كفّي كي أقتله سراً، يذبحني علناً
في المنفى. الشِعْرُ رداءٌ لا يُجْدي.
وأنا عارٍ من كلّ مواعيد
عذاباتِ الحبِّ، وعارٍ مِن خطواتي،
عارٍ حتّى مِن عنوانكِ، عارٍ مِن
فضّتي القصوى، عارٍ مِن كوّةِ موتٍ
غاضبةٍ تلغي ما شئتُ وتعلنُ في خطٍّ
أكبر من كلِّ كواكب هذي الأرض بأنْ لا
جدوى. فيقبّلني جدّي
في دعةٍ. يهبطُ فجرٌ في قلبي،
وأنامُ بوسطِ الرملِ كذكرى إنسان
عاشَ فقيراً مُستتراً في صحراء كُبرى.
ماضي المعنى
جاءَ الماضي في الفجرِ الأبيض مرتدياً
قبّعةً مُغبّرةْ
ورداءً أسْوَد..
جاءَ الماضي لشوارع يعرفها
مثل امرأة تعرفُ هدهدَها
ومكاناً منحتْ فيه بلابلها للقتلْ.
2.
الماضي خلف الباب. فهل؟
لكنْ مَن يضمن أنْ أبقى سهلاً كالسُلّمْ
إذ يحضرُ طفلٌ مبتهجٌ بالموتِ
وبالنسيانْ؟
3.
الماضي خلفَ البابْ.
وأنا منذ دهور أرِقٌ كالساعاتِ
المعطوبةِ. لكنَّ الماضي
لا يجرؤ أنْ يدخل. وأنا لا أجرؤ أنْ
أفتحَ باباً
لضيوفٍ لا أعرفهم!
4.
جلسَ الماضي خلفَ الباب.
أكلَ الماضي خلفَ الباب ونامَ، استيقظ
عند الفجر وفكّرَ باللاشيء طويلاً
وتزوّجَ، مارسَ عادته الزرقاءْ.
5.
خلفي الباب وقدّامي البابْ.
خلفي المعنى، قدّامي المعنى.
6.
مِن ثقبِ البابِ أراهُ يقومُ مِن الموت.
ويروحُ، يجيءُ، يروحُ، يجيءُ ويهذي..
أُلقي القبضَ على نفْسي!
7.
مَن يفتحُ ميمَ الماضي؟..
مَن يفتحُ راءَ الرغباتِ وشينَ الشمسِ
المبقورةْ
والقمرَ المقطوعِ الرأسِ؟ ومَن
يفتحُ سينَ سريرِ اللذّةِ، ميمَ الدم؟
مَن يفتحُ ميمَ الدم؟
8.
في فجرٍ أبيض كالسكّين
شاهدتُ القبعة َالمغبّرةَ والثوبَ
الأسْوَد.
فتذكّرتُ بأنّي منذ دهور لا تُحصى وأنا
خلف الباب
أرِقٌ كالساعاتِ المعطوبةِ. أمسكُ في
كفّي الماضي،
أطعنهُ بالسكّينِ وأخنقهُ مُبتهجاً
بنسيمِ الموت،
مُبتهجاً كشعاعِ الشمس،
مُبتهجاً بأنيني،
مُبتهجاً بسوادِ دمي.
ضحك المعنى
1.
لا جدوى..
هربتْ سيّدةُ
الجسدِ الطافحِ بالحُبْ
نحو البحر العاري بفحيحِ
الأجسادِ، أنينِ الرغباتْ،
نحو
المدن الموءودة باللامعنى..
نحو القتل الأسْوَد، نحو النسيان.
هربتْ دون شموسٍ،
قمرٍ، ندمٍ، ذكرى.
2.
لا جدوى..
هربتْ سيّدةُ
الجسدِ الطافح باللذّات.
الليلة ألبسُ سروالَ الصحراءْ،
ألقي القبضَ على
أعضائي
وأحاكمها بدعاوى سينِ الفسقِ
وهاء الهجرانِ إلى أقصى تاء اللذّات.
أعلنُ عن
خلْقِ قصائد تفضحني كاللص.
أعلنُ عن
موتي مقتولاً منتصف الليلْ
برصاصةِ قنّاصٍ.
وأسارعُ في إرسالِ مراثٍ ساخرة منّي،
وقت
هياج الشمسِ إلى نفْسي..
فليسقط جسدي: جسد الصعلوك!
وليسقط رأسي: رأس
الملك المجنون!
كاف المعنى
قالَ
الأخضرُ حين تقبّلَ موتي اليوميّ..
وحرماني
الأزليّ ومقتلَ شمس طفولتي الذهبيّة..
خذْ مِن
كافي حائي، خذْ منها قافي.
خذْها ينبوعاً
يشفي صحراءَ لغاتك:
يشفي
تأتأةَ الروح
وسط البلهاء
وثأثأةَ الروح
وسط الغرباء وشقشقةَ الروح
بين
لصوص الليل، لصوص الماءْ.
خذْها كالبحرِ قدوماً،
كالعرشِ قواماً،
كوميضِ الجنِّ جنوناً وجواباً.
خذْها ناراً
تفضحُ فيها سبأ الناس.
خذْ
كافي سينَ سلامٍ، راءَ رعودٍ، باءَ
بهاءٍ، نونَ قيامٍ..
ياءَ لغاتٍ،
تاءَ تخوتٍ، واوَ وعودٍ، دالَ دوالٍ،
لامَ لُمى،
مِن تحتِ
الماءِ أتى
أخضرَ يهبطُ في
قلبِ العاشقِ ياقوتاً أحمر،
في قلبِ
الولهان نبوءةْ.
أخضرَ يهبطُ في قلبِ القطبِ طفولة،
في قلبِ الطفلِ شموسَ أمومة.
فافرحْ يا مَن تسمعني في السرّ..
وتنكر أنّكَ تسمعني خوف السينْ.
سأناديكَ بأسمائي: الأخضر ينبوعي
أتجلّى فيه ولا
يتجلّى في أعضائي..
الأسْوَد طيري،
الأبيض فجري،
الأحمر فلسفتي وعيون طغاتي..
خذْها مُعجزةً
منّي: الحرفُ يناديك.
الحرفُ يجوسُ
بحِيرتِكَ الصفراءْ.
الحرفُ عناءْ.
أعطيكَ
الكافَ فلا تسألْني عن شيء أبداً.
ادخلْ في
الكافِ وكلّمْها ما شئت..
فإنْ شئتَ الكاف
إليكَ تكون دليلاً
لتقودكَ نحو الأخضر: نحْوي يا أعمى.
نحْوي فالكافُ تجلّتْ وبدتْ ثاقبةَ المعنى،
نحْوي والشمسُ بكفّكَ تعرى وتذوبُ فلا منأى.
وصول المعنى
ووصلتُ إليك
أخيراً يا معناي، تعرّفتُ إلى
أشكالكِ ذات
الوقعِ اللغزيّ: مربّع أطيافكِ، خطّ
الحسراتِ الممتدّ إلى دائرةِ المنفى،
ومثلث رغبتك الحيّ كما الأفعى،
ومعين الضحكِ الأعمى، وزوايا فجركِ،
ليلكِ، نومكِ وقت صراخ الشمس. تعرّفتُ إلى أشجاركِ: أشجار الجوعِ، الموتِ، الغضبِ
الأسْوَد حتّى أمسكتُ
بأنهاركِ مُستتراً مِن عُريي الأزليّ:
فرات الأطفالِ يطيرُ بعيداً
عنّي، أغرقُ فيه، أضيعُ وأجلو
عن لغتي ألماً يعصرها، قيظاً يوقدها.
تنمو، أتباركُ فيها، أدخلُها فتنامُ
بساقٍ غامضةٍ
نحو الأعلى فأدوخُ وأبكي. يهبطُ فجرٌ
مِن قلبي وأدندنُ: جاءَ الطيرُ أخيراً
مِن منفاه إلى كفّي، استتري فيَّ ولا
تنهمري. صاحَ فراتُ الأجدادِ
المكتهلين بموتِ اللامعنى: انتبهِ اليومَ لسرِّ
الحرفِ
بموضعِها وتموضعْ فيها واثمرْ فالعمرُ حديثٌ خَرِفٌ
يهذي. يهبطُ فجرٌ مِن قلبي.
أهبطُ حتّى الشارع،
في بيتِ القُبلاتِ الثكلى أودعُ معناي وأصعدُ
حتّى دجلة ذات الجسد العذب
الشفتين فلا تعطيني إلا ما تعطي سيّدة
للبعلِ، فماذا أفعل؟ دوّخها مَن يملكُ
ساريةَ الإسمنت وسارية الدينار فلا
تخفي وجعَ الضائعِ مثلي. أمسكتُ
بأنهاركِ مُستتراً فرأيتُ بعيداً أبعد
منكِ وأقرب منّي نهراً أسْوَد يصفرُّ
عليه الناسُ مِن الخوفِ طويلاً، نهراً
أبيض يسودُّ عليه الناسُ مِن
الصحراء، ونهراً عذباً شاهدتكِ فيه
نائمةً منتصف الليل تئنّين إلى
المعنى. ووصلتُ إليكِ أخيراً وعبرتُ
خليجَ الزمنِ الفاسدِ، أمسكتُ
بمستنقعِ أفعالٍ يخفيها في
لكنته، أمسكتُ الفعلَ الحاضرَ، حاورتُ
السينَ بكتْ والراءَ احتدمتْ. ودخلتُ
بأقواسٍ يخفيها في خيمته. ودخلتُ
الفعلَ الماضي أركبُ صيحاتي
وذنوبي فانهارَ المستقبلُ
قدّامي وتقزّمَ حتّى أضحى شمساً مِن
أطفالٍ فعرفتُ الحقَّ
بعينيه الضيّقتين. إذن:
ألقيتُ القبضَ على الكلّ وأدخلتُ الكلَّ جميعاً
في أزمنتي في
قارورةِ أفعالي، فاستتروا خوفاً.
والكافُ تناشدني ألّا
أنهار، فأهذي كالطودِ، أقومُ
أقاتلهم فرداً فرداً. تعطيني
أخضرَ منحدراً مِن قائمةِ
الأعلى. فَرِحاً كنتُ أنادي أشياء
بَعُدتْ فتعود إليَّ ولم تعرفْ أحداً،
تُذهَل، تُدهَش، تمضي. وأحاورُ ما
قبلي ما بعدي، أستنجدُ بالكافِ
على نفْسي فتجيبُ عليّ وتفرحني.
ووصلتُ إليكِ بدمعي الأسْوَد،
حاربتُ الوحش طويلاً بأصابع
موتي حتّى حاصرني الفجرُ
رمالاً ترقصُ، أخرجني مِن منفاي
وألقاني قدّام الليل وحيداً في نهرِ
الريحِ. ومِن أجلكِ رأسي كانَ
شجاعاً يرفضُ أنْ يؤوي
قطّاعَ الطرقِ البلهاء
وباعةَ ساعاتِ رمادٍ
تتطايرُ وسط العميان. وكانَ شجاعاً
صنديداً: إذْ كيفَ لرأسٍ
مقطوعٍ مُرمى، في نهرِ الريحِ تدلّى،
لملاقاةِ الموتِ يقومُ وحيداً؟ كيفَ
لرأسٍ مقطوعٍ أنْ يسمع، وسط الحومة،
أشجاراً مُثقلةً بطيورٍ
رُسِمتْ أسماءُ الحُبّ عليها
وطفولاتُ الماء؟ وكيفَ
لرأسٍ مقطوعٍ أنْ يدخل في حلمٍ يصهر
أزمنةَ الدنيا حتّى يأتيكِ ويكشف
غامضَكِ السرّيّ وعريكِ عريّ أعمى؟
وصلَ الرأسُ إليكِ بطيرِ الحاءِ وسحرِ
الباء ومعجزةِ الكافِ الكبرى. أمسكَ
في شغفٍ نزواتكِ، أربعةً مِن أطيافكِ،
سبعاً مِن لهجاتكِ، تاءً مِن لذّتكِ
القصوى. قامَ بأمطاركِ حتّى شفيتْ
صحراؤك مِن أمراضِ الدنيا.
قامَ الرأسُ إليّ أخيراً، قبَّلَني،
صاحَ بأعضائي فتنبّهتُ مِن الموتِ
إليكِ، وجدتُكِ عاريةً قربي. رجعَ
الرأسُ إلى جسدي،
قالَ: أنا المعنى. فبكيت.
جيم
دار الشؤون الثقافية العامّة، ط1، بغداد، العراق 1989
إشارات
التوحيديّ*
إشارة الفجر
*******
لو أنزلنا هذا الفجرَ المحمومَ على جبلٍ للغيرةِ
والشمسِ
لرأيتَ الماءَ سعيداً والطيرَ يغنّي شيئاً
عن ذاكرةِ العشب.
لو أنزلنا هذا الفجرَ الأسْوَد
وعلى وطنٍ للحُبّ
لرأيتَ الزهرَ الدافئ ينمو، يلتفُّ على
الجسدين وحيداً
ويمشّط ُ شَعْرَ القلبْ
بأصابع من ندمٍ أخضر
ويمشّطُ شَعْرَ القُبُلات
بأصابع من بلّورٍ أزرق.
لو أنزلنا هذا الفجرَ المسجونَ على أرضٍ
لا تنمو فيها الخيبةُ والصحراءْ
لرأيتَ الحرفَ عجيباً يحكي برنينِ الماء
عن خفْقِ الحُبِّ وفاكهةِ الله.
إشارة الشكوى
********
ليسَ كَمِثلي إنْ أرادَ البكاءْ
أنهارُ بحرٍ أُطفِئتْ في رمادْ
أو شجرٌ ممتلئٌ بالثمرِ الناضجِ قد
ضُيّع وَسْطَ الوهادْ
أو وردةٌ موعودةٌ بالحُبّ قد أُحْرِقَتْ
أو قُبْلةٌ قد حُوصرتْ
مثل بريءٍ يُقادْ
بين صهيلِ الحرابْ.
ليسَ كَمِثلي إنْ أرادَ الرّحيلْ
كثبانُ رملٍ تختفي في رياحْ.
إشارة المدن
*******
مُدُنٌ: مأوى لرغيفٍ مُحْتضرٍ
ورغيفٍ مغموسٍ بالشهدْ،
مأوى للكوخِ المهدومِ، القصرِ الملآنْ
بالمرمرِ والغلمانْ،
مأوى لشوارع قد سُقِيتْ بالرغبةْ،
لسيوفٍ تخفي جسدَ امرأةٍ من دُرٍّ مُلتهبٍ..
تترجلُّ من هودجها الأسْوَد.
مُدُنٌ: مأوى للسّراقِ، الشرطةْ
للشحّاذين، الخيلِ، البقّالينْ
مأوى لنساءٍ شَبِقاتٍ،
أطفالٍ ضاعوا، أرصفةٍ لا تحوي إلّا غُرباء.
إشارة التهويمات
**********
هَوّمتُ، إذنْ، في صحراءِ الله.
هَوّمتُ، معي خطوات دمي
وزُجاجات الفجرِ الثكْلى.
هَوّمتُ، أنا روحُ العشبِ
عنقُ العُصفورِ وذاكرةُ التُفّاحْ،
وجعُ الطين ِالأسْوَد
لأمنّي الروحَ بأرضٍ تُؤوي جذري المنفيّ..
لَعلّي أَلقى مَنْ سَمّاها
مَنْ قالَ لذاكرة ِالتُفّاحْ:
كوني... كانتْ شجراً مُحترقاً يلتفُّ على الماءْ.
لا ماءْ!
إشارة السؤال
********
قَلبٌ يُدْهُشهُ الماءُ ويغريه العُشب
قلبٌ مِن ورقِ الرغبةْ
يتساءلُ عن جسدِ العمرِ المجنونْ
لِمَ يأتي أو يرحل؟
ولماذا تبدو الدنيا عند الحُرّاس
حُلماً يهمي كالماءِ الهادئ في ساقيةٍ مُعشبةٍ
ملأى باللؤلؤ والمرجانْ؟
... تبدو عند الناس
كدراهم تُلْقى في النهرِ الجارف،
ذكرى لكؤوسٍ قد مُلِئتْ بالريحْ؟
إشارة الهزيمة
**********
(الصوت):
أأبا حيّانْ
من بعدِ ليالٍ معدودةْ
ستفارقُ هذي المعمورةْ
فَتنـّبـهْ!
فالعمرُ بهِ شيء ظلّ.
أعطهْ
ما يسكنُ فيهْ:
جسداً يطربه أو ثوباً يلتفُّ عليهْ.
صفحاتٍ تكتبُها وتنادي فيها العُقبانْ
بعصافير الغدرانْ.
أأبا حيّانْ
كنْ
رجُلَ الذهبِ المتناثرِ والغلمان المسرورينْ!
(التوحيديّ):
آهٍ يكفي
فأنا رجلٌ أدّبتُ لساني..
حتّى استخفى في الصمتِ
بقناعِ نبيّ.
إشارة الموت
********
المـوتْ!
ضيفٌ مهذارْ
ضيفٌ لم يدعَ إلى شيءٍ، لكنّي الليلةَ أدعوه
لبقايا جسدٍ معطوبٍ، أدعوهْ
لزمانٍ ما عَرفتْ أشجارُ الروح ِ به إلّا
أوراق دمٍ وزعانف مِن ألمٍ أزرق،
لزمانٍ ما عرفتْ عيناي بهِ ثوبَ الملكوتْ.
فأغمغمُ محموماً من كأسٍ..
تتحدّثُ عن أزهارٍ تطلعُ صابرةً من بين القضبانْ
ويعربدُ في قلبي الجوع.
إشارة الحريق
**********
احترقي تهويمة الروح وفجر الكلماتْ.
احترقي. ماذا جنيتُ من هوانا الضائعِ المضطربِ
إلّا دموعاً تغتدي كوردةٍ من لهبِ
أو حسرةً ما تنتهي؟
غادرة أنتِ إذنْ
بل هزأة: "مستفعلن" سيّدتي!
هيّا ارقصي يا نارُ يا بحرَ الشواظْ ،
أصابعي ومعصمي
في قلبكِ المقدّدِ.
هيّا ارقصي وهيّئي
مائدةً من جسدي المحترقِ.
إشارة الرؤيا
*******
1.
الرحمن
خَلَقَ الإنسانْ
علّمه ما لم يعلمْ..
علّمه ما كانَ يكون
ما لم يكُ في الحُسبانْ.
المأساةُ اتسعتْ، مَن لي يا ذاكرة خَرِبةْ
أنْ أقرأ أوجاعي
والشاطئ مهجوراً يهذي بأناشيد الهمِّ.
المأساةُ اتسعتْ، فبأيّ أقترحُ الليلةْ
فرحي الربّانيّ، أقودُ الليلَ
أسيراً
والبحرَ صديقاً والصخرَ ودوداً
والمرأةَ كأساً قد مُلِئتْ بالفجرِ،
غناءِ العشبْ،
ألقِ الأقمارْ.
الرحمن
خَلَقَ الأكوانَ وسلّمني مفتاحَ الأرضِ وبايعني.
لكنْ عذّبني الجندْ
إذ آلمني أرقُ الليلِ المطعون، فشرّدني السلطانْ.
فبأيّ أقترحُ الليلةَ معراجي..
وأقودُ مماليكي، شمسي وغيومي نحو الله؟
الرحمن
خَلَقَ الإنسانْ
آتاهُ الحكمةَ طيّعةً والبلبلَ والهدهدْ.
لكنّ الأرضَ انذهلتْ والمأساة اتسعتْ وتعرّتْ
والغربة قد كبرتْ.
فأشيري يا كلمات الرحمةِ..
إنّ الإنسانَ بحُسبانْ.
2.
كثرَ اللغطُ
وبدتْ صيحاتُ الآخر فاتنةً بعلاماتِ الإبهامْ!
فعجبتُ، دهشتُ، وقلتْ:
أوَ هذا جمركَ يا حرفي،
يا مَن تخفي ألقَ الأشياءِ وفاكهةَ الأيّامْ؟
وعجبتُ عجبتْ
حتّى أنكرني رأسي. لكنّي
في عمقِ الضجّةِ أبصرتُ طيورَ الله
تهبطُ في روحي وتذيعُ بقلبي الأثمارْ.
فنظرتُ إلى الضجّةْ
وصرختُ: سلاماً للهدأةِ إذ بزغتْ في روحي، مرحى.
وفرحتُ، بكيتْ
مثل العصفور العطشان
وَجَدَ الغدرانْ.
إشارة الختام
*********
قالَ: إليّ إليّ..
أشارَ إلى جبلِ الرؤيا فصعدتُ، إلى جذرِ الأفلاكِ
قرأت
روحَ الطفلِ، عذابَ الأحفادْ
حتّى امتشقتْ كفّي السرَّ الأعظمْ،
كانت بيضاءْ.
وهبطتُ بجنحِ الطيرْ
ونسيمِ الفجرِ، رذاذِ الشطآن.
***************************************
* (هو فرد
الدنيا الذي لا نظير له ذكاء وفطنة
وفصاحة ومُكْنة) هكذا يصف ياقوت
الحموي في كتابه (إرشاد الأديب) علي
بن محمد التوحيديّ البغداديّ المعروف
بأبي حيّان التوحيديّ. وليست كلمات
ياقوت هذه بجارية مجرى المبالغة أو
آخذة بطريق المجاملة، البتة. فلقد كان
التوحيديّ بحقٍّ واحداً من أولئك
الكتّاب العظام الذين جالوا في النفس
البشرية جولةً عميقةً وكشفوا عن
طبقاتها الجوّانية بشجاعة نادرة
وبطريقة العارف الخبير، المعذّب،
الفصيح، المتفرّد. وكتابه (الإشارات
الإلهية) أفضل دليل على ما نقول. لقد
حمل التوحيديّ خلال رحلة حياته همّ
الأديب المكافح الأصيل الذي يحافظ
بقوّة، على كلمته ما استطاع من السقوط
والابتذال. وقد دفع ثمن هذه الكلمة
غالياً: عذاباً يوميّاً متصلاً وفقراً
مدقعاً وشظفاً وتجاهلاً. حتّى
اضطر أواخر حياته إلى إحراق كتبه بعد
أن رأى أن لا طائل من ورائها. وقد قال
عـن هذا الحدث: (إني جمعتُ أكثرها
للناس ولطلب المثالة بينهم، ولعقد
الرياسة بينهم، ولمدّ الجاه عندهم،
فحرمتُ ذلك كله. ولقد اضطررتُ في
أوقاتٍ كثيرة إلى أكل الخضر في
الصحراء، وإلى التكفف الفاضح عند
الخاصّة والعامة وإلى بيع الدين
والمروءة، وإلى تعاطي الرياء بالسمعة
والنفاق، وإلى ما لا يُحسن بالحرّ أن
يرسمه بالقلم، ويطرح في قلب صاحُبّه
الألم). أمّا أهمّ كتبه أو ما وصلت
منها في الأدق، والتي أخرجها، أغلب
الأمر، قبل أن يحرقها فهي: الإشارات
الإلهية، البصائر والذخائر، الإمتاع
والمؤانسة، الصداقة والصديق، مثالب
الوزيرين، الهوامل والشوامل. توفي
التوحيديّ عام 414 هجرية.
الشهيد
أورقتْ كلْمةُ اللهِ أسرارها
نبضةً نبضةً من دمي.
أورقتْ كلْمةُ الله
لحظةَ الموتِ كنتُ اكتشفتُ الألمْ
دولةً، والندمْ
طعنةً، والندى صرخةً والعدمْ.
لحظةَ الموتِ كنتُ اكتشفتُ النخيلْ
وتخيّلتُ أعذاقهُ لؤلؤاً في الظلام العتيّْ.
لحظةَ الموتِ أورقتُ حرفاً أليفاً
من كتابِ الودادْ
وتنشّقتُ عطرَ الطفولة
وامتطيتُ حصانَ الزمانِ الفتيّْ.
لحظةَ الموتِ أعلنتُ حُبّي
ما تيسّرَ من فرحةِ الأنبياءْ
ثُمَّ هيّأتُ مائدةً من دمي:
كأسها، خبزها، ليلها البربريّْ.
العقاب والبلبل والعصفور والهدهد
1. العقاب
*******
* مُختَصر
يبدأُ الشِعْرُ مِن حيث لا تفهمينْ:
أنتِ مرثيةٌ وأنا كلْمةٌ بالغتْ في المحبّة
أُحرِقَتْ جيّداً
ثُمَّ ذُرّتْ رماداً صموتاً على وردةٍ عانسة،
وردة تاجها البحرُ أغصانها قُبْلةٌ
روحُها الليلُ: ليل النجوم التي تشتكي همّها
للقبورِ الوحيدة.
أنتِ مرثيةٌ وأنا كلْمةٌ من يقينْ.
يبدأُ الشِعْرُ مِن حيث لا تعرفينْ:
أنتِ مرثيةٌ طائشةْ
كلّما سارعتْ شفتي بالكلامْ
أبدلتْ حزنَها، لونَ أقراطِها ومواعيدها،
أبدلتْ قلبَها والقناعْ،
غادرتْ أرضَ حُبّي البريئة
قُمقماً مُدهشاً في المياهِ التي تحتويهْ
وهي مجنونة بالعناقْ.
أنتِ مرثيةٌ طائشةْ
وأنا قاتلٌ غرّرته الليالي التي لا تمرّْ
دونما طعنة أو ضحيّة.
يبدأُ الشِعْرُ مِن حيث لا تشتهينْ:
أنتِ مرثيةٌ ماجنةْ
أو قصائد ملعونةٌ تحتوي صوتَها البربريّْ
كلّما مزّقتْ ميسماً فاتناً.
كيفَ لي أن أغنّيكِ يا سيّدة
باسمي الصامتِ
أو أغنّيك يا سيّدة
باسمكِ الصاخبِ؟
أنتِ مرثيةٌ ماجنةْ
وأنا المُبتلى بالعناقِ، الصبا.
هكذا يبدأُ الشِعْرُ يا سيّدة:
أنتِ مرثيتي وأنا حارسُ المقبرة.
* ضيوف
لم أتقنْ كيفَ أقود عصافيركِ للماءْ
في وحشةِ ليلٍ ناءْ
وأقود طيوركِ صوبَ الأزهار العبقةْ
في وحشةِ ليلٍ مجدوع ِالأنف.
كانتْ لي ذاكرة خَرِبةْ
وسماء مُرتَجلةْ.
لكنْ إذ غادرتِ
كيفَ تركتِ
بابَ الكوخِ الحجريّْ
مفتوحاً للنمرِ الرعديدِ، القبّرةِ السكرى
والبومةِ والأسدِ المقطوعِ الرأسْ؟
* الوحوش
مالنا كلّما أطلقَ البحرُ شطآنهُ
عانقتْنا دفوفُ الوحوشْ؟
* ريشة العقاب
الكلْمةُ العنيدةْ
تصرخُ في أحلامِها
في برجها العتيدِ.
أجلدُها بالسوطِ كي تنامْ.
2. البلبل
******
* خلْق
سَيتمُّ الخلْقْ!
شَعْرٌ أسْوَد يخطو في الريحِ البيضاء
وعيون من أرقٍ ونعاسْ.
أنفٌ بلّوطْ
وفمٌ: أرقُ القدّاحْ.
سيتمُّ الخلْقْ.
أكملتُ الوجهْ
وإليَّ، إذنْ، برنين اللحمِ الحيّ.
سيتمّ الخلقُ: هنا أطرافُ الروحْ
وهنا تفّاح القلبين الغضُّ
وهنا تفّاح الخطوات.
لحظات...
ثُمَّ امتلأتْ أرجاءُ البيتْ
بضياء أبيض كالفضّةْ
وحنينٍ أبيض كالفضّةْ
وحياةٍ ملأى بالفضّةْ.
سيتمّ الخلقْ
وأتتْ فاتحةً معطفها الذهبيّْ
أسماءُ فصولِ الله.
تمَّ الخلقُ!
كانَ الطفلُ الساحر
مُنتشياً ببخورِ الحلمِ
وعظامِ الطيرِ الوحشيّ،
أسماءِ الجنِّ القائظةِ السوداءْ.
* أنتِ
أنتِ أفشيتِ فيَّ المحبّةْ
واقترحتِ الفراقْ.
* الفرات
كلّما هَمَّ قلبي بتقبيلِها
اكتشفتُ الفراتْ!
* حياة
يا لها طفلتي
كلّ يومٍ لها نزوةٌ غامضةْ،
كلّ يومٍ لها ما تشاءْ!
* ريشة البلبل
أنتِ أورقتِ فيَّ الهوى والصبا والغصونْ.
أنتِ بادهتِني بالعلامة
ثُمَّ قبّلتِني، فجأةً، في العيونْ
لحظةً فاكتفيتِ
ثُمَّ أورقتِ فيَّ الخصامَ وتوجّتِني
ملكاً للجنونْ.
3. العصفور
********
* الغرفة واللوحة
الغرفةُ كانتْ مقفلةً
وأنا مثل الزيت الموضوع حديثاً قرب قماش اللوحة
قلقاً أهتزُّ بقلبي.
كانَ اللونُ الأبيض
لقماشِ اللوحةِ أهدأ من وجهٍ مُثْلجْ
والوردُ الطالعُ من قلبي
- يا مَنْ تحوي
كلَّ الأسماءْ-
منتظراً مطراً يخرجهُ بخطى أطفالٍ من مرحٍ
من غيمِ قرونِ الوحشة.
الثلجُ على الأكتافْ.
اللونُ الأبيضُ يشرقُ هذي المَرّة مُنحنياً كالصبّير الرائع.
الغرفةُ قانعةٌ بالصمتْ
وأنا أخفي أنفاسي..
مسحوراً مِن خفْقِ الحلمِ الأسْوَدِ..
لا أقدر- يا مَنْ تحوي كلَّ الأسوارْ-
أنْ أمسك شيئاً.. ألبتّةْ.
ما يحدثُ لو قنعتْ هذي الغرفة
باللحظةِ صاخبة كالينبوعِ المتدفّقِ وسط الصحراء؟
فبأيّ رموزٍ للفرحِ المجنونِ ستحكيها عينايْ؟
وبأيّ قواميس للفتنةِ أخلقها
حتّى أصفَ النومَ الممتلئَ الأردافِ وأيّة أكوانٍ رائعةٍ
ستجيء إلى شفتّي تعانقني وتعانق مصيدةَ البهجة؟
يا مملكةَ الصمتِ لقد أثقلني الصمت.
أثقلني مَن يخفي دائرةَ الزغبِ الرمليّ السوداءْ،
أثقلني الثلجُ المتساقطُ فوق الأكتافْ،
أثقلني قلبٌ كالزيت
يعدو بخطى غزلانٍ من مرحٍ.
لكنَّ الغرفةَ مقفلةٌ
الغرفة راضية بالصمتِ، الثلجْ.
واللوحةُ - يا مَن تحوي كلّ الأسماء-
ببياضِ الثلجِ الأسْوَد تكبرُ تكبرُ تكبرْ.
* الجسد
يفيضُ هذا الجسدُ المجنونْ
بالحُبّ والمجونْ!
* هي تقول، أنا أقول
كلْمةً إذ تقولْ
تجعلُ النبعَ نهراً
والصحارى لقاءْ.
كلْمةً إذ أقولْ
يقتفي الجرحُ أسماءَهُ
وتضيعُ السماءْ!
* الغرفة المظلمة
طفلتي هربتْ بعد أنْ أتعبتها الليالي..
المواعيدُ والغرفةُ المُظلمةْ.
* ريشة العصفور
مرّاتٍ أُخرى نتلاقى يا حُبّي ونغنّي
أو نبحثُ عن معنى
في كلماتٍ لم تُدهَسْ أو تُرفَشْ
في وحشةِ هذي الأيّام.
4. الهدهد
*******
* العش والدخان
أنتِ في عشّكِ الدافئ
وأنا في عذابي المُقيمْ.
أنتِ في عشّكِ الغامضِ
بين أطفالكِ البيض والسمرِ،
بين أزهاركِ العاريات وأحلامكِ اللاهثة
وأنا بين أوراقي الغامضة،
بين أقنعتي وفراتي المُريبْ.
* ريشة الهدهد
كيفَ ألّهَتني
يا نبيَّ الندمْ؟
مأدبة السيّدة
نَهَضتْ فانشقَّ الفجرُ وبانَ عمودُ الروحِ
مُضيئاً..
نَهَضتْ فاهتزَّ دمي..
واهتزَّ السورُ. يتامى انهارَ الحُرّاسْ.
ألقى الساحرُ مديتهُ في التنّورْ.
ضحكَ النمرُ
وبكى القنفذْ
وابتسمتْ سبعُ خطايا في الروح.
فبكيتُ، بكتْ ألوانُ الطيفْ
وبكى الثوبُ.
نَهَضتْ
كي تطبقَ سبعَ سمواتٍ باذخة فوقَ الأرضْ
وتعيد الفجرَ بَهيّاً والصبحَ نبيّاً
والليلَ طفوليّاً يتراقص حولَ النارْ.
نَهَضتْ كي تمنحَ للساعة
ما تمنحه الساعة للماءْ،
للطاعةِ صهوتها المرّةْ،
للدغةِ لذّتها،
لتعيدَ الوادي الأسْوَد للصيفِ المقرورْ.
نَهَضتْ، فمددتُ يدي
لبراعمها الغضّة،
للكمّثرى البضّة
وتفرّقَ كفّي حين استلقى التفّاح.
نَهَضتْ. والنورُ يشعُّ، يشعْ
قلبي أعمى.
عيني تتغلغلُ في الوادي كالسكّين
ودمي أقعى،
وَدَمي يهتزُّ، يهرُّ كذئبٍ مجروحٍ.
فنظرتُ إلى وادي الحُبِّ الأسْوَد
مُشتعلاً من قدمي حتّى رأسي.
قام َالمطرُ الوحشيُّ وأبرقت الأرضُ، اهتزّتْ
كثيابٍ في الريح.
فارَ التنّورْ.
لكنّي لم أصلِ الوادي
لم أكشفْ عن بئرِ اللعنة،
عن أعناقِ الروح.
قامَ المطرُ الوحشيُّ وزلزلني
صاعقةً من موتٍ وجنونْ.
أبجديّة البحر
إلى: جواد الحطاب
* تغريدة
البحرُ غرّدَ في دَمي والبحرُ يقتاتُ الحنينْ.
مالي أراكَ مُعَذَّباً والموجُ سيّدُنا
الدفينْ؟
* المُغنّي
البحرُ أشرقَ ثُمَّ أرعدَ في دَمي
وأنا المُغنّي قد أفوقُ الدهرَ في حلمي العتيّْ
حيناً، وحيناً اشتكي نفْسي لنفْسي
شجراً يهزُّ العاصفةْ
مِن جِذعِها حتّى أظنّ بأنَّ ليليَ ينحني!
* جريمة
مِن أيّ إناءٍ أسطوريّ وُلِدَتْ ذاكرةُ الموجة؟
مِن أيّ بلادٍ قد قَدمتْ؟ في أيّ زمانْ؟
ولماذا تختارُ الليلَ مكاناً
كي تطلقَ فيهِ النارَ على الأغصانِ وتتركني
أتلوّى بدمي وأدمدم مصروعاً في لوحِ السَّـفرِ؟
* الساعة
الماءُ يعلو ثُمَّ يعلو
والموجُ مُختالٌ فخورْ
والبحرُ أخرجَ رأسَه حتّى يرى ما قد جرى.
لا تبتئسْ يا قلب هذي ساعة بَطُلتْ،
أسنّتُها البعادْ.
لا تبتئسْ يا قلب واشعلْ في غياهبها البخورْ.
* أكاذيب
1.
البحرُ يكتبُ قصةَ الأفعى ويغتالُ الغزالْ.
البحرُ جرحٌ غامضٌ ودمٌ ينزُّ.
البحرُ جرحٌ هائلٌ، قبرٌ عظيمْ.
2.
البحرُ لم يرسلْ لنا نجماً صغيراً كانَ أوعدنا بهِ.
البحرُ أوعدنا كثيراً لم يفِ.
البحرُ لم يرسلْ لنا طوقَ النجاةْ.
البحرُ ضيّعنا وضاعْ.
* السفن البعيدة
لكنّما السفن البعيدة
عادتْ محمّلةً بويلاتِ الصدى.
والموجُ يذهبُ حيثُ يأتي،
يأتي ليذهب والطيورْ
أَلَقٌ خرافيٌّ يدورْ.
* حقيقة
البحرُ فرَّخَ في دمي سِرْباً من الموتى!
* امرأة
البحرُ قد يبكي وقد تبكي النجوم
لكنّما لا شيء يبقى للتذكّرِ أو يدوم.
في موتيَ المقتولِ أبحثُ عنكِ يا امرأةً
تفرُّ من الغزاة
ومن الأفاعي والجنونْ.
وأظلُّ أبحثُ أو أغنّي جائعاً عُريانَ
ما بين المفازات البعيدة
وأظلُّ أقتلُ ساعةً في إثْرِها أُخرى تخونْ.
* لحظة حُبّ
البحرُ يخضرُّ ويصفرُّ ويحمرُّ ويقعي
وأنا أقذفُ في كلِّ خلاياه الجواهر.
* الشمس تغوص
1.
الشمسُ ترسمُ فوقَ غصنِ البحر حرْفاً من حروف
البرتقالْ.
الشمسُ أُنثى لا تُطالْ
ودمٌ يضيع
وفمٌ يئنُّ إلى ابتهالْ.
2.
الشمسُ تهبطُ والغروب
ألَقٌ يذوب.
مَالي أراكَ مُهَيَّأً للنفي والسفرِ البعيدْ؟
مَالي أراكَ مُهَيَّأً كدمِ الشموسْ؟
3.
الشمسُ قد رحلتْ تماماً..
مثلما امرأة مُطلّقة تودّعها ليالي البيت،
والأطفالُ، جارتُها الكذوبْ.
الشمسُ قد غربتْ فحانَ دمُ المُغنّي للوثوبْ.
* أبوّة
1.
البحرُ أبٌ قاسٍ يتعمّدُ تخويفي بالسكّين.
البحرُ مواعيد زائفةٌ وإشاراتٌ غامضةٌ من ألقٍ
وأنين.
البحرُ حروبٌ مشتعلةْ
وأناسٌ قد هجروا الأوطانْ،
ناموا في الليل عرايا كالأسماكْ.
البحرُ قصائد باتتْ
تتقرّى كفّيها قربَ النارْ
لترى سرَّ شبابي.
البحرُ نساءٌ ينزعن الأغلالْ
يرقصنَ بفجرٍ أسطوريّ أغنيةَ السفنِ الغرقى
وأنين الربّان
ويقلنَ بهمسِ البلّور...
فأقومُ، أنا الطفل المسحورْ،
أتلمّسُ خاصرةَ الرملِ، تلالَ الطين.
2.
اهبطْ فالبحرُ خرافة.
سقطتْ أعذاقُ الروحِ بوسطِ الموجْ،
سقطتْ كلماتُ الحُبّ وطافَ العشبْ
وامّحتِ الساعات.
يا للعنةْ!
لم تأتِ إليَّ بماسِ البحرِ كما فعلَ الناس.
يا للخيبةْ!
وأتيتَ إليّ
بعيونِ فقيرٍ وحنين شهيدٍ وكلامِ نبيّ
وبأغنيةٍ قالتْ:
"البحرُ دمٌ ينزفُ أبداً من جرحِ إلهْ".
3.
البحرُ أبٌ يذبحني الليلةَ بالسكّينْ!
المعرّي في التيه
1.
إذ يَعْوي الليلُ، يقومُ دمي يَتشبّثُ بي:
ماذا حلَّ بتلك الأرض؟
قتلتْ أحداً؟
سرقتْ فاكهةَ الأغرابْ؟
ضاعتْ في البرّية؟
وقعتْ في المستنقع
وتعرّتْ من برقِعها؟..
هل أوجعها صوتُ السيفِ على الرقبةْ؟
يا الله
لطفكَ، لطفك
فحدائقُ موتي ذي تمتدّْ
وزفيفُ دمي يشتدّْ
والأرضُ... مددْ.
2.
باسمكَ قد خَرَجَ الرجلُ: الطفلْ
من قمقمهِ المعجِز
ومضى يصطاد فراشات الماء.
ولأنّ الخبزَ عنيفٌ في زمنِ الطحلب
باعدتِ الأرضُ خطاها وَمَضتْ للعتبةْ
آكلةً سمّاً مكتئبةْ.
عادَ الرجلُ: الطفلُ ليوقدَ شمعتَهُ فرأتها الأرضُ.
صرختْ وطوتها تحتَ جناحيها،
شربتْ ماءً آسنْ
وعواءً للفجرِ الآثمْ.
3.
باسمكَ قُدّرتِ الأقمارُ منازلَ والأيّامُ سنينْ
ومضتْ من خلفي مئذنةٌ
لم أرقبها والكأسُ تمزّقني إرباً إرباً.
ألأِنّ الشمعة قد سقطتْ
في الماءِ الآسنِ، أولدُ من موتي
لأُعَذَّب منفيّاً في كلِّ صباحْ؟
4.
ها أنتَ معي فَتَقدّمْ!..
سأريكَ عذابي فَتَقدّمْ!..
لا تقنطْ وانحدر الآنَ إلى البُركةْ.
سقطتْ شمعةُ روحي
فبكيتُ دمي وشبابي..
وصرختُ بوسْطِ البرّيّةِ: مَن ينقذني؟ مَن؟
صهَلتْ في وجهي الريحُ. وجِعْتْ
فأكلتُ عيوني. كانَ المسرحُ مُمتلئاً بالناسْ.
فصرختُ: أنا الطفلُ
لا أفهم هذي المحنة. أُوعِدْنا بالماءِ، رغيفِ
اللهْ.
لِمَ يفقأُ هذا الدهرُ الجبّارُ
عينيه، يسوطُ الناسْ؟
ما مِن رحمةْ؟
في اللحظةِ، في اللحظةْ
اشتعلَ النورُ فقامَ الناسُ لطقسِ النومْ
مبتهجينْ
وأنا وحدي كنتُ اليقظانْ
وأنا الأعمى المنحوسُ المُكتملُ العينينْ.
5.
وتَقدّمْ!..
سأريكَ جهنّم في الأرضْ
وأريكَ اللعبةَ كاملةً، فَتقدمْ!..
فَهَمَستُ بصوتٍ مخذولٍ: "أنا أعمى".
- (لا بأس عليكَ سأجعلُ من دمِكَ البشريّ يرى
ويحسّ، يتيهْ).
فأراني كيف تُباعُ الأرضُ وتُجتثُّ الأشجارْ.
وأراني كيفَ تُلاكُ الكلماتُ، يُباعُ الأطفالْ.
وأراني دائرةَ الأفلاكِ. صَرختْ:
باسمك
لا شأنَ لديّْ
أشعلتُ الشمعةَ في الريح
سرقتْها الأرضْ.
حرقتْ كفّي أشلاءُ النارْ.
ماذا أفعل؟
قد سلَّ الدهرُ الخيطْ
فَبقيتُ وريداً من غير دمٍ..
ولقيطاً من غير قناعْ.
6.
باسمكَ قد دارتْ دائرةُ النقمةْ
وأنا أدخلُ في دارِكَ عُرياناً أنتَ غطائي،
محزوناً أنتَ هنائي، مأكولاً أنتَ سِناني،
فَتَرفّقْ!..
عاشرتُ جحيمَ الناس
وخطوتُ بقلبِ جهنّم..
هذي سَقَرٌ مَرّتْ، فَتَرفّقْ!
7.
أعطاني قلباً آخرَ. أوردني نهرَ الحكمةْ.
فسترتُ عرائي وحملتُ سناني ومَضيتْ.
8.
لكنّ الأرضَ، الليلةَ، قد ذُهِلَتْ.
الأرض، الليلةَ، تأكلُها صرخاتُ دمي.
سَرقتْ؟
قتلتْ أحداً؟
جَلَستْ فوقَ العَتبةْ؟
أنا أعرفها تجلسُ فوقَ العَتبةْ
لكنَّ حنانكَ أوسع، ربّي، فَتَرفّقْ!
لا تتركْني للريحِ لتنبش أيامي
لا تتركْني للحوتِ ليلقمَني الوحشةَ والبحر ورائي..
لا تتركْني ليهوذا يصلبني..
لا تتركْني أتساقط في الوادي بحثاً عن جبلٍ
تتجلّى فيهْ
لا تتركْني للّاتِ. وما مِن لاتٍ أو هُبلٍ أو
عزّى..
لا تتركْني للطوفانْ
ودمي قد أبصرَ خفْقَ حماماتٍ عادتْ
برحيقِ النورْ.
أرق
إلى: بدر شاكر
السيّاب
نمْ..
فالوردةُ قد سقطتْ في البئر
وانفضَّ الأولاد
يا عيني. أضحتْ عينُكَ مئذنةً ورمادْ.
نمْ..
الساعة قاربتِ الفجرَ ولا أحد يؤويكَ: فَمَنْ
يؤوينا؟
كفّكَ فارغة إلّا مِن رائحةِ الآسْ،
إلّا مِن حلمٍ يمتدُّ ليصهر دائرةَ الناسْ
ورداً وفراتاً ونخيلاً.
أتعبنا الجري وراء السنوات.
قد أتعبنا حرفٌ كالثورِ الهائجِ: كيفَ نروّضهُ
بأظافرنا، وأظافرنا مُلِئتْ بأنينِ الدمِ وأنينِ
الراسْ؟
نمْ..
يا مَن أسقطتَ الوردةَ في البئرْ،
يا مَن اسقطتَ الوردةَ في بئرِ الحُرّاسْ
وبقيتَ، الساعةَ، درويشاً أعمى
يبكي في الظلمةِ شمسَ الله.
نمْ..
لا عاصمَ، هذي اللحظة، مِن أمرِ الناسْ.
والناسُ نيامُ....... الناسْ.
الرجل
1.
لاسمِكَ نورُ الشمسِ إذا طلعتْ..
فجراً في أكوانِ الظلمةِ أو ألقُ الشاطئ
إذ يبزغُ في صرخاتِ البحّارةْ
وسْط بحارِ الظلمةْ.
2.
أتوجّسُ في الريبةْ
أشلاءً تبحثُ عن أشلاء..
وأنادي باسمك.
3.
تتشرّبني الظلمةْ
والبحرُ بصدري يطغى..
لم أضربْ بعد البحر
بعصايَ ولم أشربْ مِن ينبوعِ الحكمةْ.
صرخَ البحّارةُ في جَوفي: أينَ الربّانْ؟
فبكيتُ رأيتُ الناس عرايا حولي يبتسمونْ.
4.
أقمِ الساعةْ
سورَكَ مِن حولي..
يا مَن باسمكَ يهتزُّ القاع
وتغوصُ الطعنةُ في الأعماقْ
وتشيحُ بنابيها اللعنةْ.
امنحني رأساً آخر لا يرتابُ ولا
يشكو مِن هولِ الموجِ الوحشيّ.
امنحني عينين،
شفةً ويدينْ
وانزعْ ما في صدري مِن غلٍّ وعذاب.
أقمِ الساعةْ
سورَكَ مِن حَولي..
يا مَن يتركني في الريبةِ..
أحيا وأموتُ وأُبْعَثُ كي أُقْبَرَ وسْط نباح
الأموات.
الأربعاء: الخميس
الأربعاءُ تفتّحتْ حلماً ولكنَّ الخميسْ
أثنى على صوتِ المغنّي والليالي الآفلةْ.
*
أقتفي اليومَ موتي: الجنون الذي بيته الشِعْر..
عنوانهُ الريحُ والبحرُ والسيّدةْ.
قلتُ للريح: يا سيّدةْ
فليكنْ حُبّنا قشّةً تمسكُ الروح
وهي تنهارُ مقبرةً زُلْزِلتْ.
*
الأربعاءُ تشرنقتْ بالحُبّ والتهبتْ فأعطتْ للخميسْ
غاباتها السوداءَ فجراً مزّقتْه العاصفةْ.
*
قلتُ للمرأةِ: الفجر
كم تغيّرتِ يا سيّدةْ!
كنتِ بيتي الصغير وشمسي التي قد رَسمْتْ
فوقَ حيطان ليلي الطويلْ،
كنتِ إنشودة القلب إذ يشرئبُّ بأعضائها للسماءْ
ويجالسُ في فرح ٍغيمَها.
*
الأربعاءُ تدحرجتْ في الريحِ عاريةً ولكنّ الخميسْ
أقعى على جرح ِالمغنّي والليالي المقصلةْ.
*
أخرجُ اليوم منكِ: اسمعي
كيفَ لي أنْ أبادل عصفورةً بالبوَمْ؟
يخرجُ البحرُ من ثدي حزني البليغْ،
أرتقي في الصباحْ
سُلّماً مِن ذئابْ.
ينبغي أن أعلّمَ موتي أوصافها كلّ حينْ.
وأناورُ: كم قد خسرتُ وما دلّني الشِعْرُ إلّا
لدربِ الخسارة.
والخسارةُ أفعى تلاطفني تارةً أو تمزّقني في هدوءْ
فأقومُ من النومِ مُنتشياً وأبادلُها محنتي
بالقصائد.
والقصائد مرفوضة. دندني ما الذي يُسْمعُ الليلَ
ألوانهُ
غير قلبي المقفّى؟ اشربي من دمي
وادخلي حيثُ لا يدخلُ الناسُ، لا يدخلُ الشِعْرُ
ثوبَ الخديعة.
*
الأربعاءُ تناسلتْ في السرّ..
والغرباءُ قد فرحوا بثدييها اللذين تباركا بالفجرِ:
يا بؤس الخميسْ!
*
يخرجُ البحرُ أو ينتهي في حروف الكتابة
ويبادلُ أطفالهُ بالدنانير كي لا يجفّ ولا تختفي
جذوةُ الريح
بين أعضائه: فاقترحتُ عليه "النساء". بكى.
* قال: (إنّ النساء شبيهاتُ بعضٍ ببعضْ).
- تكتبُ الآنَ عن فجر ِهذي الشموسْ؟
* فانثنى قال: (ما أجمل الفجر لو
أنّ شمساً به لا تدمدمُ في سرّها).
وتمثلَّ لي بالفراقْ.
*
الأربعاءُ تناسلتْ قططاً ولكنّ الخميسْ
مِن حزنه البريّ عادَ مُحمّلاً
بالخوفِ محمولاً على رأسِ الرماحْ.
*
ما الذي يفعلُ البحر!
* قالَ للصحفي الذي يختفي خلفَ طاولةٍ ضخمةٍ:
"إنّ أسماكَهُ مُتْعَبةْ
وأفاعيه مفتونة بالشكوكْ.
هكذا فالقصائد مُصفرَّةٌ قاحلةْ".
قلتُ لامرأتي حينما عضّني الفقر:
"أنتِ أرجوحتي". فمضتْ نحو حضنٍ جميل لغيري، مضتْ
حلْمةُ الحُبِّ أنشودةً للبكاء على كلّ شيء مَضى
وانقضى،
للبكاء على لذّةِ البارحةْ.
*
الأربعاءُ تناسلتْ وتمزّقتْ قطعاً ولكنّ الخميسْ
من موتهِ يختارُ موضوعاً لأرسم طعنةً في الخاصرةْ.
^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^
المقاطع التي تبدأ بكلمة الأربعاء والموضوعة
بين الفواصل * * من (الكامل) وباقي
القصيدة من (المتدارك).
برقيتان
* برقية أولى
*********
إلى نفْسي
البحرُ عنيفْ
والموجةُ ساحرة ٌ
تتبرّجُ في سَمَكِ الأيّامْ.
* برقية ثانية
*********
إلى: صاحب الشاهر
أقفلتُ عليكَ الليلةَ أبوابَ القبر
فرأيتُ القبرَ كبيراً كالفجر.
أساطير
1ـ الأفاعي
في قلبي خمسُ أفاعٍ: واحدةٌ للأشجار
تزهرُ فوقَ الجبلِ العملاقْ.
أفعى للسنوات
تُرمى خلفي في البحرْ.
أفعى للعاشقِ إذ يبكي
بئرَ اللهِ وبئرَ الأيّامْ.
أفعى لا اسم لها
لكنْ تخضرُّ إذا اختصرَ الفجرُ الصحراءْ
وأقامَ الماءْ.
أُخرى للموتْ.
انظرْ فهنا أفعى للنزهةِ يا قلبي!
2ـ الحصار
أتقدّمُ نحوكَ يا قلبي
بأساطيلي وملائكتي وجنودي.
أتقدّمُ أحملُ سرَّ الماءْ
وعذابَ الشمسْ
إذ تُجلَدُ ظهراً
وحفيف الأشجار.
أرميكَ وأحرقكَ الآن
وأسوّرُ أطلالكَ، يا قلبي، وضحاياكْ
فرحاً أحملُ رأسي في كفّي..
برهاناً عن حُبّي..
في بابِكَ أكتبُ: يا سرَّ الأسرارْ
يا فاتحتي ورموزي، يا جرحي وأسايْ
في عرشِكَ أكتبُ: حاصرني النمرُ الكاسر
والليلُ الناريُّ وحطّمني الزلزال،
حاصرني الفرحُ البريُّ وأنطقني فرخُ البطّْ
وبياضُ الثلجِ، رحيقُ السيقان.
في تاجِكَ أكتبُ: نحوكَ يا عشَّ النملِ، دبيبَ
الموت.
في كأسِكَ: نحوكَ نحوكَ فالكلُّ هباء.
في كأسِكَ: نحوكَ نحوكَ لا شيء سواكْ!
3ـ الجبليّ والهنديّ
يا قلبي طفلٌ أنتْ.
أقلامُكَ ضاعتْ
وحقيبتُك الخضراءْ
سقطتْ في الطينْ.
جَبَليٌّ أنتْ
تستوحشُ حتّى من نبضك،
هنديٌّ أحمرُ لا تعرفُ غير الحُبّ وماء الأنهارْ.
وإذنْ: تتحمّل أنْ تُطعَن في أقطارِ الهجر
من دونِ أنين والجبليُّ المتوحّش
يتوعّدُ والهنديُّ الأحمرُ يقفزُ من بين الأحراشْ؟
4 . الرواية
وأخذتُكَ حيث البرّيّة: جاءَ البدو
خلعوا قلبينا، ضربوا بالسوطِ الجرحَ الفاغرَ في
جذعِ القلبْ
وطواهم ليلٌ أدهمُ. جاءَ الذئبُ الأعجفُ والنمرُ
الكاسر
صنعا من قلبينا مائدةً عامرةً بدماءِ الفجرْ
حتّى هبط الليلُ الأسْوَدُ ملآنْ.
*
وأخذتُكَ حيث جبال الله.
هجمَ الزمنُ المرُّ
تهنا، خرجتْ أزهارُ جبالِ الله
أكلتْ في الوادي قلبينا
وبكينا في الغربةْ.
قلبي يا قلبي. كانَ الزهرُ الوحشيّ
يمحو شفتينا بالوحشةْ
لكنَّ الليلْ
هبطَ الساعةْ
فامتشقَ العمرُ بقايا رئتيه وقام.
*
وخرجنا حيث المدن
تستلقي قربَ الأنهار.
وبحثنا عن أبوينا. قالوا: "رحلا للقبرِ".
افرحْ يا قلبي!..
وبحثنا عن مأوى. قالوا: "لا مأوى".
اضحكْ يا قلبي!
وجلسنا كي نشربَ ماءً
فأتانا يحملُ خنجرَهُ المسمومَ الإنسانُ الذئبيّْ
والإنسانُ الأفعى والإنسانُ الفهد
والإنسانُ الإنسانْ.
وبكينا. "لم نفعلْ ما يؤذي أحداً- قالَ القلبْ-
فلماذا قتلونا قربَ النهرِ؟" أجبتُ القلبَ الخائب:
كم مِن مَرّةْ
أخبرتُكَ ألّا تسأل؟ انتظرِ الليلَ الوحشيّ فليسَ
هنالكَ مَن
هو أرحم منهْ.
وافرحْ يا قلبي!
*
ورحلنا في الدربِ. السيفُ الذهبيُّ علينا..
لم نفعلْ شيئاً.
كنّا نتحدّثُ عن خبزٍ طيّبْ
في دربٍ معزولٍ.
أُسقِطَ في يدِ قلبي،
قطعوا رأسي، حملوه على رمحٍ أسْوَد
فبكيتُ عمودَ الروحِ المشروخ، انكسرتْ كلماتي، قلتْ
في صوتٍ مبحوحٍ: "إنّا أيتامٌ". لم يسمعْ أحدٌ
كلماتي..
وطواهم زمنٌ هيمانْ.
*
ورحلنا
هي ذي الغابة:
أجسادُ نساءٍ بضّاتٍ، أثداء تدلّى
أثداء مثل الكمّثرى فرحاتْ.
وضحكنَ لنا
فهبطنا في حممِ القُبْلة
لكنَّ الأفعى خرجتْ من أثداءِ النسوة
شَنقتْني، شربتْ نبضَ القلبِ الطفلْ.
قالَ الطفلُ:
"لِمَ؟ لمْ نفعلْ شيئاً. كنّا نحلم
لا شيء سوى الحلمِ!"
وخرجنا نصفَ مجانين.
اضحكْ، مِن أعماقِكَ، قلبي.
قالَ الطفلُ المقتولْ:
"أعطوني كسرةَ خُبزٍ، جُرعةَ ماءْ".
فأجبتُ ورأسي فوقَ الرمحْ:
"خذْ..
ذكرى طعناتِ النمرِ الكاسر،
طعناتِ الوحشِ، الإنسان".
وخرجنا نصفَ عرايا نبكي في عيدِ الأرض.
وخرجنا
ورآنا الله.
جيم
1.
ما بين حصاة هائلة ورمالْ
بزغتْ في جذعِ القلبْ
أزهارُ الليلْ
فَنمتْ، كبرتْ، أضحتْ أشعاراً رائعة العينينْ
ملأى بالأوراق الوحشيّةِ..
بالأثمارِ المرّةِ..
بالأشلاءْ.
2.
كنّا في الدارْ:
أنا
وعذابي النائم كالجُثّة
وسط الدار
(وكذلك شخص لا أعرفهُ)..
قالتْ أشجارُ الليلْ
بالأسرار.
فَصَمتْنا
وكأنَّ الهول تداركنا
والتفَّ على جذعِ الكلماتْ.
لكنَّ الجُثّةَ قامتْ،
صَرختْ، شقّتْ كتّانَ الجسدِ الأبيض،
صارتْ تندبُ وسط الدار.
3.
ماذا قالتْ أشجارُ الليلِ هناكْ
وبأيّ نسيجٍ مقطوعِ الكفّينْ
باحتْ بالأسرار؟
أيّة أسرارْ؟
ولماذا قامتْ تلك الجُثّةُ، شقّتْ كتّانَ الجسدِ
الأبيض،
نَدَبتْ وَعَوتْ؟
لم أفهم شيئاً.
حدّقتُ كمشدوهٍ في ذاكرةٍ بيضاءْ
وَنَبشتُ حصاتي والرملَ الأسْوَد
حتّى كدتُ
أن أخلعَ جذرَ الأشجار.
لم أفهمْ شيئاً..
وكأنّ قطاراً دهسَ الماضي: ثعبانَ الكلمات.
4.
من بعد ليالٍ عامرةٍ
حضرتْ للدارِ الجُثّةُ قالتْ:
قالتْ أشجارُ الليلْ:
"أنا عاريةٌ دثّرْني. وَدَمي ينزفُ لا تلمسْـني..
أنا برجُ الشاعر
هو ذا لا يبرح قلبي.
وأنا المأوى في اللامأوى..
فتعالَ لموتي كالطعناتْ
وأقمْ مِنْ حَولي سوراً للنسيانْ،
سوراً من أحجارٍ هائلةٍ، أسلاكٍ شائكةٍ وجماجم
أطفال".
5.
الجُثّةُ قالتْ ذلك.
لكنَّ الجُثّة كانتْ نائمة في الدارِ وما نَطقَتْ
أبداً!
الثعالب
أقفرتْ ليلةُ الحُبِّ
وَدَمي ثعلبٌ ميّتٌ
مُبحرٌ باتجاه التي لا تُسمّى،
لا يُقالُ بأسرارها أو يُباحْ.
مُبحرٌ باتجاه الرياحْ.
قرّبي من ثناياي شيئاً:
أيَّ شيء يكونْ.
فالثعالبُ تلتفُّ حَولي، الثعالبْ
تلعقُ الآنَ أعضاءَها في دَمَي الميّتِ.
قرّبي. فجرُكِ الآنَ ملآنْ.
مرَّ عشرون عاماً وشبّاككِ الآنَ ملآنْ
وبثديين من غضبٍ صامتٍ، من جنونْ.
*
أقفرتْ ليلةُ الحُبِّ
وَدَمي مُبحرٌ في الفراتْ.
فاستبحْ أيّها الليلُ سدّاً يُدمدمُ، قلتُ: استبحْ
لغةَ الفجرِ والعنفوانْ.
أترى في الشبابيكِ شيئاً؟
أترى امرأةً صيغَ ميسمها من حنانْ
ثُمَّ من رئةِ الكشتبانْ؟
هل أمدُّ يدي
أم أقطّعُ منها الأصابعَ كي أستريح؟
إنني مُثقلٌ بالغموضْ
وَدَمي ثعلبٌ قاتلٌ مُثقلٌ بالظلامْ.
طيور
* طائر الوهم
بهدوءٍ أعمى ينقرُ قلبي طيرُ الوهمْ
يوهمني أنْ لا معنى إلّا لفحيح الموتى.
* طائر المعنى
تاهَ الهدهدُ في المعنى..
(المعنى كانَ كبيراً مُتّسعاً كضياعِ البحرْ).
حدّقَ في الأفقِ سليمانُ العالِمُ، قال:
أينَ الهدهد؟
عرفَ الجنُّ، جميعاً، بمكانِ الهدهد.
لكنَّ الجنَّ، لأسبابٍ لا تُحصى، صمتوا..
فأحالَ سليمانُ الجنَّ إلى حجرٍ
وأحالَ الأحجارَ إلى قبرٍ مُتّسعٍ
وأحالَ القبرَ إلى بلّورٍ وقواريرْ.
* الطائر الأسْوَد
كانَ غرابُ الليلِ
يقرأُ أسماءَ الناسْ
في اليقظةْ
وغرابُ الفجرَ يداعبُ ألوانَ سماء مُنقرضةْ.
واذ احتدَّ غرابُ الليلِ، احتدَّ غرابُ الفجر
حتّى سقطَ الريشُ الأسْوَدُ والأبيضُ فوقَ الناسْ.
* طائر الموت
1.
عارٍ كالتفّاحةِ قلبي وعميقٌ كالتابوتْ.
2.
في الفجرِ رأيتُ التفّاحة
تتعرّى في بطنِ التابوتْ.
في الليلِ رأيتُ التفّاحة
تقضمُ رأسَ التابوتْ.
3.
عارٍ كالتفّاحةِ موتي ولذيذٌ كالتابوتْ!
كهيعص
لأبي، منجم الوقتِ، خمسون اسماً عجيباً وقلباً
نبيّاً..
ومرآة حُبّ كبيرةْ.
لأبي، سيّد الماء، أنفٌ وقورٌ، وعينان من أرقٍ
وامتحان، وتيجان غيمٍ ونورٍ، وكفّان قد (قُطّعا)
في الليالي إليّ (فجاءا) برأسي إليّْ.
فابتسمتُ وأوماتُ للريحِ أنْ أحضري اليومَ عرسي..
وقومي كما ينبغي للضيوفِ: الوحوشْ،
مثلما ينبغي الآن مثلي.
لأبي، سيّد الوقت، تيجان زهوٍ تحلّى بها نصف لحظةْ
ثُمَّ فارقها ميّتاً فارقَ الفجرَ ظلّهْ
وانبرى للملائكةِ الواقفينْ
سيّداً من يقينْ،
صارَ للجّنِ قاموسَ موتٍ مُضيء..
فأورقتُ في الليل ظلّاً..
وأورقتُ في النورِ فجراً..
على بابه المحتفي كنتُ في حرفه أنحني
أو أقاومُ في جسدي ما أرى من دمٍ نازفٍ
نخلةً في دهاليز غامضة ظلّلتْها السيوفْ:
جذعُها الكاف
جذرُها الهاءُ والياءُ والصاد
سعفُها العينُ. أورقتُ عينْ
وتجاوزتُ ما قاله الحقّ لي
عن ضرورةِ شقِّ الفراغِ إلى قطعتينْ
وقت تقسيم جرحي البليغ على بابهم كي يروا
في قرون ستأتي مرآةَ قلبي المُضيء.
من دمي أورقَ الياسمينْ.
الوحوشُ استداروا إليّ: اطعنوا يا ضيوفَ الجحيمْ!
من دمي أورقتْ سورةُ الرملِ والأنبياء:
ألفَ لامٍ وميمْ.
الوحوشُ استداروا إليّْ،
صارَ للربّ أسطورة، للعروشِ مفاصلها القاضمةْ،
للسنين الأكاذيب في مهدها لامعةْ.
فاهبطي يتها المعجزةْ
واسمعي إنني الدمدمةْ،
إنني عطشُ الجمجمةْ،
إنني...
نبشوا صيحةَ الروح،
حملوا صيحةَ الروحِ فوقَ الرماحْ.
صارَ للربّ أسطورة: نخلة من دهاليز غامضة ظلّلتْها
الحتوفْ:
طلْعُها الكافُ والهاءُ والياءُ والعينُ والصاد،
طلْعُها الله.
طلسم
طاء
طارَ الطائر
واشتاقَ إلى تيجانِ النخلْ،
صبواتِ الزيتونِ وألحاظِ الماءْ.
كانَ الطائرُ مهووساً بجناحيه الطفلين
وبنظرته الخضراء لغصنِ اللذّةِ... لامْ.
حامَ الطائر،
حط َّعلى قلبي الميّتِ أحياه
من كبوته وخطاياه.
فبكيتُ كأفعى تُقسَمُ قسمين
ونظرتُ إلى جسدِ السرِّ: إلى سرِّ..
الطاءِ، إلى طاءِ اللامِ، إلى لامِ السينْ
وإلى سين الميمْ.
كانَ الساحرُ مُشتعلاً في أقصى أركان اللذّةِ
كالتنّينْ
يحرقُ ذاكرةً لحروفٍ أربعة عمياء يراها الأبكم
ويراها الرائي مُبصرةً لزمان يتخثّرُ فوقَ كفوفِ
الشيطانْ.
ضحكَ الساحرُ إذ أبصرَ حيرةَ هذا الطائر،
قهقه كالمجنونْ
ورماه بتيّارٍ من لهبٍ من فمه الأدرد.
فاحترق الطائرُ فحماً حتّى وصل الأرضْ
فتلقّاه الساحر
بأعاجيب الميم.
حطَّ الساحرُ فوقَ الطائر.
ارتفعَ الطائرُ بالساحر،
حلّقَ في صيحاتِ الغيمة،
تيجانِ النخلْ،
صَبَواتِ الزيتونِ وألحاظِ الماءْ.
حلّقَ حتّى تاه.
ديوان عربيّ
دار الشؤون الثقافية العامّة، ط1 ، بغداد، العراق 1981
ديوان الأسئلة
رؤيا
***
إذ أرى خفْقةً
تهبطُ الآن في الريحِ تستنفرُ الذاكرة،
خفقةً ناحلة
تسكنُ الصمتَ والتمتمة،
أسألُ الفجرَ هذا الصديق العتيقْ:
ما الذي يعرفُ الطفلُ عن أمّهِ أو أبيهْ؟
*
إذ أرى قُبْلةً هامدة
تسكنُ الليلَ بين الأصابع
مثل صرخات طفلٍ بعيدْ،
أسألُ الفجرَ هذا الصديق العتيقْ:
كم تُرى تبعدُ الشمسُ عن ظلّها؟
كم تُرى تبعدُ الشمسُ عن
لغوها المختفي في الزرازير والنحل
والدخانِ، البنادق؟
كم تُرى تبعدُ الشمسُ عن جرحِها المستفيقْ؟
*
إذ أرى كلْمةً ناتئة
تختفي في سطور الدفاتر،
كلْمةً ذات عينين قد صيغتا وحشةً داكنة،
كلْمةً تحتفي وحدها بانتصاراتها القائظة،
أشتكيها الزرازيرَ والنحلَ والفجر
والدخانَ، البنادق.
أشتكيها، إذنْ، خفْقةً تسكنُ الصمتَ والتمتمة.
أشتكيها، إذنْ، أو أخاف
أنْ تظلّ الصديقْ.
كم
****
كم مِن جهدٍ يلزمني كي أمسكَ أياماً راحلةً
كقطارٍ مُسرع
أو مثل ظنون تتمطّى كغطيطِ السكّير؟
كم مِن جهدٍ يلزمني لأغنّي
للقبّعةِ المرميّةِ في الريح؟
*
كم مِن جهدٍ يلزمني كي أذكرَ شيئاً
مرّ هنا أحرقَ كلَّ الأشجارِ وبخّرَ منها الفجرَ
وأعطى
لربيعِ الحبّ نشيدَ السكّينْ؟
كي أنسى أنهاراً مرّتْ
وطيوراً قالتْ في أذني شيئاً،
أثداءً باركت النوم؟
*
كم مِن جهدٍ يلزمني كي أبكي أو أضحك؟
كي أمسكَ كأساً مِن فرحٍ محمومْ،
كي أحرقَ أقنعتي في ليلٍ صافٍ كالثلج،
أخطو في فجرٍ أسْوَد مجنون؟
ديوان المقابلات
مقابلة أولى
*******
الصوت والصدى
***********
أ ـ الصوت
في الليلِ الأسْوَد
يتحدّثُ هذا القلبُ الغامض
بحديثٍ غامض
عن مدنٍ وشوارع مرّتْ كقطارٍ مزدحمٍ مهمومْ،
عن أصواتٍ ضاعتْ
ونساء يبكين الظلَّ وأحجار الظلّْ.
*
في الليلِ الأسْوَد
يتحدّثُ هذا القلبُ الغامضُ عن حرفٍ
غطّى عينيه بقبّعةِ الحلمِ البيضاءْ،
عن حرفٍ ممتلئ بأنينِ الماءْ،
عن حرفٍ محترقٍ مجنونْ.
*
في الليلِ الأسْوَد
يتحدّثُ هذا القلبُ الغامض
عن أنهارٍ تأتي أو ترحلُ ضاحكةً
بثيابِ الفجرِ، جبالٍ غطّتْ هامتَها بغيومِ الثلجْ،
وطيورٍ قد طارت هاربةً من وقعِ خُطى الصيّادين.
*
في الليلِ الأسْوَد
يتحدّثُ هذا القلبُ الغامض،
كي ينسى شيئاً أو يتذكّر شيئاً
لينام.
ب ـ الصدى
مِن أيّ بحارٍ أو وديان أو أشجارْ
يأتي هذا الصوتُ البشريُّ الغامض،
يأتي هذا الحلمُ الأسْوَد
كي يوقظني من صحوي أو نومي؟
*
مِن أيّ جبالٍ أو أمطارٍ أو أصقاعْ
يأتي هذا الزائر؟
ولماذا يتركني حيناً كالغيمِ العاثرِ، حيناً
فستاناً
لعروس مجنوناً بالقُبلات؟
*
مِن أيّ نبوءاتٍ أو أحجارٍ أو أحداقٍ
يأتي ليشتّت تيجاني، يرميها في الشارع
أو في أمواجِ النهرِ الصاخب،
ليُشتّت ساعاتي، يرميها في الليلِ الموحش
أو يرميها- أبداً- في النارْ؟
مقابلة ثانية
*******
ملاحظتان عن الأشجار
***************
- أ-
كانتْ أشجاري في الشمس
وأنا أتفيّأُ ظلَّ الراحةِ تحتَ مياسمها
فرحاً فالظلُ ودودٌ والشمسُ الذهبيّة..
تهدي قسطاً من ضوءٍ يحوي
شيئاً من فرحي الأسطوريّ،
جسدي النائم في كرسيّ من ذاكرةِ الأشجارْ.
*
هبّتْ عاصفةٌ زرقاء.
أغمضتُ عيوني:
أتغادرني الأشجارْ؟
الجذرُ الأسْوَدُ يربطُها برنينِ الأرض!
أأغادرها؟
وتجيءُ العاصفةُ الزرقاءُ فيبكي قلبُ الأشجارِ
بصمتٍ، لكنّ الأغصانْ
لا تملك أنْ تخفي شيئاً فتضجُّ جميعاً. أغمضتُ
عيوني:
ستظلُّ هنا الأشجارْ
تحملُ أحرفَها، خفْقَ الكونِ النائم فيها..
إذ مَن يقدر أنْ ينزع منها حرفاً أو حرفينْ
لتصير "شجاراً" أو "شاراً" ؟
تحت الأشجارْ
ثملاً من شدّةِ حزني صرتُ أغنّي:
يا قلبي، يا لغة الأشجارْ
يا أشجاري، يا لغة القلبْ.
- ب -
شجرٌ مقطوعُ الكفّين.
شجرٌ يحوي بضعَ حماماتٍ في بعضِ سماءْ.
شجرٌ يتبّسمُ طفلاً من مرحٍ
أو طفلاً يخفي صيحاتِ الآه.
ويجالسني.
ويجالسني دوماً.
مرّاتٍ إذ يغضبُ مِن لا جدوى الحلم الضيّق.
في شرفةِ نومي يدخلُ كي ينسى
بعضَ الوقت ويوصدها بالمفتاح ِالأخرس.
فأظلّ وحيداً
كالأعمى.
مقابلة ثالثة
*******
أغنيتان
*****
1.
غربة في الجسد
قد أقامَ بأحداقها الليلُ
ضاحكاً كاللهب.
غربة في الجسد
بويعتْ في غيابِ الجسد.
2.
آهِ عادَ السنونو لأعشاشهِ ضاحكاً كالنسيمِ
العليلْ.
آهِ عادتْ طيورُ البحارِ البعيدة
والذئابُ الغريبة.
آهِ عادتْ خُطى العاشقِ، العاشقة
والسنين المريرة،
والمغنّي العجوزْ.
آهِ عادتْ خُطى كلِّ شيء. ولكنني
لم أعدْ منذ مليون عام وحيداً
أشيبَ الرأسِ مُكتهلاً بالعذابِ، إذنْ
فلأغنِّ بصوتٍ خفيضٍ لأسأل
كلَّ شيء يمرّ:
هل تراني أعود؟ لماذا؟ لِمَن؟
ديوان عربيّ
الساعة يأتي
كالطيرِ الأبيض مُرتحلاً بحنينِ العشبْ
وطنٌ قد غادرهُ النومُ الأبيض.
الساعة يأتي
وطنٌ وأنين،
وطنٌ مرتجفٌ كأنين.
*
الساعة يأتي
سأقولُ، إذنْ، ورصاصُ الأعداءِ امتلكَ الجسدَ
الفاني،
مَن يحضرني في مائدتي الدمويّة:
أشوارع فارقها الجوع،
أشوارع فارقها الخوف،
أشوارع لا تبكي أحداً؟
الساعة يأتي
قمرٌ مرتحلٌ بأنين،
قمرٌ مرتجفٌ كأنين.
*
مَن؟
- وأكاد أقومُ إلى موتي الممتدِّ على مائدةِ
الشارع-
لصٌ أغبر،
شرطيٌّ أخرس، ذكرى فجرٍ ضائع؟
الساعة يأتي
زمنٌ مرتحلٌ بأنين،
زمنٌ مرتجفٌ كأنين.
*
الساعة يأتي
سأقولُ: ربيعَ الربِّ اشرحْ لي صدري
واشرحْ لي مائدتي الدمويّة، مائدةَ الهجراتْ
واشرحْ لي كيف تقومُ الليلةُ مثل مراكب ذاهلة
شعثاء الشعرِ، العينين، الشفتينْ.
واشرحْ لي شي...ئاً...
لم يبقَ من الساعة
إلّا خيط اللحظاتِ. سلاماً لربيعِ الربِّ، سلاماً
يا كلّ دمي، زمني، كفّي الدمويّ المغموس
برحيقِ عذابِ الأرضْ.
وأقولُ سلاماً
سأقومُ، الساعةَ، مثل الماء.
ديوان الأشياء
جبل
****
كانَ قربَ البيوت القديمة
ساكناً هادئاً دونما وردة أو شجر.
كانَ قربَ البيوت القديمة
واقفاً بانتظار الليالي التي لا تجيء
وهي ملآنة بالقمر،
بالمواعيد أو أيّ شيء.
كانَ قربَ البيوتْ
فجأةً... حاصرته البيوتْ
بخطى من سكون.
فجأةً... احتواه المطر
بين أغصاني الصامتة
وانتهى- يا لبؤس الصدى-
كومةً من حجر.
غرفة
****
غرفة كنتُ أودعتُها صورتي
عندما يحتويها المساءُ الوحيدْ
والليالي التي ترتدي الفقرَ ثوباً،
ترتدي الروحَ أسطورةً من حروفْ.
غرفةٌ عرفتْ كلْمةً سطّرتْ
كلَّ شيء، أشارتْ إلى ما ترى
خلف شباكها المستجيرْ.
غرفةٌ فرشتْ ثوبَها للصعاليكِ في آخرِ الليل،
للكؤوس التي تختفي
بين عينين قد صيغتا من لهبْ
بين كفيّن قد صيغتا من ربيعِ الألم.
غرفةٌ فرشتْ ثوبَها
للأغاني التي تبتدي بعد أنْ ينتهي البائعونْ
من صراخِ النهارِ الطويلْ،
بعد أنْ تنتهي النسوةُ الناضجاتُ الجسد
من خطى الفتنةِ القاسية.
غرفةٌ: مسرحٌ للضجيجِ، البكاءِ، المرح!
ديوان الرقصات
الرقصة الأولى
*********
اهبطي
مثل حرفٍ بليغٍ يرومُ المثولْ
بين أيدي السطورْ،
مثل سجنٍ يرومُ الهروبْ،
مثل نهرٍ يمارسُ ألعابَه الغامضة،
مثل مِيتٍ يُعادْ.
وارقصي. ها هنا آسنا يحتفي،
ثلجنا يختفي، عشبنا يرتوي.
ها هنا ريحنا المُبهِجة:
ريحُ مِيتٍ يُعادْ.
... دورةً، دورتينْ.
أطلقي صرخةً خافتة،
نظرةً خافتة
مثلما الماء إذ يستفيق
من لظاه العميقْ.
... نظرةً ثُمَّ أخرى
... خطوةً ثُمَّ أخرى
... دورةً ثُمَّ أخرى.
... نظرةً مِن حنينْ.
إنني أنحني مثل آسٍ فتيّ،
أختفي في جفونِ العيونْ،
أشتهي أن أكونْ.
إنني أنتشي بالكلامْ
عامراً بالرؤى والجموحْ.
الرقصة الثانية
*********
* انظرِ الآن ماذا ترى؟
- ها هي الريح
والعصافيرُ من نومها أقبلتْ وهي تنأى. الدخانْ
ساهماً كالأسى يرقبُ الآن، خلفَ الوجوه، الزمانْ.
والعيون التي تحتوي ميسمي
لم تكنْ تفهم العشبَ إذ ينحني
وردةً تحتوي شمسَ هذا اللقاء: الجنونْ.
قيل لي إنّها خفقة
للينابيع إذ يفتحُ الفجرُ أجفانه بالضياءْ.
إنّها ميسمٌ للعناقيد إذ ترتوي بالغناءْ.
إنّها رنّة الكأس أو قُبْلة تشتهي أنْ تلفَّ الجسد،
تنحني بين أوراقه شمعةً مِن دموعْ.
... دورةً... دورتينْ.
* انظرِ الآن ماذا يكون؟
- العصافيرُ ذكرى تجول
كلّما أضحكَ الوردُ أعشابَه بالدخانْ.
العصافيرُ ذكرى تجولُ القطاراتِ والأنهر النائمة،
المنافي التي أشعلتْ لونَ أثوابِها.
والعصافيرُ مُذ غادرتْ نخلَها المُنتظر
عانقتها السنين التي أشعلتْ جمرةً بين أجفانها.
* أشعلتْها إذن!
- ها هي الريحُ من نومها أقبلتْ تعصفُ
والعصافير قدّامها تركضُ.
ها هي الريحُ من نومها أقبلتْ تركضُ
والعصافير قدّامها تعصفُ.
... دورةً ثُمَّ أخرى،
... خطوةً ثُمَّ أخرى،
... نظرةً مِن وجومْ.
الرقصة الثالثة
********
حطّمِ الصوتَ هذا الذي يرتديني دماً غامضاً!
يرتديني لقاءً لنهرٍ عميقِ العذابْ
وانكساراتِ ليلٍ طويلِ الغيابْ.
يرتديني إذنْ؟ حطّمِ الصوت!
... نظرةً ثُمَّ أخرى
... خطوةً ثُمَّ أخرى
... دورةً ثُمَّ أخرى.
أيْ دمي يا دمي! هل ترى طائراً
ظلّ وقت انهمار السماءْ؟
هل تراني دمي؟ حطّمِ الصوتَ والريح!
إنني أستطيعُ المسافة
أنْ أقول الفضاءْ:
إنني حضنُ طفلٍ بريء،
إنني وحشةُ الأقبية،
إنني قُبْلةٌ هامدة.
أطلقي نظرةً مثلما القلب إذ يستفيق
من لظاه العميقْ.
... دورةً... دورتينْ.
إنني أستطيعُ الحقيقة،
أستطيعُ الغناءَ الذي كانَ لي شاهدي المنفرد،
كانَ لي ورقة مُعشبة،
ضحكة الفجرِ عند انعتاق الخيولْ،
بسمة الطيرِ عند اشتداد الشتاءْ
وانحدار البساتين من نومِها كالعروسْ.
فلنغنِّ: الفراقُ الفراقْ
أتعبَ الفجرَ والطفلَ. هذا الفراقُ الفراقْ
أتعبَ الظلَّ والجرفَ والعشبَ. هذا الفراقُ
الجَموحْ
أتعب َالماءَ هذا الجَموحْ.
... دورةً للهبوطْ،
... دورةً للهبوطِ الثقيلْ،
... دورةً للحنين الثقيلْ.
الرقصة الرابعة
********
لم يزلْ وردُنا صابراً والكمانُ الوحيدْ
لم يزلْ راقصاً مثل نبع يتيمْ.
راقصاً مثلما وردة تُشتَهى
وهي سكرى بغصنِ الظلامْ،
مثلما وردة بالغتْ في الكذب
واشتهتْ أنْ ترى أيَّ شيء:
جثّةً أينعتْ أو حنينَ النهارْ.
... دورةً... دورتينْ.
أطلقي صرخةً خافتة،
نظرةً خافتة
مثلما النار إذ تستفيق
من لظاها العجيبْ.
... خطوةً للأنينْ،
... خطوةً للجنونِ البليغْ،
... خطوةً للهدوء المريبْ،
... خطوةً للحنينْ.
أطلقي صرخةً مِن سكونْ:
كم تريدين لي أنْ أكون
مثل مرثية انتهتْ واختفتْ؟
كم تريدين لي أنْ أكون الكمان اليتيمْ،
الكمان الذي شجَّ أوراقَه الناتئة؟
كم تريدين لي أنْ أموت؟
أطلقي صرخةً مِن وجومْ:
ربّما كي نموت،
كي نواصلَ في ألمٍ لحننا المستديمَ الثقيلْ.
أطلقي صرخةً مِن ربيعْ:
كي نغنّي معاً لحننا الخالدَ المُستحيلْ!
ديوان الأغاني
مُفتتح راقص
********
صوّبْ:
هذي الوردةُ تهبط.
إنْ تقطفها تهبطْ
*
صوّبْ:
القُبْلةُ جاءتْ عاريةً،
ذهبتْ عاريةً.
ذهبتْ؟ أين؟
الشارعُ يرفعُ أطرافَ الثوب،
أو يشربُ خمراً كالمذهولْ.
والشارعُ ضيّعه الشارع
والشارعُ يصطادُ الشارع.
لكنّ المُخرج لا يرغب
في إلغاءِ السككِ البيضاء ومروحةِ النومِ المُعشِب
والبحرِ المبتعدِ الأطرافِ إلى حدّ الفتنة
والنومِ على زندِ امرأةٍ
بلّلها الليلُ فاضحتْ باردةً مثل الزبدة.
*
صوّبْ:
النخل. الجسد. الفندق.
الأسماك. الأطفالْ.
والريحُ تناقشُ في مرحٍ:
هل يأتي فجرٌ يطلبُ كرسيّاً؟
والريحُ تقول:
الجسرُ يؤدي للمنفى
والنهرُ يؤدي للجسر
والجسرُ جميلٌ كالوردة.
*
الفصلُ طويلٌ كالرقصِ الليليّ وأفواجِ الموتى
وكأغنيةِ البحّارةِ والصخرِ الجارف،
كالصيفِ الممتلئ الأردافْ.
والمخرجُ يرقصُ حيناً ويغنّي:
مرحى للريحِ، الأسماء، الشارع،
مرحى للرغبةِ والطفلِ البكر،
مرحى للقُبلاتِ المرميّةِ ما بين الأحلامْ،
ما بين جدار الآلام.
*
صوّبْ:
هذي الوردة
إنْ تقطفها تهبطْ
في الصبحِ المثلجِ أوراقاً تلتفّ بطعمِ الشارع.
أغاني رأس السنة
***********
1.
وهنالك أشجارٌ سودٌ لم ترحلْ بعد لبغيتها
وهنالك أيّامٌ لم ترحلْ بعد لمتحفِها
وهنالك ......آه.
وهنالك وجهكِ يرصدني أبداً
في كلّ المنعطفاتْ.
أدماه الحزنُ وحاصره القمرُ الذئبيّْ،
أغنته الوحشة
وقليلُ الزادِ وبُعْدُ الشُقّة.
وهنالك وجهكِ..... آه.
2.
هذي الليلة
أكتشفُ السرَّ بأبّي طفل في العام السابع والعشرين.
هذي الليلة
أكتشفُ السرَّ بأنّي كهل قد أتعبه أرقُ الأحفاد.
هذي الليلة
أكتشفُ السرَّ بأنّي كوكبه الدرّيّ المتألّق
في أحداقِ محمّد
وربيعِ اللهْ.
3.
مِن أجلكَ يا مَن يحضرني الليلة وجهُهْ
يا مَن يعرفني ويكاد
يا مَن لا اسم له، لا عنوان
أرسلُ برقيةَ تهنئةٍ
من دونِ حروفٍ أو معنى.
وأنام.
ديوان المراثي
ثلاث مراثٍ إلى آدم
************
1.
في هدأةِ هذا الإيقاع
أرثي مجدَك:
هذا الملكوت الكونيّ..
الرغبة في صهرِ الشمسِ وترويض الأقمارْ.
أرثي بؤسَك:
هذا الوطن الممتدّ حروفاً فارغةً تحبو،
وغيوماً ضاحكةً تبكي من جوعٍ أو رعب.
في هدأةِ هذا الإيقاع
أرثيكَ وأرثي نفْسي
وخطى الإيقاع،
أمتدُّ سماءً فارغةً حتّى القاع.
2.
مَن أعطاكَ الأسماءَ؟ ومَن قال: شراعاً،
خذْ هذي الأرض شراعاً أو قبراً،
حلماً أو كابوساً؟
مَن قال؟ أجبْ!
يا ملكاً محكوماً بعذاباتِ النسيانْ.
3.
لم تهبطْ وحدكَ. قيل بأنَّ امرأةً قد هبطتْ
من روحِكَ كي تنثرَ رملَكَ أو جمرَكَ أو اسمَك
في النهرِ، البئرِ، الصحراء
ويكون رمادُكَ شاهدةَ الدنيا في خاتمةِ القصّة
وضياعِ الحاءْ.
ثلاث مَراثٍ إلى نفْسي
*************
من أين؟
******
مِن أين أجيءُ وأفتحُ أبوابَ خلاصي
وأنا أملكُ روحاً: وطناً لعصافير الشِعْر،
للقُبْلةِ والأمطارْ،
للسحرِ الأسْوَد والريحِ الخضراء؟
حصاة
****
مثل حصاة تُرمى في البحر
حتّى تصل القعر،
تمضي مرثيّةُ عمري.
تمضي، تمضي وأنا أرقبُها
فرحاً مغروراً مقتولاً
في أوّل طلقة،
فرحاً مُرتعداً مُنتشياً
بالموتِ وبالخُذلانْ.
الرقصة
*****
يا لأساي الذي
هدَّ بي الأبواب.
يا لأساي الذي
يشكو ولا يغتاب.
يا لأساي الذي
يمشي كما أمشي!
تفاصيل
مطبعة الغري الحديثة، ط 1 ، النجف 1976
لقاء: وداع
النرجسُ: ذكرى عطرِ امرأةٍ قد فارقت البحرْ،
وقصيدةُ حلمٍ يكتبُها طفلٌ يحبو عند السُلّم.
النرجسُ: فجرٌ لا جدوى فيه إلى الكلمات،
لا جدوى فيه إلى وجهِ الأنهارِ المرميّة
كقطارٍ بلّلهُ الليلُ، وداعُ الباعة.
النرجسُ: أصواتٌ ملأى بالشمس،
كفٌّ لذراعٍ تسقطُ عند الشاطئ ضاحكةً،
وعيونٌ تومضُ أحلاماً
وقصائد تحلمُ بالثلجِ، النسيانْ.
*
قالتْ ذلك
وبكتْ مثل النرجس.
النبيّ الصغير
1.
الشتاءُ نبيٌّ صغيرْ،
ملعبٌ للزمانِ القديمْ،
لحظةٌ للفراشِ المُغطّى بلونِ القصائد عند اللقاء
الأخيرْ.
الشتاءُ نبيٌّ صغيرْ
أطفأ الضوءَ لكنّه عادَ وقت المساء الوحيدْ
مثل أرجوحة بلّلتْها الظهيرة
والعشاءُ الخجولُ الخُطى.
الشتاءُ نبيٌّ صغيرٌ فَلمّي التي صوتها
غابة من زئيرِ البنفسج
صوتها النوم في بركةٍ للطفولة،
والتي غادرتْ ليلَها مَرّةً
فاشترتْ دفتراً سجّلتْ فيه أشجارَها،
سجّلتْ فيه شيئاً ونامتْ
مثلما الطفل عند اشتهاء البكاء الأخيرْ.
الشتاءُ نبيٌّ صغيرٌ فَلمّي التي عاشرتْ لونَ خوفي:
وجهَ عشرين قرناً:
كلّ قرنٍ بيومٍ وحيدْ
كلّ يومٍ بثانيةٍ واحدة،
والتي غادرتْ ليلَها مَرّةً
فاشتهتْ أنْ ترى ليلَها مَرّةً ثانية.
الشتاءُ نبيٌّ صغيرُ الأصابع:
بلّلتْ وجهَها بالمساحيق، عادتْ
خطو فعلٍ عتيقْ.
2.
الشتاءُ كثيرُ الغيومْ.
الشتاءُ: الرجالُ الذين ابتدوا صوتَ لحنٍ قديمْ.
الشتاءُ: السكائرُ مشعولةٌ في الظلامْ.
الشتاءُ الغريبْ:
صفحةٌ، ساعةٌ لا تجيدُ الحديثْ،
ضجّةٌ مِن طيورِ الفراتْ.
الشتاءُ: أغانٍ بلا عودةٍ للنخيلِ المُغطّى
بأعشاشهِ.
الشتاءُ: النساءُ اللواتي يغنين وقت انهمار
السوادْ.
الشتاءُ الذي يخطفُ الآن صوتي
وجهَ عشرين قرناً:
كلّ قرنٍ بيومٍ وحيدْ
كلّ يومٍ بثانيةٍ واحدة.
والشتاءُ ابنُكِ الماجنُ الصامتُ المُبتلى
الذي يسألُ الفجر:
أين هذا العشاء الخجول الخُطى؟
والشتاء: البحارُ التي تتركُ الفجرَ صوتاً
ثُمَّ تستقبلُ الفجرَ كأساً وخمراً.
أنتِ فاتنةٌ
كالملاهي التي تتركُ الفجرَ كأساً
ثُمَّ تستقبلُ الفجرَ كأساً وموتاً.
أنتِ فاتنةٌ كالدعابة
والشتاءُ ابنكِ الماجنُ الصامتُ المُبتلى
بالعشاء الخجولِ الخُطى.
والشتاءُ النبيّ:
بلّلتْ وجهَها بالمساحيق، عادتْ
خطو حرفٍ عتيقْ،
خطو طيرٍ يموتْ
حين يأتي الشتاءْ:
نبضةً تشتهي صوتَ أطفالها
والغناءَ الذي ضيّعَ النخلَ، أعشاشَهُ.
حين يأتي الشتاءْ
ساعةً من دموعْ
باقةً من ندى.
3.
الشتاءُ: نبيذٌ يبدّلُ صوتاً بآخر
: النجومُ التي
علّقتْ فخذَها في الجدارْ
: الطريقُ الذي قلّدتْه الرياحْ
: القصيدةُ عند النهاية
: القصيدةُ عند البداية
الشتاءُ: الصديقْ
الشتاء: البقيّة:
أينَ وجهُ العشاءْ؟
أينَ وجهُ الشتاءْ؟
قصيدة حُبّ
حُبّي!
من أجلكَ أدركتُ أنينَ الطير،
ذكرى امرأةٍ ضاعتْ
ما بين شوارع واسعة كجناحِ الموتْ.
حُبّي!
من أجلكَ أنبتُّ الأزهارْ:
النرجس: ماءْ
والسوسن: مائدة للريحْ
والجوري: طفل يلقي من فوق الجسر الأوراقْ،
والأزهار البرّيّة: سيّدة للحُبّ
والدفلى: وجه ضاعتْ من عينيه الكلمات.
حُبّي!
من أجلكَ عانقتُ الألوانْ:
الأزرق لون الليلِ وفاكهة الروح،
الأخضر طعنة عاشقةٍ وسرير بكاءْ،
الأسْوَد للبلبل
لجراحٍ تأتي حافية القدمينْ
وجراحٍ تذهبُ أو تبقى
كالأشجارِ المهجورةِ وسْط الريحْ.
حُبّي!
من أجلكَ أطلقتُ الأحلامْ:
هذا حلم لربيعٍ يأتي من خلف الصحراءْ.
هذي أحلام قلائد من رُمّانٍ وزبرجد
وشموسٍ تسقطُ كاللؤلؤ.
هذي أحلام صباحٍ مُندهشٍ بالرغبةِ. تلك، إذنْ،
أحلام جليسٍ يبكي في الحفلة.
هذا حلمٌ أسْوَد!
حلمٌ يهذي: أوَ تذكرُ شيئاً عن حلمٍ؟
حُبّي!
من أجلكَ قد غنيّتُ حروفاً لا تُوصَف
وحروفاً تشكو لونَ الليلِ وتمشي كالأطفالِ
المسرورينْ،
وحروفاً تهمسُ للصيفِ، الماءْ
وحروفاً تُعْزَفُ للأسفارْ
أو تُعْزَفُ حين يشيبُ الوردُ، الكاسْ
وحروفاً أقدم من أصواتِ الطيرْ،
من ذاكرةِ الأنهارْ،
وحروفاً قد ضاعتْ من قبل وما وُجِدَتْ،
وحروفاً ترسمُ فاكهةً قُطِفَتْ
أو سنبلةً تأتي لا ريب بإذن اللّهْ.
حُبّي:
هذي مائدتي تسألني:
أوَ أنتَ المجنون الجالس
تحت الأشجار ليبكي ليلَ نهارْ؟
حُبّي: انظرْ هذه مائدتي
صُنِعَتْ من أقصى غاباتِ الكلماتْ.
لا تشكو شيئاً أو أحداً،
لا تأملُ أنْ تدعو أحداً.
حُبّي: انظرْ هذي مائدتي
وُشِمَتْ بدمي!
طفولة
1.
أأنا صوتٌ ودعاء أبيض
حلمٌ وزياراتٌ صيغَتْ من أعماقِ الوردة؟
أأنا مطرٌ ورمادٌ مُعشب
ولقاءاتٌ تمّتْ في ثدي الفجرِ، الظلمة؟
أأنا حضنُ امرأةٍ،
نهرٌ، ألمٌ، وإلهٌ مُستترٌ،
زمنٌ يتخثّرُ كالقُبْلة؟
2.
يدعوني القاتلُ: تذكرة للرعبْ،
يدعوني العاشقُ: مائدة الأحلامْ،
والشاعرُ: غابات لا تُفْهَم.
3.
يدعوني الطفلُ: غناء العصفور الأخضر،
ورحيل الوحشةِ والبُومة
والفجر التائه في الصحراءْ.
يدعوني الطفلُ بحرفِ الماءْ.
قصائد صغيرة
1.
لا تذهبْ أكثر
من مائدةِ الأطفالْ:
من مائدةِ الفرحِ الباسق،
من مائدةِ النخلِ الباسق
وغناءِ البَطِّ، تماثيل الطينِ، الأعشابْ.
لا تذهبْ أكثر من صحراء الغيرةِ والنومِ الأزرق،
صحراء الكلسِ الأبيضِ والكلْماتِ الشعثاءْ.
لا تذهبْ أكثر من جسدِ الرؤيا!
2.
ما نفعُ الأشعار
إنْ لم تأخذ بيدي؟
3
أخشى أنْ تسرقني أقماري السودْ.
أخشى أنْ تتركني كالحوتِ الميّتِ عند الشاطئ
أقماري السودْ.
4.
هل تذكرُ مَن سمّاكْ:
أعطاكَ الخيبةَ واللعبة؟
هل تذكرُ مَن أعطاكْ:
سمّاكَ الخيبةَ واللعبة؟
5.
ذكّرْ
إنْ جاءتكَ الذكرى.
ذكّرْ
ذهبتْ هذي الذكرى
كغبارِ العاصفةِ الهوجاءْ،
ذكّرْ
قطعتْ أشجارَ الروحْ
بأنين الليلِ وزلزلةِ الأمطارْ.
ذكّرْ
ماذا..؟ الذكرى!
6.
حُبّي ورقٌ تذروه الريحُ وتسكنهُ البهجة.
حُبّي ورقٌ لشوارع يسكنُها الغرباءْ
وشوارع ضاعتْ كالغربة.
حُبّي ورقٌ من طينٍ أسْوَد:
ورقٌ يأبى ويهاجرُ، يزرعُ أو ينسى،
ورقٌ للماضي والرغبة،
ورقٌ للغيرةِ والفتنة،
ورقٌ أبيض.
أبو الهول
إلى: الصديق الفنان حميد ياسين
1.
واقفٌ في الصحارى البليغة.
واقفٌ كالمرايا التي تخلقُ السرَّ تمتّصهُ
مثلما الماء إذ يختفي في رمالِ الهجيرْ.
واقفٌ في همومِ السهادْ.
واقفٌ كالرمادْ.
2.
اشترتني الزنودُ القويّة
ثُمَّ لمّا أتاني المليكُ انحنى
قالَ: نحن استوينا معاً
خفقةً للربيعِ الذي لن يموت،
مسرحاً هائلاً للطقوسْ.
قالَ: نحن الملوكْ
فانطق الآن أو فلتكنْ:
أنتَ سرّي البليغْ،
أنتَ ربّ العروشْ.
3.
واقفٌ
ليسَ لي صاحبٌ أو حبيبْ.
قُدَّ وجهي، إذنْ - يا لبؤسي المديد الخطى -
صخرةً من جحيمِ الصخورْ.
واقفٌ كالحلم
كالجدارِ، الإلهْ.
4.
واقفٌ
مرّ، كالنجمةِ النازفة
من أمامي، الزمانْ.
مرَّ صوتُ البحارِ، الرياحْ.
مرَّ صوتُ الطغاةْ
والصعاليك والأحذية.
مرَّ صوتُ الشموسْ:
مرّةً تخلبُ اللبَّ من حسْنها
مرّةً مزّقَ البحرُ أثوابَها.
مرَّ صوتُ اللقاء:
كان عِقداً صغيرَ السماءْ.
مرَّ صوتُ الطبولْ
كان زهراً له وحشة الأقبية،
ضجّة الثدي والعنفوان، الدماءْ.
مرَّ صوتُ الهدى
مُسرعاً كالظلامْ.
وانتهوا؟ كالوقوفْ؟
5.
واقفٌ كالسؤالْ.
واقفٌ كالسؤالْ.
واقفٌ ما أمرّ الوقوفْ!
لم
"لم تبدأْ بعد". الشاعرُ قالْ.
فأتاه الحزنُ الأبيضُ والخوفُ البارد
وأتته الريحُ الغبراءْ.
"لم تبدأْ بعد". الشاعرُ قالْ.
فأتاه الجوعُ الأصفرُ والثلجُ القاسي
وأتاه الليلُ يمزّقُ ثوباً أسْوَد.
"لم تبدأْ بعد". الشاعرُ قالْ.
فأتته العاصفةُ، السيلُ، الأحجار.
"لم تبدأْ بعد". الشاعرُ قالْ.
فأتاه الموتْ!
قصيدة
يا أرحبَ لَحْدٍ مُعشِبْ
يا أرحبَ مَنأى!
آراء في التجربة
النصّ الشعري
الذي بدأت به، وانتهت إليه، خبرة
الشاعر أديب كمال الدين نصّ يقوم على
ما عُرف بالحروفية. وقد كُتب عن هذه
الخبرة الشيء الكثير، وأُضفيت دلالات
جمّة على رمزيتها، وما هذا الاختلاف
في تأويلها سوى علامة على غنى النصّ
الشعري والخبرة التي تقوم دعامة لها.
وضعت الحروفيةُ الشاعرَ خارج السرب،
سرب جيله السبعيني المهموم بالحداثة
الشعرية على الطريقة الأدونيسية، فسلك
بذلك درباً خاصاً، غامر في استكشافه
وحده، وانتهى إلى هذه الغابة
المتشابكة من الرموز الحروفية، والسرد
المشوّق، والبناء المحكم للنصّ.
الحروف التي يطلقها أديب كمال الدين
تعبر عن حيوات كاملة، وذوات فريدة،
وعوالم نابعة من التخييل المبدع.
الحروف احتجاج على عوالم الظلم،
والضياع، والحرب، وهي خيّرة وشريرة،
حيّة وميّتة، بل هي ألغاز ومفاتيح
لفكّ المستغلق من هذه الألغاز نفسها.
الحروف أيضاً انسجام وتنافر، إنها
التناقض المطلق. وهي، من جهة أخرى،
أدوات، ووسائل، وغايات، استعملها
الشاعر ليحاول استبيان غموض العالم
الداخلي، وغرابة العالم الخارجي، من
دون أن يقرر بلوغه الفهم الأخير لكلّ
شيء، فكلّ شيء يبقى مفتوحاً ومنفتحاً
على المزيد من استعمال هذه الأدوات في
البحث الروحي. ومن هنا تكون الحروف
وجوهاً للشاعر نفسه، فهو أيضاً ذات
فريدة، وتخييلي مبدع، ومحتجّ على
عوالم الظلم، والضياع، والحرب، وهو
حيّ وميّت، إنه التناقض المطلق أيضاً.
نصوص الحروفية عالم رحبٌ وممتع،
والسرد الذي يغلّفها يتماهى بها ولا
يعود إطاراً خارجياً، بل يتحول السرد
إلى مكوّن أساسي للشعرية الحروفية.
إنها نصوص تناجي الغيب والواقع، فتبقى
معلّقة بينهما، تعيش حالة المابين،
ومعها يجد القارئ نفسَه سابحاً في
أحلام يقظة، ونهارات غائمة، وسلام
مزيّف، وهدوء يسبق العاصفة: وتلك هي
شيمة الحروف المتحوّلة، والشاعر الذي
يحاول ترتيبها ترتيباً جديداً كلَّ
مرّة".
د. حسن ناظم
(الحروفيّ: 33 ناقداً يكتبون عن تجربة أديب كمال الدين الشعرية) إعداد
وتقديم: د. مقداد رحيم، المؤسسة
العربية للدراسات والنشر، بيروت 2007
*
في واحدة من محاولات شاعرنا المعاصر لخلق أسطورته الخاصة واستحداث الفعل
الصوغي الخاص تقف محاولة أديب كمال
الدين في خلق التقاطع مع المألوف
والاستعلاء عليه بمكابدة خاصة هي
مكابدة الحروف في توق لخلق الأنموذج
المهيمن على رؤيته الشعرية أنموذج
(القصيدة الحروفية). ويحاول الشاعر أن
يبوح بالمحفزات التي دعته إلى اقتحام
نصه تحت (شرط الحرف أو طائلته)
والدوران معه دورة لا متناهية، وأول
المحفزات لديه يبدأ بالقرآن الكريم،
والحرف جزء من أسراره، ثم بما
أحسه في الحرف من قدرة على استكناه
أزمنته الماضية والحاضرة وكشف
المستقبلية منها وقدرته على خلق
أسطورته الشخصية، ويعلن عما منحته
التجربة الصوفية ومواجد المتصوفة له
من مقترح حرفي وأسئلة قصوى عن الحرف
وقدراته التي لا تحد. ويصرّح الشاعر
بالحرف (أسطورة خاصة) ويعرّف به أداة
لحفر منجمه الشعري ويشهد أن للحرف
لديه مستويات.
أ. د. بشرى موسى صالح
(خطوط الحرف السرّيّة: قراءة نقدية في شعر أديب كمال الدين) مجلة آفاق
عربية، بغداد، العراق ع / 3 – 4
آذار: نيسان 1999
*
في تجربة الإنسان: (أديب كمال الدين) تنبثق رؤيتان متلازمتان، الأولى: تجربة الشاعر، والأخرى
تجربة الشعر، والجامع بينهما يحيل على
(نصوص) لا تقف عند اليومي، والتاريخي،
والمغيّب، والمعلن، والعدمي، والصوفي،
والمؤمن حدّ العشق، والعاشق حدّ
الايمان، وإنّما تتجاوز تلك (الأطر)
إلى منطقة الاكتشاف الخاص. وإذا كانت (نصوص) الشاعر قد اهتدت إلى ما سمّاه النقد بـ(الحروفيّة) التي
نقلت الشعر، والشاعر إلى آفاق
معرفيّة، وأسلوبيّة مميّزة ، فإنّ
الحروفيّة نفسها أخذت برقاب نصوص
الشاعر الجديدة إلى حقل الإشارات
المطلقة تلك التي تغامر في خطاب الذات
العليا، وهي مكبّلة بالمحن، والأسرار،
والحروب ، والمتناقضات الضاجّة بسؤال
الوجود.
أ. د. فاضل عبود التميمي
(الحضور القرآنيّ والصوفيّ في "مواقف الألف" للشاعر أديب كمال الدين) جريدة العالم، بغداد، العراق، 3 - 11 – 2012
*
من أبرز
السّياقات الشّعريّة بيانا لاشتباك
اللّغويّ بالمجازيّ والصّوفيّ
والذّاتيّ في الملمح العامّ لرمزيّة
الحرف الشّعريّ المعاصر قولُ أديب
كمال الدّين:
“أنَا سَيّدُ الألَم
وسَيّدُ الّذين سَكَنُوا في لحاءِ الحَرْف ،
وجَلسُوا يَتأمَّلونَ في غُمُوضِه الأعْظَم."
من الجليّ أنّ الشّاعر الحروفيّ لا يفقد الخيط
النّاظم بين الماهيّة اللغويّة للحرف
باعتباره "رابطة"، والاستعمال
المجازيّ للحرف بمعنى "الألم المعنويّ
والأدبيّ"، لكنّه يصهر تلك المعاني
الرّمزيّة المتوارَثة بالبعد الصّوفيّ
التّجريديّ، دون أن يغفل عن مركزيّة
الأنا في العمليّة الإبداعيّة، ولا عن
معاناة الذّات المتقلّبة على لظى
المعرفة، بين كائن التّشكيل وممكن
التّأويل. إنه، بشكل أو بآخر، حوار
بين حرف الشّعر ونقطة القراءة، يرمي
إلى ملء فراغاتٍ دلاليّةٍ أومأ إليها
الشّاعر أديب كمال الدّين في قصيدة
(جنَّةُ الفراغ):
“قُلْتِ لِي: إنّكَ تَبْحَثُ عَنْ رَمْزٍ تَكْتُبُ
عنْه
ونَسيتِ أنَّني حَوّلْتُ نُقْطةَ نُونِكِ
إلَى إلْيَاذَةٍ مُعاصِرَة ".
د. حياة الخياري
(أضفْ نوناً: قراءة في"نون" أديب كمال الدين)
تأليف: د. حياة الخياري، الدار
العربية للعلوم ناشرون، بيروت، لبنان
2012 ص 15 و 16
*
في العمل
الإبداعي الكبير أكثر من مجرى سري
يحفره المبدع في وجدان قارئه، وكلما كان هذا العمل موجزاً أومكثفاً زاد القارئ به إغراء ودهشة، وهذا شأننا
مع تجربة الشاعر أديب كمال الدين، الذي يشارك بفاعلية في تأسيس
المنجز الشعري الأحدث والأجد بلغة لا
تستعجم، وفي إطار أبعد ما يكون عن الشكلانية المحكومة بالإبهار الخاوي.
أ. د. عبد العزيز المقالح
صحيفة الحياة، لندن 5 آب 2005
*
تتجلّى هذه
التجربة فريدةً ذات خصوصية تدلُّ على
الشاعر وحده، وتختص به دون سواه، وقد
بدا وكأنه يعمل من أجلها بإخلاص وحب
شديدين، منذ زمنٍ ليس باليسير، فأخذ
يُغذِّيها بكل ما استطاع مِن قوةٍ
استجمعها خلال حياته كلها من مفردات
التعلم والثقافة والتجارب، ولم يبخل
عليها بالسهر والتجريب، حتّى شَكَّلتْ
ظاهرةً في الشعر العربي الحديث، كما
شكَّلتْ الظاهرةَ الكبرى في شعرهِ هو،
حتّى ليكادُ المتتبعُ يُشفق عليه لظنه
أن لهذه الطريق نهاية، وأن لليل
أحاديث سيقطعها بزوغ الصباح، حتّى
يكتشف أنْ لا صباحَ وراء ليله، ولا
انقطاع لأسماره!
إنَّ خصوصية تجربة الشاعر وَلَّدتْ ما اصطلح عليه النقاد
والمهتمون بأمور الشعر العربي الحديث،
وشعره خاصةً، بـ(التجربة الحروفيّة)،
حتّى أصبح لصفة (الحروفيّ) وقعها
الخاص الذي يدلُّ على الشاعر أديب
كمال الدين وحده.
د. مقداد رحيم
(الحروفيّ: 33 ناقداً يكتبون عن تجربة أديب كمال الدين الشعرية)، إعداد
وتقديم: د. مقداد رحيم، المؤسسة
العربية للدراسات والنشر ، بيروت 2007
، ص 9
*
عالم الحرف
في شعر أديب كمال الدين عالم متمرد
على كل حدٍّ، غير أنه متطلع إلى كل
مدٍّ في اتساع آفاقه، إنه عالم يتنامى
فيه الاختلاف مقابل الائتلاف، يضمر
فيه العقلاني مقابل اللاعقلاني، عالم
يحاكي زمنا يتجسد فيه غياب المعنى؛
الأمر الذي حيّر معه دور الكلمة،
وركنها إلى كل ما هو مبهر ومدهش، عالم
فيه ضلّ الشاعر مع حروفه، وظلّ هائما
حين صار كل حرف يحمل شحنة من الدلالة،
هي في علاقة اضطراب مع واقع الشاعر
الناتج من انفصام معناه عن مبناه،
وبعد أن توارى بالقناع في اغترابه.
أ. د. عبد القادر فيدوح
(أيقونة الحرف في شعر
أديب كمال الدين) مجلة الأقلام،
بغداد، العراق، العدد 3 ، 2014
*
لا عجب في أن
يكون العشق هو خرقة الشاعر أديب كمال
الدين وتكون الرمزية الجمالية عصاه.
خرقة وعصا جعلتا من مجاميعه الشعرية
شكلاً جديداً من أشكال التعبير
الجمالي لم يحققه أحد من شعراء عصره.
د. أسماء غريب
(تجلّيات الجمال والعشق عند أديب كمال الدين) تأليف: د. أسماء غريب، منشورات
ضفاف، بيروت، لبنان 2013 ص 18
*
الحرف في
قصيدة أديب كمال الدين شظيّة أو كسرة
من رقيم. ليست حلية بل شاهدة جماعية،
إشارة تضيء ظلام المعنى وترفو جراحه.
أ. د. حاتم الصكر
مجموعة (أخبار المعنى) دار الشؤون الثقافية العامة، بغداد، العراق 1996
*
ينتمي الشاعر
العراقي أديب كمال الدين، المقيم منذ
سنوات في أستراليا، إلى ما عُرف
تجوّزاً في المشهد الشعري العراقي
بجيل السبعينيات. وللشاعر منجز شعري
كبير. لكن ما ميّز منجز الشاعر
العراقي بين مجايليه والمشهد الشعري
العربي عامة أنه توفّر على ثيمة
موضوعية، اتخذها منطلقاً لتجربته،
ومهاداً راح يؤثث شعره على هديها، حتى
استغرق جلّ شعره؛ لتصبح هذه الموضوعة
علامة على منجزه وعنواناً دالاً على
الشاعر، وأقصد بها تجربة انشغاله
بالحرف، وتسخير جلّ منجزه للتعبير عن
معطياته، سواء بالاتكاء على التجربة
الصوفية أو باستكمال مدياتها
والاجتهاد في البحث عن آفاق جديدة
معاصرة فيها.
د. صالح هويدي
(هجنة النص: قراءة في قصة الخلق الرمزية) جريدة العالم، بغداد، العراق 25 آب
– أغسطس 2014
*
كلّ كتابة جيدة
هي اختراق، هي إزاحة عن مركز وسياق
وتقاليد، وتخطّي عتبة إلى منطقة بكر،
وقارة وجودية لم يسبق لأحد ولوجها.
ولقد أراد أديب كمال الدين، بطريقته
الخاصة، أن يحقق هذا مطلاً على مديات
الإبداع من نافذة الحرف، لتصبح قصائده
تجربة ذات ملمح صوفي عرفاني بطاقة
شعرية خلاقة. وصحيح أنه ليس الوحيد
الذي فعل ذلك، من بين الشعراء، لكن
فرادة تلك التجربة وسعتها والتي غطّت
معظم مساحة منجزه أسّست لمشروع إبداعي
ثري ومميّز. فما كتبه ليس كشوفات
مجردة في عالم الحرف، أو تقليداً
مفتعلاً لبعض نصوص المتصوفة التي جعلت
من الحروف مفاتيح لفك ألغاز الخلق،
وإنما مغامرة دخول على صهوة الحروف
إلى متون العالم واستجلاء قوة الحروف
وجمالياتها في علاقتها بالكائن
والماوراء والزمان والمكان والجسد
والروح والحرية والحب والموت.
سعد محمد رحيم
(إشكالية الغياب في حروفيّة أديب كمال الدين)
تأليف: صباح الأنباري، منشورات ضفاف،
بيروت، لبنان 2013 ص 14
*
حظي الشاعر
الكبير أديب كمال الدين باهتمام نقدي
خاص من بين شعراء العراق، وهو اهتمام
تستحقه تجربته الشعرية لما تمتاز به
من ريادة وابتكار على المستويين
المنهجي والفني. فهو الشاعر الوحيد
الذي وظّف الحرف واستثمر جوانبه
المتعددة. وعلى الرغم من أن هذه
التجربة لم تكن واضحة المعالم في
مجموعتيه المبكرتين (تفاصيل 1976
وديوان عربي 1981) إلا أنها أصبحت قطب
الرحى في دواوينه اللاحقة. حيث تحوّل
الحرف لديه من مجرد عملية شخصنة إلى
أسطورة تخالط الواقع حتى يصعب على
مستوى الفرز الدلالي أن تكتشف أيهما
الواقع وأيهما الخيال.
د. ضياء نجم الأسدي
(المشروع الشعري لأديب كمال الدين: تشابيه لواقعة الخلق):
مجلة الأديب العراقي، بغداد، العراق، العدد الخامس، شتاء 2011
*
توطئة لتغيير
جذري في الأساليب ينفي أديب كمال
الدين أن في البدء كانت الكلمة،
ويؤكّد الحرف. ليس حرفنا الذي أصابه
الانكسار. وإنما تحدّي حروفياته
للواقع برموزها وعرائسها وأحلامها
وتصوّفها وأساطيرها. هذا الحرف/
الجزيء اتسع فصار كلمةً، جملةً، نصاً،
كائناً حياً. جريء يريد أن يبتدع
الواقع/ المثال. فللنون حياة خاصة
ونقطة مشعة وللباء والحاء وكلّ
الحروف. إنه يبني الشعر حرفاً بسماتٍ
وأشكالٍ ومعانٍ وقدرات على التكامل.
إنه يكوّن العالم الشعري جزءاً جزءاً،
يبدأ بالتميّز ولا يتنكّب عنه، وبين
الحبّ ولا جدواه وبين الحياة ونقيضها
تنثلم الحروف والكلمات والقصائد
وتتهاوى العوالم. ولكن يبقى الشعر،
الشعر الرائع وما أقلّه، ومن هذا
القليل قصائد لأديب لا تتطلع إلى حكم
ولكن تفرضه، ولا إلى قيمة ولكن
تتجاوزها. قصائد منه، ومن شعراء،
طوقتهم العقود، بعد الرواد، تبقى
تزودنا بأمل الشعر مزهواً باستقبال
القرن الجديد وكلّ الأزمنة الآتية.
أ. د. جلال الخيّاط
مجموعة (نون) دار الجاحظ ، بغداد، العراق 1993
*
بنى الشاعر
قصائده على عالمين متناقضين لكنهما
يلتقيان عند نقطة الغياب أو التلاشي
وهما الموت والحلم. فالموت يعني
الفناء، والحلم رغم جمال عوالمه
وغرابيتها يقود إليه أيضاً وذلك لأنه
يعني اللاوجود.
نجاة العدواني
(مفاجأة المتلقي بجمالية القسوة): (الحروفيّ: 33 ناقداً يكتبون عن تجربة
أديب كمال الدين الشعرية) إعداد
وتقديم: د. مقداد رحيم، المؤسسة
العربية للدراسات والنشر، بيروت 2007
، ص 229
*
استطاع هذا
الشاعر خلق شعريته الخاصة من جهة
التعامل الدؤوب مع الحرف والنقطة حتى
أنسن الحرف وأنسن النقطة! فأنت لا
تقرأ حرفاً خالصاً كما تراه أنت أو
أنا! وإنّما تقرأ الحرف كما
يراه الشاعر! وليس ثمة سوى التشفير
أحيانا والتماهي مع الحرف أخرى وتمجيز
الحرف ثالثة في فضاء لانهائي تتوحد
فيه الأصوات والمرئيات والمشمومات
والمجرات والحبيبات حتى يعسر وضع حدود
بين المحدودات! اذن (الحرفنقطة)
باختصار واتساع شديدين عالم القصيدة
والقصيدة أيضاً عالم الحرفنقطة! ذلك
ما تؤسسه جلّ قصائد أديب منذ ديوان
عربي! يمكن للقصيدة هنا أن تطوِّع
عالم الحرفنقطة فتخلِّق منه كل مفردات
القصيدة وأعني كل مفردات التجربة
الشعرية لدى أديب! كيف؟ نعم كيف؟
الجواب هو مقترن بطقوس الرؤية لدى
الرائي! الحرف كلّ شيء وكلّ شيء
الحرف! السماء حرف والأرض كذلك!
القتلة حروف والمقتولون حروف! الحبيبة
الطاهرة حرف واللعوب الغادرة
كذلك! الثنائيات حروف الليل والنهار
الموت والحياة الإبداع والاتباع حرف!
ليس ثمة مشكلة على مستوى الرؤية! ولكن
كلّ المشكلة في مشغل القصيدة! أن
تحوِّل المحسوس مجرداً والمجرد
محسوسا! أن تؤنسن مفردات الطبيعة أو
تعيد مفردات الإنسان إلى الطبيعة! أن
تتصبب عرقاً وأنت تكابد موسيقا الحروف
كي تكون موسيقا القصيدة! أن تدخل بهاء
المجذوبية بوعيك وأن تدخل وعيك
بمجذوبيتك! أهذه مشكلات اعتيادية في
توليف الشعرية الجديدة التي تتنزه عن
الانتماءات المغوغأة للمدارس أو
المذاهب أو الأجيال أو البيانات!
لاشيء يشغل بال القصيدة عند أديب!
لاشيء يشغل باله يقينا! نعم المتلقي
(وهو ضالة المنتج بوصف المتلقي هو
المستهلك الوحيد) المتلقي
قارئاً سامعاً لا يشغل بال القصيدة
عند أديب! تجنيس القصيدة لا يشغل بال
القصيدة! ما يشغل بال القصيدة هو
الحرفنقطة! لقد ملأت الحروفية حياة
الشاعر الشعر وباتت شعريته! فما حاجته
إلى السطوع وهو محترق؟ إلى الشيوع وهو
مختنق؟ بعبارة مختزلة لقد غرّقت
الصوفيةُ الجديدةُ تجربةَ أديب!
الصوفية ليست قصيدة ولا جلباباً ولا
بياناً ولا صلاة! الصوفية تشترط أن لا
تشترط سوى الزهد بكلّ شيء سوى
المعشوق! فإذا كان المعشوق حرفاً فما
حاجة العاشق للآخر إن لم يكن حرفا!
أ. د. عبد الإله الصائغ
(أديب كمال الدين ومشاغله العتيدة): (الحروفيّ:
33 ناقداً يكتبون عن تجربة أديب كمال
الدين الشعرية) إعداد وتقديم: د.
مقداد رحيم، المؤسسة العربية للدراسات
والنشر، بيروت 2007 ، ص67 و68
*
يمكن لأديب كمال الدين أن يرفع اسمه من أيّ
عمل شعري يكتبه لنعرف أنه يعود إليه،
وهذا الرهان الصعب على نحت بصمات
أصابع خاصة، في عالم يموج بآلاف
الشعراء، استطاع أن يحققه الشاعر بدأب
الصابرين الطويل.
هادي الربيعي
(ماذا عن خصوصية الأفق الشعري؟) جريدة الزمان، لندن 23 حزيران 2001
*
مع هذه
الحروفية المسكونة بوجع التصوف؛ تحوّل
أديب كمال الدين إلى نورس مهاجر مع
الحروف وبواسطتها، يمتطيها ويستنطقها
ويتعامل معها تعامل الند للند، يعيش
في دنياها حالة من التناسخ الوجودي
الغريب؛ حتى تشابكت عروقهما وبات من
المستحيل التفرقة بينهما. ومن هذا
التعلّق بالرمزية تحوّل الحرف في حياة
أديب إلى ارتباط وتقمّص، إلى تبادل في
الأدوار، إلى استعاضة مدهشة.
صالح الطائي
(أديب كمال الدين عالم من حروف) مواقع بابل والمثقف
وعروس الأهوار، 21 آب- أغسطس 2014
*
أديب كمال
الدين شاعر مثابر ومتحمس لموضوعته
الشعرية التي يحاول أغناءها دائما.
ومنذ مفردات تجربته التي بدأها
بمجموعته الشعرية الأولى (تفاصيل)
الصادرة عام1976 نلاحظ تنبهه المبكر
للقصدية التي تحكم بناء التجربة
الشعرية لديه. وهذا مابدا واضحاً في
مجموعته الثانية (ديوان عربي) الصادرة
عام 1981 حيث اشتغل على تقديم تجربة
جديدة تفيد من الكيفية التي تجمع فيها
الدواوين الشعرية العربية على أساس
موضوعاتها. أما في مجموعتيه اللاحقتين
(جيم)1989 و(نون) 1993، فقد توجّه الشاعر إلى الاعتناء بمفردة دقيقة جداً في مشغله
الشعري. حيث تركّز اهتمامه على مسألة
الحرف وإدامة تفعيله في القول الشعري
مستنداً بذلك إلى جذور صوفية-سيميائية
تارة وشكلية-جمالية تارة أخرى.
د. أحمد الشيخ
(معنى المعنى في "أخبار المعنى") جريدة الجمهورية، بغداد، العراق 16 / 4 /
1996
*
أسلوب أديب كمال
الدين يخضع الحرف فيه إلى عمليات
انصهار، وتفاعل، وتمازج، وتداخل،
وتشكّل، وتكامل، وتسامٍ حتّى يتحول
إلى كائن شعري حيّ وحيويّ مؤسساً بنية
أساسيّة لمبنى القصيدة ومعمارها: بنية
تفضي إلى فضاءات حبلى بحياة سحريّة،
وشطحات صوفيّة، وخيالات مجنّحة يتماهى
فيها الواقع والوهم، الحياة والموت،
الصبر والعجالة، الآني والسرمدي، حتّى
يخيّل لقارئ شعر أديب كمال الدين أنه
أمام عوالم حدسية لا يمكن الظفر بها
مع أنها تعمل على غوايته من داخل
الحرف والكلمة والنصّ. وكلّما همّ
باصطيادها انفلتت منه بزئبقية مدهشة،
وبلذّة كفيلة بسحبه إليها، وهيامه
بها، ومطاردته لها حتّى آخر نقطة من
نقاط القصيدة.
صباح الأنباري
(إشكاليّة الغياب في حروفيّة أديب كمال الدين)
تأليف: صباح الأنباري، منشورات ضفاف، بيروت، لبنان 2014 ص 27 و 28
*
المدهش أن
الشاعر لم يقع في نمطية يقوده اليها
تكرار استخداماته الحروفية التي امتدت
إلى أكثر من مجموعة شعرية. ولعلّ وعي
الشاعر لتفاصيل مكوّنه التجريبي
والمعرفي هو الذي منحه هذه الحصانة
التي وقع فيها كثيرون غيره حاولوا أن
يجدوا لهم طريقاً مختلفاً يمنحهم
تميّزاً أو ريادة خاصة. لذا نجده وفي
كلّ مجموعة من مجاميعه وقد اكتشف
أرضاً جديدة تصلح أن يبذر فيها قمحه
الذي لا ينمو الاّ في أحضان حقل لم
يجد المسافرون إليه طريقاً فظلّ
محتفظاً بعذريته ونقائه. وكأنه لا
يصلح إلّا لبذار هذا الشاعر. وأجد هنا
أنّ المكوّن المركّب لتجربة الشاعر
وإقامته الدائمة عند ظلال هذه التجربة
ومجاورته لها كأيّ قدّيس لا يقدر أن
يبارح صومعته تحت أكثر الفصول شراسة،
هو الذي بنى هذا التقارب الروحي بينه
وبينها إلى الحد الذي جعل مغادرة
مكانها أو زمنها عملية عسيرة تشبه
انفصال الروح عن الجسد.
عيسى حسن الياسري
(تحوّلات الزمن وعذابات المنفى): (الحروفيّ: 33 ناقداً يكتبون عن تجربة أديب
كمال الدين الشعرية) إعداد وتقديم: د.
مقداد رحيم، المؤسسة العربية للدراسات
والنشر، بيروت 2007 ، ص 100
*
بهذا
الاستخدام الحُروفي للكتابة الشعرية
السالف والحادث نشهد ميلاد تجربة
كتابية مختلفة في الشعر العربي
المعاصر مَرّت ببدايات التجريب الأولى
وتلبّسها في الأثناء خطر التكرار.
إلّا أنها سُرعان ما أفضت بعديد من
متراكماتها وتقلّبات أحوالها في
المكان السالف والأمكنة الحادثة إلى
إبْدال كبير، كالحُروفية العربية في
الرسم تُؤسس لأسلوب كوني مختلف في
التعبير. فأثبتَ أديب كمال الدين
بمُجمل دواوينه أنّ الحروفية العربية
في الشعر إمكان للتحقق أيضاً، رغم
الاختلاف الخصوصي القائم بين علامية
الرسم وعلامية الكتابة الشعرية في
مستوى جمالية التمثل والأداء. هنا
تنكشف، بما لا يدع مجالاً للشك، إضافة
أديب كمال الدين لراهن الشعر العربي.
أ. د. مصطفى الكيلاني
(حروفية الشعر من التجريب إلى حادث التجربة) جريدة الزمان، لندن 5 آذار– مارس 2007
*
أديب كمال الدين هو الحروفيّ الأمهر القادر دوماً
على ترويض الأفكار العصيّة المراوغة
التي لا تستسلم إلّا للمبدعين الكبار
الذين يتوفرون على خبرة طويلة في لَيّ
أعناق الثيمات الشائكة التي تهّم خاصة
الناس وعامتهم على حدّ سواء.
عدنان حسين أحمد
(من موقف الألف إلى موقف الجنة) : ملحق أوراق،
جريدة المدى، بغداد، العراق 20 – 5 -
2012
*
تظهر هذه التجربة
عند أديب منذ "تفاصيل"، فعلى مستوى
التكنيك تبرز عنده عناية واضحة برصد
التفاصيل الجزئية التي تكوّن الصورة
الكلية للنص وتتوازى مع الفعل
التكنيكي في الكتابة إذ غالبا ما يضع
لنصّه علامة كبرى ثم تتجزأ إلى علامات
أصغر وبالتالي تكون العناية بالتفاصيل
والإشارة إلى عناية كمال الدين بالغة
الاهمية هنا، أعني تحديدا أنه اشتغل
بدقة على مفهوم إنتاج اللغة من خلال
عنايته بالرمز والإيحاء إلى حد بعيد
مكوّناً صوراً ويستثمر الحرف بوصفه
مرموزاً في مواضع عدة، إلا أنه لم يكن
خياراً رئيساً له في الكتابة. في
مجموعته الثانية الصادرة عام 1981
"ديوان عربيّ" تظهر ملامح التجربة
الذهنية وتبين خطوطها وملامحها واضحة
من حيث الاهتمام بالتجربة وبنسقها
الجمالي وبدأت تظهر عنده القدرة على
خلق التجربة بعد أن كان عنده الوعي
بالتجربة هو الأظهر. وعلى الرغم من
وجود ملامح في المجموعتين تشيران إلى
استثمار الطاقات المعطّلة شعرياً في
الثقافة العربية وأعني هنا الحرف
تحديداً إلا انه لم يكن خياراً رئيساً
في الكتابة كما أشرت قبل قليل ولم
يظهر هذا الخيار إلا في مجموعات لاحقة
ابتدأها ب "جيم" 1989 و"نون" 1993
و"أخبار المعنى" 1996 وما بعدها.
د. علي متعب جاسم
(حينما يذبل عود الياسمين) مقالة نقدية أُلقيت في
الأمسية التي أقامها الاتحاد العام
للأدباء والكتاب في محافظة ديالى
بالتعاون مع قسم اللغة العربيّة في
كليّة التربية للعلوم الإنسانيّة في
جامعة ديالى بتأريخ 10/10/ 2013
بمناسبة صدور مجموعة الحرف والغراب
لأديب كمال الدين.
*
يدهشنا
الشاعر أديب كمال الدين على الدوام،
بنشاطه المتواصل على استنطاق الحروف وفكّ
مغاليقها وقراءة شفراتها واستدلاله
بمعانيها ومراميها وغناها المعرفي في
بناء اللغة والفكروالعلم، مبعثراً
إياها على بياض الورقة كما اللآلئ
المتناثرة، ليعيد صياغتها على هيئة قصائد بالقلائد وحلي من الكلمات
تشعّ، مؤكداً امتيازه الخاص في كتابة
شعرية متفردة اتخذت من الحروفية والهيام الصوفي والابتهال الروحي مرجعاً ومنطلقاً وغاية لكتابة قصيدة مغايرة لها
نكهة الشعر الحقيقي الذي يلامس الوجدان بصدق وعفوية.
صلاح زنكنة
(المنحى السردي في "شجرة الحروف") صحيفة الصباح، بغداد، العراق، 24 تشرين
الثاني- نوفمبر 2007
*
مع اهتمام الصديق
الشاعر أديب كمال الدين واشتغاله
المبكر على مكنونات الحروف وما تخبئه
في معانيها وأشكالها من مدلولات،
وعنايته الفائقة بهذه العلاقة التي
بدأت وعُرفت من خلال تجليات المتصوفة
العرب والمسلمين، كان لابد من أن يحقق
عبر صلاته المتينة بالحروف حضوراً
يتميز به لا عن مجايليه من الشعراء
العراقيين والعرب حسب، بل حتى على
سواهم من الشعراء العالميين الشهيرين
وغيرهم، مادام قد آثر الارتباط
الروحي– أصلا- بالحروف وجعل منها
وسيلته للبوح بما في أعماق روحه
المتدفقة بالشعر، ورسالته الإنسانية
التي يؤكدها يوماً بعد يوم وفي مجموعة
شعرية بعد مجموعة، منذ أطلق طائر
مجموعته الأولى (تفاصيل) عام 1976.
د. عبد المطلب محمود
(الحرف يوقظ إشراقات الذاكرة) مواقع المثقف ودروب
والنرد والنور، 12 نيسان– أبريل 2011
*
من هذه العلاقة
الحوارية الرائية للحروف، باعتبارها
فيضاً مثخناً بالمعاني وليست مشهداً
بصرياً وحسب، تنطلقُ تجربة الشاعر
الصوفيّ المبدع أديب كمال الدين في
بحثها عن السفر الروحي لإشراقات الحرف
ووظائفه الايحائية. وقد نجح في خلق
نموذجٍ شعري له واقعه الداخلي الخاص
الذي لا يشبه سواه في المحيط الشعري
العربي الحديث، ولاسيّما في علاقات
التناص التفاعلية والتداخلية مع سنن
وآفاق الحرف واتخاذها شاهداً ومرآة
تمَّحي على سطحها الفوارق بين الوجد
الصوفي والإبداع الشعري.
أسامة الشحماني
(أديب كمال الدين شعرية الحلول في أيقونة الحرف)
جريدة المدى، بغداد، العراق، العدد
1931 في 12 – 10 - 2012
*
أُطلِقَ على
الشاعر أديب كمال الدين تسمية
"الحروفيّ". ولم تأتِ هذه التسمية من
فراغ، فقد شغف الشاعر بالحرف والنقطة
كثيراً، ولا نعرف هل امتلك الحرفُ
والنقطةُ الشاعرَ أم العكس هو الصحيح؟
مها يوسف
(أنسنة الحرف والنقطة وانزياحهما في شعر أديب كمال
الدين) جريدة بلادي اليوم، بغداد،
العراق، العدد 614 في 28 آب- أغسطس
2014
*
لا يُذكر اسم الشاعر أديب كمال الدين إلا وذُكرت معه الحروف التي أصبحت
لقبه وبصمته الخاصة في المشهد الشعري
العراقي والعربي على حد سواء، ولم يكن
ذلك وليد الصدفة ولم يتكرر عشوائياً
في منجزه الشعري بل كان مشروعا
(حروفياً) جاداً وضعنا أمام تجربة
فريدة من نوعها من حيث الوسيلة
التعبيرية عن ثيمة النص الشعري الذي
يؤول رؤاه من خلال (الحرف) الذي لم
يكن وسيلة الوصول إلى الغاية بل كان
الوسيلة والغاية معا.
رشا فاضل
(مملكة أديب كمال الدين "الحروفية": هوية وبصمة) مواقع كتابات والنور
والمثقف وعراق الغد، 17-10- 2009
*
يجيد أديب كمال
الدين صناعة أحلامه وأساطيره الخاصة،
ولا يتعامل مع الأشياء بحيادية بل
يخترقها ويخلخل وجودها القائم. وبهذا
يكون الشاعر أقرب إلى الرسام التجريدي
الذي يصوّر العالم ليس كما هو إنما
كما يقترح أن يكون.
مالك مسلماوي
قراءة في (ما قبل الحرف.. ما بعد النقطة)- محاضرة
أُلقيت بدار بابل للثقافة والفنون
والإعلام، محافظة بابل، العراق 14
مايس 2011
*
نلحظ أن الشاعر
في كثير من نصوصه يعمد إلى ممارسة
الترميز باستكناه سرّ الحرف العربي
وسحريته ومدياته الدلالية. وهي إحدى
الطرق الخلّاقة لكتابة نص مفعم
بالمشاعر والأحاسيس مفجّراً عبرها ينابيع الخيال بدفق حيوي، قادحاً شرارة
الوجدان للولوج إلى اللاعقلاني
للدلالات، وصولاً إلى عكس التأثيرات
النفسية للواقع الإنساني.
د. خليل إبراهيم المشايخي
(تشاكل المعنى.. تباين المضمون) جريدة الزمان، لندن 1 تشرين ثاني- نوفمبر
2006
*
كما بات
معروفا، فأديب كمال الدين هو الشاعر
أو الملك الحروفي الذي وَجَد في حروف
اللغة العربية وفي النقطة كثافة
وغزارة أسرارٍ ومكامنَ شعرية هائلة
وفائضة، ينهل منها سعيدا بِسعة ووفرة
المعاني، غيرَ مأسور بالنمطيّة
والتكرار. فليس ثمة من استنزاف للحرف
والنقطة ينتهي إلى موت الخصوصية، بل
تنويع وتجديد رؤيوي وخلاق للحياة
الجمالية. ويكاد يكون أديب الشاعر
الوحيد، الآن، الذي أبدل فلسفة
الشعراء بالانشغال بالذات والموضوع في
إهابها الجدلي؛ بالانشغال بالحرف
والنقطة في فائضها وفضفاضها الشعري
والصوفي والجمالي والأسطوري والغرائبي
والوجودي العميق. فكان التماهي حاضرا،
في مثل هذه الخصوصية، أمام القارئ
الذي لم يستطع التمييز بين شكل الذات
والموضوع لفصلهما.
نصر جميل شعث
(النهل من أسرار الحروف العربية) صحيفة القدس العربي، لندن 3 أيلول– سبتمبر
2007
*
الشاعر الحروفيّ أديب کمال الدين شاعرٌ
مبدعٌ ومتميّز، ولا يزال عطاؤه الأدبي
مستمراً . ففي کلّ فترة يطلّ علی
الساحة الأدبية بمجموعة جديدة؛ و مع
أي مجموعة من هذا الفيض الإبداعي نجد
الشاعر متجدّدا فيها مع المحافظة علی
سماته الأسلوبية المرکزية، مبدعاً في
اكتشاف وخلق المجازات والتقنيات
والصور الجديدة. إنه يتناولُ الكثيرَ
من الموضوعات والأغراض الشعرية
بجمالية ورقّة عاليتي التأثير ومن
خلال خيال واسع خصب مبني على اطلاع
واسع في الشعر والأدب ونظر ثاقب
وبصيرة نافذة، ومن خلال لغة غزيرة
القاموس جليلة الاستخدام ثاقبة
التعبير جميلة جزلة فخمة الإيقاع
رقيقة الإيحاء واللفظ.
د. كبرى روشنفكر ود. رسول بلاوي
(تقنيات إثراء الدلالة في شعر أديب کمال الدين): مجلة
العلوم الإنسانية الدولية، إيران 2013
، العدد 20 - (3) – ص 96
*
القصيدة هنا
تراهن على البساطة لا التعقيد فالذي
يتسامى به الحرف شعرياً هو الطفولة
واليسر والسهولة والعفوية، لا التقعر
واجتلاب الغريب والناشز.
أ. د. محمد صابر عبيد
(انفتاح القصد وتأويل المعنى)
(الحروفيّ: 33 ناقداً يكتبون عن تجربة أديب كمال الدين الشعرية) إعداد
وتقديم: د. مقداد رحيم، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت 2007 ، ص 283
*
لا تندرج تجربة أديب كمال الدين في عداد
الحداثة المزيَّفة أو القصيدة– الصدى،
غير المبتكرة، التي تستعير ثيابها من
خزانة شعراء آخرين. إنها تجربة أصيلة
فقط لأنها تضع يدها على جرح ينزف،
وهمّ أسود معطوب استطاع مواكبة كل
بكائيات وأحزان هذه المرحلة المأسوف
عليها. واستعمل لتحقيق ذلك أهم نغمات
اللوعة والندم والتي وظّفها الفن على
نطاق واسع، وأقصد بذلك الزهد والتصوف
من طرف، والقلق والضياع الوجودي من
طرف آخر.
د. صالح الرزوق
(شعر أديب كمال الدين بين الوجوديّة والتصوّف) موقع ألف 24 – 6 – 2012
*
يحتفي أديب
كمال الدين بجوهر الشعر وماهيته
الحقيقية التي تومض من خلال الموقف
الحياتي، ومن خلال المشاهدة والتأمل،
ومن خلال اللغة الأليفة الدانية التي
تعبر عن هذا الموقف وتلك المشاهدة.
فليس في أسلوب الشاعر معاظلة أو
التواء، أو تحايل بياني أو بديعي في
الصياغة، بقدر ما فيه من الانسيابية
والصدق والإشراقة اللطيفة. وعليه فإن
الشاعر يشتغل أكثر على المعنى الكلّي
الذي يسكن في بنية النص ويتشكل عبر
رحلة الكتابة. والشاعرية في نصوصه
كامنة في الإيحاءات العامة التي تطّرد
بتؤدة أثناء فعل القراءة وتترسخ لدى
المتلقى وتجعله يلاحق تدفق النص
واطراده إلى منتهاه. ففي النهايات
دائماً هناك لون من الوصول الأخير
الذي يشبع توق القارئ ويملأه بالغبطة
والفهم.
د. نجمة إدريس
(عن النخلة والكتابة فوق الماء): جريدة الجريدة، الكويت العدد 1800 المؤرخ في 27 نوفمبر- تشرين الثاني 2012
*
استطاع
الشاعر أديب كمال الدين أن يؤسس عالمه
الشعري المتفرد على لبنة حروفية عبر
حالات الاستكناه لذاتية الحروف ليقف
في مقدمة الجيل السبعيني في العراق.
إنّ تجربته الطويلة مكنته من استلهام
روح الحرف ليحلق به ضارباً عرض حائط
اللغة وساخراً من وصايا النظامين
الذين عانت شرايين الحرف على أيديهم
من مرض التكلّس. الحرف لديه امرأة
وطائر ورمز وقمر ورسالة حبّ وصلاة عند
الغروب وأغنية على بحيرة ونهار مشرق.
ومن تعدد هذه الدلالات استطاع الشاعر
أن يشيد مملكة للحرف ويجلس متربعاً
على عرشها.
عبد الرزاق الربيعي
صحيفة آخر خبر، عمّان،الأردن 14 تموز 1994
*
يعمل الشاعر أديب كمال الدين على تفكيك اللغة إلى
مستوياتها الأولية: أصوات ورموز كتابية. لا يعير كبير أهمية إلى المستوى الأول ويستغرقه الثاني في جو طقوسي مشع يعبق بشذى الأسطورة
والبدايات الأولى. في مغامرته
الحروفية هذه يرغب وبإلحاح في أن
يوغل في أرض بكر لم تطاها أقدام غير
أقدامه.
د. عيسى الصباغ
(فنارات الحروف المتوقّدة): (الحروفيّ: 33 ناقداً يكتبون عن تجربة
أديب كمال الدين الشعرية) إعداد
وتقديم: د. مقداد رحيم، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت 2007 ، ص 323
*
الكتابة عن
أديب كمال الدين، الشاعر غزير
الانتاج، عميق الرؤية، باذخ اللغة، هي
كتابة عن تجربة خطّت لنفسها مساراً
متميّزاً، دأب شاعرها لجعلها لا تشبه
أيّة تجربة أخرى ضمن تجارب الجيل الذي
ينتمي إليه، وهو جيل السبعينيات
العراقي الذي تميّز بصخبه وجلبته
وعطائه المشاكس وفتحه لآفاق مهمة في
الذائقة الشعرية الجديدة. إن أديب
كمال الدين بقي يراقب المشهد عن بُعد،
رغم انهماكه فيه، وظل حذراً في إطلاق
نموذجه الخاص، لكنه تمسّك بمنطقة أداء
متميّزة خاصة، ابتعد فيها عن أقرانه،
من أجل تحقيق تفرّده المنشود الذي
حققه بشكل واضح بعد أن كرّس مشروعه
الشعري الذاتي من خلال منطقة اشتغاله
التي وضعت مرتكزاتها التعبيريّة
والفنيّة وفق منظور فلسفي شعري متداخل
أساسه الحرف والنقطة، وصيرورتهما
وتحوّلات الشعر من خلال العزف على
الوتر الحسّاس في أسرارهما، حدّ أن
يؤسس الشاعر علاقات الأشياء
وتداخلاتها من خلال الربط الشعري بين
الحرف والنقطة وعلاقة الأشياء اليومية
بهما. كما أنّه ، ووفق هذه المعادلة-
التي تحمل من الصعوبة والتعقيد
والسريّة ما يكفي- يلجأ إلى الجملة
السهلة الواضحة المألوفة وإلى بناء
النصّ بناءً هندسياً منسجماً، ذا أفق
حكائي، يجعله قريباً من المتلقي مهما
كان مستواه المعرفي، ومهما كانت
ذائقته، وهو فخّ جماليّ آسر، يضعه
الشاعر لقارئه كي يأخذ بيده إلى
عوالمه العميقة.
منذر عبد الحر
(أداء متقن وتفرّد في التجربة) جريدة الدستور، بغداد، العراق، العدد 3022
المؤرخ في 3 آذار- مارس 2014
*
أديب كمال
الدين حرف منفرد في مسيرة شعراء
الحداثة.
سمير عبد الرحيم أغا
(جمالية التكرار في مجموعة: أقول الحرف وأعني أصابعي) مواقع المثقف وكتابات ودروب والنور -23 - 9 – 2011
*
إنّي على يقين
مِن أنّ الصوت الشعري المؤثر للشاعر
أديب كمال الدين سيستمر ليأخذ صداه
عند القرّاء حول العالم.
جود أكولينا : شاعرة وناقدة أسترالية
(قراءة في شعر أديب كمال الدين: ظلال الظلام) جريدة الزمان، لندن 29 أبريل- نيسان 2009
سيرة ذاتيّة
أديب كمال الدين
Adeeb Kamal Ad-Deen
- شاعر، ومترجم، وصحفي
* مواليد 1953 – بابل – العراق.
* بكالوريوس اقتصاد - كلية الإدارة والاقتصاد -
جامعة بغداد 1976.
* بكالوريوس أدب انكليزي – كلية اللغات – جامعة
بغداد 1999.
* دبلوم الترجمة الفورية - المعهد التقني لولاية
جنوب أستراليا - أديلايد - أستراليا
2005.
* أصدر المجاميع الشعرية الآتية:
- تفاصيل - مطبعة الغري الحديثة – النجف 1976 .
- ديوان عربيّ – دار الشؤون الثقافية العامّة – بغداد
1981 .
- جيم – دار الشؤون الثقافية العامّة – بغداد 1989.
- نون - دار الجاحظ – بغداد 1993.
- أخبار المعنى - دار الشؤون الثقافية العامّة – بغداد 1996.
- النقطة (الطبعة الأولى) – بغداد 1999.
- النقطة (الطبعة الثانية) - المؤسسة العربية للدراسات والنشر- عمّان – بيروت
2001.
- حاء – المؤسسة العربية للدراسات والنشر – عمّان- بيروت 2002.
- ما قبل الحرف .. ما بعد النقطة - دار أزمنة للنشر والتوزيع - عمّان – الأردن 2006.
- شجرة الحروف - دار أزمنة للنشر والتوزيع - عمّان – الأردن 2007.
- أبوّة Fatherhood - (بالإنكليزية) دار سيفيو- أديلايد- أستراليا 2009.
- أربعون قصيدة عن الحرف - دار أزمنة للنشر والتوزيع - عمّان- الأردن 2009
- أربعون قصيدة عن الحرف- Quaranta poesie sulla lettera (بالإيطالية: ترجمة: د. أسماء غريب)- منشورات نووفا
إيبسا إيديتوره - إيطاليا 2011.
- أقول الحرف وأعني أصابعي - الدار العربية للعلوم ناشرون - بيروت – لبنان
2011.
- مواقف الألف - الدار العربية للعلوم ناشرون - بيروت - لبنان 2012.
- ثمّة خطأ Something
Wrong - (بالإنكليزية) دار ومطبعة Salmat - أديلايد – أستراليا 2012.
- الحرف والغراب - الدار العربية للعلوم ناشرون - بيروت - لبنان 2013.
- تناص مع الموت: متن در متن موت (بالأورديّة: ترجمة : اقتدار جاويد) - دار
كلاسيك - لاهور - باكستان 2013.
- إشارات الألف – منشورات ضفاف – بيروت – لبنان 2014
* كتب صدرت عن تجربته:
- (الحروفيّ: 33 ناقداً يكتبون عن تجربة أديب كمال الدين الشعرية)- إعداد
وتقديم الناقد د. مقداد رحيم -
المؤسسة العربية للدراسات والنشر-
بيروت 2007. والنقّاد المشاركون هم:
أ. د. مصطفى الكيلاني، أ. د. عبد العزيز المقالح، أ. د. بشرى موسى صالح ، أ. د. عبد الإله الصائغ، أ. د. حاتم الصكر، د. ناظم عودة، د. حسن ناظم، أ. د. عبد الواحد محمد، د. عدنان الظاهر، عبد الرزاق الربيعي، صباح
الأنباري، علي الفواز، وديع العبيدي،
عيسى حسن الياسري، د. خليل إبراهيم المشايخي، زهير الجبوري، د. محمود جابر عباس، د. صالح زامل حسين، هادي الربيعي، فيصل عبد الحسن، د. إسماعيل نوري الربيعي، نجاة
العدواني، د. حسين سرمك حسن، رياض عبد الواحد، واثق الدايني، ريسان الخزعلي،
أ. د. محمد صابر عبيد، د. عيسىالصباغ، عدنان الصائغ، يوسف الحيدري، ركن الدين يونس، معين جعفر
محمد، ود. مقداد رحيم.
- (الحرف والطيف: عالم أديب كمال الدين الشعريّ "مقاربة تأويليّة")– أ. د.
مصطفى الكيلاني (نشر اليكتروني) 2010.
- (الاجتماعيّ والمعرفيّ في شعر أديب كمال
الدين) – د. صالح الرزوق- منشورات ألف
لحرية الكشف في الإنسان"– دمشق وقبرص
2011.
- (أضفْ نوناً: قراءة في "نون" أديب كمال الدين)– د. حياة الخياري - الدار العربية للعلوم ناشرون- بيروت - لبنان 2012.
- (تجلّيات الجمال والعشق عند أديب كمال الدين)- د.
أسماء غريب - منشورات ضفاف - بيروت-
لبنان 2013.
- (إشكاليّة الغياب في حروفيّة أديب كمال الدين)–
صباح الأنباري - منشورات ضفاف - بيروت - لبنان 2014.
* فاز بجائزة الإبداع الكبرى للشعر، العراق - بغداد
1999.
* شهادات جامعية:
- د. حياة الخياري: (الرموز الحَرْفية في الشعر
العربي المعاصر) رسالة دكتوراه بمرتبة
الشرف الأولى من كلية الآداب والعلوم
الإنسانية، سوسة، الجمهورية التونسية
2011. تناولت الرسالة أعمال أدونيس،
أديب كمال الدين، أحمد الشهاوي.
- مشتاق طالب محسن: (التناص في شعر أديب كمال
الدين) رسالة ماجستير بتقدير جيد عال
من كلية التربية، ابن رشد، جامعة
بغداد، العراق 2014.
* محاضرات عن تجربته:
- واثق الدايني: (فلسفة المعنى بين النظم والتنظير- دراسة في مجموعة "أخبار المعنى" لأديب كمال الدين–( محاضرة أُلقيت في الاتحاد العام للأدباء والكتّاب
في العراق ببغداد 2 - تشرين أول –
أكتوبر 1996.
- زهير الجبوري: (قراءة في "ما قبل الحرف.. ما بعد النقطة") محاضرة أُلقيت
في قاعة نقابة الفنانين بمحافظة بابل-
العراق 16 آذار- مارس 2007.
- عبد الأمير خليل مراد، جبّار الكوّاز، عباس السلامي– (قراءة في مجموعة "ما
قبل الحرف.. ما بعد النقطة")- محاضرة
أُلقيت في نقابة الفنانين بمحافظة
بابل- العراق 2007.
- زهير الجبوري: (شعرية الحروف: قراءة في شعر أديب كمال الدين) - محاضرة أُلقيت في الاتحاد العام للأدباء والكتّاب
في العراق ببغداد - 27 تشرين أول- أكتوبر 2007.
- مازن المعموري- (صناعة الكتاب الثقافي: كتاب "الحروفي" أنموذجاً) – محاضرة أُلقيت في الاتحاد العام للأدباء والكتّاب ببغداد-
30 كانون الثاني 2008.
- أمسية نقدية خاصّة بعنوان: (تداخل الفنون في شعر أديب كمال الدين) أقامها
اتحاد الأدباء والكتّاب في محافظة
ديالى، وشارك فيها:
1- القاص صلاح زنكنة بدراسة عنوانها: (المنحى السرديّ في مجموعة: "شجرة
الحروف").
2- الناقد سمير عبد الرحيم أغا بدراسة عنوانها: (تـشكيل الحرف وتشكيل اللون:
قراءة تشكيلية في مجموعة: "أربعون
قصيدة عن الحرف").
3- الشاعر أمير الحلاج بدراسة عنوانها: ("النقطة" وجدلية اصطياد المعنى).
أُقيمَت الأمسية في مقرّ الاتحاد
بتاريخ 22 شباط 2011.
- مالك مسلماوي- قراءة في (ما قبل الحرف.. ما بعد
النقطة) - محاضرة أُلقيت بدار بابل
للثقافة والفنون والإعلام بمحافظة
بابل، 14 مايس 2011.
- أمسية نقديّة خاصّة عن مجموعة "الحرف والغراب" أقامها أساتذة قسم اللغة
العربية في كلية التربية – جامعة
ديالى. والأساتذة المشاركون هم:
1- د. وسن عبد المنعم الزبيدي التي كانت ورقتها بعنوان (أديب كمال الدين في
"الحرف والغراب"). 2 - د. نوافل
يونس الحمداني التي كانت ورقتها
بعنوان (المضمر النسقي ورمزيّته في
"الحرف والغراب").
3- الباحث أنمار إبراهيم الذي كانت ورقته بعنوان (الدلالة السيميائية
المضمرة في "الحرف والغراب").
4- د. علي متعب العبيدي الذي كانت ورقته بعنوان (حينما يذبل عود الياسمين:
تصوّرات عن "الحرف والغراب").
5- د. فاضل التميمي الذي كانت ورقته بعنوان (حمامة الشاعر وغرابه: قراءة في
مجموعة: "الحرف والغراب"). أدار
الأمسية التي أُقيمَتْ في اتحاد أدباء
وكتاب ديالى بتاريخ 10 – 10 -2013
الناقد د. فاضل التميمي.
* أمسيات خاصّة ومهرجانات:
- أمسية خاصّة بمناسبة صدور مجموعة تفاصيل - محافظة بابل – 1976.
- مهرجان الأمّة الشعري- فندق الرشيد - بغداد 1984.
- مهرجان المربد – (عدّة دورات).
- ربيع الشعر: ملتقى الشعر العراقي الفرنسي – بغداد – القصر العباسي 2000.
- أمسية خاصّة بمناسبة صدور مجموعة (النقطة) - اتحاد الكتّاب والصحفيين العراقيين (المنفى) - الأردن – عمّان - نيسان 2002.
- مهرجان الشعر العربي – بيت الشعر الأردني- الأردن – عمّان 2002.
- ملتقى الشعر الأسترالي– مدينة تاونسفيل - أستراليا 2003.
- ضيف أمسية في جمعية الشعر- أديلايد - أستراليا - كانون أول 2004.
- ضيف أمسية Gallery de
la Catessen - أديلايد – أستراليا – آب 2006.
- حفل توقيع صدور ترجمة (أربعون قصيدة عن الحرف) إلى اللغة الإيطالية -
بالرمو - إيطاليا برفقة المترجمة د.
أسماء غريب والشاعر الإيطالي فينشينسو بومار والناقد الإيطالي ماريو مونكادا دي مونفورته الذي قدّم قراءة نقدية للمجموعة. الاحتفالية من تقديم الكاتب الإيطالي فينشينسو بريستد جاكُمو 10 آذار 2012.
- أمسية خاصّة في قاعة جامعة لاهاي- هولندا. تقديم الروائي محمود النجار،
والشاعر مهدي النفري الذي قدّم قراءة
نقدية بعنوان (الحلم في شعر أديب كمال
الدين) 17 آذار 2012.
- حفل توقيع صدور مجموعة: (ثمّة خطأ)، اتحاد كتّاب
ولاية جنوب أستراليا - أديلايد-
أستراليا. تقديم الناقدتين
الأستراليتين: د. آن ماري سمث ود.
هِثر جونسن 12 تشرين أول– أكتوبر
2012.
* أنطولوجيات:
- معجم البابطين للشعراء العرب المعاصرين- مؤسسة جائزة عبد العزيز سعود
البابطين للإبداع الشعري- جمع وترتيب:
هيئة المعجم– المجلد الأول- الطبعة
الأولى- 1995- مطابع دار القبس
للصحافة والطباعة والنشر- الكويت.
- مختارات من الشعر العراقي المعاصر– إعداد: أ. د. محمد صابر عبيد – اتحاد
الكتّاب العرب- دمشق – سوريا.
- بلد آخر Another
Country - (بالإنكليزية)- تحريرTom
Keneally, Rosie Scoot - منشورات مجلة Southerly - سدني – أستراليا 2004.
- أنثولوجيا الأدب العربي المهجري المعاصر- إعداد: لطفي حداد - دار صادر-
بيروت، لبنان 2004.
- أنطولوجيا للشعر العراقي المعاصر- (بالإسبانية): إعداد وترجمة Esteban Castroman منشورات Clase Turista - بوينس آيرس- الأرجنتين.
- العراق - (بالإنكليزية) - أنطولوجيا للشعر العراقي المعاصر - إعداد وترجمة
سهيل نجم وصادق محمود وحيدر الكعبي –
منشورات أتلانتا ريفيو – ربيع وصيف
2007 – الولايات المتحدة.
- على شواطئ دجلة - (بالإسبانية) - أنطولوجيا للشعر العراقي المعاصر – إعداد
وترجمة عبدالهادي سعدون- بمشاركة محسن
الرملي والمستعرب الإسباني أغناثيو
غوتيريث – منشورات البيرو إي لارانا –
كاراكاس- فنزويلا- آب 2007.
- أفضل القصائد الأسترالية لعام 2007 (بالإنكليزية) - The Best Australian Poems 2007 – إعداد وتقديم الشاعر والكاتب الأسترالي : بيتر روز Peter Rose – ملبورن، أستراليا- تشرين أول - أكتوبر
2007.
- الثقافة هي- Culture is (بالإنكليزية)- إعداد: الناقدة الأسترالية: د. آن
ماري سيمث.
Anne-Marie Smith - منشورات ويكفيلد برس، أديلايد- أستراليا- تشرين
أول- أكتوبر 2008.
- عراقيون غرباء آخرون (أنطولوجيا الشعر العراقي الجديد) (بالإسبانية)،
إعداد وترجمة: عبدالهادي سعدون، دار
كوسموبويتيكا، قرطبة، إسبانيا، 2009
- لوحة أوروك Uruk A Portrait of - مختارات من
الأدب العراقي (بالإنكليزية) - ترجمة:
خلود المطلبي - دار هرست وهوك للنشر،
بريطانيا 2011.
- ديوان الحلّة: أنطولوجيا الشعر البابلي المعاصر، اعداد: د. سعد الحداد،
منشورات دار بابل للثقافات والفنون
والإعلام، مطبعة الضياء، النجف،
العراق 2012.
- أفضل القصائد الأسترالية لعام 2012 (بالإنكليزية) The Best
Australian Poems 2012 . إعداد وتقديم الكاتب
الأسترالي: جون ترانتر Jone Tranter ملبورن، أستراليا -تشرين أول - أكتوبر 2012.
* مسرحيات:
- (ما قبل الحرف.. ما بعد النقطة)- مسرحية راقصة مُعدّة من قصائد مجموعة: (
ما قبل الحرف.. ما بعد النقطة)-
إعداد: ذو الفقار خضر. قام بأدائها
الفنانان ذو الفقار خضر وميثم كريم
الشاكري اللذان جسّدا شخصيتي
المسرحية: الحرف والنقطة. أخرجها ذو
الفقار خضر على خشبة نادي الفنانين
بمحافظة بابل، العراق 21 نيسان –
أبريل 2007.
- (الحقائب السود) سيناريو مسرحية بونتومايم ذات فصل واحد مُعدّة من نصوص
الشاعر أديب كمال الدين - إعداد: علي العبادي 30- 5- 2009.
* كُتِبتْ عنه مجموعة كبيرة من الدراسات والأبحاث
والمقالات النقدية، شارك في كتابتها
نقّاد وأدباء وشعراء من مختلف الأجيال
والاتجاهات الأدبية والنقدية: أ. د.
عبد العزيز المقالح، فوزي كريم، البروفيسور عبد الإله الصائغ، د. عدنان
الظاهر، د. حسن ناظم، أ. د. بشرى موسى صالح، عيسى حسن
الياسري، د. ناظم عودة، أ. د. مصطفى
الكيلاني، عدنان الصائغ، د. أحمد
الشيخ، نجاة العدواني، فيصل عبد
الحسن، د . حسين سرمك حسن، وديع شامخ،
أ. د. عبد الواحد محمد، مهدي شاكر
العبيدي، د. رياض الأسدي، علي الفواز،
رعد كريم عزيز، خضير ميري، واثق
الدايني، عباس عبد جاسم، فاروق يوسف،
أ. د. حاتم الصكر، عبد الجبار البصري،
ناجح المعموري، إسماعيل إبراهيم عبد،
أ. د. محمد صابر عبيد، يوسف الحيدري،
معين جعفر محمد، د. عيسى الصباغ، هادي
الزيادي، د. إسماعيل نوري الربيعي،
حمزة مصطفى، أ. د. جلال الخياط، محمد
الجزائري، سامي مهدي، علي جبار عطية،
هشام العيسى، د. صالح زامل حسين، أمير
الحلاج، ركن الدين يونس، بشير حاجم،
ريسان الخزعلي، هادي الربيعي، د . قيس
كاظم الجنابي، عبد الأمير خليل مراد،
رياض عبد الواحد، جمال جاسم أمين،
فائز ناصر الكنعاني، حسن النواب، د.
محمود جابر عباس، علاء فاضل، شذى
أحمد، وسام هاشم، علي عبد الحسين مخيف، عبد الستار إبراهيم، فؤاد العبودي،
فاضل عباس الكعبي، عبد العال
مأمون، عبد المعز شاكر، زهير الجبوري، د. مقداد رحيم، صباح الأنباري، وديع العبيدي، ساطع الجميلي، عبد الرزاق الربيعي، عبد اللطيف الحرز، علي الإمارة، د. خليل إبراهيم المشايخي، مالكة عسال، جمال حافظ واعي، شوقي مسلماني، عدنان حسين أحمد، نصر جميل شعث، علي حسين عبيد، حسب الله
يحيى، سوف عبيد، صالح محمود، فاروق
سلّوم، صلاح زنكنة، عادل الشرقي، مازن
المعموري، فرات إسبر، محمد العشري،
مسلم جاسم الحلي، حمزة كوتي، نور الحق
إبراهيم، كريم الثوري، د. ضياء نجم
الأسدي، محمد غازي الأخرس، د. أمل
الشرع، د. صفاء عبيد الحفيظ، خالص
مسور، وجدان عبد العزيز، جود أكولينا،
ذياب شاهين، د. آن ماري سمث، د. صالح
الرزوق، رشا فاضل، د. حياة الخياري، شاكر مجيد سيفو، د. عبد المطلب محمود، د. أسماء غريب، أسامة
الشحماني، صباح القلازين، سمير عبد
الرحيم أغا، محمد يوب، محمد علي
سلامة، أمجد نجم الزيدي، مالك
مسلماوي، راسم المدهون، د. رسول
بلاوي، د. كبرى روشفنكر، غزلان هاشمي، ماريو مونكادا دي مونفورته، مهدي النفري، قزحيا
ساسين، علوان حسين، شاكر حسن راضي، صباح محسن
كاظم، د. هِثر تايلر جونسن، أ. د.
فاضل عبود التميمي، أ. د. نجمة إدريس،
أثير محسن الهاشمي، صالح الطائي،
اقتدار جاويد، أسامة غالي، د. وسن عبد المنعم الزبيدي، د. نوافل يونس
الحمداني، أنمار إبراهيم، د.علاء
البدراني، د. علي متعب العبيدي، سعد
محمد رحيم، عدنان أبو أندلس، أ. د.
بشرى البستاني، منذر عبد الحر، د. سعد
الحداد، أ. د. عبد القادر فيدوح، د.
علي حسين الزيدي، مها يوسف عاجل، د.
عباس العلي، ليث فاضل الوائلي، مشتاق
طالب محسن، حميد الحريزي، د. صالح
هويدي، عبد الحفيظ بن جلولي، حميد
المختار.
* ترجم إلى العربية قصصاً وقصائد ومقالات لجيمس
ثيربر، وليم كارلوس وليمز، آن
سرايلير، والاس ستيفنز، إيلدر أولسن،
أودن، كاثلين راين، اليزابيث ريديل،
جيمس ريفز، غراهام غرين، وليم
سارويان، دون خوان مانويل، إيفا دافي،
فلادمير سانجي، مارك توين، موري بيل،
إيغرا لويس روبرتس، أدولف ديغاسينسكي،
جاكوب رونوسكي، روست هيلز، ألن باتن
وعدد من شعراء كوريا واليابان
وأستراليا ونيوزيلندا والصين وغانا.
* أعدّ للإذاعة العراقية العديد من البرامج: "أهلاً
وسهلاً"، "شعراء من العراق"،
"البرنامج المفتوح"، "ثلث ساعة
مع..."، "حرف وخمس شخصيات".
* عمل في الصحافة منذ عام 1975 وشارك في تأسيس مجلة
(أسفار).
* عضو نقابة الصحفيين العراقيين، والعرب،
والعالمية.
* عضو اتحاد الأدباء في العراق، وعضو اتحاد الأدباء
العرب.
* عضو جمعية المترجمين العراقيين.
* عضو اتحاد الكتّاب الأستراليين– ولاية جنوب أستراليا، وعضو جمعية الشعراء في
أديلايد.
* تُرجمت قصائده إلى الإنكليزية والإيطالية
والفرنسية والإسبانية والكردية
والفارسية والأوردية.
* يقيم في أستراليا.
* موقعه الشخصي www.adeebk.com
|