سـرقة
شعر:
أديب كمال الدين
إلى: علي جبار
عطية
1.
تركني الحرفُ وانزوى
بعيداً.
لم يعدْ يحتمل
جبالَ الأحزان التي يحملها
عقربا ساعتي،
لم يعدْ يحتمل
وحشتي الجنونيّة،
ولا طفولتي التي اتسعتْ
فصارتْ بحراً لا نهاية له،
ولا سنواتي التي شارفتْ على
الخمسين كارثة.
فانزوى بعيداً
وضعَ رأسَه بين يديه
وبكى،
فبكيتُ حتّى سالتْ روحي
فرددتُها إلى حرفي.
وبكى حرفي حتّى سالتْ نقطته
فرددتُها إليه... إلى الله.
2.
هكذا كُتِبَ عليّ
أنْ أرى رأسي يُحْمَل فوقَ
الرماح
مثل رأس الحسين،
وأنْ أرى جسدي يتقرّحُ ويموت
مثل جسد أيوب،
وأنْ أحملَ على ظهري صخرةَ
اللعنة
لأبادلَ جنونَ الوطنِ بجنونِ
المجهول،
ورمادَ الفراتِ برمادِ
الأنهارِ الكسيحة،
وبهجةَ دجلة ببهجةِ الغيمة
ذات الملابس الداخليّة
المُتهرّئة.
3.
كانَ يوماً سعيداً
ذلك الذي جلبتُ فيه رغيفَ خبز
لأطفالي المنفيين في أقاصي
الحلم
دونَ أنْ أحرقَ بغداد في
حروبِ هولاكو
ولا أقتلَ البسطاءَ العُزّلَ
في حروبِ تيمورلنك
ولا أسلبَ الجواري في حروبِ
جنكيزخان،
دونَ أنْ أركعَ
إلى فرعون العصر
دونْ أنْ أرفعَ علمَ البرابرة
دونْ أنْ أحشرَ أنفي
في حروبِ المدنِ الكسيحة.
كانَ رغيفاً حَارّاً
خبزته بحلمِ الحرفِ الطيّب
والنقطةِ السماويّةِ التي
فرعها ثابت
وقلبها في السماء.
لكنّ اللصوص كانوا بانتظاري:
لصوص الفراعنة
ولصوص هولاكو
ولصوص تيمورلنك
ولصوص جنكيزخان
ولصوص البرابرة
ولصوص المدنِ الكسيحة
فسرقوني في وَضَحِ النهار،
قطعوا يدي وأطفأوا عيني،
وسرقوا رغيفي الحار.
فما الذي سأقوله الليلة
لأطفالي؟
فما الذي سأقوله الليلة
لقلبي؟
فما الذي سأقوله الليلة لحرفي
ونقطتي؟
|