الإنسان كل
إنسان تقوده مجموعة
عواطف متشابكة محكمة
الصنع معقدة التكوين
غريبة الأطوار
تستفزها الغرائب
وتدهشها العجائب فلا
هي طوع أمر الإنسان
ولا له قدرة محاربتها
بالنسيان؛ تقوده في
مجاهل التكوين،
وتأخذه إلى حيث لا
يهدأ ولا يستكين، مرة
تثيرها الدهشة
بالكامل، ومرة تثير
فيها مكمنا يرتبط
بوقع ذاكرة غائرة في
أعمق أعماق الروح،
تتماهى مع البوح
وترنو للسكون، وفي
كليهما تجد غايتها
ووسيلتها، وعلى مر
التاريخ كانت للشعر
سطوة عليها ترقى إلى
درجة السحر الأسود
تتنقل سطوته من حالة
الاندهاش البسيط إلى
حالة التفاعل الكامل
لدرجة نسيان الموقع
والمركز وفي تاريخنا
القديم أن شاعرا قرأ
قصيدة لأحد الخلفاء
استغرقته تلخيص كيانه
كله في أن يصبح مطية
للشاعر يركبه ويجول
به حول كرسي الخلافة
لأنه لم يجد فيما
يدخره من حيل ما يمكن
أن يرد على القصيدة
بمستواها أي معادلا
ماديا لها.
لم نعد في
عصرنا المعاصر نهتم
كثيرا بما يقال
ولاسيما بعد أن نقلت
لنا الحضارة بآلاتها
وأساليبها كل كلام
الكون وجمعته لنا
نتحكم به بلمسة زر
لدرجة مقدرتنا على
ترجمته من أي لغة
أخرى إلى لغتنا
المتداولة دونما
عناء. ولذا من المدهش
أن تجد بيننا من يولى
الكلام اهتماما
بمستوى أن يتابع أدق
التفاصيل ويبحث في
أدق الجزئيات عما لا
يمكن رؤيته بالروح
المجردة بل بالعقل
المكبر مئات المرات،
فأي هوس يدفع إنسانا
ما للبحث عن أمواج
طيف إنسان آخر في زمن
الزلق هذا؟
تلك هي
الدكتورة أسماء غريب
فارسة كلمة النقد
التي تبدو من بعيد
وكأنها تحمل سيوفا
ورماحا لمطاردة هاجس
السؤال وهاجس المعنى
أملا في أن تشعل فتيل
اللماذا في كتابها
الرائع (تجليات
الجمال والعشق عند
أديب كمال الدين)
ولكنك حينما تلج
عالمها المليء
بالدهشة لا تجد أثرا
للآلات الحادة
الجارحة، ولا تجد
مكانا لروح الكراهية
التي تدفع المرء عادة
إلى خوض حروبه
الشريرة بل تجدها
فراشة خرجت من
شرنقتها لتتحول إلى
منقبة آثار تحمل في
يدها إبرة صغيرة تنقب
بها بصبر وتأن لا
حدود له في أطلال
وأنقاض وخرائب وقلاع
وسوح حرب تاريخ أديب
كمال الدين هذا
الشاعر المشاكس حد
التوحش الهادي حد
النسيم العذب المزموم
كشفاه صبية المنتشر
كريح عاتية الصلد
كجلمود صخر حطه السيل
من عل المتمرد الذي
لا يبقى بيديه قيد
مهما كان محكما،
والبسيط الذي يمكنك
تقييده بنسمة ريح،
هذا الشاعر الذي أدمن
جمع التناقضات
والمتناقضات ليحولها
إلى أحرف ملونة
بألوان قوس قزح تعطي
لقصائده نكهة الشهقة
وتمنح حروفه عزف
الرعشة، رعشة الخوف
مما يختبئ خلف دياجير
الظلم، الخوف من
الجنيات التي كانت
تكلمنا عنها جداتنا
في الصغر، رعشة الجوع
والحرمان والشبع
والبطر مع
قليل
من
الحب وكثير من
الألم.