العلقم شعر: أديب كمال الدين |
|
(1) في بيتِ الطينِ ووطنِ الطين سيعطونكَ صحناً من البطّيخ لتنسى. بطّيخ حلو ما أن تضعه في فمك حتّى يصبح مرّاً كالعلقم. (2) المشهدُ قاسٍ حتماً. فكراجُ السياراتِ موحشٌ ومظلم وأنتَ تهربُ من شمسٍ سوداء إلى شمسٍ خضراء. ينبغي عليكَ وأنتَ في صميمِ طفولتكَ اليومية أن تخفي أسماءَ أمطاركَ الموسمية، أن تخفي شعاعَ الروحِ في قلبك وتحذر من السائقِِ المرتاب وقاطعِ التذاكرِ البشع والركّابِ الذين يشبهون سجناء يُقادون إلى منصةِ الإعدام. (3) لم تكن الرحلةُ سوى رحلة يوسفية. فابتلاعُ البطّيخ تكرر ثانية بل أصبح يتمّ تحت التهديد ليشي بفسادِ الأمكنة وتفاهةِ البئر وتخاذلِ المطر! نعم، فمرارةُ البطّيخ صارَ لها طعم الأيديولوجيا وطعم الشرطةِ السرّيةِ والعلنية وطعم المهرّجين والمهرّجات وطعم المدنِ المنكوبةِ بالجوعِ والمزابل الليلية. (4) ستستبدل، إذن، بطيخةً بأخرى. المرارةُ تقودُ إلى الموت. المرارةُ تتكرر. المرارةُ ترافقها الوحشة وقاموسُ الأخطاء وبلاهاتُ الرغبةِ والحُبّ. (5) احذرْ فالموتُ آتٍ وسوطُ الأيديولوجيا يجعلُ الناسَ سكارى وما هم بسكارى. ستستبدل، إذن، بطّيخَ الطينِ ببطّيخِ البحر، أعني ببطّيخِ بلادِ البحر. لا يهم، فسوءُ الفهمِ أضحى أزليّاً كما يقولُ الفلاسفة وأضحى مزمناً كما يقولُ الأطباء. واحذرْ فالبحرُ آتٍ. (6) واسيّداه الرحلةُ أقسى مما أتصوّر. وأمطاري الموسميةُ تحاصرني فأبتهجُ في حلمي لحظات لألتقي في بلادِ البحر بالخنزيزِ خادمِ الملوكِ الظَلَمة وبالخرتيتِ آكلِ القمامة وكاتبِ مقالاتِ القمامة وبالقردِ الذي قضّى عمره في سجنِ الصحراء. واسيّداه الرحلةُ أقسى مما أتصوّر. والموتُ صارَ لي عنواناً أستبدلُ التاءَ فيه بالواو والواوَ بالميم فلا ينفع ثم أكتبُ الألفَ بمدادِ دمي وآمرهُ بالطيران فلا يستطيع. وأنتبهُ للدالِ: دال الطفولة، دال الأمطارِ الموسمية، دال الحبرِ الأخضرِ والشمس ِالخضراء ولباس الحبيبةِ الأخضر، آمرهُ بالحضور فلا يستطيع. والياء باء والباء آخر ماتبقّى والباء باؤك واسيّداه! (7) واسيّداه البطّيخ مرّ كالعلقم. والعلقمُ صارَ كالسكّين يمزّقُ البلعوم وأنتَ أقربُ من حبلِ الوريد. فما العمل؟ واسيّداه البطّيخ صارَ أكثر مرارة من الموت. والموتُ اختفى في ماضٍ يجيدُ لبسَ القناع والسير وسط الظلام، وحاضرٍ يجيدُ رفقةَ القِرَدَة والخنازير، ومستقبلٍ يخفي شمساً سوداء يسمَيها الفلاسفةُ شمسَ العدم ويسمّيها الشعراءُ شمسَ الحقيقة ويسمّيها الحالمونُ شمسَ الأمطارِ الموسمية ويسمّيها أو يسمّونها أو تسمّيها... وما الفائدة؟ الفاكهةُ الوحيدةُ هنا هي البطّيخ والبطّيخ مظلمٌ وموحش. البطّيخ مصابٌ بأيديولوجيا سوء الفهم وسوء الحظّ. البطّيخ هو الحظّ، البطّيخ هو الطفولة، البطّيخ هو العيدُ وثياب العيد، البطّيخ هو الفرات، البطّيخ هو لباسُ المرأةِ الأخضر وشمس الله الخضراء. واسيّداه الرحلةُ أقسى مما أتصوّر. الرحلة يسمّونها أو أسمّيها أو تسمّيها... وما الفائدة؟
All rights reserved جميع الحقوق محفوظة |