هناك كتب عدة يخصصها الروائيون لسرد
تجربتهم في الكتابة الروائية، رحلتهم
مع خلق النصوص الروائية. أسأل لماذا
لا توجد مثل تلك الكتب لدى الشعراء
العرب؟ لماذا لا يهتم الشعراء العرب
بسرد تجاربهم مع كتابة أشعارهم؟ لماذا
يسعى كثير من الشعراء لنفي القصدية عن
أغراض أشعارهم أو الحديث عنه كصنعة
لها ظروف وأسباب وجودها؟
جواب الشاعر أديب كمال الدين
السبب واضح كما أرى. فالشعر هو الذي
يكتب شاعره وليس العكس. بمعنى أنّ
الشاعر- أعني الشاعر الحقيقي لا
الشاعر المزيَّف
ولا
الشاعر المتكسّب الذي يكتب حسب
الدفع!- لا يستطيع أن يقرر أن يكتب
قصيدة حقيقية مبدعة متميزة بناءً على
قرار عقلي. فكتابة الشعر هي تجربة
فنية من نوع خاص يشترك فيها الوعي
واللاوعي بطريقة معقدة وغامضة، وهي
تختلف كلياً عن كتابة الرواية التي
ينبغي التخطيط لعمارتها الروائية
وتحضير شخصياتها ورسم ملامحهم قبل
الشروع بالكتابة.
الشعر شرارة تومض في العقل، في أشدّ
مناطقه عمقاً وظلمةً، هكذا تبدأ
استجابةً لدمعة حرّى أو لموقف مخيف أو
لكلمة جارحة أو لمشهد مثير أو لأغنية
عذبة أو لذكرى مؤلمة.
ويستطيع
الشاعر المبدع أن يتلقّف هذه الشرارة
المباركة أو الملعونة
أو
الجريحة أو المعذَّبة في أيّ وقت
ليشعل بها ذاكرته التي تشبه حطباً
جاهزاً للاشتعال فتنثال عنده الصور
والكلمات انثيالا. إذن ما مِن إعداد
مسبق للقصيدة ولا لتفاصيلها ولا
لتوقيتها.
هذا
يحدث مع كتابة القصيدة بشكل عام لكن
قد يحدث شيء من الإعداد مع
كتابة
الملحمة الشعرية أو مع المجموعة
الشعرية الكبيرة ذات الموضوعة
الواحدة. وهنا يحتاج الشاعر إلى أن
يديم شرارة الشعر لوقت طويل ومتكرر
ليستمر في الكتابة المتواصلة حتى ينجز
المراد أو المطلوب، ذلك يحدث لأن
الملحمة الشعرية هي عمل كتابي طويل
ومعقّد ويحتاج إلى بُنية شعرية من نوع
خاص.
*********************************
العرب حنان
عقيل -
نُشر التحقيق في جريدة العرب
اللندنية في 2017/09/03
|