أديب كمال
الدين في (مواقف الألف):
لغة تتّسع
لكثير من الإيمان والجمال
قزحيا
ساسين - بيروت
قد يكون
الإحراج الأكبر للشّعر حين يكون في دائرة الدّين. إذ عليه فتح جناحيه
على هدي بوصلة معيّنة، فلا يعود قادراً على أن يكون هو بالقدر الذي
يشاء، وإلا فالإبحار مجازفة، لا سيّما تحت سماء الشرق حيث العقل مضطهد
بتهمة الضوء، وحيث التعليب الفكريّ شائع منذ مئات السنين. في جديده
الشعريّ «مواقف الألف» يمضي الشاعر العراقي أديب كمال الدين إلى
القصيدة بكلّ ما فيه من بهاء الإيمان واللغة. وزّع أديب
كمال الدين مواضيع في «مواقف الألف» على 55 موقفاً، استهلّها بـ «موقف
الألف» مقتفياً أثر من تاب وتاه وعشق: «أوقَفَني
في موقفِ الألف وقال:
الألفُ حبيبي. إنْ
تقدّمتَ حرفاً، وأنتَ
حرفٌ، تقدّمتُ
منكَ أبجديةً وقدتُكَ إلى أبجديةٍ من نور»...
هكذا، ومنذ
البداية يعلن الشاعر أنّ الله نور ومعرفة ما يعني أنّ العلم يرتقي
بالإنسان نحو خالقه ويقرّب المسافة بين الأرض والسماء، ويظهر كمال
الدين على امتداد مواقفه حاملاً إرثاً دينيّاً يحاول استثماره في كلّ
موقف لاجئاً إلى رموز معروفة، ومضيفاً إليها رموزاً أخرى تمدّه بها
لعبة الشعر: «اللهمَّ
أنقذْني من قسوةِ الصحراء وقرّبْني
من فجرِها. وأنقذْني
من غدرِ البحر وقرّبْني
من زرقته.... وأنقذْني
من السواد واجعلْ لي
هيبته وخطاه. وأنقذْني
من الثرثرة فلا أنطقُ
إلا رمزاً. وأنقذْني
من الهمسِ وأعطني شفتَه. وأنقذْني
من صعودِ القلبِ إلى الحنجرة».
هذا الكلام
طاعن في الابتهال والصلاة الشاعرة، الصلاة الجاري في عروقها نسغ
القصيدة، الصلاة التي تطلب فجراً لصحراء صبغ الليل رملها بالأسود،
وتريدُ غرَقَ الغدر في البحر وبقاء الزرقة الشهيّة على جسد الموج،
وترجو الخلاص من شبكة السواد مع اشتهاء ما فيه من هَيْبَة.
«وان
انقلبتْ بكَ السفينة فستنقذكَ
سفينةٌ أخرى. وإن غرِقَ
البحر فيك فسينجّيكَ
شاطئٌ من الجمر»… ودائماً
هي السماء على أهبة التدخّل، السماء التي تبقي القمصان اليوسُفيّة حيّة
بعدما يظنّ الذئب أنّ الموت ينهي كلّ شيء فتصدمه أقمار القيامة غاسلة
بفضّتها روح الضحيّة: «وإن أكلكَ
الذئبُ فقميصُكَ
حيٌّ بدمه الحيّ إلى يوم يُبعثون».
|
||
|