حروب الشاعر أديب كمال الدين

مع السلطة كما تجسّدها قصيدة

"ملك الحروف غير السّعيد"

د. أنسام المعروف

*******************

اجتمعَ ملوكُ الأرضِ السّعداءُ في احتفالٍ عظيم.

جاءوا من الشّرقِ والغرب،

من الشّمالِ والجنوب،

مُتوّجين بتيجانِ الذّهبِ والفضّة

أو بتيجانِ الفواكهِ والرّيش

أو بتيجانِ الجماجم والعِظام.

كانوا بِيضاً وسُوْداً،

حُمْراً وصُفْراً،

شيباً وشبّاناً.

وبعدَ أن ألقوا خطاباتهم السّقيمة

صعدتُ المنصّةَ لألقي خطابي،

أعني قصيدتي الحروفيّة التي تحتجُّ على الرّؤوس

إذ تتدحرجُ عبثاً في الحروب،

وعلى الحروبِ التي أجّجتْ براكينَ الحقدِ والدّم،

وعلى الدّمِ الذي يفيضُ في شوارعِ الفقراءِ والمُعْدَمِين،

لكنَّ ملوكَ الأرضِ السّعداء

منعوني من إلقاءِ خطابي

أعني قصيدتي الحروفيّة

لأنّي لستُ ملكاً مثلهم كما يَزعُمون

ولستُ سعيداً كما يَدّعون.

يتحدث الشاعر في قصيدته "ملك الحروف غير السّعيد" عن وجوده في احتفال أقيم لملوك الأرض السعداء، حيث يصف الوصول الكبير لملوك الأرض المختلفين الذين يرتدون تيجان من الذهب والفضة والفواكه والريش والجماجم والعظام. يشير الشاعر إلى تنوع هذه الفئة الملكية الذين يمثلون مختلف المناطق والأعمار والألوان.

تتدحرج الحروف بينما تخوض الحروب التي أثارت براكين الحقد والدم في العالم، مما يتسبب في انهيار النظام العام ويتدفق الدم في شوارع الفقراء والمعدمين. يريد الشاعر أن يُلقي قصيدته الحروفية التي تحتج على هذا الوضع، ولكن يتم منعه من ذلك لأنه ليس ملكًا مثلهم وليس سعيدًا كما يدعون.

يمكن تفسير الشعر هنا بأنه يعبر عن المجتمعات المتحكمة فيها الطبقة الحاكمة التي تستمتع بالثروة والقوة، وتمنع الأفراد الآخرين من النطق بالحقائق والتعبير عن الحزن والألم. يتجسد هذا النظام السياسي القمعي في الحكم الذي يحكم حياة الأفراد بما يراه مناسبًا، ولا يهتم بالشعور والمشاعر والحاجات الحقيقية للأفراد.

تعبر هذه القصيدة عن رفض الشاعر لهذا النظام وعن رغبته في التعبير عن الحقيقة والحزن والألم بصراحة وبدون قيود. يريد الشاعر تحرير الحروف والأفكار والأحاسيس من القيود التي تفرضها السلطة والتي تمنعهم من النطق بالحقيقة. يتجلى هذا الرفض في التسمية التي اختارها الشاعر.

يحمل النص الشعري "ملك الحروف غير السّعيد" للشاعر أديب كمال الدين العديد من العناصر الأدبية المميزة. يبدأ النص بوصف الاحتفال العظيم الذي يجمع ملوك الأرض السعداء، وهو وصف يتخلله الاستخدام الجميل للتشبيه بوصف تيجان الملوك المختلفة، سواء كانت تيجان ذهبية أو من الفواكه أو الجماجم والعظام، مما يعطي القارئ صورة حية وواضحة للملوك المتوجين.

وبعد ذلك، يتحول النص إلى صوت الشاعر نفسه، الذي يرغب في الوصول إلى المنصة لإلقاء قصيدته الحروفية التي تحتج على الرؤوس. ولكن، تأتي العراقيل من ملوك الأرض السعداء، الذين يمنعون الشاعر من الكلام، لأنهم يرون أنه ليس ملكاً مثلهم ولا سعيداً كما يدعون.

يستخدم الكاتب العديد من العبارات الملونة والمجازية والتي تختزل الوجهة الإيجابية للأغلبية في العالم والمستقبل الزاهر الذي يتوقعونه، في حين ترسم الحقيقة البائسة التي يراها الشاعر بوضوح شديد، مستخدمةً الحروف الكلمات لتعبر عن هذا الحزن والتعاسة التي يشعر بها الناس و من ضمنهم الشاعر.

يتميز النص بالتركيز على الحروف، حيث يعتبر الشاعر نفسه "ملك الحروف"، ويقارن بين حروفه وحروف الملوك، معبّراً عن قوة الكلمات وأهميتها في التعبير عن الذات والحقائق. كما يرمز استخدامه للحروف المختلفة إلى تنوع العالم وتعدد ثقافاته وأصواته، وهو ما يعزز فكرة التنوع.

تتميز قصيدة "ملك الحروف غير السعيد" لأديب كمال الدين بعدة خصائص أدبية وفنية، ومن أبرزها:

الرمزية: تستخدم القصيدة رمزية الحروف كرمز للكلمات والأفكار، حيث تصور الحروف في القصيدة ككائنات حية تتحدث وتتحرك وتتأثر بما يحدث في العالم المحيط بها.

الاستعارة: تستخدم القصيدة العديد من الاستعارات والتشبيهات والمجازات الشعرية، كما تلجأ إلى استخدام الحروف كأدوات للتعبير عن مشاعر وأحاسيس المتكلم.

التركيب: تتميز القصيدة بالتركيب الشعري الذي يخضع للعديد من القواعد والتقنيات الشعرية، مما يجعلها قصيدة متقنة ومتماسكة.

اللغة: تستخدم القصيدة لغة شعرية متميزة، تتضمن العديد من المفردات الجميلة والعبارات الراقية، وتتميز بالتشويق والإثارة والتأمل.

المضمون: تعبر القصيدة عن رسالة أدبية وفلسفية تدعو إلى التفكير في قيمة الحروف والكلمات، وتعرض بأسلوب شعري متميز ومبدع معاني مختلفة تتعلق بالعديد من المفاهيم والقضايا الإنسانية.

*********************

نُشرت المقالة في جريدة البيان المصرية بتأريخ  31 آذار – مارس 2023