يتحول الصوف في تشكيلات
الشاعر أديب كمال الدين
الصوفية الى حرير موصلي أصيل،
حرير تاريخي حداثي يظل يشفُّ
حتى يتلاشى المنظور ليتفتح
المدلول ويفوح ، فهو نص يمتلك
القدرة على بلورة رؤى الشاعر
لذاته وكينونته وللذات العلية
والكون والوجود من حوله ،
مبدعا في التصوير بالإشارة
المستندة إلى الترميز
والتجريد معا ، ولارتكاز
التجربة الشعرية على موهبة
ومعرفية عميقة ، عرفانية
جمالية وفلسفية فان التشكيل
سيظل ينهل من منابع ثرة ذات
مستويات متعددة مما يجعلها
بحاجة لقراءة تأويلية ذات
مستويات وآفاق مفتوحة هي
الأخرى ، فبدون المعرفة
المعمقة وامتلاك أدوات الكشف
الذوقي والجمالي لا يمكن
للتلقي ان يمتلك مفاتيح النص
ولا العثور على مزاياه الخاصة
، إن صوفية أديب كمال الدين
المبدعة شعريا هي صوفية
التحضر بأخلاق ملوكية حسب أبي
حيان التوحيدي ، وهي دعوة
لرقي التهذيب والسمو بالإنسان
نحو المقامات الراقية مادام
موجودا للاختبار ، والنهاية
هي القاف ، قدر القبر الذي
ينتظر ، وإذا كان لابد لكل
شاعر يجترح طرائق التصوف من
التأثر والتناص مع النفري في
مواقفه ومخاطباته او الشيخ
ابن عربي في حروفه ولمحاته
ومع باقي المتصوفة في لطائفهم
السنية فان اشتغال الشاعر
أديب كمال الدين كان قائما
على قراءة تلك النصوص بمعاصرة
تكثف رؤيته هو ، إذ يلعب بلغة
النصوص على طريقته الخاصة في
مشاغلة اللغة الشعرية التي
منحها الكثير من انهماكه
إيجازا وتكثيفا وتلوينا بقدرة
على الإيحاء ، منشغلا بكل
أنواع التصوير الإشاري
والتجريدي والترميزي بكل
أنواعه من جهة ومستثمرا كل ما
تمنحه الصور البلاغية تجسيدا
وتشخيصا من فن وجماليات ، انه
يجعل من النون دليلا للبصيرة
، ومن البصيرة طريقا للحكمة
ومن الحكمة فاتحة لباب
المعارف كلها ، فمذ وجدت
الكتابة صارت المدونات مفتوحة
للآتين عبر العصور كل حين :
ثمَّ قال: إنّ مَن عرفَ
النونَ فقد أبصر.
ومَن أبصرَ خفّفَ الوطء
وعرفَ أنَّ الكلّ إلى
القبرِ يَسعى،
فَتَحضّرَ للميعاد
قبلَ أنْ يأزف الميعاد.
وهو يذهب الى الحب دليلا
لا يخون ، وشهادة جديدة على
الكشف وانفتاح الرؤيا، فالمحب
مبدع مرهف القلب يبصر كل شيء
جديدا في كل لحظة من لحظاته
الإبداعية التي لا تنساب
برتابة لأنها زمنية منفصلة
منقطعة متباينة تتلون
إشاراتها وتلميحاتها
وإيحاءاتها ، فالنون باختصار
شديد هي نون الكون والكينونة
المشرقة ، وهي نور الحقيقة
التي تضمر السر الذي لا نمسك
به حتى يتلاشى لينهض سرٌّ آخر
بحقيقة أخرى ، حقيقة لا
تُضاءُ إلا بالنقطة سحرا
ومركزا :
ينبغي للشاعرِ أنْ يعشق
حتّى يتعرّف إلى الشمسِ
وهي تشرقُ ليلاً
وإلى الهلالِ وهو يصبحُ
نوناً من غير نقطة
وإلى النقطةِ وهي تصبحُ
سِحْراً
يضيءُ فحمةَ الليل.
***
سأمنحكِ أيّتها النون
المجنونة بالجمالِ والانكسار
مجدَ الكلمة، وسأعلنكِ
إمبراطورةً حقيقيّة،
وأتوّجكِ في احتفالٍ
سرّيّ عظيم
بتاجِ الحروف وقلادةِ
الكلمات
وهو بالترميز يشتغل
على المفردة متجاوزة موروثها
الساكن ، طالعة من عالم صفاء
أثيري ، من صميم اللغة في
براءتها ، حاملة لذاكرتها
الحركية ، ويظل يحفزها حتى
تكون مهيأة لإفراغ زخمها
الدلالي نهاية النص لتشكل
ضربة شعرية وهي في ذروة
توترها كما فعل في رمز الصحن
، بقصيدة إشارة الطفل..
تحيات للشاعر العراقي المبهر
أديب كمال الدين ، ولنصوصه
التي تشتبك فيها الشفافية
بالعمق والتي لا تكفيها
إطلالة سريعة، بل تحتاج
لوقفات متأنية ، الشاعر الذي
كابد طويلا ، ولعب مع العقارب
والقنافذ والأفاعي وفي
شيخوخته التي لن تكون إلا
وهجا شبابيا صار يلعب مع
القردة ، وصارت أمنيته
الوحيدة أن يلعب مع الإنسان .
لم يجد الإنسان في عصر شيَّأ
الإنسان وسلَّعه حتى اليوم ،
لكنه وجد الصحن رمزا طافحا
بالدلالة ، فوضعه على الجرف
وجلس يبكي طوال عمره
....أسفاً يجلُّ على الوصف
على مواهب عراقية فذة تشكل
إبداعها خارج وطنها وهو يزخر
بالكنوز وبوح الحضارات ،
ومزيدا من الإبداع أيها
الزميل الغالي على طريق
المحبة والبهاء والرؤيا .