زيارة لخيالات الكتابة وتداعياتها في قصيدة

 {ثلاث قصائد} للشاعر أديب كمال الدين 

 

د. أنسام المعروف

 قصيدة "يمحو أكثر مما يكتب" للشاعر الكبير أديب كمال الدين هي قصيدة قصيرة ولكنها تحمل معاني قوية ومؤثرة. القصيدة تتحدث عن الكتابة والقلم وكيف يمكن للكلمات أن تمحى بسهولة، في حين يبقى الحلم والأمل دائمًا. تبدأ القصيدة بتصور للكاتب الذي اشترى قلمًا جديدًا لكتابة قصائده، لكن سرعان ما يكتشف أن القلم يمحو أكثر مما يكتب. هذا التناقض الذي يتمثل في القلم يمحو بينما الكاتب يحاول كتابة شيء ما يمثل مفتاحًا لفهم القصيدة بشكل عام. يتم تصوير القلم كشخصية نفسية ذات مزاج وإرادة خاصة بها، كما لو أنه يختار الكلمات التي يريد حفظها ويمحو الباقي. هذا يعكس الفكرة الرئيسية للقصيدة التي هي تحذير من أن الكلمات قد تتلاشى وتُنسى بسرعة، مثلما تمحوها الحياة. في الشطر الثاني من القصيدة، ينتقل الموضوع إلى قلب الكاتب الذي يحلم بأن ينسى أن ينبض، كما لو كان يحلم بالموت. يتم استخدام اللغة الشاعرية بشكل جميل هنا، إذ تصف القصيدة القلب بأنه يحلم، وليس فقط يفكر أو يريد، وهذا يعطي القلب الكثير من العمق والأهمية. يشير الكاتب إلى أن الحلم العجيب قد يساعد في إيقاظ القلب، وهذا يعطي القصيدة لمسة إيجابية وأمل في الحياة. القصيدة تستخدم الصور والمجازات بشكل متقن لتوصل فكرتها الرئيسية.

 

الجزء الثاني من القصيدة هو "ضفدع باشو" يلتقط بسلاسة رسالة قوية وهامة بشأن الإبداع والتفرد. النص يربط بين الشاعر الياباني باشو والضفدع الذي يقفز في البركة، ويسأل عما إذا كان من الأجدر بالشعراء أن يتبعوا خطى باشو أم أنهم يجب أن يكونوا مثل الضفدع ويقفزون في البركة لتحقيق تجربة شخصية. النص يدعو إلى التميز والتفرد، ويذكرنا بأن الإبداع يجب أن ينبع من داخلنا ولا يمكن تحقيقه عن طريق تقليد الآخرين. يتضمن هذا النص الشعري الكثير من المعاني والرموز التي تتحدث عن أهمية التميز والإبداع في الشعر. يستخدم الشاعر مجموعة من الرموز والمفردات البسيطة لإيصال رسالته القوية، على سبيل المثال، "الضفدع" الذي يعبر عن الشخص العادي الذي يتبع الركب ويقلد الآخرين. من الجدير بالذكر أيضًا استخدام الرمزية في اللوحة الشاملة للحياة برموز الضفدع والبركة التي تعكس المحيط الذي يحيط بنا والذي يمكن أن يكون محفزًا للاكتشاف والابتكار. يوضح النص أيضًا أن التميز والإبداع هما الطريقة الوحيدة للوصول إلى النجاح والتميز في الحياة. يشير الشاعر إلى أن الشعراء والكتاب يجب أن ينتهجوا دروبًا جديدة وفريدة وأن يتجاوزوا الحدود التقليدية للإبداع. لذلك، فإن الشعراء يجب أن يقفزوا داخل البركة الهادئة لاكتشاف تجارب جديدة عن طريق خلط الماء وعدم الركون للسبات والاستقرار والرضا بالسكون.

 

 "تباً لهبل" تمثل الجزء الثالث من النص تتميز هذه القصيدة بالشعور القوي واللغة العاطفية والتعبير الشديد الحماسة، وهي تعكس الألم الذي يشعر به الشاعر وضجره الشديد. يتحدث الشاعر عن حُلمٍ كان كبيراً جداً ولكنه أطلق عليه النار ودمره، ولكن الألم الذي تسبب فيه هذا العمل كان قوياً جداً لدرجة أن الدم بدأ يتدفق من خاصرته. وفي نهاية القصيدة، يعبر الشاعر عن غضبه ويصرخ "تَبّاً لِهُبَل!". تستخدم القصيدة لغة مثيرة وعاطفية للغاية، ويعبر الشاعر عن مشاعره الحقيقية والشديدة بطريقة شديدة الواقعية. كما أنها تحمل رسالة قوية حول قدرة الإنسان على تدمير الأشياء التي يحلم بها بسهولة، ولكن الألم الذي يتسبب فيها هو أكبر من الفرح الذي يمكن أن يجلبها. من خلال استخدام الألفاظ العاطفية القوية والصور القوية والشديدة الواقعية، يوفر الشاعر تجربة مشاعر واقعية ملموسة للقارئ وتشجع القارئ على التفكير في قدرة الإنسان على تحقيق أحلامه والألم الذي قد يتسبب فيه إذا تم تدميرها. باختصار، فإن "تبّاً لِهُبَل!" هي قصيدة مؤثرة وعاطفية، تعبر عن الألم الذي يمكن أن يتسبب فيه تدمير الأشياء التي يحلم بها الإنسان، وتحمل رسالة قوية حول الحاجة إلى التفكير في قدرة الإنسان على تحقيق أحلامه.

 

ثلاث قصائد

شعر: أديب كمال الدين

* يمحو أكثر مِمّا يكتب

*************

اشتريتُ قلماً لأكتبَ قصائدي

فاكتشفتُ أنَّ قلمي يمحو أكثر مِمّا يكتب.

فتذكّرتُ قلبي،

قلبي الذي يحلمُ حدَّ أن ينسى أن ينبض،

فأضطرُّ إلى أنْ أقرأ لهُ شيئاً من موتي

ليفيقَ من حلمهِ العجيب.

*************

* ضفدع باشو

********

كتبَ باشو اليابانيّ قصيدته الوامضة

عن الضّفدعِ الذي قفزَ إلى البركةِ الهادئة.

فجاءَ من بعدهِ آلافُ الشُّعراء

ليكتبوا قصائدهم الوامضةَ كما فعلَ باشو.

أما كانَ الأجدرُ بهم

أن يقفزوا إلى البركة

ليكتشفوا ومضةَ الحياةِ كما فعلَ الضّفدع؟

*************

* تبّاً لِهُبَل!

*******

البارحة كنتُ ضجراً حدّ اللعنة

فأطلقتُ النّارَ على حُلْمٍ

لاحقني لسبعين عاماً ليلَ نهار.

كانَ الحُلْمُ كبيراً كَهُبَل،

أعني كتمثالِ هُبَل،

فتطايرتْ عليَّ شظاياه

وجرحتْ روحي في الأعماق

وأدمتْ جسدي

حتّى تدفّقَ الدّمُ من خاصرتي،

فصرختُ:

ألا تَبّاً لِهُبَل!

تَبّاً لِهُبَل!

^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^

نُشرت في جريدة الصباح الجديد، بغداد 13 آذار- مارس 2023

 

الصفحة الرئيسية

All rights reserved

جميع الحقوق محفوظة

Home