صورة الولد في
ورق اللعب
شعر:
أديب كمال الدين
1.
في
طفولته
جلسَ في الشارعِ يستجدي
أمّاً.
في صباه
جلسَ في المقهى المقابلِ
للمقبرة
يستجدي أباً.
في شبابه
جلس في التاريخِ يقلّبُ
السنين
يستجدي جدّاً.
وحينَ شاخ
تذكّرَ أنَه لم يلعب القمارَ
أبداً
فقامرَ ليخسرَ كلَّ شيء:
الشارع والمقهى والتاريخ
الطفولة والصبا والشباب.
2.
بعد خسارته المُرعبة
فتّشَ جيوبه تحتَ شمسِ
الغروبِ الكبيرة
فوجدها فارغةً من كلِّ شيء
إلّا من صورةِ الولدِ في ورقِ
اللعب،
صورة الولد التي، ربّما،
دسّها الدهر
في جيبه المُتشظّي
ليعمّقَ خرابه وزلزاله.
3.
كانَ الولدُ جميلاً
فقطعَ من أجله الصحراء الكبرى
ليراه.
نعم، كانَ أجمل من دمعةِ
ملاك.
وحينَ كبرَ الولد
تغّيرَ كلُّ شيء.
قيلَ له:
إنّ الولد هو الشيطان،
إنّ الولد هو الشين،
هو النون،
هو النقطة.
4.
الولد قال،
قالَ الولد:
إنّ مَن تجلس بجانبِ الملك
لا تستحقّ ذلك
لأنّها تلعب لعبةَ الآه.
وقال: إن مَن تجلس تحتَ قدمِ
الملك
لا تستحقّ ذلك
لأنّها تلعب لعبةَ التعرّي
وإنّ
مَن يحمل مروحةَ
الملك
ويسوق عربته
لا يستحقّ ذلك
لأنّه يعرف أنّ الهواءَ فاسدٌ
ولا يتكلّم
ويعرف أنّ العربةَ ترجعُ إلى
الوراءِ فقط
ولا يرفع الشارعَ مِن الخلف.
وقالَ الولد
وقال.
5.
قيلَ: إنّ الولدَ بدعة
والولد ضلالة
والولد هلاك مبين،
ما دمنا نركبُ السفينةَ الخطأ
في البحرِ الخطأ،
في الاتجاهِ الخطأ،
ذاهبين إلى شمسِ الخيانةِ
والنحاس
لا شمس الطمأنينة والذهب.
6.
ما الذي جعلني أصدّقُ بما
قالَ الولد؟
كانَ الولدُ جميلاً
يضعُ على رأسه تاجَ الشباب
ولؤلؤةَ المعنى
وساعةً بلا عقارب.
كانَ
الولدُ صادقاً كالسيف،
كالسيفِ الذي قطعَ رأسَ
أجدادي
ورأسَ حلمي
ورأسَ حرفي ونقطتي.
7.
إلى
أين المسير الآن؟
هل كانَ الولدُ يكذبُ أم
يبالغ؟
هل كانَ الولدُ يحلمُ ويهذي؟
أم كنتُ أنا مَن يحلمُ ويهذي؟
هل
كانَ الولدُ في ورقِ
اللعبِ حقاً؟
أم
كانَ
اللعبُ في صورةِ الولد؟
مَن مِنّا
الولد، ومَن مِنّا الأب؟
هل
كانَ الولدُ هو الأمير؟
هذا ما أقولهُ بالتأكيد
وأقولُ كلمةً واحدة:
الولدُ هو ما تبقّى لي
بعد
أنْ خسرتُ كلَّ شيء.
الولد هو المنفى
المنفى الذي أراه الآن
من شرفتي الملكيّة
المُحاطةِ بالنارِ والشتائم
والحشودِ العارية.
المنفى الذي أراه
دونَ عينين
دونَ شفتين.
المنفى الذي تتدحرجُ أحجاره
ببطءٍ وألمٍ عظيمين.
|