الشاعر الحروفيّ أديب كمال الدين:
أن تكون شاعراً يعني أن تكون ضمير
الإنسان الكوني!
حوار:
فاطمة منصور
أديب كمال الدين شاعر عراقي مقيم
حالياً في أستراليا. ولد عام 1953.
تخرّج من كلية الإدارة والاقتصاد-
جامعة بغداد 1976. كما حصل على
بكالوريوس أدب انكليزي من كلية
اللغات- جامعة بغداد 1999، وعلى دبلوم
الترجمة الفوريّة من المعهد التقني
لولاية جنوب أستراليا 2005.
أصدر 25 مجموعة شعريّة بالعربيّة
والإنكليزيّة،
منذ مشواره الشعري الذي بدأه مع
مجموعته الأولى: "تفاصيل" 1976، نذكر
منها "نون"، "النقطة"، "شجرة الحروف"،
"الحرف والغراب"، "مواقف الألف"، "في
مرآة الحرف"، "حرف من ماء"، وفي
الإنكليزية صدرت له مجاميعه: "
أبوّة"، "ثمّة خطأ"، "حياتي، حياتي!".
كما
أصدر المجلّدات الستة من أعماله
الشعرية الكاملة. وفيها يظهر جليّاً
تفرّده الشعري باستخدامه الحرف العربي
ملاذاً روحياً وفنيّاً.
تُرجمتْ
أعماله إلى العديد من اللغات
كالإيطالية والإنكليزية والفارسية
والأوردية والإسبانية والفرنسية
والكردية. نال جائزة الإبداع عام 1999
في العراق. واخْتِيرَتْ قصائده ضمن
أفضل القصائد الأستراليّة المكتوبة
بالإنكليزيّة عاميّ 2007 و2012 على
التوالي.
صدر 16 كتاباً نقديّاً عن تجربته
الشعريّة، مع عدد كبير من الدراسات
النقدية والمقالات، كما نُوقشت الكثير
من رسائل الماجستير والدكتوراه التي
تناولت أعماله الشعريّة وأسلوبيته
الحروفيّة الصوفيّة في العراق
والجزائر والمغرب وتونس وإيران
والهند.
القصيدة الحروفية
**********
-
قصيدتك الحروفية التي عُرِفت بها
واشتُهِرت من خلالها، كيف بدأت وما هو
أصلها؟
* حروفيتي في أصلها قرآنية. فالحرف
حمل معجزة القرآن المجيد ولا بدّ
لحامل المعجزة من سرّ له، كما أنّ
الله سبحانه وتعالى أقسم بالحرف في
بداية العديد من السور الكريمة، وكان
في ذلك ضمن ما يعني وجود سرّ اضافي
يُضاف الى سرّ القرآن المجيد نفسه. فمِن
القرآن الكريم نهلتُ معارفي في مختلف
الأصعدة. فالقرآن الكريم بحر عظيم
وفيه علم ما كان وسيكون، أي علم
الأسئلة الكبرى التي واجهت البشرية
منذ خلق آدم إلى يومنا هذا عبر أخبار
الأنبياء والمرسلين، وتفاصيل عذاباتهم
ومعاناتهم وصبرهم وغربتهم وأحزانهم
وهم يبلّغون في مختلف الأزمنة
والأمكنة رسالةَ التوحيد والمحبة
والسلام واحترام الآخر وعدم تحقيره أو
الاعتداء عليه بأيّ شكل كان وبأيّة
صورة كانت. وهو لكلّ كاتب وشاعر وأديب
كنز لا يفنى من المعارف اللغوية
والروحية والفكرية، والأسرار الإلهية،
والقصص المعتبرة، والمواقف الأخلاقية
ذات المضامين العميقة، والحوارات
الفلسفية واليومية ما بين الخالق
ورسله وما بين رسله وأناسهم.
قادني القرآن الكريم
إلى
التصوّف، ومن
التصوّف تعلّمتُ معنى التأمل في ملكوت
ملك الملوك، ذاك الذي يقول للشيء كنْ
فيكون. وتعلّمتُ عظمةَ الزهد، وأسرار
الروح الكبرى، ومعنى سياحة الروح
عاريةً إلا من رحمة ربي في زمن يعبد
الناس فيه دنانيرهم ودولاراتهم حدّ
الجنون.
وحين تأملت في الحرف العربي خلال رحلة
شعرية قاربت الخمسة
عقود، ولم تزل متواصلة بحمد الله،
وجدتُ أن للحرف العربي ما يمكن تسميته
ب(المستويات) فهناك المستوى التشكيلي،
القناعي، الدلالي، الترميزي، التراثي،
الأسطوري، الروحي، الخارقي، السحري،
الطلسمي، الإيقاعي، الطفولي. هكذا
وعبر كتابة المئات من القصائد
الحروفية التي اتخذت الحرف قناعاً
وكاشفاً للقناع، وأداةً وكاشفةً
للأداة، ولغةً خاصةً ذات رموز ودلالات
وإشارات تبزغ بنفسها وتبزغ باللغة
ذاتها، عبر هذا كلّه أخلصتُ للحرف عبر
عقود من السنين حتى أصبح قَدَري الذي
لازمني وسيلازمني أبداً.
نسيج من المحن
**********
- كيف جئت إلى عالم الكتابة أو ماهي
الرياح التي دفعت مركبك؟
* جئتُ إلى الكتابة بمركب الألم
وبرياح عاصفة! جئتُ
مدفوعا إلى الكتابة بمزيج عجيب من محن
الذات وأسئلتها الوجودية، من مِحَن
الحرمان والحرب، من مِحَن القمع
والحرية، من مِحَن الجوع أو مِحَن
الذهب، من مِحَن الحلم والموت، من
مِحَن الطفولة الضائعة والشباب
المحروم والشيخوخة المتوحدة، مِحَن
الوطن والغربة، من مِحَن أن تكون أو
لا تكون.
من كل هذا المزيج العجيب الغريب،
المضحك المبكي، بدأت أنسج حروفي
محاولاً
التكيّف مع الحياة
ومحاولا
فكّ شفرة الحياة نفسها لفهم أسرارها
العميقة والزائلة، الجميلة والبشعة،
المبكية والساخرة.
تألق
نقدي وأكاديمي
*************
- هل أنصفك النقاد؟ وما هو دورهم في
نتاجك الادبي؟
*
نعم أنصفني النقاد، ولله الحمد،
والسبب هو أن
النقاد والباحثين الأكاديميين وجدوا
في قصائدي تجربة شعرية مختلفة عمّا
اعتادوا عليه، كما وجدوها بشكل عام
ممكنة التلقّي بشكل سلس، وممكنة
الـتأويل على نحو يثير الأسئلة
النقدية ممتعة وخصبة، فأحبّوها
وتناولوها في عدد كبير من المقالات
النقدية والدراسات والبحوث، ولله
الحمد، حتى صدر عن تجربتي 16 كتاباً
نقدياً لنقّاد عراقيين وعرب، مع 33
رسالة ماجستير ودكتوراه ناقشت أعمالي
الشعرية في جامعات العراق
والجزائر والمغرب وتونس وإيران والهند.
كما منحوني ألقابا مشتقة من تجربتي
الشعرية الصوفية الحروفية ، مثل
"الحروفي"، "ملك الحروف". "أمير
الحروف"،" المنوّن"، "شاعر الحرف
والنقطة".
إن هذا العدد الكبير من المقالات
والدراسات التي كتبها نقاد من مختلف
البلدان والأجيال والاتجاهات الفنية
ونشروها في الصحف والمجلات
المحكمة
والمواقع عن تجربتي أمر يدعو للفرح
دون شك. وبالطبع كان كل هذا الاحتفاء
النقدي، من ناحية أخرى، خير معين لي
للإستمرار في تعميق تجربة الحرف لديّ
وتنويعها.
معنى الشاعر
*******
-
ماذا يعني لك أن تكون شاعرا؟
* أن تكون شاعراً يعني أن تكون ضمير
الإنسان الكوني وقلبه النابض بالجمال
والصدق واللطف!
نعم، فدور الشاعر كبير، بل عظيم، في
تحقيق روح المحبّة والسلام والوئام
للإنسانية في كل مكان من العالم. وهو
بوصلة روحية كبيرة تشعّ شمسَ حروفٍ
تكتب كلمات السلام وجُمل المحبة
وقصائد التأمل في المغزى الحقيقي
للحياة، وتنبذ، بقوّة وشجاعة، لغةَ
التطرف والكراهية والعنف والإرهاب
والعنصرية والطائفية بكل صورها
وأشكالها.
حضور القصيدة
**********
-
متى تومض
القصيدة في مخيلتك؟
* الشعر، كما أرى، هو اكتشاف الحياة
في ومضة نادرة، ومضة صعبة الوصف،
لكنها مبثوثة في الجمال المدهش أو
المعاناة العميقة حد الإدهاش أو
الجنون. وعلى الشاعر أن يلتقطها بعينه
الثاقبة، ونبضة قلبه العاشقة، وحرفه
الذي يجيد الكشف وتسمية الأشياء.
هكذا
تبدأ القصيدة استجابةً لدمعة حرّى أو
لموقف مخيف أو لكلمة جارحة أو لمشهد
مثير أو لأغنية عذبة أو لذكرى مؤلمة ،
ويستطيع الشاعر الحقيقي أن يتلقّف هذه
الشرارة المباركة أو الملعونة أو
الجريحة أو المعذَّبة في أيّ وقت
ليشعل بها ذاكرته التي تشبه حطباً
جاهزاً للاشتعال فتنثال عنده الصور
والكلمات انثيالا.
****************************************
نُشر
الحوار في جريدة الزوراء بتاريخ 1
تشرين ثاني 2022
|