وصلني قبل أيام المجلد الثاني من
الأعمال الشعرية الكاملة للشاعر
العراقي المغترب أديب كمال الدين.
احتوى هذا الجزء على ثلاثة دواوين
للشاعر هي (النقطة) و( حاء)
و(
ماقبل الحرف .. ما بعد النقطة). أديب
كمال الدين عبر هذه السنين الطوال ظلّ
يعاقر الحرف ووحدته ووجده وتماهيه مع
خزائن الحروف وماهيات المعنى حتى صار
واحداً من حروفيي المتصوّفة الجوّالين
الذين يبحثون عن ممالك مجهولة لم
تطأها قدم بشر بعد
.
وصرت
إذا قرأت شيئاً من الشعر له يتجلّى
معي جلال الدين الرومي وسعدي شيرازي
وفريد الدين العطار وشمس التبريري في
غربته وموته الغامض، فضلاً عن جمع
غفير من متصوفة مجهولين يدورون حول
كعبة حروفهم. تلك الكعبة التي تضخّ
لهم ناراً دافئة مليئة بالشوق والعشق
للمعشوق الغائب والمتجلّي في المكان
والكلمة والحرف والغربة والوطن والجسد
والأرض والسماء
.
أديب شاعر ممتلئ بذات الكون الممتلئ
بمجرّاته، ومجرّات أديب هي حروفه إذ
لكل حرف عنده كوكب درّي يدور حول أناه
وحول نار العالم، وهو هنا وفي كل
دواوينه لا يدخل في زوايا الحرف
المظلمة أبداً، إنما يشعّ نوراً
متسامياً على جراح الروح وعذابات
الجسد، يخرج من تلك العتبات إلى ضياء
العالم، يشترك معه في صنع الفرح
والجمال واستكمال ارتحالاته، فهو صوفي
جوّال وإن استوطن المكان، لكنه أخذ
المكان معه في روحه وغادر خلف سرب
الحروف وقافلة الكلمات لايشغله شيء عن
الحداء وهو يطوي الصحارى، غناؤه نحيب،
وبكاؤه صلوات وابتهالاته رقص وغناء.
إنه شاعر متوحد مع جميع المحتفلين
بالإنسان، وهو في الوقت ذاته صوت ضاجّ
بالغربة والنأي بالنفس خارج أسربة
الضلالة. يسلك طريقاً آخر لم تسلكه
أقدام القطعان الناعقة، يبكي وحده
ويضحك وحده ويغنّي وحده، حتى صار حرفه
كرسيه الوثير وكلماته قراطيس الألم
ولمعان سيف الروح البتّار الذي يشقّ
عباءات الرحيل وصهيل الليل في خلوات
الشاعرر.
أشعر
حين أقرأ قصائده أنه يحكي لي بكل
اطمئنان عن نفسه كما لو كان فعلاً
موجوداً
معي، هل هو تجلّي الشاعر عبر حروفه
وأشعاره أم أن تجلّي المعنى الخفي
للكلمات يستحضر روح الشاعر في المكان
والزمان، أم أنه يسرد في الشعر،
فيتداخل لديه سرد وشعر وحكايات ومرايا
وأقمار وظلمات قدسية وآيات تتحاور
فيها الشياطين والملائكة والأنس
والجن؟
وهناك
في عرش حرفه ونون نقطته ودم جسده
وصفاء روحه ستظلّ صورته مرتسمةً تنوء
بثقل خطوات الغربة الغاربة في شمس
العارفين الكبرى التي لا تنطفئ أو تغيب.
********************************
نُشرت في جريدة الصباح
26 آذار - مارس 2017
|