بسم الله الرحمن الرحيم
الأعمال الشعريّة الكاملة
أديب كمال الدين
The Complete Poems of
Adeeb Kamal Ad-Deen
المجلّد الثاني
منشورات ضفاف، بيروت، لبنان
2016
بسم الله الرحمن الرحيم
ن والقَلَمِ وَمَا يَسْطرُون.
سورة القلم.
الآية
1
المحتويات
* النقطة
محاولة في الرثاء
15
محاولة في السِّحر
20
محاولة في أنا النقطة
24
محاولة في دم النقطة
27
محاولة في الطيران
31
محاولة في الموسيقى
35
محاولة في الحروف 40
محاولة في الاحتفال
45
محاولة في الذكرى
48
محاولة في الانتظار
52
محاولة في سؤال النقطة
55
محاولة في العزلة
61
محاولة في السياحة
63
محاولة في الكتابة
66
محاولة في دخول النقطة 69
محاولة في الفرات 72
محاولة في اللقاء 75
محاولة في حقيقة النقطة 78
محاولة في الهاء
81
محاولة في الصوت
84
محاولة في القهقهة
87
محاولة في الإبصار
92
محاولة في فرح النقطة
95
محاولة في البهجة
98
محاولة في الجنون
99
محاولة في هاملت
104
محاولة في النافذة
107
محاولة في الحُبّ 110
محاولة في الحظّ
114
محاولة في الرصاصة
117
*
حاء
خسارات
121
زمن أرعن
124
وحشة الرأس
127
ملك الحروف
131
مَلَل
142
صورة الولد في ورق اللعب 146
دمعة مضيئة
151
كلمات
153
جيم شين
157
كيس الحروف
160
حاء 162
سرقة 169
ثلاث صور للموت
172
تبّاً لكِ! 174
مائدة الغرباء
178
مشهد
179
غزل حُروفيّ 181
برقيات سعيدة جدّاً
184
العازف
188
جيم سين دال
190
حوار مع طاغور 193
زلزال
198
النار والسندباد 202
غزل على طريقة فان كوخ 205
بانتظار أن تهبط
حبيبتي 207
نونيّات جديدة
210
أخطاء
215
ثنائيّة
218
الغراب
236
شكراً أيّتها الموسيقى
230
أمجاد النقطة 231
اركعْ فركعت
232
دجلة
236
الزمن يركض، الزمن يغرق 238
خرافات
242
حوريات الفردوس 245
ارتباك
الزاي 248
ضحك 252
رسالة الحروف
254
الحفلة
*
ما قبل الحرف.. ما بعد النقطة
أصدقائي الأوغاد والمنفيّون والسذّج
265
هو أزرق وأنتِ
زرقاء
269
ضجّة في آخر الليل
275
تمثال
277
مطر أسْوَد، مطر أحْمَر
279
يا بائي وبوّابتي
283
اعترافات النقطة
288
جُثّة في البئر
291
اذهبوا للجحيم
293
ساحر
298
شجرة وحيدة
300
قصيدتي المغربيّة 302
حوارات النقطة
307
عرق ودم 316
صيحات النقطة 317
قصة حُبّ 325
جسور 327
حصانان أسْوَد وأْحْمَر 331
قطرات الحُبّ
333
حاء3ات 336
امرأة بشعر أخضر
337
حقائب سُود 340
مباهج الرندلمول 342
إلى أين
344
سؤال 346
جسر بعشرات الثقوب 348
حمامة
350
صورتان لبئر 352
فخّ 354
الأعزل 356
شعراء الحرب
359
وداعاً 360
أمل
ألوان
اختباء 365
سهرة صامتة 366
بكاء الحاجب
367
خنجر أسْوَد، صرخة بيضاء
370
سجود
* آراء في التجربة
* سيرة ذاتيّة
النقطة
-
مكتب د. أحمد الشيخ ، باب المعظّم، بغداد، العراق
ط 1 ، 1999
-
المؤسسة العربية
للدراسات والنشر، بيروت، لبنان ط 2 ، 2001
محاولة في الرثاء
1.
في الأربعين،
في العامِ الأربعين
جلستُ على بابِ الحُلْم.
كانَ الحُلْمُ نحيلاً كموعدٍ ضائع،
طيّباً كنارٍ بدويّة.
وكانَ ورقُ اللعبِ يظهرُ صورته
بالتاجِ وبغيره،
في الزيّ الرسميّ وبالعقال.
فانتبهتُ إلى صمته
وبكيتُ رقّته اللؤلؤيّة.
2.
في الصيحةِ الأربعين
قلتُ:
أيّها الحُلْمُ
يا مَن يظهرُ ورقُ اللعبِ صورته
يميناً
ويساراً،
يساراً ويميناً،
كم افتقدنا عطفَك،
كم افتقدنا ركوبَكَ الخيل والمساءات
سائلاً عنّا نحن الحروف التي بلا نقاط
والنقاط التي بلا مستقبل
والمستقبل الذي بلا معنى
والمعنى الذي بلا مغزى
والمغزى الذي يقودنا بوحشيّةٍ إلى ساحةِ الموت.
3.
في الليلةِ الأربعين
سقطتْ صيحتي
فجمعتُ زجاجَها بلساني الجريح.
كانت الصيحةُ مرسومةً بالحاء،
كانت الصيحةُ طفوليّةً كالماء.
قلتُ:
يا مَن يظهرُ ورقُ الزمنِ صورته النحيلة
أعلى وأسفل
أسفل وأعلى
أنتَ إلى الهاءِ أقرب
وأنا إلى الحاءِ أقرب،
فكيفَ أبكي على جبينِكَ الملكيّ
أنا الذي بنيتُ المأساةَ بدمي
وفراري من الأسدِ المُزيّفِ الذي أكلَ كبدي؟
4.
في الخزانةِ الأربعين
تضاءلت الشموسُ واختفى كلُّ شيء.
لم تكنْ دجلة بمدادِ الحبرِ مرسومةً
ولا بمدادِ الدم
ولا بأيّ شيء.
كأنَّ دجلة لم تكن!
فعجبتُ من تخاذلي
وارتباكِ رواياتي.
لكنَّ خزانتكَ - خزانة التاريخ - أعجب.
وروايتكَ - رواية المقهورين - أتمّ.
5.
في الطعنةِ الأربعين
أجلسُ قربَ شجرتكَ: شجرةِ التين
وأقولُ لها:
يا شجرة مَن تظهرُ الأشجار صورته
كلّ آنٍ وحين
ها أنذا قربكِ في عواصمِ الجوع
أدعو الله أنْ يؤيّدكِ بالثمر
عَلّي أشبع
ويؤيّدكِ بالماء
عَلّي أرتوي
ويؤيّدكِ بالكتابة
عَلّي أكتب نشيدي للحُلْم
الذي يظهرُ الترابُ صورته
طيّباً كموعدٍ ضائع،
نحيلاً كنارٍ بدويّة.
6.
في البابِ الأربعين
لم يكن الحُلْمُ ليأبه لصيحاتي وحشرجتي،
لم يكن يأبه لعُريي وضياعي.
كانَ الحُلْمُ هناك…
ليسَ معَ ملكاته
ليسَ معَ خَدمهِ وحَشَمه
ليسَ معَ حُرّاسهِ وعرشهِ وذهبه
ليسَ معَ مَن يأتمرون بإشارته
كانَ الحُلْمُ هناك…
مَقتولاً
كحرفٍ سقطَ من فمٍ أخرس،
كموعدِ حُبٍّ مزّقته السكاكين،
كنارٍ طيّبةٍ بالتْ عليها الكلاب.
محاولة في السِّحْر
إلى: د. بشرى موسى صالح
1.
في ظهيرةٍ تموزيّة
جلستُ تحتَ سنّ الشمس
فطحنني الحَرُّ حتّى ابتلّتْ ثيابي
وقلبي وأصابعي.
وسقطتْ من عيني دمعتان
انقلبتا، بقدرةِ قادرٍ، إلى ساحرَين.
ثُمَّ سقطتْ دمعتان
فصارَ السّحرةُ أربعة
تحلّقوا حولي بهدوء.
لِمَ تبكي؟ سألوني بصوتٍ خفيض.
قلتُ لهم: أتعبتني الشمس
وسلَّ قلبي مرأى الجمال،
أنا المَحروم حدّ اللعنة،
وعذّبني الجوع
والرغيفُ هنا مغموسٌ بالدم
وأثقلني الفراتُ بالندم.
قالَ أوّلهم: أنا مِن الهند
أستطيعُ أنْ أُلبسكَ ثيابَ الذهب.
وقالَ ثانيهم: أنا مِن اللامكان
أستطيعُ أنْ أطيرَ بكَ مِن غيمةٍ إلى غيمة.
وقالَ ثالثهم: أنا مِن عاد وثمود
أنا مَن يعطيكَ سرَّ اللذّة.
وقالَ رابعهم: أنا مِن الصين
أنا مَن يجعل الحُلْمَ بابَ اليقين.
قلتُ لهم: عجّلوا عجّلوا
فلقد دفنني الحرمان
كما يدفنُ الزلزال
جيشاً قوامه ألف فارس.
2.
في اليومِ الثاني
جلستُ مرتدياً ثيابَ الذهب
وتحتَ قدمي غيمةٌ صغيرةٌ جميلة
وامرأةٌ أحلى مِن العسل
وأصابع كفٍّ تجعلُ الحُلْمَ - أيّ حُلْم -
بابَ اليقين.
3.
لكن الشمس إذ توسّطت السماء
ذابتْ خيوطُ الذهب
فبدتْ ثيابي مُهلهلة.
وذابت الغيمةُ الصغيرةُ الجميلة
فبدتْ قدمي قبيحة.
وذابت امرأةُ العسل
فبدتْ شفتي مُرّةً كالسمّ.
وذابتْ كفُّ الحُلْم
حتّى تحوّلتْ إلى أصابع هيكلٍ عظميّ.
فصرختُ: يا دموعي يا إخوتي يا أصحابي
أينَ أنتم؟
أينَ أسراركم وإشاراتكم؟
4.
صمت السّحرةُ الأربعة
لكنَّ رابعهم أشفقَ على قلبي المُحطَّم
كمرآةِ أعمى،
قال: أتريد الثباتَ لا الزوال؟
قلتُ: نعم.
قال: لا سبيل إلى ذاك المقال
إلّا
إذا تلمّستَ شيئاً مِن روحنا.
فأومأ الثلاثةُ بالإيجاب.
ثُمَّ قامَ أوّلهم عارياً مِن كلّ شيء،
قال: سنفعل،
سنعطيكَ حروفنا أيّهذا المُعَذّب
ونعلّمكَ نقاطنا أيّهذا المَحروم
لكننا نخاف إنْ تعلّمتَها
أنْ تسخرَ مِن الذهبِ وثيابِ الذهب
أنْ تسخرَ مِن البلدان
أنْ تسخرَ مِن الأثداءِ والسيقان
أنْ تسخرَ من الأحلام،
فتكون مثلنا فارغاً
بارداً
ضائعاً
عارياً للأبد.
محاولة في أنا النقطة
أنا النقطة
أنا بريقُ سيفِ الأصلعِ البطين
أنا خرافةُ الثوراتِ وثورات الخرافة
أنا معنى اللامعنى وجدوى اللاجدوى
أنا دم أخذته السماء ولم تعطه الأرض
أنا بقية مَن لا بقية له
أنا فرات قتيل ودجلة مُدجَّجة بالإثم
أنا ألِف جريح
ونون فتحتْ لبّها لمَن هبّ ودبّ.
أنا النقطة
أنا خرافةُ العصرِ وسرّته.
بحثتُ عن اسمي لم أجده مع الهراطقة
ولا مع الزنادقة ولا العبادلة
ولا مع الرهبان ولا الكرادلة
ولا مع المهزومين ولا المنتصرين
ولا مع المتمترسين ولا المهاجرين
ولا مع الطبّالين ولا اللصوص.
أنا النقطة
فيَّ احتوى العالمُ الأكبر
والألمُ الأفدح
فيّ اختفتْ ابتسامةُ الطفلِ وحفيفُ الشجرة
فيّ اختفتْ موجةُ البحرِ وندى الربيع
فيّ تجمهرَ الماضي
وخرجَ باتجاهِ المستقبلِ في مظاهرةٍ حاشدة.
أنا النقطة
عرفتُ الحقيقةَ وعجنتُها بيدي
قبلَ أنْ يصلَ الإنسانُ إلى الكلمة
وقبلَ أنْ يصلَ إلى القمر
وقبلَ أنْ يبتكرَ المقابرَ الجماعيّة.
بل إنّني عرفتُ الحقيقةَ عاريةً
عري هابيل وقابيل
فأعطيتُها ملابسي المثقوبة
ورعبي الذي اتسعَ فشملَ آسيا الطغاة
وأفريقيا المجاعة
وأمريكا الأعاجيب.
أنا النقطة
أنا مَن يهجوكم جميعاً
أيّتها الحروف الميّتة.
سأهجو نفاقَكم وسخفَكم،
سأهجو أكاذيبكم وترّهاتكم
وكفاحكم من أجلِ الأفخاذِ والسياطِ وكؤوسِ العرق.
آ...
ما أشدَّ حزني
ما أعمقَ دمعتي التي وسعتْ آلامَ البشر
ما أفدحَ خطيئتي: خطيئة المعرفة
ما أعظمَ زلزالي وخرابي الكبير،
أنا النقطة.
محاولة في دم النقطة
1.
خرجت النقطةُ من الباب.
كانتْ عسلاً أسْوَد
فتبعها كلُّ ذبابِ الزمن.
2.
كانت النقطةُ جوهرةً،
جوهرةً بحجمِ تفّاحةٍ كبيرة
حملها طفلٌ مدهوشٌ ببريقها
فتبعه كلُّ لصوصِ المدن.
3.
كانت النقطةُ حُلماً مليئاً بالدفء الباذخ
خرجَ إليَّ ليعوّضني عن يُتمي وهلْوَسَتي.
فتبعه كلُّ أنينِ القصائد الحيّةِ والميّتة.
4.
كانت النقطةُ طفلةً / امرأة
خرجتْ إليَّ بثديين غامضين
وعينين مفتونتين
وشفتين ذاهلتين.
فتبعها كلُّ وحوشِ المعمورة.
5.
كانت النقطةُ نوراً يلفُّ كلَّ شيء،
نوراً خرجَ لينيرَ سوادَ طفولتي
فحاولَ قتله كلُّ ظلامِ الأرض.
6.
كانت النقطةُ نقطتي
لكنْ حينَ لعبنا طفلين مسحورين
على سريرِ اللذّةِ الأحمر،
تحوّلت النقطةُ إلى خرافة
ثُمَّ إلى هزأة
ثُمَّ إلى مُهرّج.
وحينَ عضّها الزمنُ بنابه
تحوّلتْ إلى سيركٍ عظيم
لا بداية له ولا نهاية.
7.
كانت النقطةُ كريمةً حدّ الجنون.
(أذكرُ أنّها قرّرتْ حرقَ نَفْسِها
إنْ تركتُها دونَ حرف).
لكنّي تركتُها كأيّ مجنون
لم يستطعْ أنْ يسيطرَ على ضرباتِ قلبه
وهو يتلمّس صندوقَ الليراتِ العظيم.
وحينَ تحوّلَ ندمي إلى أسطورة
لم أجدْ ما أحرق به نَفْسي
سوى حروفي الباردة.
8.
كانت النقطةُ تمسكُ الشمسَ بيدٍ
وتمسكُ الحُلمَ بيدٍ أخرى.
وحينَ قبّلتُها قرّرتْ أنْ تعطيني
ملعقةً من شمسِ العالم
وكأساً من حُلمِ السرير.
لكنّي إذ ذقتُ دفء الشمس
احترقتُ بزهوي،
وإذ لمستُ كأسَ السرير
جننتُ بشبابي.
فكيفَ يمكنني أنْ أكتبَ قصيدتي
بعدَ أنْ سقطتْ منها الملعقةُ والكأس؟
9.
كانت النقطةُ دمَ الجمال
دمَ المراهقة
دمَ اللذّة
دمَ السكاكين
دمَ الدموع
دمَ الخرافة
دمَ الطائر المذبوح.
كانت النقطةُ دمي
أنا تمثال الشمع.
محاولة في الطيران
1.
طارَ اللقلق،
لقلقُ طفولتي
بعيداً بعيداً.
غيرَ أنَّ اللقاءَ به
ظلَّ حلماً ينمو فيَّ
كما تنمو النارُ في فوّهةِ البركان.
2.
وا أسفاه يا حروفي الغامضات.
وا أسفاه يا نسائي الضائعات.
وا أسفاه يا أقنعتي التي لا تكفُّ عن فضحي.
وا أسفاه يا سنيني التي يلاحقُ بعضُها بعضاً
دونَ معنى أو بعض معنى.
وا أسفاه يا عُريي الذي أحاطَ بي
كما يحيطُ الجنودُ برجلٍ أعزل.
3.
في أزمنةِ الكراسي السُود
تصغرُ أحلامُ الطيرانِ كلّ يوم
تصغرُ
تصغرُ
حتّى تصبح بحجمِ حبّةِ رمل.
4.
مَن أنتِ
حتّى أكتب إليكِ إلياذتي المعاصرة؟
اكشفي عن أنانيّتكِ
حتّى أُريكِ يُتمي.
واكشفي لي عن بخلكِ
حتّى أُريكِ نخلتي.
واكشفي لي عن غُموضكِ ومؤامراتكِ
حتّى أُريكِ وضوحي وسذاجتي.
واكشفي لي عن موتِكِ
حتّى أريكِ قيامتي!
5.
لستُ سوى طفلٍ
سقطَ في البحرِ: بحرِ الحروف
فغرقَ حتّى بكته الحروف.
لستُ سوى راهبٍ
تعرّتْ أمامَه بنفسجةٌ بضّةٌ بيضاء
فارتجفَ طوال حياته.
لستُ سوى ريشةٍ
سقطتْ من طائرٍ ذبيح.
لستُ سوى سين التسويف
والمماطلة والمجيء الذي لا يجيء.
6.
يا لقلقي
متى تجيء حتّى أكفّ عن البكاء؟
متى تحطّ حتّى أكفّ عن الدموع؟
متى تحطّ حتّى ألمس السعادة
في منقاركَ الدافئ
وأحسّ بصباي
يضحكُ في بياضِ ريشكِ العجيب؟
7.
لا يزالُ اللقلقُ يحومُ حولَ قلبي،
قلبي الذي صادرهُ الموتُ والجوعُ والنار،
قلبي الذي صادرهُ حلمُ الطيران.
فما الذي سأفعله
أنا الذي لا أملكُ يدين للكلام
ولا ساقين للطيران
ولا شفتين للتذكّر
ولا ذاكرةً لمزاولةِ السِّحر
ولا سِحراً لاقتناصِ لقلقي العجيب؟
محاولة في الموسيقى
1.
الموسيقى تهبطُ تهبطُ
طيراً وعنقودَ عنبٍ وشلّالَ ماء.
فيطيرُ قلبي مع الطير
لكنَّ يدي لا تمسكه.
ويلامسُ العنقودُ شفاهي
لكنْ لا سكين حُبٍّ تقطعُ فراغنا الجارح.
والشلّالُ يأتيني فأكونُ الماء لألقاه
لكنّي أصطدم بصخرته الكبيرة
وأغرق.
2.
حتّى الحروف صارتْ تتعبني.
فهي الوحيدة التي تزورني في وحشتي الكبرى
دونَ أنْ تحمل في يدها باقةَ شمس
أو حفنةَ قمر
أو قُبلات ريش.
3.
الكلُّ يتبرقعُ بثيابِ غيره...
إلّاي.
ولما لم أجدْ ما أتبرقعُ به
خرجتُ إلى الشارعِ عارياً،
عارياً تماماً!
4.
الموسيقى تهبطُ بلاماتٍ عذبةٍ كشفاه الأطفال
وراءاتٍ تزقزقُ وسيناتٍ توسوس
وندى من نونات.
5.
الموسيقى تجيء
فأقومُ من الموتِ إليها
لنلتقي طفلين يتيمين
يتحسّران على أرجوحةِ العيد.
6.
منذُ أنْ تعرّفتُ إلى دمي
وجدتُه مُحاصراً بالطيور.
ومنذُ أنْ تعرّفتُ إلى قلبي
وجدتُه مُمتلئاً بالأبجديات.
7.
السعادةُ راقصةُ باليه
والحزنُ بدويٌّ يفترشُ الأرض
ليعزفَ على الربابة.
8.
أعجبني موتي
وحينَ حاولتُ أنْ أكرّره
جننت!
9.
الموسيقى تهبطُ... تهبط
والروحُ تضيعُ.. .. .. .. وتمّحي.
10.
الموسيقى تذوبُ كما تذوبُ الفضّة
وتنامُ كما ينامُ العُشّاقُ الذين أتعبهم طول الفراق
ووطأة الهجر.
الموسيقى تتألقُ فتحوّلُ الأحزانَ إلى حاء
وتحوّلُ الحاءَ إلى حرّيّة
ترقصُ كما يرقصُ الجنّي.
11.
يا للجمال!
الموسيقى تتموسق
والحروفُ تتألّق.
12.
يفرحُ الثريُّ بجَواري الفنادق،
ويفرحُ المغنّي بدنانير الملاهي،
ويفرحُ زيرُ النساءِ بعشيقته الجديدة.
أما أنا فكالموسيقى
لا أفرحُ إلّا بنَفْسي
ولا أندمجُ إلّا بنقاطي وحروفي.
13.
إلى متى يُعذّبني نزيفُ الحروف:
احتجاجُ الحاءات،
وضياعُ الراءاتِ في ذكرى المدنِ الضائعة،
ونفاقُ السينات،
وانكفاءُ الباءاتِ حتّى الموت؟
يا إلهي...
إلى متى يُعذّبني نزيفُ الحروف؟
محاولة في الحروف
نون
***
سقطت النون
وتحوّلتْ إلى
عاشقٍ أبله
وامرأةٍ أذلَّها الدهر
فسلبَ منها طيورَها الأربعة
وشبابيكها الأربعة
وتاءَ لذّتِها التي ألقت القبض عليّ
بتهمةِ التلصّص.
باء
***
أنتِ لي،
أنتِ مائدتي التي هجمَ عليها الوحوشُ المُهذّبون
فكسروا أقدامها الأربعة
وأكلوا ما عليها
حتّى أتوا على خشبِها الجميل
فهشّموهُ بسكاكينهم الطوال.
فلمْ يبقَ لي منكِ سوى النقطة:
نقطة الدم.
راء
***
الفراتُ مدينٌ لي بكثيرٍ من الاحترام
لأنني سفحتُ طفولتي بين يديه.
جيم
***
جيمُ الجنونِ والجوعِ والجنّ،
جيمُ الجثّةِ والجنسِ والجلجلة
أطلقتُكِ فخافَ منكِ الناقدُ الوصوليّ
والناشرُ اللصّ
وأحبّكِ القارئُ الذي لا تفارقُ الكوابيسُ فراشه،
القارئُ الذي يمشي عارياً
آناءَ الليلِ وأطرافَ النهار
تماماً كقابيل وهابيل.
ألِف
***
كلّ يومٍ أطلقُ عليكَ النارَ ولا تموت.
أشفقُ عليكَ لأنّكَ قويّ كالثورِ المُجنّح
ووحيد كمرآةِ أعمى
وغامض كرأسٍ مقطوع
ووحشيّ كدبّابةٍ تسحقُ طفلاً
وضائع كحرفٍ لا نقطة فيه
وساذج كأنكيدو
وخاسر ككلكامش.
أشفقُ عليكَ لأنّكَ تشبهني تماماً،
لأنّكَ أنا!
حاء
***
مِن أجلكِ رضيتُ بالجوعِ غيمةً
والعزلةِ أرضاً وسوراً.
من أجلكِ افتتنتُ بالموت
وأطلقتُ الحروفَ في غرفتي
فطارتْ نسوراً وصقوراً،
عصافير وبلابل،
نحلات وحمامات
بُوماً وشواهين.
فارتبكتُ
لأنّ غرفتي ضيّقة
ولأنّ حرب الطيورِ بدتْ مليئةً بالرعب.
سين
***
قالت سكينةُ النور: ما للشعر والحروف؟
قلتُ: حتّى أرسم ملامحَ وجهي وصيحات قلبي
في كتابٍ جديد.
قالتْ: عليكَ، إذن، بالسين
ففيها السكينة والسمّ والسكّين.
زاي
***
الزمنُ ذبابةٌ
لا تتركني أنام وقت القيلولة.
كاف
***
أمامَ قدميكِ مُلقى
بلّلني الدمعُ وطحنتني شمسُ آب.
فخذيني إليك،
خذيني فعلى الرماحِ حُمِلَ رأسي
وعلى الورقةِ البيضاءِ سُفِحَ شبابي
وفي التستّرِ أضحيتُ طفلاً أضاعَ أهله
وأمسيتُ صوفيّاً عمّده الشيطان.
خذيني يا مَن اختصصتِ بالكافِ وحدك،
خذيني إليك
فليسَ من العدل
أنْ أنام كلّ ليلة
ومعي نمرُ الحاجة
وغولُ العبث
وأسدُ الحرمان.
محاولة في الاحتفال
1.
محتفلاً بنفسي
وضعتُ دمي في كأسي
وصغتُ منه أوركسترا حروفي ونقاطي.
2.
هل أجرّبُ الرقص؟
نعم، سأهيّئ من حروفي
رقصةَ باليه لكريّاتي الحُمْر والبِيض.
3.
هل أجرّبُ الموت؟
نعم، سأهيّئ من حروفي تابوتاً أخضر
يحمله الشيوخُ الملتحون ليضعوه في قصرٍ من المرمر
فأكون معهم وحولهم وبانتظارهم
أصيحُ صيحةَ أهل بدر.
4.
هل أجرّبُ الحكاية؟
نعم، لكنّ الحكاية بلا بداية أسطورة،
والأسطورة بلا نهاية خرافة،
والخرافة من دونِ الأمل أصنام
تتهاوى على الرؤوس.
5.
هل أجرّبُ الإفلاس؟ هل أبيعُ صباي؟
نعم. قد فعلتُ
ومَن اشتراه؟
اشتراه الفراتُ القتيل.
هل أبيعُ حُبّي؟
قد فعلتُ.
ومَن اشتراه؟
اشترته النساءُ اللاتي لا حاء في بائهنّ
ولا باء في حائهنّ.
هل أبيعُ المسرّة؟
قد فعلتُ.
ومَن اشتراها؟
اشتراها الزمانُ الأدرد.
هل أبيعُ الليل؟
قد فعلتُ.
ومَن اشتراه؟
اشتراه الصبحُ المرعوب.
6.
محتفلاً بدمي،
فرحاً به
توّجته ملكاً للكلمات
وسلطاناً للحروف
وإمبراطوراً للنقاط
ومنحته أحلاماً ذات ريشٍ عظيم
وطواويس وفرمانات أسطوريّة
لم يحصلْ عليها بشرٌ من قبل.
وحينَ اكتملَ كلُّ شيء
ولم يبقَ سوى موسيقى الفرح العظمى
أطلقتُ عليه النار.
وإذ تلوّى دمي بدمه
وصارَ يسحبُ خيطَ الدمِ بألمٍ فادح
دهشتُ لهولِ المشهد
ثُمَّ ضحكتُ وضحكتُ
وبكيتُ
ومتّ!
محاولة في الذكرى
1.
ها أنذا أعودُ
إلى ذكراكِ
أعودُ
كجيشٍ مهزوم
فلا تحاولي معي إحصاء الجرحى والمفقودين.
2.
نقطتكِ
أيّتها الباء
كانتْ نار شتاء ودخان سيكارةٍ فرحة.
نقطتكِ
كانتْ شموساً تُمْسَكُ باليد
وصيفاً غامضاً مليئاً بالقُبَل
ودخولاً مُفاجئاً في العدمِ السعيد.
3.
موتي بعد فراقكِ بدأَ كمهرجانٍ أسطوريّ
وحين سألتُ عن اسمه
لُطِمتُ على فمي حتّى سالَ دمي.
4.
أنتِ
فاجعتي الأخيرة وانتحاري المُبّكر.
أنتِ
ألف مكسورة
ونون متعسّفة
وتاء ممتدة كجسدٍ مُباح.
5.
ها أنذا أعودُ إليك
كمدمنِ خمرٍ قرّرَ تركَ الخمرِ ألف مَرّة
ونجحَ في كلِّ مَرّة!
6.
بعد أنْ كنتِ
مرآتي التي تبتسمُ لابتسامتي
وتنتفضُ لمجيئي
صرتِ عبثي الذي يلقي عليّ القبض
كلّما رآني
أو كلّما تذّكر حرفاً من حروفي المُحطّمة.
7.
لا أكتمكِ
بعدكِ تحوّلتُ إلى صفرٍ جارح
وضياعٍ مؤبّد
وشِعْرٍ يحبّه الناسُ
ولا أحبّه
لأنّه نزيف، نزيف مركّز فقط.
8.
لا أكتمكِ
بعدَ ليلتكِ الخضراء
صارت الليالي شظايا.
وبعدَ سريركِ
البضّ
صارت الأسرّة منايا.
وبعدَ غرفتكِ المُعلَّقةِ بالسقف
صارت الغرفُ
سراديب.
وبعدَ قُبلتكِ الجارحةِ ورضابكِ العسل
صارت القُبَلُ طيوراً قتيلة.
وبعدَ كلماتكِ الطيّبة حدّ الطفولة
صارت الكلماتُ أسناناً اصطناعيّة.
9.
بعدكِ الزمنُ ضاع
ولا أحد يعرفُ أين.
سألتُ كلَّ
شيء عن كلِّ
شيء
فلم يجبني أيُّ
شيء عن أيّ
شيء
ونشرتُ إعلاناً في كلِّ
الصحف
اسألُ: أين وأين وأين
فاتـُّهِمتُ بالغموضِ والنسيانِ واللاأين.
10.
تصوّرتُ
النساءَ مثلكِ
أشجارَ
خضرةٍ وثمارَ ذهب
فكان تصوّري
عارياً وعُريي باذخاً.
وتصوّرتُ
المدنَ
مثل مدينتك
أساطيرَ
حُبٍّ
وقـُبَلاً
من نار
ولقاءات عاصفة ككؤوس عرق
فوجدتها مدنَ موتى لا يتحاورون إلّا بالنباح
ولا يقدّمون لبعضهم بعضاً إلّا باقات من الشتائم!
محاولة في الانتظار
1.
مَن ينتظرُ مَن؟
الشمسُ
تنتظرُ الشارع
أم الشارع ينتظرُ الناس: مُغفّلين وشحّاذين؟
الحقولُ
تنتظرُ النحل
أم النحل ينتظرُ الأزهار؟
الخوفُ
ينتظرُ الموت
أم الموت ينتظرُ الظلام؟
مَن ينتظر مَن؟
الخيبةُ تنتظرُ المفاجأة
أم المفاجأة تنتظرُ اللاجدوى؟
العبثُ
ينتظرُ الأكاذيب
أم النساءُ ينتظرن الثرثرة؟
مَن ينتظر مَن؟
الجسرُ
ينتظرُ الفرات
أم الفرات ينتظرُ الجسرَ الأحدب؟
الشاعرُ
ينتظرُ الحروف
أم الحروف تنتظرُ النقاط؟
مَن ينتظر مَن؟
القاتلُ ينتظرُ الضحية
أم الضحية تنتظرُ السكّين؟
الزمنُ ينتظرُ الناسَ ليفتك بهم
أم الناس ينتظرون الزمنَ ليشحذوا ويهرموا؟
مَن ينتظر مَن؟
الساحرُ ينتظرُ الجنّ
أم الجنّ
يطرقون عليه الباب
بعد أن ملّوا الانتظار.
2.
يا لهذا الانتظار:
بكت الشمسُ
فاتّهمتُ الشارع.
بكت الحقولُ
فاتّهمتُ النحل.
بكى الخوفُ
فاتّهمتُ الموت.
بكت الخيبةُ فاتّهمتُ المفاجأة.
بكت النساءُ
فاتّهمتُ الثرثرة.
بكى الجسرُ
فاتّهمتُ الفرات.
بكى الشاعرُ
فاتّهمتُ الحروف.
يا لهذا الانتظار،
يا لهذا العذاب:
بكى القاتلُ
فاتّهمتُ الضحيّة.
بكى الزمنُ
فاتّهمتُ الناس
وبكى الساحرُ فاتّهمتُ الجنّ.
3.
يا لهذا الانتظار.
قيل إنّ الجنّ
معي
كانوا ينتظرون
ولو علموا ما استكانوا لهذا العذاب العجيب.
ولو علموا لطاروا وطاروا وطاروا
ولو...
أيّها الجنّ
اذكروني اذكروني
إنّني معكم في قمقمِ الانتظار،
إنّني معكم في قمقمٍ من حديد.
محاولة في سؤال النقطة
1.
على نارِ شمعة
أريدُ أنْ أذيبَ أهرامَ حزني،
وعلى نارِ دمعة
أريدُ أنْ أحرقَ رمادَ شبابي،
وعلى نارِ إطلاقة
أريدُ أنْ أبدأ أو أنهي سمفونيّةَ دمي.
2.
سقطَ الزمن
سقطَ من رأسي إلى قدمي فمتُّ
وكانَ سقوطه مُدوّياً حتّى أيقظني من نومي
فضحكتُ!
3.
الموتُ على الأبواب.
الموتُ هو الصديقُ الوحيدُ الذي يتذكّرني بعمق
ولا يكفُّ عن إرسالِ أزهاره السُود إليّ
بالبريدِ المُسجّل.
4.
ضاعَ الشتاءُ في المطرِ والوحل.
وحينَ أرسلتُ الصيفَ ليبحث عنه
لم يرجع أبداً
وقيلَ إنّه شُغِلَ بعري الربيع.
5.
وقيلَ إنّ الزمن
لا شتاء فيه ولا صيف ولا ربيع عُري.
الزمنُ مدن بهيئةِ مقابرٍ مُضيئة
وضوء عذبٍ ينيرُ جُثثَ المسافرين.
6.
الزمن أنا
والزمن أنتِ.
أنتِ التي لا قطار عندكِ
وأنا الذي لا محطّة عندي ولا قضبان.
7.
من دمكِ اقتبستُ موتي
وكتبتُ روايةَ ألِفي
وترجمتُ هزائم نقطتي
إلى سبعين لغة حيّة ومنقرضة.
8.
حاصرني الشتاءُ مجدداً بأكاذيبه وزخّاته
فحاولتُ أنْ أحاصره بحروفي
ولكنّي احترقتُ وغرقت.
9.
أنتِ أكذوبةٌ
وأنا الحبل الذي تنشرين عليه أكذوبتكِ.
أنتِ اعترافٌ
وأنا متّهم اعترفَ مطمئناً بجرائمه الألف
ثُمَّ نامَ كطفلٍ بريء.
10.
أنتِ........ مَن أنتِ؟
وأينَ هي نقطتكِ؟
فوق حيث الشمس تسقطُ ببلاهة؟
أم هي تحت
حيث الشمس يسرقها الكَفَرَةُ الفَجَرة؟
11.
أنتِ....... مَن أنتِ؟
أنتِ جريمةُ قتلٍ متكاملة
لا تنقصها إلّا الإطلاقة
وابتسامة القاتل الهادئة.
12.
أنتِ جريمةُ قتلٍ متكاملة
لا ينقصها إلّا أنا.
13.
أنتِ دعوةٌ للّذّة
أخافُ كتابتها لأنَّ أبجديتي سماويّة
وحبري مقمر بالأسرار.
14.
أنتِ إطلاقة الرحمةِ التي نسيها الجلّاد
ونامَ على الأرجوحة
تاركاً ضحيّته تئنّ
عبر كأس الرمّان.
15.
أنتِ موسيقى تهرب
إلى أعماقِ الأمطارِ لتنام.
16.
أنتِ جسدٌ أضاعَ نقطته
فحاولَ قتلي في الممر.
17.
أنتِ خرافةٌ تسيرُ على قدمين.
18.
أنتِ عُريي الذي حاولتُ تأجيله
فلم أستطعْ
إلّا بعدَ أنْ لبستُ ثيابَ الألف
وتعمّمتُ بعمامةِ النون.
19.
أنتِ أسطورة صنعتُها من اللاشيء،
من اللاجدوى،
من اللامعنى،
من اللامستقر.
وحين أفلستُ
بعتُ اللاشيء مقابل طفولتي
واللاجدوى مقابل صباي
واللامعنى مقابل لذّتي
واللامستقر مقابل جُثّتي.
لكنْ بدل أنْ تبتهج أسطورتي
أطلقتْ عليَّ النار!
محاولة في العزلة
1.
بعدَ أنْ سقطَ الأصدقاءُ والأشقّاء
في بحرِ الكراهية
ركبتُ زورقي متّجهاً إلى بحيرةِ دمي،
مجاذيفي الحروف
ووجهتي النقاط
يتبعني جمعٌ من النونات.
2.
بعدَ
كوارث لا تُحصى
وصلتُ إلى نَفْسي
وأقَمْتُ فيها
وفرحتُ كما تفرحُ جُثّة بلحدها الجديد.
3.
هكذا فأنا أجلسُ في نَفْسي
لأحرسَ نَفْسي.
ولكي لا أنسى ما صُنِعَ بي
وضعتُ رمحاً على بابي
خضّبته بدمي.
وصنعتُ من الطين
رأساً كرأسي
وضعتهُ على الرمح
وبكيت...
بكيتُ حتّى سالتْ روحي
فرددتها إليه... إلى الرأس.
4.
كلّ
صباحٍ أركعُ أمامه في خشوع
لأقول له:
"صباح الخير
أيّها الرأسُ المُثقلُ بالأسى والحروف".
فيردُّ عليَّ في هدوءٍ عظيم:
"صباح الخير
يا صاحبَ العزلةِ السعيدة!"
محاولة في السياحة
إلى: فيصل عبد الحسن
1.
لا أحلام في ساحةِ الهراقلة
سوى أحلام الطيران إلى بلادِ الثلجِ والثيابِ القصيرة،
سوى أحلام مُهرّبي الآثار ومروّجي
الدموع،
سوى أحلام الهراقلة الذين بنوا مدرّجات أجسادهم
وسط عُرينا العظيم.
فَذُهِلنا نحن الذين لا اسم لنا ولا عنوان،
لا ذاكرة ولا يقين.
2.
لا طيور في ساحةِ الهراقلة
لا طيور حُبّ ولا عصافير،
لا بلابل ولا حمامات.
هنا، فقط، أنواع من
البُوم
وبضع
ببغاوات
يتصنّعن
الذكاء.
هنا موسيقى سائبة
تشبهُ حبلَ كلبٍ ضائع.
3.
كم حملنا إلى هذه الساحةِ من قصائد أو حروف
لكنّ الألف شُغِلَ بعُريه
والباء ماتتْ
والنون تحوّلتْ إلى سخريةٍ مُرّة ورثاء.
والنقاط احرنجمتْ
والأبجديّة ارتبكتْ
والظاء تحوّلتْ إلى شرطيّ
والضاد إلى جوازِ سفرٍ أبكم.
هكذا بكيتُ
أنا المُنوّن الغامض
وكدتُ
أضيع وسط هذا الارتباك الكبير.
4.
كنتُ
أسأل الوجوهَ والأسماء:
هل من طريقٍ إلى جنّةٍ ما دونَ صفعات؟
هل من طريقٍ إلى جنّةٍ ما دونَ دخانٍ أو حريق،
دونَ أبالسةٍ أو شياطين؟
كنتُ أسألُ
وأسأل...
لكنْ لا أحد لديه السؤال
ولا سؤال لدى أيّ
أحد
ولا أحد لدى أيّ
كان.
5.
الدنانيرُ
وحدها تتكلّم!
عجبتُ:
لقد صمتَ الهرقلُ العظيم،
صمتَ
الجبلُ وبائعو الموتِ الحيّ
وبائعات السكائر.
وصمتَ بائعو الفلافل وشعراءُ مقهى الدموع
وأمينةُ المكتبةِ وزوّارها العاطلون.
الدنانيرُ وحدها تتكلّم
تتكلّمُ وتتكلّمُ وتتكلّم!
عجبتُ: لقد صمتَ كلُّ
شيء
حتّى حروفي التي جمعتْ
بعضها ونقاطها
وغادرتْ
ساحةَ الهراقلة
في ارتباكٍ عظيم.
محاولة في الكتابة
1.
كتبَ الشاعرُ عنوانَ قصيدته.
كانَ متعباً كرأسٍ مقطوع
ووحيداً كصحراء سقطتْ في البحر
وموحشاً كقبرٍ ينتظرُ جُثّةً سرقها اللصوص.
وإذ حاولَ كتابةَ قصيدته
حاصره الرأس
وطوّقته الصحراء
وسخرتْ منه الجُثّةُ والقبر
وألقى اللصوصُ القبضَ عليه فرحين مسرورين.
2.
الزمنُ غبار
واليومُ قشّ
والساعةُ رماد.
وإذ أمسكَ الشاعر
بغينِ الغبارِ وقافِ القشِّ وراء الرماد
تحوّلَ إلى حرفٍ لا نقطة فيه،
لا بهجة ولا نار.
3.
بحثتُ عن طفولتي في أغنيةٍ قديمة.
بحثتُ عنها في نخيلِ بابل والعراق
وسألتُ عنها ليلَ الحلّة
فلم أجدها إلّا في كفِّ طفلٍ شحّاذ
يجلسُ قربَ الجسر العتيق
ويمدُّ يديه للعابرين الساهمين،
يضحكُ تارةً، يبكي أو ينام.
4.
كتبَ الشاعرُ مرثيته
بحثَ عن مستمعٍ لها لم يجدْ
إلّا الفرات
الذي سمعها وقبـّلها
وأخفاها في قلبه: وسط الطين والسمك.
5.
المرأةُ في المرآة
والمرآةُ في الحمّام
والحمّامُ في الطبل
والطبلُ في الدينار
والدينارُ في الفقر
والفقرُ صديقي
والفقرُ أحبّتي، أهلي،
شعبي وشمسي.
6.
كتبَ الشاعرُ عنوانَ أحزانه
وصندوقَ بريده المفلس حدّ الموت
ورقم هاتف أوجاعه
وأرسله إلى المجلات الأنيقة والصحف.
فتبارت المجلاتُ في نشرِ تلك القصائد
وملأتها بالألوان البهيجة
ونسيتْ أنْ تردّ
على صندوقِ البريدِ المفلس
وعلى هاتفِ الأوجاعِ العظيم.
محاولة في دخول النقطة
1.
النقطةُ عندَ الباب
مليئة بالشمسِ والطفولةِ وحقيبةِ السفر.
النقطةُ عندَ الباب
مليئة بوشمِ القُبَل
واشتعالِ الجسد.
النقطةُ تدعوني: إلى أيّ نون؟
2.
النقطةُ عندَ الباب.
تعبتُ من الحنين
وابتلّتْ يدي برذاذِ شتاءِ قصصِ الحُبِّ الفاشلة
وابتلَّ قلبي بعطرِ زهرِ الربيع
وابتلّتْ حروفي بأنين حرائقي الكبرى
وتسامتْ بألمها
حتّى عشقت النار
وتعرّفتْ إلى طيبةِ الرمادِ وصدقه العجيب.
3.
النقطةُ عندَ الباب.
لم يزل المغنّي ينشد واقفاً أنشودةَ الحُبّ:
أيّ دجلة بانتظاري؟
دجلة الحبر،
أم دجلة الخوف،
أم دجلة شهرزاد الأفعى
وشهريار الحاوي؟
4.
النقطةُ عندَ الباب.
المغنّي احترقَ برماده فتيّاً
وحروفه نسيتْ نفْسها.
أيّ حنين بانتظاري؟
أيّ خرافة تقفُ عندَ باب حيرتي؟
أيّ طفولة تقف
عندَ نار فصولي الصاخبة؟
أيّ صخب يقف
عندَ باب عُريي وتستّري؟
5.
النقطةُ تصرخ:
هل أنا بانتظارِ سكاكين لامعة
لبرابرةٍ مُهذّبين؟
أم أنّي سأدخلُ في إيقاعِ المُغنّي العجيب
وأغرقُ فيه حتّى الموت؟
6.
النقطةُ قالت،
وبكتْ.
وعندَ قدميها
بكيتُ أنا كراهبٍ أعزل
إلّا من جنونه وسواد جفونه.
محاولة في الفرات
1.
لم نخرجْ من البيت
كانت السماءُ ملبّدةً. بماذا؟
ملبّدة بالمجاهيل.
كانتْ يدي تشيرُ إلى قلبي المليء بالندوب،
كانتْ يدي تحملُ قلبي
وتبعدُ عنه الترابَ والذباب.
لم نخرجْ من البيت
كانت السماءُ مُلبّدةً باليُتم
مُلبّدةً بحلمِ المدنِ القصيّة.
يا نهر الفرات:
لِمَ لا تخرج من دهليزكَ الضيّق
وتغسل حرفي الأسْوَد؟
لِمَ لا تخرج من فراشِكَ الطفوليّ
وتغسل ضياعي؟
أنتَ طفل
وأنا طفل
ونحن نركضُ في الأرضِ دون هدى.
هل نذهبُ الليلة إلى السينما؟
هل نشاهدُ "أمّ الهند"؟
برجو: أخي برجو
يداك مقطوعتان،
يداكَ يدي.
برجو: هل تلمّستَ نهرَ الفرات؟
هل سمعتَ بنهرٍ يموتُ فيه الناسُ ليلاً
ويقومون في الفجرِ صرعى؟
كانت النقطة كبدي
تُمَلّحُ وقت المساء وتُشوى.
كيف نخرج؟
أثقلوا جيبنا بالوصايا
أثقلوا جيبنا بالحصى والخطايا
كيفَ نخرج؟
كيفَ يشعرُ أعمى بشمسٍ تدهمه في الطريق؟
برجو: كيفَ نخرجُ والطريقُ إلى النهر
مثل عبد يسخرُ من مخاوفنا
فينبحُ علينا بأسنان بِيض؟
كيفَ نخرجُ والطريقُ إلى النهر
زلزاله كالحجر
وأحداقه من رغيفٍ مُدمّى؟
2.
قلتُ شيئاً
وناديتُ شيئاً،
وبرجو يحدّقُ في الفلم
صامتاً كالحجر.
كفّاه مقطوعتان
والطين أفعى.
قلتُ شيئاً
وناديتُ شيئاً،
وكانَ الفراتُ معي
راكضاً في الدهاليز أعمى.
محاولة في اللقاء
1.
في سوقِ
عُريكِ
أنفقتُ كلَّ ما أملك
دونَ أنْ أرى شيئاً.
2.
بعدَ أنْ أحببتُكِ وانتهى كلّ شيء
وبعدَ أنْ كرهتِني وانتهى كلّ شيء،
التقتْ محبّتي بكراهيتكِ
وتبادلا الطعنات حتّى الموت.
3.
لو دخلتْ نقطتي في هلالكِ
لأشرقتْ شمسٌ أخرى
وقضتْ على ظلامِ الليلِ الخرافيّ.
4.
لو دخلتْ نقطتي في هلالكِ
لاستعدتُ طفولتي المسلوبة
من سوقِ اللصوصِ والمرابين.
5.
لو دخلتْ نقطتي في هلالكِ
لنبتتْ لقلبي شجرةُ تفّاحٍ أحمر.
6.
لو دخلت نقطتي...
لكفّ قلبي عن البكاء بين يدي السفينة
وذاكرتي عن انتظارِ الغرابِ والحمامةِ الضائعين.
7.
جسدكِ وليمة
ولكنْ ليسَ لأمثالي.
إنّه وليمة الوحوش المُهذّبين.
8.
ما أنْ دخلتُ سهلَ حُبّكِ
حتّى بدأتْ جبالُ عجرفتكِ بالظهور إليّ
أنا الذي لا أملكُ سوى كفّين داميتين للتسلّق.
9.
لو دخلتْ نقطتي في هلالكِ
لاكتشفتُ أبجديةً جديدة
تبدأ بالنونِ وتنتهي عند نقطتها
كما ينتهي البخيلُ عند كيس ليراته كلّ ليلة.
10.
لو دخلتْ نقطتي...
لتوقّفَ قلبي عن إطلاقِ العياراتِ الناريّة
على الحروف!
11.
لو دخلتْ نقطتي...
لتحوّلتُ إلى راعٍ لضفائر أكاذيبكِ الجميلة.
12.
لو دخلتْ نقطتي في هلالكِ
لكانَ بإمكاني أنْ أمسك الغيوم
وأرسلها حيث أشاء
ولكانَ بإمكانكِ أنْ تمسكي النجوم
وتلصقيها على ثدييكِ وساقيك
وتصنعي بالباقي لنا طبقاً من القُبلات!
محاولة في حقيقة النقطة
1.
كانت النقطةُ تحت.
وقتها كنتُ ملكاً عاشقاً
ثُمَّ انتقلت النقطةُ فوق.
فصرتُ صعلوكاً فشحّاذاً فلا شيء!
2.
استمرَّ صعودُ النقطةِ عشرين عاماً
بالتمامِ والكمال.
خلالها حلّقت الطائراتُ مرّتين
واحترقتْ مرّتين
فاستبدلتُ رائي بالألِف
ودالي بالياء والباء
واكتشفتُ الخمرةَ الإلهيّةَ بدلاً من الخمرة المغشوشة
وضعتُ حتّى اكتشفتُ أرخبيلَ الضياع
وعدتُ كأنّني وُلِدتُ للتوّ
بشعرٍ أبيض
وقلبٍ مليء بالندوب.
3.
مِن حقّي أنْ أسأل الأبجديّة،
أنْ أسأل الباءَ نَفْسها كيفَ أصبحتْ نوناً
فتحوّلتُ من معشوقٍ يـُنتـَحرُ في سبيله
إلى شيء مجرّد ذكر اسمه
يبعث على الغثيان؟
من حقّي أنْ أسأل الأبجديّة:
كيف تحولّتُ من مُشعلٍ للحرائق إلى عامل إطفاء؟
4.
من حقّي أنْ أسأل
أنا الذي ضاجعتُ النسيانَ على فراشٍ بارد:
كيفَ ظهرت الباءُ دامعةً
وسط الياء والسين؟
كيفَ أبكي وأنا عند الوليّ السعيد؟
5.
اللعبةُ واضحةٌ
والجوابُ ذهبَ إلى المستشفى
بحثاً عن العلاج!
6.
ليستْ هنالكَ من لعبةٍ
أو علاج
ليسَ هنالكَ من سؤالٍ
أو جواب.
7.
وسؤالي:
كيف تحوّلت الباءُ إلى نون؟
كيف تحوّلتُ من ملكٍ مُطاع
إلى شحّاذٍ يرميه الأطفالُ بالحجارة؟
8.
الأسئلةُ تلدُ بعضها.
تلك حقيقة الأسئلة.
9.
لكنّني لا أبحثُ عن حقيقةِ الأسئلة
أنا أبحثُ عن حقيقةِ النقطة.
10.
حقيقةُ النقطةِ في الموت!
محاولة في الهاء
1.
هاءُ
الهمهمة
هاءُ
الهروبِ الجديدِ إلى القضبان
هاءُ
العنكبوتِ وبَيضِ الحمامِ والنقرِ وسط القلوب
هاءُ
هروبِ الحروفِ إلى المناطقِ الخارجةِ عن الجغرافيا
هاءُ
الكتمانِ والحرمانِ والإذعان
هاءُ
الأصابعِ: هل تصلُ إلى المفتاح؟
هاءُ
هبوبِ الرياح.
2.
قلتُ للهاء: هل أنتِ
جميلة ؟
قالتْ: أجملُ ممّا تتصوّر أيّها الغارقُ في الطائر.
أنا أجملُ مِن فجرٍ يزرعُ طائراً في الماء،
أجملُ مِن طائرٍ يزرعُ ماءً في الفجر،
أجملُ مِن ماءٍ يزرعُ فجراً في قلبِ الطائر.
3.
وانتبهتُ إلى الهاء
كانتْ عذبة في حلمِها المُشتبِك،
طريّة كغصنِ بان،
مُدهشة كتنهيدة،
فرحة كسفينةٍ تغرق.
4.
وانتبهتُ إلى الهاء
كانت الهاءُ توزّعني ذاتَ اليمينِ وذاتَ الشمال
وأنا جالسٌ قربَ عشبها
مثل سكين سقطتْ من يدِ قاتل
مثل صورة تبحثُ عن صاحبها الفقيد
مثل دراهم أضاعها طفلٌ بريء
مثل كلكامش أضاعَ الطريقَ إلى أنكيدو
مثل أنكيدو لم يلتقِ
بعد بالمرأةِ العنكبوت
مثل امرأة سُبِيتْ دونَ سببٍ مفهوم
مثل سبب لا سؤال عنده أو لديه
مثل سؤال أضاعَ علامةَ بكارته
مثل علامة ضحكتْ
منّي
مثل ضحكة سقطتْ
في منتصفِ المسافة
مثل مسافة سقطتْ
في منتصفِ الجسر
مثل جسر أضاعَ فراتَه وأطفالَه وقطاراته
مثل قطارات تدوّي الليلَ كلّه
مثل ليل سفيه، وآخر ملآن بالدمع
مثل دمع له عنوان بيتي وعُري خرافاتي
مثل خرافاتي ذات الأربعين دهراً ودهراً
مثل دهر له ما له
مثل مَن لا مثل له
مثل مَن لا مثيل سواه.
محاولة في الصوت
1.
أهي قليلة مناسبات ضياعي وهلاكي
حتّى تضيع، يا صوتي، وتهلك؟
2.
كنتَ بلبل حنجرتي
الآن وقد حلّقتَ بعيداً بعيداً
ظهرتْ حنجرتي للعيان
قفصاً بارداً من حديد.
3.
لا أحد يعينني
على بلواي:
صمتَ الأطبّاء
واخرسّت الأدوية
وارتجفَ الدعاءُ بين أصابعي.
فقط كانَ دمعي على الخطّ
يصيح: آلو...
آلو.
4.
كلّما تعمّقتْ حفرةُ قبري أكثر فأكثر
كتبتُ شعراً أعمق فأعمق
يا للسخرية!
5.
انتبهوا أيّها الأصدقاء
طارَ
البلبل
وضحكَ
الغراب.
6.
متى تهبط ؟
أخبرني: متى تهبط ؟
أم أنّه كُتِبَ عليّ أنْ أرى جسدي
يموت أمامي عضواً عضواً؟
7.
صوتي: أيّها الطائر
اهبطْ فلن أضربكَ كعبدٍ بالسوط
ولن أترككَ في عطشِكَ تجود بنفسك
ولن أصرخ كما يصرخ المجانين
ولن أطلب منكَ الغناء دونَ مناسبة ولا الاحتجاج
ولا الخروج على النصّ
عندما يتبلّد النصّ.
اهبطْ
أيّها الطائر
فلن أترك سوفوكليس يقلع عيون مخلوقاته
على خشبةِ دمي
ولا التوحيديّ يحرق كتبه كلّ
ليلة
في صحراء حلمي
ولا المعري يموت وحيداً
كما أفعلُ أنا
وكما تفعلُ أنت.
محاولة في القهقهة
1.
جيمُ
الجُثّةِ والجُوعِ والجلجلة
غريبةٌ على الواقع،
عصيّةٌ على التصديق.
ومعَ ذلك، فنحنُ هنا، للحديثِ عن السين:
سين سلامِ الموتى
سين سقوطِ الأسنان
سين الأسئلةِ التي تبدأُ لكي لا تنتهي.
ونحنُ هنا للحديثِ عن القصيدة
التي لم يكتبها الشاعر
بسببِ السأمِ وجلجلةِ الجيمِ وصليلِ الأسئلة
وقبحِ الوجوهِ التي يلتقيها.
لا سلام،
لا تحيّة، لا صباح الخير
لا توجد غير لا ولا ولا.
والجيمُ تنمو، تتوزّعُ في الشوارع
والوجوهِ التي أدمنت اللاأمل.
هل اللاأمل ممنوع؟
انكسرَ السؤالُ
ودخلتُ في الجلجلة.
لا شأنَ لي بما تسألون،
لا شأنَ لي إلّا
بما يكتبُ الشاعر
في حروفِ دمه.
لكنّهم سرقوه:
رجالٌ من الشرقِ سرقوا أصابعه
ثُمَّ أعادوها إليه
دونَ إبهامٍ وسبّابة،
رجالٌ من الغربِ سرقوا رأسه
ثُمَّ أعادوه إليه
دونَ عينين،
دونَ أنفٍ وشفتين.
فكيفَ سيكتبُ قصيدةَ حُبّه الكبرى؟
كيفَ سيزرعُ السينَ فتزهر قافيةً من حنين،
تزهر أطفالاً ومواعيد حُبّ؟
كيفَ وهو في الممرّاتِ ضائع:
لا صباح الخير، لا مساء الخير،
لا تحيّة، لا طمأنينة،
لا ولا، سوى القهقهات.
2.
هل سمعتَ بميكائيل أنجلو؟
هل سمعتَ بفان كوخ؟
هل سمعتَ بالسيّابِ الساذج؟
هل سمعتَ بالماغوطِ المُغفّل؟
هل سمعتَ بما لا ينبغي أنْ تسمع؟
لكنني كنتُ أضحكُ حتّى أبكي
وأبكي حتّى أموت
ثُمَّ أولد كي أبكي ثمَّ أموت.
3.
مَن أنتم ؟ - قالَ المقهقهُ - رجالٌ مِن الشرق؟
إذن: أعيدوا إليّ إبهامي وسبّابتي
مَن أنتم ؟ - قالَ المقهقهُ - رجالٌ مِن الغرب؟
إذن: أعيدوا إليَّ رأسي الفقيد،
أعيدوا عينيّ ، أنفي وشفتيّ،
أعيدوا أعيدوا - أنا السيّاب -
أعيدوا إليَّ ماءَ بويب.
وغيلان، أين غيلان؟
وعصاي التي أهشُّ بها على وحشتي؟
وأعيدوا إليَّ لحنَ قصائدي - أنا الماغوط -
ملحّن البارات
وملحّن أناشيد الاندحار
ومايسترو القوافي الجبانة.
ومعَ ذلك، فنحنُ هنا
لا للحديثِ عن القوافي ولا البارات
لا عن بويب ولا غيلان.
نحنُ هنا للحديثِ عن الجيم.
والجيم جُثّتها باقية أحملُها كلّ يوم
أنا الحلّاج حلجتكم بيدي
أنا النفريّ النبيّ
أنا دعبل، والشريف الرضيّ، لكنّني...
فمَن أنتم أيّها الأصدقاء القدامى الجدد؟
كيفَ سنتفاهم بالشعِر
ونحنُ نركضُ خلفَ جيمٍ وسين
وبينهما النون عارية كالمتاهة؟
إذنْ: السينُ سيّدةُ الموتِ تغسلكم في النهاية
والجيمُ ضاعتْ
بنقطتِها عنوان بيتي القديم
وعنوان بيتي الجديد.
ومعَ ذلك، فنحنُ هنا للحديث
لا عن الجيمِ ولا السين.
نحنُ هنا للحديثِ عن القهقهة!
****************************************
الشاعر محمد الماغوط يخاطبُ الشاعرَ
السيّاب في قصيدته:
(إلى بدر شاكر السيّاب) المنشورة بديوان ( الفرح ليس مهنتي) قائلاً:
تشبّثْ
بموتكَ أيّها المُغفّل
دافعْ
عنه بالحجارةِ والأسنان والمخالب!
محاولة في الإبصار
1.
الدمع
حاصرني كما تحاصرُ الدبّابةُ
أعمى في البرّية.
2.
الدمعُ في الأربعين: خرافة
والموسيقى في الدمعِ: طفولة
والرقصُ في الدمعِ: أقصى حالات الجنون
والحرفُ في الدمع: شِعْري أيّها الأعمى.
3.
كيفَ ضعتُ وكيف
مَن الذي ألقاني في الوادي السحيق
ودفنني في الصحراء
وزرعني في بطنِ غيمةٍ تائهة؟
مَن الذي جعلني أركض
خلف ذيل الشمس حتّى الموت؟
4.
متى تكفّ
لغتي عن الهذيان؟
5.
أنتَ يا أنت
أيّهذا
المُحتفي بموتي والناسي موته
أيّهذا
الضائع في جسدي وفي جسدِ الزمن
هلّا انتبهتَ إلى الدمع؟
هلّا انتبهتَ إلى الموتِ عند الباب
والحُبُّ إذ ينهارُ كجبلِ ثلج؟
هلاّ انتبهتَ
إلى دمعتك؟
6.
بعدَ أنْ أنفقتُ سبعين قرناً
أتجلّى في ذيلِ الشمس
الملآنِ بالدمِ والغبارِ والأنين
لم أجدْ سوى كلمات، كلمات، كلمات،
كلمات من دمع
وحروف من دمع
ونقاط من دمع.
7.
ما الذي جعلني أتيه هكذا؟
أخبرني يا عمري: يا جبل الدموع!
محاولة في فرح النقطة
1.
الصباحُ
قطعةُ كَفَن
فتعالي يا نقطة الطفولة
قبّلي خرابي كلّ
سنةٍ
مَرّة
وضعي على رأسي الذي شيّبتهُ الحروب
حرفَ
أملٍ وغصنَ
حياة.
تعالي فالصباح عباءة سوداء
عليها سقطَ عصفورُ
روحي كسيرَ الجناح.
تعالي، ولو بقطعةٍ من خشب
نعالج عظامه البِيض
ولو بقطعةٍ من وهم
نمسح دمعَ عينيه البريء.
2.
فرحتُكِ غيمةٌ من حرير،
فرحتُكِ
مباهج الفقر،
فرحتُكِ
شمسٌ حيّة
لم تلوّثها الأكاذيب
ولم تبدّلْ حروفَها
الترّهات،
فرحتكِ
أعيادي التي سرقها اللصوص
وشبابي الذي غيّبته دجلةُ الغموض.
لذا اقتربي يا نقطة الطفولة
علّنا نعيد لأزهارِ الشارع
عناوين حُبٍّ ضاعتْ
علّنا نعيد للفجرِ فرحتكِ: مباهج المحزونين
والذين بلا غدٍ أو شموس.
3.
هكذا اكتملتِ
واكتملتْ فرحتُك
وقت سقوط العالم في بحارِ التفاهة.
هكذا نضجتِ
ونضجتْ فرحتُك
وقت أنْ غزت السوق
أنواعُ الفواكهِ الفجّة.
هكذا ارتفعتِ
وارتفعتْ فرحتُكِ بعيداً بعيداً
مثل بالونة ترتفعُ في الهواء
والطفلُ قربي يصيحُ بي:
"أمسِكْ بها يا أبي
أمسِكْ بها يا أخي
أمسِكْ
بها يا شبيهي".
فلا أستطيع.
محاولة في البهجة
مددتُ يدي إلى الله
إلى ما شاءَ الله.
وإذ نظرَ إليّ برحمته التي وسعتْ كلَّ شيء
لم يضعْ في كفّي المُتوسّلةِ ذهباً
ولا دنانير فضّة،
لم يضعْ فيها سوى حرف صغير
كانَ يلتمعُ أملاً كعيدِ طفلٍ يتيم.
وإذ نظرَ اللهُ إلى دمعتي الحرّى
وقلبي المُحطّم
سارعَ ليضع وسطَ الحرف نقطة.
فامتلأ قلبي ذهباً ودنانير فضّة،
حكمةً وبهجةً ومحبّة.
هكذا كنتُ صحراء فكانَ الحرفُ جَمَلاً،
هكذا كنتُ ضياعاً فكانت النقطةُ معنى،
هكذا كنتُ حتّى امتلأتُ،
هكذا طرتُ أنا وجَمَلي
طرتُ كغيمةٍ من نور.
محاولة في الجنون
1.
القمرُ على الباب
مُعلّقٌ مِن قدميه.
2.
الكلُّ انطوى على نَفْسه
كوترٍ مقطوع.
3.
الأصدقاءُ تناسلوا هنا أو هناك
أكاذيب وترّهات.
4.
المعنى مُعتقلٌ في نَفْسه
ولا أحد يستطيع أنْ يفتديه
حتّى أنا.
5.
أولئك الذين ماتوا
أحسنوا كتابةَ قصائدهم المُهدَّمة.
6.
البارحة متُّ
وفي الصباحِ، كالعادةِ، استيقظتُ.
7.
الجوع رسالة
لا تحتاج سوى أنْ تغلقها
وترسلها إليك،
عفواً
إليّ!
8.
ماتت المرأةُ: الحلمُ، والمعنى، والفجر.
وكانَ موتُها مناسبة لحلولِ أربعين كارثة أخرى.
9.
الجنونُ جميلٌ
لأنّه صندوق بريدي المليء بالطيور
ومستقبلي المليء بالظلمات.
10.
احتجّتْ حروفي
على جبالِ الحزنِ فيها
فقمعتُها بيدٍ مِن حديد
وصبرٍ ورعب.
11.
ماتَ الشاعرُ والوليّ،
ماتَ الفيلسوف،
وماتَ المؤرخ.
وحينَ ماتَ بائعُ الفواكه
حينها، فقط، احتجّ الناس.
12.
صديقي الوحيدُ الذي نَجا
أرسلَ لي رسالةً مليئةً بالأفاعي والبُوم،
رسالةً ملأتْ بيتي رعباً.
13.
حينَ قرأتُ قصائدي البارحة
في احتفالٍ عام،
كانَ هناكَ جمهورٌ غفير
لم أكنْ أحلم به.
كانَ هناكَ، فقط، قلبي
ومائدتي
ودمي.
14.
حبُّكِ آيةٌ من نور
وأنتِ يا حبيبتي
نبيّةٌ من ظلام.
15.
حين كتبتُ اسمَكِ ارتبكتُ.
فلقد أحببتُ حروفَه بجنون
وخشيتُ أنْ يراها الناس
بل خشيتُ أنْ أراها أنا.
16.
أين أنتِ
لتعيدي إلى دمي طبولَ أفريقيا
وخزعبلات آسيا
وأشباحَ العالم السفليّ؟
17.
صارَ حُبّكِ قصيدةً
يهيمُ بها كلُّ مجانين الأرض .
يا للروعة!
18.
حُبُّكِ قادَ شعري
إلى كنهِ الحروفِ والنقاط
وقادني إلى العَظَمَة:
إلى جنونِ العَظَمَة!
19.
آ.......
القمرُ على الباب
رفعَ إحدى قدميه!
محاولة في هاملت
1.
أوفيليا،
يا غيمة البراءة،
أخبريني كيفَ اجتمعت الدنيا في جسدِك
ثُمَّ ضاعتْ في الماء؟
أخبريني كيفَ قُتِلَ أبي
وكيفَ أباحتْ أمي طيورَ طفولتي للثعبان؟
كيفَ قادني الشبحُ إلى الشبح
والموتُ إلى الطوفان؟
2.
أوفيليا،
جسدُكِ المُقمرُ مرثاةُ عمري
إذن دعيني، مثل طفل يتيم سرقوا ثوبَ عيده،
أبكي عليك
دعيني أتعرّف إلى جسدِكِ البضّ
لأعرف سرَّ الجنونِ والهذيان.
دعيني أتعرّف إلى جبينك
لأعرف سرَّ المطر.
دعيني أتعرّف إلى أصابعك
لأعرف سرَّ الفرح.
دعيني أتعرّف إلى بطنكِ النحيل
لأعرف سرَّ الطفولةِ والطمأنينة.
3.
أوفيليا،
جمالُكِ الأسطوريّ عذّبني كلّ يوم
حتّى قادني إلى منافي الكلمات.
ورضابُكِ أبهجني مثلما يبتهجُ الساحرُ بالصاعقة.
فضمّيني قبلَ أنْ تهلكَ آخر قطرات دمي معك،
ضمّيني قبلَ أنْ يأكلني الماء.
4.
مدّتْ أوفيليا يدَها إليّ
لكنْ ما أنْ قبّلتُ أصابعها المُترفة
حتّى تحوّلتْ إلى خناجر وشتائم،
ما أنْ قبّلتُ صدرَها الفاتن
حتّى خرجت المردةُ والشياطين
وأحاطتْ بي من كلِّ جانب،
وما أنْ قبّلتُ شفتيها
حتّى خرجت الأفعى إليّ
فسقتني السمّ
لأموت إلى الأبد.
محاولة في النافذة
1.
جلستُ إلى النافذة
كي أرى أطفالي يطيرون عبر الزجاج
وأمّهم تلوّح لي،
كي أرى أصدقائي يفرّون إلى حروفِ الأقاصي
وأرى نقطتي تحلّق شيئاً فشيئاً.
جلستُ إلى النافذة،
جلستُ إلى نَفْسي
فوجدتها تطير إلى النافذة
لكنّها اصطدمتْ، وا أسفاه، بزجاجِ الموت.
2.
جلستُ إلى نَفْسي،
جلستُ إلى النافذة
وصرختُ بالأطفالِ الذين يلعبون في الشارع: اذكروني.
لكنّهم كركروا كغيمةٍ فرحة.
وصرختُ بالقتلى الذين قاتلوا من أجلِ ربيعِ الوهم
لكنّهم تسربلوا بدمٍ لزج.
وصرختُ بالسكارى واللصوص
لكنّهم انشغلوا بشتائمهم ومُهاتراتهم.
وصرختُ حتّى كادت النافذة
أنْ تقع على رأسي المذهول.
3.
ولذا سأنادي: أبي
يا سيف صحراء الحرمان،
أبي
أيّها الشفوق كهلالِ العيد،
أبي
يا ثمرة الغيب ونتاج العظمة،
أبي يا أبي
أغثني أغثني
فالرماحُ تكاثرتْ
والنافذةُ ضاقتْ بما ترى
فخفتُ أنْ تتسع
أو تجنّ.
4.
أبي
ضاقت النافذة
بنفْسها وتحطّمتْ
ونزلَ زجاجُ الموتِ إلى الشارع،
فأزلته بلساني الجريح
يا أبي.
محاولة في الحُبّ
1.
حبيبتي: جنّيةٌ صغيرة
مليئةٌ باللذّةِ والدمعِ والدفء.
عليَّ أنْ أجدَ طريقاً لترويضها
أنا الساحر الذي أُحْرِقَ حيّاً حتّى الموت.
2.
حبيبتي: نخلةٌ باسقة
مليئةٌ بالتمرِ والحلمِ وأعشاشِ الحمام.
عليَّ أنْ أجدَ طريقاً لصعودها
أنا المُعوَّق الذي قطعت الشظايا إحدى قدميه.
3.
حبيبتي: أغنيةٌ عميقة
مليئةٌ بالطبولِ والدفوف والعنفوان.
عليَّ أنْ أجدَ طريقاً لسماعِها
أنا فان كوخ الذي أهدى أذنَه لحبيبته الهازئة.
4.
حبيبتي: بستانُ تفّاح
مليءٌ بالمواعيدِ والرغبةِ والعصافير.
عليَّ أنْ أجدَ طريقاً لسرقته
أنا اللصّ الذي سرقَ الزمنُ حقيبةَ طفولته البريئة.
5.
حبيبتي
تزورني في كرسيي المُتواضعِ كلّ يوم
محمّلةً بالتاجِ وبريقِ التاج.
عليَّ أنْ أجدَ طريقاً لمدحِ كلِّ لؤلؤةٍ في تاجِها
أنا الشاعر الذي لا يحبُّ أنْ يمدحَ شيئاً
سوى تيجان النساء
وبريق النساء.
6.
حبيبتي
تزورُ حيرتي كلّ يوم
مليئةً بالغموضِ والأساطير والألغاز.
عليَّ أنْ أجدَ طريقاً لفكِّ
ألغازِ أساطيرها
وفتحِ غموضِها المُرتفع
أنا المُطلسِم الذي سرقَ الجنّ
طلاسمَه في حوضِ السباحة!
7.
حبيبتي
تزورني كلّ
يوم
مليئةً بالرقم سبعة
وإشاراته وارتباكاته وصيحاته.
عليَّ أنْ أجدَ طريقاً لإلقاء القبض عليه
بسببِ صيحةٍ كلكامشيّة
أو حلمٍ فرعونيّ
أو خطأ بابليّ في ترتيبِ أيامِ الأسبوع.
8.
حبيبتي
تجيءُ كلّ يوم إلى بابي المُحطَّم
مليئةً بالرغبةِ والدلالِ واللامعنى.
عليَّ أنْ أجدَ طريقاً لملء حلمها
وتقبيلِ دلالها
وإطلاقِ طيورِ لامعناها
في غيمة معناي المُرعبة.
9.
حبيبتي
تجيءُ كلّ
يوم
بألفِها الذي يشبهُ ألفي
وبيائها التي تشبهُ يائي
وبعذابِها الذي يشبهُ عذابي.
عليَّ أنْ أجدَ طريقاً
لأضعَ حدّاً لضياعِ حروفِها وحروفي
وارتباكِ حروفِها وحروفي
حتّى لو اضطررتُ إلى إطلاقِ النار
على الحروفِ جميعاً!
محاولة في الحظّ
1.
إلى الحظّ
أرسلتُ رسائلَ شديدةَ اللهجة،
شديدةَ التقريع:
"أنتَ مَن أفسدَ طفولتي
وحطّمَ شبابي
وأربكَ شيخوختي".
ضحكَ الحظّ، وقال:
"حسناً،
سأجعلُ من موتِكَ
مناسبةً مليئةً بالبهجةِ والشموع!"
2.
حينَ تعلّم المنحوسُ النطق
سقطتْ أسنانه واختفت الكلمات!
وحينَ تعلّم المشي، اختفت الطرقات!
وحينَ تعلّم الكتابة،
لم يعدْ للكلمةِ معنى أو شبه معنى!
وحينَ تعلّم الطيران، اختفت السماء!
3.
في سُلّمِ الحظّ
كلّما صعدتُ درجةً هوتْ تحتَ ناظري
وبدا السُلّمُ عميقاً حدّ اللعنة.
4.
لم يعد الرغيفُ حلماً
صارَ قصيدة حُبٍّ
لا تُقرأ إلّا بين يدي الملوك.
5.
بقليلٍ من الشؤم
أحببتكِ
أنتِ يا كثيرة الأسماءِ والمواعيد.
وبكثيرٍ من الحظّ
أجبتِ على قصائدي بالطعنات.
6.
الفرقُ بين الرغيف والحظّ
واهٍ كخيطِ عنكبوت.
والفرقُ بين الغيمة والطفولة لا شيء
لأنّ بياضهما سرقته امرأةُ العزيز
وباعهُ إخوةُ يوسف بدراهم معدودة.
والفرقُ بيني وبينكِ لا شيء
لأنّنا من عدمٍ واحد.
7.
"ستفرح حينَ تموت".
تلكَ وصيّة الحظّ
قبلتُ بها وابتسمتُ
ثُمَّ ضحكتُ قليلاً
وقهقهتُ أخيراً كمجنون.
محاولة في الرصاصة
كانَ لي قلب
حينَ كبرتُ تحوّلَ إلى عصفور
ثُمَّ إلى وردةٍ
ثُمَّ إلى كلمةٍ
فدمعةٍ ورغيف.
كبرتُ فتحوّلَ قلبي إلى رصاصةٍ من الفولاذ
باردةٍ، ناعمة.
وحينَ حاولتُ أنْ أحتجّ على هذا التحوّل
شاهدت الطائراتُ قلبي من بعيد
فرمتني بصاروخ
نسفني من الأعماق،
فتشظّيتُ وتشظّيت
حتّى رأيتُ العصفورَ هابطاً بجناحٍ واحد
وشممتُ الوردة َحمراء حمراء
وكتبتُ بالكلمةِ دمعتي ورغيفي
ولمستُ الرصاصة
فكانتْ باردةً ناعمةً كالموت.
حاء
- المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، لبنان ط 1 ، 2002
خسارات
1.
خساراتي لم تعدْ تُحْتَمَل
فأنا أخرجُ من خسارةٍ لأقعَ في أخرى.
فأنا – على سبيلِ المثالِ – متّ،
متُّ منذ زمنٍ طويل
وشبعتُ موتاً.
وحينَ قرّرتُ أنْ أقومَ من موتي
لابساً الأخضر بدل الأسْوَد
وراكباً الغيمة بدل الدرّاجة الهوائيّة
صدمتُ بفسادِ الغيمة
وتمزّقِ
ثيابها الداخليّة.
2.
خساراتي لم تعدْ تُحْتَمَل.
دخلتُ في النارِ واحترقتُ كما ينبغي
وحينَ قمتُ من رمادي
وجمعتُ رمادي
وذَرَرتُه في دمي كي لا أموت من جديد،
صُدِمتُ حينَ عرفت
أنّ مَنْ ألقاني في النار:
أصدقائي الذين أعطيتُهم نورَ الأخضر
وأحبّتي الذين منحتُهم شمسَ الغيمة.
فارتبكتُ لأنّني لم أهيّئ نَفْسي لدورِ الفادي
ولم أكنْ أتصوّر أنّ دورَ يهوذا
سَيُعاد عرضه في
كلِّ
مكانٍ بنجاحٍ ساحق.
3.
خساراتي لم تعدْ تُحْتَمَل.
صرتُ أقلّبُ أسماءَ المدن
فأجدها مُتشابهةً كالموت،
وأقلّبُ أسماءَ الأزمنةِ والأمطار
والجروحِ والصواعق والنساء
فأرتبكُ
لأنّ جسدي الذي قامَ
من موته عشرات المرّات
وقلبي الذي قاومَ العاصفةَ والدمَ والذهب
بكيا أمامي كطفلين يتيمين،
واشتكيا لي من ضياعِ الحلم
بل صرخا من ضياعِ الحلم
وخرجا كمجنونين في الشوارع.
فما الذي سأفعله سوى أنْ أعلن:
خساراتي لم تعدْ تُحْتَمل،
لم تعدْ، لم تعدْ تُحْتَمل.
ولذا سأعلنُ عن ترتيبِ الأنهار
لأجعلها تذهب من الجنوبِ
إلى الشمال
لأخفّفَ من آلامي،
سأعيدُ ترتيبَ الغيوم
لأجعلها تسافر بالرسائل البريديّة
لأخفّفَ من عُري طفولتي،
سأعيدُ ترتيبَ الدموعِ لتكون أكثر غموضاً
حتّى أعالج حنينَ منائري الذهبيّة
فلا يلحظ بكائي أحد
ولا يشمت فيَّ أحد.
زمن أرعن
1.
حُبّكِ خطأٌ يتكرّرُ في الدقيقةِ ستيّن مَرّة.
2.
حُبّكِ ساعةٌ لا تقفُ لتنظرَ إلى الوراء
إلّا لتدفنَ رأسَها في الرمال.
3.
حُبّكِ ساعةُ صراخِ طفل
وشاعر صعلوك
ومدينة تغرقُ في بحرِ الجوعِ والعنف.
4.
حُبّكِ عقاربُ زمنٍ أرعن.
5.
حُبّكِ ساعةٌ تكذبُ لتصدق
وتصدق لتمارسَ أكاذيبها وترّهاتها.
6.
حُبّكِ أكذوبةٌ وساعتكِ طفلٌ لا أب له.
7.
دمي ساعةٌ لا بدء لها إلّا مَع عُريكِ.
وهكذا فقد حُكِمَ على ساعتي بالتوقّفِ الأبديّ.
8.
أيّتها الفارغة
كيفَ امتلأتِ بحركةِ اليد؟
أنتِ الساعة التي أردتُ لها
أنْ تسيرَ بحلمِ الجواهر
وزقزقةِ الحروف
وبهجةِ الشِعْر.
9.
أنتِ ساعةٌ تدقُّ، تدقُّ، تدقّ:
تك... تك... تك...
وتنادي راعي جسدها المُتوحّش
لتسلّم له – كلّ ليلةٍ – دقّاتِ قلبي
في فرحٍ غبي
وحيوانيّة كاملة.
10.
أنتِ ساعةٌ تتوسّلُ وتتسوّل.
11.
أنتِ ساعةٌ لا تكفُّ عن الدوران
في صحراءِ العبثِ الكبرى.
12.
حُبّكِ مذبحةُ الساعاتِ
الميّتة
التي حطّمها هجومُ الزمنِ المفاجئ.
13.
حُبّكِ ساعةُ البرابرة،
ساعةٌ روحُها الأنيابُ والعِصِيّ
والسكاكينُ البرّاقةُ وسطَ الشمس.
وحشة الرأس
1.
في عليائي
سمعتُ صوتَ الأيّامِ: أرامل مِن سَواد.
في شحوبي
سمعتُ صوتَ الحرسِ وهم يتناهبون
صباي وشبابي وبياضَ لحيتي.
فارتبكتُ:
أإلى هذا الحدّ كانَ النحاس
رخيصاً أمامَ الذهب؟
2.
في عليائي وشحوبي
عيناي ثقيلتان فلا تبصران
فصرتُ أرى بأذني
وأبصرُ بقلبي.
كانت الوحدةُ مُطلقةً،
كانت الوحدةُ تشبهني تماماً
أنا الأعزل الذي طُعِنَ حتّى أربكه
منظرُ الدمِ غزيراً كشلّال،
منظرُ الدمِ جامداً هادئاً كترنيمةِ طفل.
3.
في عليائي وشحوبي
أُنْقَلُ من حربٍ إلى حرب
ومن صحراء إلى صحراء
ومن سفينةٍ إلى سفينة
ومن ارتباكٍ إلى ارتباك
ومن نحاسٍ إلى نحاس.
لكنّ الذهب يترصّدني،
أصدقائي - قبلَ أعدائي - ينحنون أمامَ بريقِ الذهب
فيسلمونني خلسةً إلى يهوذا.
ويهوذا قبلَ أنْ يفيقَ الجميع
من نومِهم القلق،
من جشعِهم المرّ
يقودني إلى منفاي وَسَقَري،
يقودني إلى رمحي الطويل.
4.
ياه...
يا لرمحي الطويل
كلّهم يحملون رماحَ النحاس
ورمحي أطولهم!
ياه...
يا لبرودة جبيني
وطمأنينة حلمي.
يا لجمال طيوري
تلاحقني من عينٍ إلى عين
ومن حاءٍ إلى حاء.
ياه...
كلّهم يرون فلا يفقهون،
كلّهم يتعذّبون برماحِ النحاس
وهي تدخلُ في عيونهم التي أعماها البريق.
يا لصيحاتهم،
يا لآهاتهم،
يا لخيباتهم!
5.
في عليائي،
في وحشتي وشحوبي
ورحيلي العظيم،
سمعتُ صوتَ كلِّ شيء
وأبصرتُ بالعينِ والأذنِ والقلبِ كلَّ شيء.
فسخرتُ من بريق ِالذهبِ والنحاس،
من بريقِ الحرس،
من بريقِ الأيام،
من بريقِ الكلام.
ملك الحروف
1.
النقطةُ فضّة
والحرفُ ليرةُ ذهب.
فما أسعدني أنا ملك الحروف.
2.
النقطةُ بسمة
والحرفُ ضحكة.
فما أسعدني أنا ملك القهقهة.
3.
النقطةُ بخور
والحرفُ رقصةُ
السَّحَرة.
فما أسعدني أنا ملك الجِنّ
صاحب الجناحِ الأخضر الكبير.
4.
النقطةُ موت
والحرفُ جريمةُ قتل.
فما أسعدني أنا طاغية العصر.
5.
النقطةُ ندى
والحرفُ دمعة.
فما أسعدني أنا العاشق الأعظم.
6.
النقطةُ شِعْر
والحرفُ أغنية.
فما أسعدني أنا صاحب الأناملِ الذهبيّة.
7.
النقطةُ هرطقة
والحرفُ تجديف.
فما أسعدني أنا الكبريت الأحمر.
8.
النقطةُ بلاء
والحرفُ طوفان.
فما أسعدني أنا الذي رأى كلَّ شيء.
9.
النقطةُ دفّ
والحرفُ طبل.
فما أسعدني
أنا الغجريّ الذي يضعُ الأقراطَ في أذنيه
والأساورَ في معصميه
ويرقصُ وسطَ النساء.
10.
النقطةُ خمرة
والحرفُ كأس.
فما أسعدني أنا أبو نؤاس الذي لا يتوب.
11.
النقطةُ سخرية
والحرفُ هجاء.
فما أسعدني أنا الحُطيئة وابن الروميّ
والأحوص وابن هرمة وأنا..........
12.
النقطةُ طفولة
والحرفُ عيد.
فما أسعدني أنا الطفل الذي لم ينمْ
ليلةَ العيد بانتظارِ شمسه المُلوّنة.
13.
النقطةُ عُري
والحرفُ جسد.
فما أسعدني أنا كزنوفا القارّات.
14.
النقطةُ عروس
والحرفُ عُرس.
فما أسعدني أنا لابس البدلة البيضاء
وواضع الزهرة البيضاء في أعلى البدلة.
15.
النقطةُ حرمان
والحرفُ وحشة.
فما أسعدني أنا المحكوم عليه بالسجن المُؤبّد.
16.
النقطةُ خرافة
والحرفُ أسطورة.
فما أسعدني أنا سيّد العصور.
17.
النقطةُ باء أو نون
والحرفُ ألف.
فما أسعدني أنا صاحب الخورنق والسدير
والشويهة والبعير.
18.
النقطةُ دم
والحرفُ قلب.
فما أسعدني أنا المُعذَّب دوماً
والمصلوب حتّى الموت.
19.
النقطةُ فراغ
والحرفُ فراغ.
فما أسعدني أنا الغريق
بلا
اسمٍ ولا معنى ولا مكان.
20.
النقطةُ دمعة
والحرفُ عين.
فما أسعدني أنا النائحة في كلِّ بيت.
21.
النقطةُ حرف
والحرفُ أبجديّة.
فما أسعدني أنا بهلوان الكلمات.
22.
النقطةُ وداع
والحرفُ إشارة الكفّ الأخيرة.
فما أسعدني أنا مُفرّق الجماعات
وهادم اللذّات.
23.
النقطةُ نزيف
والحرفُ نهر.
فما أسعدني أنا المقتول على نهرِ الفرات.
24.
النقطةُ لقاء
والحرفُ قُبَل.
فما أسعدني أنا المُراهق الخطير.
25.
النقطةُ سكّين
والحرفُ رصاصة.
فما أسعدني أنا المُهَلْوِس الأكبر.
26.
النقطةُ نقطة
والحرفُ حرف.
فما أسعدني أنا ابن الشارع الذي لا يفقهُ شيئاً.
27.
النقطةُ نور
والحرفُ شمس.
فما أسعدني أنا الموحِّد المذهول بنورِ بَصَري.
28.
النقطةُ تظاهرة
والحرفُ حشود.
فما أسعدني أنا الهاتف بحاءِ الحُبِّ والحرّيّة
حتّى الرمق الأخير.
29.
النقطةُ نظّارة
والحرفُ ناقد.
فما أسعدني أنا الذي أقيسُ
كلَّ شيءٍ بالمسطرة.
30.
النقطةُ حشيشة
والحرفُ سيكارة.
فما أسعدني أنا الحشّاش الأصفر.
31.
النقطةُ جمرة
والحرفُ دخان.
فما أسعدني أنا سيّد
إعلانات هذا العصر.
32.
النقطةُ لعبة
والحرفُ سيرك.
فما أسعدني أنا المُهرّج الكبير.
33.
النقطةُ قُبْلة
والحرفُ امرأة.
فما أسعدني أنا سيّد الواهمين.
34.
النقطةُ فلوت
والحرفُ أوركسترا.
فما أسعدني أنا جايكوفسكي
المليء بعواصفِ الربيع.
35.
النقطةُ سعال
والحرفُ شيخ.
فما أسعدني أنا الذي سيموتُ بالسلّ
عمّا قريبٍ في غرفته المُظلمة.
36.
النقطةُ عقل
والحرفُ مستشفى مجانين.
فما أسعدني أنا المجنون الذي يشكُّ
في عقولكم جميعاً!
37.
النقطةُ رصاصة
والحرفُ موتٌ مجانيّ.
فما أسعدني أنا الذي سيموتُ قريباً
على يدِ جلّادٍ مُحترفٍ أو سيّارةِ تاجرِ حرب.
38.
النقطةُ ماء
والحرفُ بحر.
فما أسعدني أنا الذي حملَ البحر
إلى المرأةِ العارية.
39.
الحرفُ حياة
والنقطةُ بَعْثٌ من الموت.
فما أسعدني
أنا الملاك الذي يحملُ
السرَّ في جناحه الأيمن
وسرَّ السرِّ في جناحه الأيسر.
40.
النقطةُ وحي
والحرفُ تنزيل.
فما أسعدني أنا مَن يحملُ
إشارةَ العارف
بين عينيه
ويلبسُ عمامةَ الشهيد.
مَلَل
1.
مَللتُ من النظرِ إلى الدبَبَة
وهي تأكلُ بشراهةٍ
من عطايا دبِّها الكبير
ومن القِرَدَة
وهي تتسلّقُ، كلّ يومٍ، الأشجار
لترمي الثمار
وتملأ الهواءَ صراخاً وزعيقاً.
مَللتُ من الكلاب
وهي تتشمّمُ الجُثث،
ومن الببغاوات
وهي تدهسُ الكلمات،
ومن الحمامة
وهي تتركنا، كلّ يوم، لنموت
وسطَ سفينةِ الحروف
بحثاً عن نوح وطوفانه العظيم.
2.
مَللتُ من الانتظارِ واللاانتظار،
من الجدوى واللاجدوى،
من الصدقاتِ والخبزِ المغموسِ بالدم،
من رائحةِ المعنى ورائحة اللامعنى،
من الجنّةِ التي لا تجيء
ومن جهنّم التي تتعرّى كلّ يوم
لتكشفَ عن ساقيها ونهديها،
لتكشفَ عن مفاتنها العارمة
وسطَ سيركِ العذابِ العظيم.
3.
مَللتُ من البكاءِ والصمت،
من الدمعِ والدمعِ الذي تحجّر،
من الذين عبروا البرزخ
وباعوا ثيابنا،
ومن الذين أحاطوا بنا
وسرقوا حروفنا
في ابتهاجٍ عظيم.
4.
مَللتُ من البريدِ وصندوقِ البريد،
من الأصدقاء الخونة
والأصدقاء الأجلاف
والأصدقاء اللصوص،
من الحرفِ وهو يتألّق
فلا يجد مَن يرى نوره،
ومن الحرفِ وهو يموت
فلا يجد مَن يقرأ عليه سورةَ الفاتحة،
مَن يقرأ عليه سبعاً من المثاني
والقرآن العظيم.
5.
مللتُ من الحربِ والسلام،
من المطاردةِ والاختباء،
من الفقرِ وشبحِ الفقر،
من الجوعِ ودبِّ الجوع،
من الجمرِ يُوضَعُ على اللسان
والملح يُوضَعُ في أساسِ الجدار،
من سيقان الجواري والمُخنّثين،
من أثداءِ العَوانس
وأكفِّ المُتسوّلين،
من زمنٍ يتفتّتُ رملاً وقشّاً ورماداً.
مَللتُ منكَ أيّاً تكون
وأينما تكون
ومَللتُ مِنّي: أنا الملول العظيم!
صورة الولد في ورق اللعب
1.
في
طفولته
جلسَ في الشارعِ يستجدي أمّاً.
في صباه
جلسَ في المقهى المقابلِ للمقبرة
يستجدي أباً.
في شبابه
جلس في التاريخِ يقلّبُ السنين
يستجدي جدّاً.
وحينَ شاخ
تذكّرَ أنَه لم يلعب القمارَ أبداً
فقامرَ ليخسرَ كلَّ شيء:
الشارع والمقهى والتاريخ
الطفولة والصبا والشباب.
2.
بعد خسارته المُرعبة
فتّشَ جيوبه تحتَ شمسِ الغروبِ الكبيرة
فوجدها فارغةً من كلِّ شيء
إلّا من صورةِ الولدِ في ورقِ اللعب،
صورة الولد التي، ربّما، دسّها الدهر
في جيبه المُتشظّي
ليعمّقَ خرابه وزلزاله.
3.
كانَ الولدُ جميلاً
فقطعَ من أجله الصحراء الكبرى
ليراه.
نعم، كانَ أجمل من دمعةِ ملاك.
وحينَ كبرَ الولد
تغّيرَ كلُّ شيء.
قيلَ له:
إنّ الولد هو الشيطان،
إنّ الولد هو الشين،
هو النون،
هو النقطة.
4.
الولد قال،
قالَ الولد:
إنّ مَن تجلس بجانبِ الملك
لا تستحقّ ذلك
لأنّها تلعب لعبةَ الآه.
وقال: إن مَن تجلس تحتَ قدمِ الملك
لا تستحقّ ذلك
لأنّها تلعب لعبةَ التعرّي
وإنّ
مَن يحمل مروحةَ
الملك
ويسوق عربته
لا يستحقّ ذلك
لأنّه يعرف أنّ الهواءَ فاسدٌ ولا يتكلّم
ويعرف أنّ العربةَ ترجعُ إلى الوراءِ فقط
ولا يرفع الشارعَ مِن الخلف.
وقالَ الولد
وقال.
5.
قيلَ: إنّ الولدَ بدعة
والولد ضلالة
والولد هلاك مبين،
ما دمنا نركبُ السفينةَ الخطأ
في البحرِ الخطأ،
في الاتجاهِ الخطأ،
ذاهبين إلى شمسِ الخيانةِ والنحاس
لا شمس الطمأنينة والذهب.
6.
ما الذي جعلني أصدّقُ بما قالَ الولد؟
كانَ الولدُ جميلاً
يضعُ على رأسه تاجَ الشباب
ولؤلؤةَ المعنى
وساعةً بلا عقارب.
كانَ
الولدُ صادقاً كالسيف،
كالسيفِ الذي قطعَ رأسَ أجدادي
ورأسَ حلمي
ورأسَ حرفي ونقطتي.
7.
إلى
أين المسير الآن؟
هل كانَ الولدُ يكذبُ أم يبالغ؟
هل كانَ الولدُ يحلمُ ويهذي؟
أم كنتُ أنا مَن يحلمُ ويهذي؟
هل
كانَ الولدُ في ورقِ اللعبِ حقاً؟
أم
كانَ اللعبُ
في صورةِ الولد؟
مَن مِنّا الولد، ومَن مِنّا الأب؟
هل
كانَ الولدُ هو الأمير؟
هذا ما أقولهُ بالتأكيد
وأقولُ كلمةً واحدة:
الولدُ هو ما تبقّى لي
بعد
أنْ خسرتُ كلَّ شيء.
الولد هو المنفى
المنفى الذي أراه الآن
من شرفتي الملكيّة
المُحاطةِ بالنارِ والشتائم والحشودِ العارية.
المنفى الذي أراه
دونَ عينين
دونَ شفتين.
المنفى الذي تتدحرجُ أحجاره
ببطءٍ وألمٍ عظيمين.
دمعة مضيئة
1.
رأى دمعتي
مَن يسوسُ الناسَ كما يسوسُ البغال
فأرادها نجمةً تزّينُ كتفيه العريضتين
وسنواته العجاف.
ورآها الطفلُ فأرادها لعبةً
تسلّيه وقتَ المساء
ووقتَ الصباح.
وأرادتها المرأة
لتزّينَ بها
عقدَها المُتدلّي بين النهدين.
2.
غيرَ أنَّ الله
رأى دمعتي في جوفِ الليل:
ليل أرضِ السواد،
فقال: خذْها نقطةً تُسمّي الشيءَ واللاشيء،
تُسمّي الوطنَ واللاوطن،
تُسمّي الرعبَ والطمأنينة.
قالَ: خذْها
ونمْ
فدمعتكَ صارتْ نقطةً
تضيءُ بزهدِ الأصلعِ البطين
وتتألّقُ بنجومِ المُعذَّبين،
وتعيدُ - يا أسفي على يوسف- ليعقوب الأعمى
مَن ضاعَ في البئرِ صبيّاً،
وتعيدُ الحمامةَ إلى نوح الذي بكى
على كلٍّ شيءٍ ولّى: الولد والغراب،
وتعيدُ يدَ موسى بيضاء
مِن غيرِ سوءٍ آيةً للناظرين.
وتربطُ على قلبِكَ
فلا يُبدي مِن السرِّ شيئاً
سوى السين والراء
سوى الماء.
كلمات
1.
كلّما
أريدُ أنْ أشربَ الكأس:
كأس السمّ
كما فعلَ سقراط
أتذكّركِ
فأرمي بالكأسِ بعيداً.
2.
كلّما أريدُ أنْ أسافرَ خارجَ الملكوت
كما فعل دانتي
أو أضيّعَ أخي ونَفْسي
كما فعلَ إخوةُ يوسف
أو أدخلَ النار
كما فعلَ إبراهيم
أتذكّركِ
فأكفّ عن السفر،
والضياعِ،
والنار.
3.
لابأسَ
إذن
أنْ تأخذي بيدي ثانيةً إلى الحياة،
لابأس.
ولكنْ ما العمل
وصديقي المخلص: صديقي الموت
لا يكفُّ عن طرقِ الباب؟
أخبريه
ببراءةِ قلبكِ المعجونِ بألوانِ الفراشات
ألّا يرجع
إلّا بعدَ أنْ نلتقي
على قمّةِ جبلِ الحرف،
أو المنفى
أو الخُرافة.
4.
لابأسَ
إذن
أنْ أرجعَ لأمارسَ دوري
في مسرحيةِ البشريّةِ الضائعة،
مسرحية تمتدُّ فصولها من بابل
إلى بغداد
إلى بيروت إلى برلين
إلى لندن
ثُمَّ
إلى جهنّم بالتأكيد.
لابأسَ
إذن
أنْ أرجعَ لأمارسَ دوري
كأبٍ لكِ
ولكنّي لا أحسنُ الكلامَ معكِ
لأنّ أبجديّتكِ عمرها ستة آلاف سنة،
ولا أحسنُ الرقصَ معكِ
فكريّاتُ دمي البِيض والحمر
دمّرها القهرُ والسبي،
ولا أحسنُ
إسداءَ النصائحِ لكِ
لأنّكِ أكثر
نضجاً
من ملكةِ النحل.
5.
هكذا إذن
أنحني أمامكِ
كأسدٍ أعجف
حطّمته السنين والوحشةُ والزلازل.
أنحني أمامكِ
وأطلبُ منكِ ثانيةً،
بل أتوسّلُ كشحّاذٍ هنديّ،
أنْ تسمحي لي بشربِ كأسِ السمّ
وأعدكِ بأنّني لن أشربها ثانيةً
يا ابنتي!
*********
(كلمات)
هي ابنة الشاعر.
جيم شين
1.
هل للوحشةِ ذوائب أم أنياب؟
هل للوحشةِ تأريخٌ أم جغرافيا؟
هل للوحشةِ غناءٌ أم زعيقٌ أم أنين؟
هل للوحشةِ معنى؟
2.
هل جاءت الوحشةُ من التراجيديا أم من الكوميديا؟
هل جاءت الوحشةُ من الكواليس أم من الكوابيس؟
هل كانَ الماءُ مُوحشاً
فانتحرتْ أوفيليا فيه،
أم كانتْ أوفيليا مُوحشةً
فأُصِيبَ هاملت بسهمِ الجنون؟
3.
الوحشةُ حبيبتي
هي التي اختارتني.
كنتُ فرحاً لأنَّ الزلزالَ لم يخترني
ولا الجنون.
كنتُ ساذجاً
لأنّني منذ أنْ تعرّفتُ إلى الوحشة
نبتتْ لي ذوائب وأنياب،
ونبتَ لي تاريخٌ دمويٌّ وجغرافيا زرقاء،
ونبتَ لي غناءٌ سِرّيٌّ عميقٌ كالفرات،
وزعيقُ رغباتٍ وحشيّة
تحاصرني كما تحاصرُ الدبّابةُ أعمى في البرّيّة،
ونبتَ لي أنين طوله مليون سنة
منذ أنْ بكى نوح ابنه
وهو يغرقُ أمامه،
منذ أنْ صرختْ أمُّ موسى
وهي ترى ابنها يتموّجُ وسطَ البحر،
ونبتَ لي معنى،
معنى وحشيٌّ أسْوَد
كرمحِ (وحشي) الذي اغتالَ به سيدَّ الشهداء.
4.
آه مَن يستبدلُ الوحشةَ بالزلزال؟
فالزلزال موته كلمحِ البصر
والوحشة موتها بطيءٌ كسلحفاةٍ هرمة.
آه مَن يستبدلُ الوحشةَ بالجنون؟
فالجنون موته أحمر
كحرفِ الجيم
كحرفِ الجُثّةِ والجلجلةِ والجمجمة
والوحشة موتها عديم اللون
كحرفِ الشين
حيث الشهوات
والشيطان
والشقاء.
كيس الحروف
1.
حينَ أفاقَ الطفلُ من نومه،
وجدَ اللقلق
قد ألقى إليه بكيسٍ من الحروف.
رقصَ الطفلُ فرحاً،
قال: أريدُ الحاء:
حاء الحنينِ والحُبِّ والحلم.
مدَّ يده
فأخرجَ أو فخرجتْ له
- وا أسفاه –
حاء الحرمانِ والحقدِ والحرب.
ارتبكَ الطفل،
قال: أريدُ الباء،
باء الكونِ والبسملة.
مدَّ يده
فأخرجَ أو فخرجتْ له
باء البرابرة.
2.
دمعتْ عينا الطفل،
وعادَ إلى النوم
فحلمَ أنّ اللقلق
جاءَ وحملهُ إلى الغيوم.
هناكَ رأى غيومَ الحاء
ورديةً مليئةً بالحُبّ
ورأى غيومَ الباء
بِيضاً كثيابِ العيد.
بكى الطفلُ ثانيةً في الحلم
ثُمَّ أفاق
فوجدَ كفّه مليئةً بالدم.
3.
منذ ذلك اليوم
قرّرَ الطفلُ
ألّا
ينام.
لكنّ اللقلق لم يأتِ.
وقرّرَ الطفلُ ألّا يمدَّ يده
في كيسِ الحروف.
فمرَّ زمنٌ قصير
ثُمَّ
اختفى
كيسُ
الحروفِ
إلى الأبد.
حاء
1.
حاءُ الحياةِ حلمٌ ورماد
وتاؤها ألمٌ ونومٌ ونسيان.
2.
هي ذي مدنٌ لا معنى فيها
وأخرى لا شمس فيها
وأخرى لا ماء فيها.
وحينَ نصلُ إلى الشيخوخة
نصلُ إلى مدنٍ لا هواء فيها.
3.
مِن المُحزن
أنْ أكتبَ قصيدتي
قربَ شُبّاكٍ مُقفل
خلفه شجرة تينٍ جرداء.
4.
وصلتْ حياتي إلى الشاطئ الأخير
دونَ أنْ تجدَ خرافتَها المُقدّسة.
5.
يبدو أنَّ هناك خطأ ما في الرحلة.
ربّما كانَ العنوانُ مَكتوباً بلغةٍ مُنقرضة
أو كانَ العنوانُ من دونِ نقاطٍ أو حروف
أو كانَ العنوانُ تنقصهُ الفكاهة.
6.
عجيبٌ هذا الذي يحصل
لقد وُعِدنا بالكثير:
الشمس،
والحُبّ،
والنساء،
والأنهار،
والنار.
لكنْ حدثَ أنْ استُبدِلت الشمسُ بالضباب
والحُبُّ بممارسةِ الجنس
والنساءُ بالثرثرة
والأنهارُ بالرمال
والنارُ بالرعب.
7.
بعدَ أنْ عبرتُ الفراتَ ودجلة
والحدودَ والأسلاك
واللامَ والشين
والخوفَ والطمأنينة
والإفلاسَ والخيانة
والرضا والاحتجاج،
أما آن لي أنْ أستريحَ قليلاً؟
8.
أفهمُ أنْ تتوقفَ عيناي عن الرؤية
ولساني عن الكلام
وأذني عن السمع،
ولكنْ كيفَ يتوقّفُ قلبي عن الحلم؟
كيفَ يتوقّفُ قلبي عن خَلْقِ الحروف؟
إذنْ، يا
إلهي، كيفَ يسيرُ الدمُ في جسدي
يا
إلهي،
يا
إلهَ القلبِ والحلمِ والحروف؟
9.
الحياةُ مُدوّنةٌ من حروفٍ مُتناثرة
يكرهُ بعضُها بعضاً
ويحسدُ بعضُها بعضاً
ويتآمرُ، في حقدٍ أسْوَد،
بعضُها على بعض.
يا لتعاستي
كيفَ أحكمُ مملكةَ الحروفِ هذه؟
أنا رجلُ المعنى والسلام،
رجلُ الطفولةِ والطير،
رجلُ الفراتِ ودجلة،
رجلُ النقطة.
10.
هل ينبغي كتابة القصيدة
من الأمامِ
إلى الخلف
أم من الخلفِ
إلى الأمام؟
من اليمين إلى اليسار
أم من اليسارِ
إلى اليمين؟
أم من اليسارِ
إلى اليسار؟
من الثلجِ
إلى النار
أم من النارِ
إلى الماء؟
من الماءِ
إلى البحر
أم من البحرِ
إلى الأرض؟
من نيويورك
إلى بغداد
أم من بغداد
إلى الجحيم؟
من الخرافةِ
إلى النقطة
أم من النقطةِ
إلى الجنون؟
11.
ينبغي على الشاعرِ أنْ يَتعرّى،
يَتعرّى تماماً
ليظهرَ جمالَ طفولته المُعذَّب
وطائرَ أبجديته القريب جدّاً
كغيمةِ تائهةٍ تجلسُ على سطحِ الدار.
12.
احترقتْ حروفي فكانتْ قصيدتي
رجلاً يطرقُ بابَ الجحيم
وهو يطيرُ من السعادةِ والحبور.
13.
رغمَ
أنَّ الموت الأسْوَد
أكلَ نقطةَ الحياةِ بوحشيّةٍ لا تُوصَف،
فإنَّ حاءَ الحياةِ بقيتْ حبيبتي.
14.
نعم،
حاءُ الحياةِ حُبّ
رغمَ الزلازل والفواجع والحروب.
هكذا قالَ الله.
15.
عجبَ الحروفيّ من هذه الحاء.
فلقد رآها مَرّةً راقصةً أسطوريّة
ومَرّةً رآها توابيت عارية
ومَرّةً رآها ذهباً، وجمراً، ودموعاً، وسكاكين.
فاحتار.
قيلَ له: اخترْ لهذه الحاء كلمةً واحدة
ولا تزدْ.
فقال: حاءُ الحياة......
ومات.
16.
أظنّ الحروفيّ قال:
حاءُ الحياة حُرّيّة.
أو أنّه قال:
حاءُ الحياةِ حريقٌ أو حُطام.
17.
حاءُ الحياةِ حاء
حملها الحسينُ رأساً كرأسه
فوقَ رأسِ الرماح.
وحاءُ الحياة حاء
حملها الحلّاج
مقصلةً من ذهب
ومسامير نار.
سـرقة
إلى: علي جبار عطية
1.
تركني الحرفُ وانزوى
بعيداً.
لم يعدْ يحتمل
جبالَ الأحزان التي يحملها عقربا ساعتي،
لم يعدْ يحتمل
وحشتي الجنونيّة،
ولا طفولتي التي اتسعتْ
فصارتْ بحراً لا نهاية له،
ولا سنواتي التي شارفتْ على الخمسين كارثة.
فانزوى بعيداً
وضعَ رأسَه بين يديه
وبكى،
فبكيتُ حتّى سالتْ روحي
فرددتُها إلى حرفي.
وبكى حرفي حتّى سالتْ نقطته
فرددتُها إليه... إلى الله.
2.
هكذا كُتِبَ عليّ
أنْ أرى رأسي يُحْمَل فوقَ الرماح
مثل رأس الحسين،
وأنْ أرى جسدي يتقرّحُ ويموت
مثل جسد أيوب،
وأنْ أحملَ على ظهري صخرةَ اللعنة
لأبادلَ جنونَ الوطنِ بجنونِ المجهول،
ورمادَ الفراتِ برمادِ الأنهارِ الكسيحة،
وبهجةَ دجلة ببهجةِ الغيمة
ذات الملابس الداخليّة المُتهرّئة.
3.
كانَ يوماً سعيداً
ذلك الذي جلبتُ فيه رغيفَ خبز
لأطفالي المنفيين في أقاصي الحلم
دونَ أنْ أحرقَ بغداد في حروبِ هولاكو
ولا أقتلَ البسطاءَ العُزّلَ في حروبِ تيمورلنك
ولا أسلبَ الجواري في حروبِ جنكيزخان،
دونَ أنْ أركعَ
إلى فرعون العصر
دونْ أنْ أرفعَ علمَ البرابرة
دونْ أنْ أحشرَ أنفي
في حروبِ المدنِ الكسيحة.
كانَ رغيفاً حَارّاً
خبزته بحلمِ الحرفِ الطيّب
والنقطةِ السماويّةِ التي فرعها ثابت
وقلبها في السماء.
لكنّ اللصوص كانوا بانتظاري:
لصوص الفراعنة
ولصوص هولاكو
ولصوص تيمورلنك
ولصوص جنكيزخان
ولصوص البرابرة
ولصوص المدنِ الكسيحة
فسرقوني في وَضَحِ النهار،
قطعوا يدي وأطفأوا عيني،
وسرقوا رغيفي الحار.
فما الذي سأقوله الليلة لأطفالي؟
فما الذي سأقوله الليلة لقلبي؟
فما الذي سأقوله الليلة لحرفي ونقطتي؟
ثلاث صور للموت
1.
حينَ جاءَ الشرطيّ
وطرقَ البابَ بعنف،
قلتُ له: ما تريد؟
قال: روحك.
ضحكتُ وقلتُ:
إنّني أبحثُ عنها
منذ نصف قرنٍ دونَ جدوى!
وأغلقتُ البابَ بهدوء.
2.
حينَ جاءَ الشرطيّ في المرّةِ الثانية
وطرقَ البابَ بهدوء،
قلتُ له: ما تريد؟
قال: روحك.
قلتُ: حسناً.
وخرجتُ إلى الشارع
أقفزُ من الفرح.
أخيراً
سأقابلُ الموتَ الذي سيضعُ حدّاً
لهذه المهزلة التي اسمها: الحياة
التي اسمها، بالضبط، (حياتي)!
3
في المرّةِ الثالثة،
حينَ جاءَ الشرطيّ
وطرقَ الباب،
خرجتُ مذهولاً.
كانت الغيمةُ تهبطُ
في الحديقة
فرفعتُها قليلاً كي أمرّ.
قال: ما هذه الغيمة؟
قلتُ: حياتي.
قال: أريدها.
قلتُ: خذْها.
فأمسكَ الشرطيّ بيدِ الغيمة
وهي تصرخُ وتبكي وتزرقُّ وتزرقّ.
تبّاً لكِ!
1.
أيّتها النون
عذّبني جسدُكِ:
قادتني عيناكِ من صحراء
إلى صحراء،
ومن غيمةٍ خضراء
إلى غيمةِ حروف،
وقادني نهداكِ إلى آسيا الطغاة
وهلاكِ الروحِ في كأسِ الخمرة
قطعةً قطعة.
أما بطنك
فكانَ تعويذة ضدَ المعنى
وضدَ الخرافة
وضدَ النعومة.
أيّتها النون
عذّبني جسدُك
لأنَّ أدغالكِ هي أدغال الأفعى التي أبكتْ كلكامش
إذ سرقتْ منه سرَّ الخلود.
2.
أيّتها النون
أعذريني
فعذابُكِ خلاصةٌ لعذابِ الطغاة
ولهَوَسِ الغجر
ولرعبِ سيوفِ الغدر
وللرؤوسِ المرفوعةِ فوق الرماح،
خلاصةٌ لمطرِ الأطفالِ الرعاة
ولتغريدةِ العندليبِ الوحيد.
عذابُكِ خلاصةٌ للسذاجةِ والسخف
ولصيحاتِ الجسد
ورغباته التي قادتني كأعمى
من منفى إلى منفى
ومن جحيم إلى جحيم.
3.
أيّتها النون
أعذريني لأنّكِ حرف كامل:
الداخل فيه هالك
والخارج منه هالك
والمتبرئ منه هالك.
إذنْ، أجيبي على سؤالي الطفل:
كيفَ الخلاص منكِ
وأنتِ الحلم والسرير
وأنتِ التاج والذهب
وأنتِ اللؤلؤ والمرجان
وأنتِ العُري: عُري النقطة
وأنتِ العُري: عري اللذّة حتّى الموت؟
4.
أيّتها النون: اللعنة عليك!
كيفَ لي أنْ أدخلَ معبدَك
وأخرج منه برأسٍ لم يُقْطَع
وأطرافٍ كاملةٍ وعقلٍ غيرِ ذاهل؟
بل كيفَ احتفظتُ
وأنا خادمُ معبدكِ الذليل
وكاهنكِ المجنون
وساحركِ الهرطيق
برأسي فوقَ كتفي لأربعين عاماً،
وأنا أنتقل فيكِ وبكِ ومنك
من قوسكِ حتّى نقطتك
من عُريكِ اليوميّ الفادح
إلى حبيائيل وغدرائيل
إلى قمعائيل وغربائيل
إلى خسرائيل وموتائيل؟
5.
أيّتها النون
يا صاحبةَ الجسدِ الفادح
والقهر التتريّ،
الفرعونيّ،
الجنكيزيّ،
الآشوريّ،
الأسطوريّ،
يا صاحبةَ القهرِ الأبديّ
سُحقاً لكِ سُحقاً!
تبّاً لكِ تبّاً!
مائدة الغرباء
التقى الغرباءُ على المائدةِ: مائدة قلبي.
كانَ كبيرُهم مُعمّماً
والآخرُ زاهداً
والثالثُ شَهوانيّاً
والرابعُ سكّيراً،
الخامسُ عارفاً بكلِّ شيء،
السادسُ هازئاً
والسابعُ ساحراً.
وبدلاً مِن الحديثِ المُمتع
في شؤونِ الطيرِ والنساءِ والموت،
تبادلَ الجميعُ الشتائمَ والسباب.
ثُمَّ اقترحَ أحدُهم إطلاقَ النار............
حتّى كدتُ أموت
أنا الثامن الأخرس!
مشهد
جلسَ الشحّاذون على بابِ الجسر
وافترشوا الأرضَ بأسمالٍ وأنين،
وافترشوا المشهدَ بلحى بِيض.
قالَ الأوّل: أنا جائع منذ قرون يا ناس.
قالَ الثاني: مزّقني الفقرُ بسيفِ عذاب.
صرخَ الثالث: سُحْقاً يا دنيا تبّاً.
بصقَ الرابعُ فوقَ الأرض
وتطلّعَ نحوَ الماء
ومدَّ يديه إلى كفِّ الشحّاذِ الخامس.
فقالَ الخامسُ: مَن أنت؟
يا هذا لا تسخرْ مِن أعمى!
قالَ السادس: ارزقني يا رزّاق،
ارزقني يا مَن لا ينسى عبدَه،
ارزقني في فجرِ الجوعِ رغيفاً.
كانَ الشحّاذُ السابعُ طفلاً
مدَّ يديه ببراءة
قال: انظروا.
فتوهّجَ دينارٌ ذهبيٌّ في كفّه.
هجمَ الشحّاذون على الدينار
- حتّى الشحّاذ الأعمى معهم –
وانتزعوه كما البرق.
واشتبكوا، اقتتلوا بمرارة.
صرخَ الطفلُ بهم: انظروا.
أخرجَ كفّيه لهم كفّين مِن الذهبِ الخالص.
فبهتَ الشحّاذون وصاحوا:
ما نفعل؟
هل نقطعُ كفّيك؟
ضحكَ الشحّاذُ الطفلُ.
نزلَ مِن فوقِ الجسرِ إلى الجرف.
ألقى أسماله،
قالَ: وداعاً يا
إخواني
فبكى الشحّاذون وأنّوا.
كانَ أنينهم يملأُ كلَّ الدنيا وجعاً ودموعاً.
قالَ الطفل:
وداعاً يا
إخوان الفقر،
يا أهلَ الدنيا.
وألقى بجسده فرحاً وسطَ الماء.
غَزل حُروفيّ
1.
هذي المَرّة
لن تكوني مثل كلّ مَرّة
امرأةً من لحمٍ ودم.
فلقد تعبتُ من دمكِ العاري وجحودكِ الأسطوريّ،
من خيانتكِ التي تشبهُ مشنقةً دون حبل.
وتعبتُ أكثر
من انتقالاتكِ المُرّةِ الحامضةِ بين البراءة والذنب،
ومن أغنيتكِ: أغنية الكأسِ والسكّين.
ولذا
هذي المَرّة
ستكونين امرأةً مِن حرف.
أُخرجُكِ متى أشاء
أمامَ جمعِ الوحوش
بيضاء مِن غيرِ سوء،
بيضاء لذّة للناظرين.
2.
عسى –
حينَ تكونين حرفاً –
أنْ أمسكَ طيرَ الفرحِ بقلبي
بعد أربعين قرناً من الطيرانِ الأعمى.
عسى
أنْ ألتقي نقطتي فألتقط منها
طلسماً للحُبّ والطمأنينة،
وألتقي هلالي فأراهُ يركضُ نحو العيد
بدشداشةِ العيد.
وعسى
أنْ ألتقي دمي
فلا أجده أسْوَد
ككفٍّ قُطِعَ منها الإبهام.
3.
هذهِ آخر محاولات جغرافيّتي المُمزَّقَة
وتاريخي الذي يشبهُ معناي الذي لا معنى له.
هذهِ آخر محاولات الطفلِ فيَّ
وآخر محاولات الساحرِ فيَّ
والمجنونِ والشاعر
والوليّ
والزاهدِ والراكضِ من بحرٍ لبحر.
هذه آخر محاولات دمي:
أنتِ الآن امرأة مِن حرف.
لا دم عندكِ ولا لحم
لا مؤامرات، لا مكائد، لا دسائس،
لا هرطقات،
لا نزوات
لا ولا.
4.
أنتِ الآن امرأتي
وشمعة داري!
برقيات سعيدة جدّاً
إلى صاحب الشاهر
************
أيّها الشاعر
بعدَ عشرين عاماً من الموت
كيفَ أصبحَ لونُ ابتسامتِكَ الربيعيّة؟
كيفَ أصبحَ شكلُ الطفلِ في روحِكَ الطفوليّة؟
إلى أصدقائي المنافقين
**************
أيّها الأعزاء
شكراً لأنّكم قدتموني بكراهيتكم المُرّة
إلى نهرِ الحُبِّ العذب
حتّى وصلتُ
إلى عمقه الخطير،
وأخرجتُ جواهرَ كلامه جوهرة فأخرى.
إلى أحزاني
********
شكراً لأنّكِ لم تطلقي عليَّ حتّى الآن
رصاصةَ الرحمة.
إلى المطر
******
شكراً لأنّكَ تهبطُ في حضنِ دجلة
كما تهبطُ صيحاتُ الشحّاذين على الجسرِ العتيق
وكما تهبطُ الرحمةُ على الأرض
فتفتّشُ عن قلبٍ يحتضنها فلا تجد.
حينها تعودُ من حيث جاءتْ.
إلى الشتاء
*******
شكراً
أيّها النبيّ الصغير
شكراً لغيومِكَ التي وصلتْ أخيراً بالبريدِ المُسجّل
شكراً لغيومِكَ التي جاءتْ وعليها طوابع الطفولة،
الطوابع التي ما أن رفعتُها حتّى بدأتُ أغرق
وحتّى أخذ قلبي يحترقُ بأنينِ الحروف،
وصيحاتِ الكلمات،
وطوفانِ النقاط.
إلى طوابع العالم
**********
شكراً
لو اجتمعتم جميعاً
بكلِّ طيورِكم وتيجانِكم وشموسِكم،
فلنْ تعيدوا
إليّ
حلماً من أحلامِ طفولتي
التي سرقها ساعي البريد.
إلى الزمن
********
شكراً يا أخي الكبير
شكراً أيّها الجلّاد الجميل.
إلى الجَمَال
*******
شكراً لأنّكَ اكتشفتَ الزرقةَ في روحي
فاكتشفتُ الخطوطَ في يديك،
واكتشفتَ الربيعَ في كلماتي
فاكتشفتُ المعنى في شفتيك،
واكتشفتَ الموسيقى في حروفي
فاكتشفتُ انزلاقَ روحي في روحِكَ حدّ الهذيان.
إلى النقطة
*******
شكراً لصبركِ العظيم معي
حتّى ضياع آخر حروفي في حانةٍ مُزيَّفَة
أو شارعٍ يبيعُ ما لا
يُباع
أو مدينةٍ عفا عليها الزمن
أو تاريخٍ بالتْ عليه جموعُ الكلاب
وأكلتْ سمكَه الطيّبَ حرابُ البرابرة.
العازف
1.
وسطَ غيمةٍ صفراء وزرقاء وبرتقاليّة،
أجلسُ وأنظرُ من زمنٍ إلى زمن
ومن عمرٍ إلى آخر.
توقّفت الغيمة
كانَ هناك صوت ناي جميل،
صوت ناي عذب
كنافورةِ ماءٍ وسطَ الصيف.
توقّفت الغيمة
فنظرتُ مِن عَلٍ كي أرى العازف.
كنتُ أتصوّره أبي.
(لم يكن).
كنتُ أتصوّره ابني.
(لم يكن).
ربّما أكون أنا.
(لم أكن).
لم يكنْ أحداً أبداً،
كانَ صوتاً جميلاً مُذهلاً
يملأُ كلَّ شيء بهجةً وذهباً.
2.
تعبت الغيمة.
فنظرتُ وجدتُ أبي
يستلقي وسطَ غيمةٍ أمامي
وابني يمتطي غيمةً تسيرُ في أثري.
تعبت الغيمةُ من الوقوف
فتحرّكتْ بهدوءٍ إلى النهاية.
لكنّ غيومنا،
وا
أسفاه،
أخذتْ تفقدُ ألوانَها البهيجة
وتسودُّ شيئاً فشيئاً.
جيم سين دال
1.
جسدُكِ مُغلَق
مثل دائرة من السِّحْر
رسمتُها بدمي
فسرقَ الجِنُّ حرفَها الطلسميّ.
جسدُكِ مُغلَق
مثل خرافة تسيرُ على قدمين،
مثل ظهر سلحفاة عظيمة.
2.
لم أحاول أنْ أفتتحَ جسدَكِ.
كانت تعوزني السكاكينُ والرقصاتُ الوحشيّة،
كانت تعوزني المعاولُ والحراب،
كانت تعوزني المفاجأةُ والمعنى.
3.
معنى مَن؟
معنى الأكاذيب المعاصرة.
(كنتُ صادقاً كَنَبيّ).
معنى مَن؟
معنى المطر الاصطناعيّ.
(كنتُ مليئاً بالماءِ كَفُراتٍ عظيم).
معنى مَن؟
معنى البيع والشراء.
(نعم، كنتُ الخاسر الأعظم).
4.
جسدُكِ مُغلَق.
قلتُ للزمنِ:
أعطني رمحاً لأكسرَ ظهرَ السلحفاة.
فأعطاني حرفاً.
والحرفُ –
أيّتها المرأةُ اللغزُ –
لا يكسرُ ظهرَ السلحفاة
بل يكتبُ عليها التمائمَ والألغاز.
5.
جسدُكِ مُغلَق.
كنتُ مُحتاجاً أنْ أدخله لأرى الشمس،
أنا الأعمى الذي فقدَ بصرَه
قبلَ ميلادِ المسيح بألفِ عام.
كنتُ مُحتاجاً أنْ أدخله لألمسَ العيد،
أنا اليتيمُ الذي ضيّع أباه
في زحمةِ السوق،
ولأجلسَ على العرش
أنا الأميرُ الذي ضيّعَ المُلْك
في زحمةِ الدسائسِ والمؤامَرات،
ولأكتبَ القصيدة
أنا الحرفُ الذي ضيّعَ شاعرَه النابغة
في زحمةِ الصورِ والمعاني،
ولأمسكَ طائرَ النبّوة
أنا الدمُ الذي ضيّعَ قلبَه
في زحمةِ العبثِ العظيم.
جسدُكِ مُغلَق.
كنتُ مُحتاجاً أنْ أدخله لأفتحَ أبوابَ الجنّة،
أنا الوليّ الذي صلبَه أنصاره
في زحمةِ الواقعة،
في زحمةِ الزلزلة
ثُمَّ بكوه حتّى الموت.
حوار مع طاغور
1.
حينَ ذابت الشمسُ
في النهرِ المُقدّس،
التفتَ
إليَّ
وقال:
حينَ تذوي الحروفُ
القديمةُ على لساني
فإنّ
حروفاً جديدةً مُنعشة
تنبثقُ
في القلب
لتتكلّم عن العسل
والحُبِّ
المليء بالجمر.
وحينَ تضيعُ آثارُ
المسافرين المُنهَكين
فإنّ أرضاً جديدةً تبزغُ للتوّ
لتملأ العين التي اغرورقتْ بالدموع،
لتملأها بنورِ الفجر.
2.
كانَ يوماً غامضاً
ذلك الذي زرتني فيه
ووسمتَ
بعضَ لحظاتي بميسمِ الذهب.
وها أنذا، حينَ أفلسُ من المعنى،
أجلسُ لأذرَّ
رمادَ حياتي
فتبزغ بعضُ
اللحظاتِ الذهبيّة
تلك التي وسمتها بميسمِك
وأنتَ
مسرعٌ
كملاكٍ يقفزُ
من نجمةٍ
إلى نجمة.
3.
حينَ رحلَ الجميع
صوبَ الجسد
ورنين الجسد،
بقينا، أنا وأنتَ،
جالسين
قربَ ضفاف الغانج والفرات،
نلعبُ
بالمعنى وقصائد الألوانِ والفراشات،
نلعبُ
بحبّاتِ
الدموع،
نلعبُ برموزِ الوهمِ حتّى دهمنا المساء
وألقى القبض علينا
بتهمةِ تسوّلِ
المعجزات
عند ضفاف الأنهار المُقدّسة،
بتهمةِ انتظارِ مَن لا يجيء أبداً.
4.
ربّما وشيتْ
بنا لحيتُكَ
البيضاء
أيّها المُعلّم
فأصحابُ البنادقِ السريعة
والكروش المُندلقة
يكرهون اللحى.
ربّما وشيتْ
بنا قصائدُكَ
الكبرى
لأنّهم لا يحبوّن
الشِّعْر.
ربّما وشيتْ
بنا طفولتي المُمزَّقة
وفراتي الأبكم العظيم
وحروفي: حروف النقطة والهلال
ربّما لأنّهم يكرهون الهلال.
5.
وهناكَ في الظلمةِ كتبتَ:
اللذّةُ أُكذوبةٌ واللذّةُ خلاص،
الليلُ شموعٌ والليلُ عبث،
المعنى لا معنى له
واللامعنى مليء بالمعاني العظام.
فارتبكتُ
وقلت:
أيّها المُعلّم
يا صاحبَ
الربيع والطفولة
يا صاحبَ
العصفور والغراب
يا صاحبَ
الديك والأفعى
يا صاحبَ
الفجر والموت والرماد
يا صاحبَ
اللصوص والمجانين والأنبياء
لنرجع إلى ضفافِ الأنهارِ المُقدّسة،
دعنا نرجع إلى الماضي.
قلتَ:
هيهات
فالتاءُ ممتدّةٌ كقبر
والهاءُ أسطورةٌ من لحمٍ ودم.
6.
ثُمَّ قالَ المعلّمُ بعدَ صمتٍ عظيم:
ارجعْ
إلى الحروف
والعبْ
معها كطفل.
انتظرها كما ينتظرُ المُتسوّلُ
قطعةَ الذهب
وامشِ في أرضِها كالحمامة
وراقصها كما يفعلُ العندليب.
ارجعْ
إلى الحروف
واجعل الشينَ شمساً وشوقاً
والباءَ باباً،
اجعل الدالَ درباً
والجيمَ
جوعاً
والحاءَ
حاءَ الحقيقة
واجعل
النقطةَ سرّي وسرّك.
زلزال
1.
لستِ نوني.
أنتِ ألفي ونوني،
صادي وصيرورتي،
رائي وطفولتي،
موتي وبَعْثي مِن الموت.
2.
جمالُكِ حيرةٌ وارتباك
وطولُكِ جبلُ حلمٍ وإيقاع ماء.
3.
آ... كأيّ قصيدةِ حُبٍّ أنتِ
تبدأ بالرقصِ والتعرّي
وتنتهي بالدفوفِ والخناجر.
4.
هذا الذي بداخلي مهووسٌ فيكِ
وأنا محتار فيه:
أأقتله فأموت
أم يقتلني فتموتين؟
5.
هذا الذي بداخلي مجنونٌ
يتوسّلُ بالكلماتِ ليسحركِ
وبالنقاطِ ليفتنكِ
وبالحروف،
فأخبريه أنَّ زمننا أمّيّ
لا يحسنُ القراءةَ والتهجّي
لا يحسنُ شيئاً سوى التعرّي.
6.
لا أعرفُ عنكِ شيئاً
سِوى أنّ طولكِ يحيطُ بي
وجسدكِ يعلّمني الأزرقَ والأخضر.
7.
جسدُكِ موسيقى
الكلُّ فيها ضائع.
جسدُكِ زلزال
الكلُّ فيه ممسكٌ ببوّابةِ الموت.
8.
جسدُكِ عدوان،
جسدُكِ اختطافٌ وقتلٌ في وَضَحِ النهار.
9.
أعِيني قلبي على بلواي فيكِ
بكلمةٍ
أو قُبْلَةٍ
أو موعدٍ
أو طعنةِ خنجر.
10.
لستِ نوني
فنوني سُرِقتْ وضاعتْ.
لستِ ألفي
فألفي مُحطّمٌ مثل فجر مُحطّم.
لستِ سيني
فسيني سمٌّ وسرٌّ وسكّين.
فمَن أنتِ
يا موتي وبَعْثي مِن الموت؟
مَن أنتِ
يا موتي وبَعْثي مِن الزلزال؟
النار والسندباد
النار
****
نارُ مَن تلك التي أحاطتْ بنا
كما تحيطُ المشاعلُ بساحرةٍ عارية:
نارُ جهنّم أم نارُ المجوس؟
نارُ الشوقِ أم نارُ البسوس؟
الحُبّ
****
في أسفارِ وَهْمي العظيم
مزّقتُ نقطةَ الحُبّ
فوجدتُ فيها الفراغَ أبيضَ كالموت
أو أسْوَد كشمسِ عيدٍ قتيل.
الحرف
*****
الحرفُ بستانُ قلبي وتفّاحةُ دمي،
الحرفُ سيّدي وشيخي الأعمى الذي يدحرجني
مِن جبلٍ إلى جبل
ومِن صحراء إلى صحراء
ومِن مركبٍ غريقٍ إلى آخر يحترقُ بجمالٍ أخّاذ.
عائلة السندباد
*********
الطبلُ دمي
والبحرُ أخي
والأسفارُ أختي
والنارُ حرفي
والحرفُ حبيبي.
فَمَن أنت
أيّها الصارخ الدهر كلّه: (النجاة، النجاة)؟
أأنتَ ابني أم أبي؟
تعليق
****
السندبادُ مسكين
لأنّه يحاربُ المَللَ والموت،
أمّا أنا فعليَّ أنْ أحارب المَللَ والموتَ والنار.
نعم، عليّ أنْ آكل النار
كلّ صباح
وأنْ أتعلّق بحرفٍ غريق
لأصلَ إلى أرضٍ تغرقُ كلّ ليلة
وتطفو كلّ صباح
مثل سندبادٍ ملَّ مِن نَفْسه
وعنوانِ بيته.
غزل على طريقة فان كوخ
1.
لأجلِ أنْ أشمَّ عطرَ حرفِكِ المُطَلسَم
الذي يشبهُ عطرَ عشتار وبلقيس
فإنّني مستعدٌ أنْ أنبشَ بقلبي
مكتبةَ آشور بانيبال
وأرتدي درعَ نبوخذ نصّر ومعاركَه الغامضة
وأصفَ للفقراءِ والمساكين
مزايا قوانيني: أنا حمورابي العظيم.
2.
لأجلِ أنْ أشمَّ خفايا حرفِكِ اللاذعة
فإنّني مستعدٌ أنْ أضيع
كقبيلةٍ يقتلُها العطشُ في الصحراء،
كمدينةٍ يمزّقها زلزالٌ مفاجئ،
كسَحَرةٍ يأكلُ بعضهم بعضاً.
3.
لأجلِ أنْ أشمَّ خفايا حرفِكِ البضّة
فإنّني مستعدٌ أنْ أهديكِ أذني
كما فعلَ فان كوخ
وأنْ أبكيكِ العمر كلّه
مُحاطاً بالنسورِ والصقورِ والثعالب
كما فعلَ غويا
وأنْ أتركَ الحوت يبتلعني
كما فعلَ ذو النون
وأنْ أضيّعَ قائدَ جُنْدي إلى الأبد
كما فعلَ داود.
4.
لأجلِ أنْ أمسكَ
جمرةَ حرفِكِ التي تملأُ الكفّ
فإنّني مستعدٌ أنْ ألقي بنَفْسي
في النهرِ
كأيّ مراهقٍ يُحبُّ لأوّل مَرّة
ويجنُّ لآخر مَرّة.
بانتظار أن تهبط حبيبتي
1.
رأيتُكِ في أعلى السُلّمِ واقفةً
على جبينكِ تاج الذهب
وعلى كتفيكِ الثلجيين
طيلسان الفضّة الغامضة.
كانَ السُلّم عالياً كالجنّة
وعميقاً كجهنّم
وأنا في أسفل سافلين
أقفُ كمتمردٍ أعزل إلّا من حجارةِ البهجة،
كشاعرٍ مجهول الهوية،
كفيلسوفٍ أرعن
وكحوذيّ كفيف
مُنتظراً
أنْ تفتحي لي بابَ شتائمكِ المليئة بالعظام
والسياط العرجاء
أو تفتحي بابَ طيلسانك
ليخرجَ جسدك الملكيّ البضّ
فيلقي القبض
على أحزاني الكبرى
ووساوسي وجنوني
منذ كلكامش وأنكيدو،
منذ أنكيدو وسرجون،
منذ سرجون وديك الجِنّ،
منذ ديك الجِنّ وتلبّسي بثيابِ الجِنّ.
2.
الآن اتضحت الصورةُ تماماً.
لقد تلقّفتُ سرَّكِ الأعظم
ووقفتُ أرعى ظلّكِ
كمُهرّجٍ مُبتهجٍ بسخفِ جمهوره،
كأعمى مُبتهجٍ بشكوى الناسِ من نارِ الشمس،
كليلٍ فقدَ فجره في حانةٍ مُرعبة.
وكلّ ما
أرجوه الآن:
أنْ تهبطي من عليائكِ الزائفة
إلى حضيضي اليوميّ
لتكتشفي الحُبَّ على هيئةِ جمرة
توضعُ على الشفتين
أو بين العينين،
ولتكتشفي عزلتَكِ الباردة
حينَ ترين أعواني من الجِنّ بالآلاف،
ولتتعرّفي على أُمّيّتكِ المُطلقة
حينَ تقفزُ أمامَ عينيكِ المذهولتين
حروفي المسحورةُ ونقاطي الملوّنةُ بالعنفوان.
3.
يا أسطورتي الكبرى،
إنّ مشهدكِ لمحزن
فهناك ألف درجةٍ في السُلّم الذي تقفين في غيمته
وأقفُ في بئره السوداء.
فحاولي أنْ تختصري المسافةَ – أرجوكِ –
ببهجةِ أعلاكِ.
وحاولي أنْ تغتالي المسافةَ – أرجوكِ –
بومضةِ أسفلك.
وتذكّري وأنتِ تشعلين قارّات جسدكِ السبع
ألّا مرآة تستطيعُ معرفةَ لغاتكِ السبع
إلّا مرآة عُريي،
ولا معنى يقومُ لحرماني المجنون
إلّا إذا وضعتِ رأسي فوقَ الرمح
وحملتهِ إلى جهاتِ الشمسِ الأربع
بعربتكِ السوداء التي تجرّها خيولُ الطغاة.
نونيّات جديدة
1.
يا نوني الغامضة،
منذ أنْ طردتِني
إلى ساحةِ البحر
حملتُ معي حروفي كلّها
وصنعتُ لها سفينةً من دمي
وحميتُها من زلازلِ عجرفتكِ
بصيحاتِ قلبي المليء بالندوب.
وحينَ وصلتُ إلى جبلِ النهاية
وقفتُ فأطلقتُ نقطتَكِ فلم تعدْ
إليّ
ثُمَّ أطلقتُ هلالَكِ فعادَ إليّ ببياضه وفتنته.
فعرفتُ أنّها اليابسة
وأنّكِ
مُستقرّي الجديد.
هكذا نزلتُ من سفينتي
ونزلتْ معي حروفي ونقاطي
لنفترش الأرضَ فرحين مسرورين
بانتظارِ طوفانكِ القادم أبداً!
2.
ها أنتِ تحوّلتِ إلى سريرٍ جديد
يحميه عصفوران لا يكفّان عن الزقزقة
وعينان تنظران طويلاً في اللاشيء.
أما أنا فانتقلتُ
إلى سريري الأسْوَد
ووضعتُ لحراستي جَمْعاً من الثيرانِ المُجنّحة،
ورممته ببقايا نقطتكِ
التي تحّولتْ
إلى ترياقي المُفضّل
أنا مَلِك اللاشيء.
3.
نحن لم نلتقِ!
كنّا نمثّلُ دورَ العاشقين فقط:
أنا المؤلّف المُكتوي
وأنتِ العاشقة المُدلّهة.
لكنّنا سرعانَ ما غادرنا مسرحيتنا
بعد أنْ أُغْلِقَ بابُ المسرح
وَطُرِدَ آخر مشاهد مخمور،
فخرجتُ أنا من النافذةِ المليئةِ بالأعشاش
وخرجتِ أنتِ من السردابِ الخلفي.
4.
ما الذي سيحدثُ لي بعد أنْ تحطّمتْ نونُك
وصادرها الكذّابون والطفيليون؟
هل سأصرُّ على دورِ الزاهدِ الهنديّ
الذي يريدُ أنْ يردّد حرفَكِ لسبعين سنة قادمة؟
أم أنتبه إلى أنّ مسرحيتكِ مسرحية مُهرّجين
لابد أنْ تنتهي بقهقهةٍ فارغة
أو بمُلاكمةٍ مُدهشةٍ بين الجمهور والممثلين؟
5.
يا نوني
كم تبقّى منكِ
إليّ؟
فحتّى نقطة نونكِ
رأيتُ مَن يرفع سكّينه
في وجهي لأنساها
وهيهات.
6.
كم مِن روحكِ تبقّتْ
إليّ؟
فحتّى نافذتنا الخضراء
جاءَ مَن يطالبُ بها
ليضعها في عمارته: عمارة اللصوص.
7.
كم مِن معناكِ تبقّى
إليّ؟
فحتّى أدراج جسدِكِ
صادرَها الأزواجُ
المراؤون.
8.
كم مِن معناكِ تبقّى
إليّ؟
فحتّى أنتِ
قرّرتِ أنْ تكوني معَ مَن يمحوكِ مِن الأبجديّة
لا مَع مَن يكتبكِ ويترجمكِ
إلى سبعين لغة حيّة ومنقرضة.
9.
يا حبيبتي
لقد تحوّلتْ نقطتُكِ إلى نشيد
وهلالُكِ إلى ملحمة
ونونُكِ إلى مسرحيةٍ كبرى.
لكنّ ألفي، ألفي الذي كتبَ كلَّ شيء
ورأى كلَّ شيء
وبنى كلَّ شيء
وحلم بكلِّ شيء
وبكى كلَّ شيء
وضحك مِن كلِّ شيء
واشترى كلَّ شيء
مِن أجلِ اللاشيء
بقي حرفاً مليئاً بالطلاسمِ والجنون!
أخطاء
إلى المبدع الراحل: واثق الدايني
1.
قالت النقطةُ الماكرةُ للحرفِ الحكيم:
أراكَ هرمت
واشتعلَ الرأسُ شيباً.
فقالَ الحرفُ الحكيم:
لأنَّ انتصاراتي لكِ
وهزائمي لي وحدي.
2.
بعد أنْ أكملَ الرسّامُ لوحتَه المليئةَ بالفتنة
والتي تبدو فيها المرأةُ قارّةَ جمال،
رفضت المرأةُ النظرَ إلى اللوحة:
قالتْ: كيفَ تتغزّلُ بي؟ هذا لا
يكون!
فَصُعِقَ الرسّام
ثُمَّ قهقه ساخراً من كلامِ المرأةِ العجيب.
3.
بعدَ أنْ عادَ الحرفُ مُنهَكاً من الحرب
أخطأ في توزيعِ عطاياه:
فأعطى الثعلبَ زيتوناً وجبناً
وأعطى الديكَ سمكاً وخبزاً
وأعطى المرأةَ كلمات مليئة بالشمس
وأعطى لنفْسه عدّةَ أوسمةٍ صدئة
ونامَ كما لم ينمْ مِن قبل.
4.
واذ أشرقَ الفجر
خرجَ الحرفُ للصيد
ضائعاً مثل طفل يتيم،
شاحباً مثل دمعة.
وبدل أنْ يلاحقَ طريدته
بقي طوال الوقت يرقصُ ويرقصُ ويرقص
حتّى نسي نَفْسه
وعنوانَ بيته.
5.
كلّ يومٍ أحاولُ
إكمالَ قصيدتي الكبرى
نشيداً عن الخلْقِ ولحظةِ الخلْق.
لكنّني كلّما تقدمتُ خطوةً فيها
وجدتُ قلبي مُحاصراً بالنسورِ والصقورِ والبُوم
ووجدتُ أطفالي يصرخون من الرعبِ والجوع.
6.
ما معنى أنْ نكتبَ الشِّعْر:
إذا كنّا نَصرُّ على
إعطاءِ الثعلبِ زيتوناً وجبناً
ونصرُّ على رسمِ النساءِ المليئات
بفتنةِ الشحمِ والغباءِ العظيم؟
ما معنى أنْ نكتبَ الشِّعْر:
إذا كنّا نرقصُ وقت الصيد
لنصطاد وقت الرقص
دبّاً من الرعبِ والجوع؟
ثنائيّة
1.
القُبْلَةُ غزالة
والموعدُ عينان وصحراء وبندقيّة.
2.
القُبْلَةُ قصيدةُ حُبّ
والموعدُ طعنةٌ في البطن.
3.
القُبْلَةُ فراشة
والموعدُ سمكةٌ ذهبيّة.
4.
القُبْلَةُ حنين عجيب
والموعدُ سريرٌ عظيم.
5.
القُبْلَةُ عيد
والموعدُ أطفالٌ مُبتهجون
وسطَ الشوارعِ
الملأى بعرباتِ الخيول.
6.
القُبْلَةُ غموض
والموعدُ محاولةٌ لفكِّ الألغاز.
7.
القُبْلَةُ أُكذوبة
والموعدُ شاهد زور.
8.
القُبْلَةُ فراق
والموعدُ أغنيةٌ تمجّدُ الفراق.
9.
القُبْلَةُ بسمةٌ هامدةٌ على فمِ السكّير
والموعدُ شظايا الكأس.
10.
القُبْلَةُ أسطورة
والموعدُ مؤتمرٌ عالميّ للأساطير!
11.
القُبْلَةُ عينُ العيد
والموعدُ نونُ النوم.
12.
القُبْلَةُ انتظار
والموعدُ قصائدُ الانتظارِ المكتوبة
بالمسماريّةِ والسنسكريتيّةِ والعربيّة
على لوحِ الوجود.
13.
القُبْلَةُ قدّاح
والموعدُ حديقةٌ مليئةٌ بالعسل.
14.
القُبْلَةُ شاطئٌ أخضر
والموعدُ شاعرٌ لا
يكفُّ عن تدخينِ الأمل.
15.
القُبْلَةُ نجوم
والموعدُ سماء بكفِّ امرأةٍ عاشقة.
16.
القُبلةُ غريق
والموعدُ بحرٌ لا قرار له.
17.
القُبْلَةُ رمشُكِ المُذهل
والموعدُ ابتسامتُكِ التي تقودني
كلّ ليلةٍ إلى الموتِ اللذيذ
ولا تتركني إلّا عند صياح الديك.
18.
القُبْلَةُ نقطةُ نونكِ أو نونُ نقطتكِ الضائعة
والموعدُ أبجديّةٌ كشفتْ عن طلاسم العالم
لكنّها لم تعرفْ كيفَ تعيدكِ إلى البيت.
19 .
القُبْلَةُ صداقة
والموعدُ ارتباطٌ حتّى الموت.
20.
القُبْلَةُ كرسيّ
والموعدُ سرير.
21.
القُبْلَةُ مفتاح
والموعدُ جسد.
22.
القُبْلَةُ كمان
والموعدُ رقصةُ الحُبّ.
23.
القُبْلَةُ دمعة
والموعدُ رشقةُ مطرٍ تبلّلُ العاشقين
في حديقةِ المسرّة.
24.
القُبْلَةُ صرخة
والموعدُ مؤامرةٌ غراميّة.
25.
القُبْلَةُ غرفةٌ خضراء
والموعدُ ستائر مغلقة.
26.
القُبْلَةُ حلم
والموعدُ حاءُ الحلم
ولامُ الحلم
وميمُ الحلم.
27 .
القُبْلَةُ أغنية
والموعدُ مطربٌ وملحّنٌ وشاعر
بكوا لجمالِ اللحنِ والكلمات.
28.
القُبْلَةُ ضوضاءٌ عذبة
والموعدُ ممرّاتُ صفصافٍ سِرّيّة.
29.
القُبْلَةُ طفلٌ ضائع
والموعدُ عروسٌ تبكي حظّها العاثر.
30.
القُبْلَةُ حلمُ يقظة
والموعدُ هرطقةٌ وَهلْوَسَة.
31.
القُبْلَةُ قصيدةٌ في ذروتِها
والموعدُ ديوانُ حُبّ:
كلّ سطرٍ منه حرفك
وكلّ حرفٍ منه اسمك.
32.
القُبْلَةُ شُبّاك
والموعدُ بيتٌ ريفيّ
يطلُّ على الشمسِ والبطّ.
33.
القُبْلَةُ لذّة
والموعدُ دعوةٌ لكتابتها
موتاً عميقاً لا شفاء منه.
34.
القُبلةُ عيناكِ الحالمتان
والموعدُ شفتاكِ اللتان غادرتا بخلهما العجيب.
35.
القُبْلَةُ ساعةُ حُبّ
والموعدُ ليلةُ العرس
وشموعُ العرس
وبدلةُ العروسِ البيضاء.
36.
القُبْلَةُ نونكِ
والموعدُ حروفي التي تألّقتْ في نونِكِ
وأزالتْ عنها الصدأ والتراب.
37.
القُبْلَةُ أنتِ
والموعدُ أنتِ... طبعاً!
الغراب
1.
حينَ مرَّ الغرابُ من فوقِ رأسِ الموت
قال: أنا الغراب.
قال الموتُ: ثُمَّ ماذا؟
قال الغرابُ: أنا الغرابُ الأسْوَد!
فضحكَ الموتُ وقال: أنتَ بالنسبةِ لي
أكثر بياضاً من الثلج!
2.
البارحة تذكّرتُكِ
أنتِ التي لا
اسم لكِ ولا عنوان،
أنتِ التي نسيتُكِ قبلَ بدء الطوفان
فرقصتُ من دونِ يدين
ولا قدمين.
3.
حينَ حملوا جسدي عارياً إليك
ضحكَ الناسُ من بياضِ قلبي
وسوادِ جُثّتي.
4.
موسيقى الألمِ لا تُنْسَى
وأكاذيبُ الحُبِّ حقيقيةٌ كقُبْلةِ مُراهق.
5.
لماذا يطاردكِ الزمن؟
ألأنّكِ تملكين ثديين مِن الرمّان
وبطناً مِن العاج
وعينين ضيّقتين كقاربٍ جنوبيّ
ومصيراً يشبهُ مصير الغراب؟
6.
الموسيقى عزفتْ مصيرنا.
لم يكنْ هناك الكثيرُ مِن الألوان:
كانَ هناكَ أسْوَد كالدم
وأبيض كالدمِ أيضاً.
7.
مَن أنتِ أيّتها الضائعة؟
سمّيتُكِ النون وكنتُ مُخطئاً.
سمّيتُكِ الباء وكنتُ مَجنوناً.
سمّيتُكِ الحاء وكنتُ مَحظوظاً
لأنّني لم أزلْ أحمل رأسي حتّى الآن
فوقَ كتفي.
8.
ها أنذا أعود إلى الشِّعْر
مثل كلّ مَرّة
بسببكِ أنت.
أعودُ لأشاهدَ حروفي
يضربها الزمنُ بسوطه العظيم.
أعود لأرى نقطتي الكبرى التي تشبهُ مدينةً كبرى
تضيع وسطَ البحر.
9.
قُبلاتُكِ لم تصلْ.
ربّما لأنّ ساعي البريد كانَ يشعرُ بالغيرةِ منّي.
ربّما لأنّ لغتكِ بيضاء جدّاً كالغُراب.
10.
قُبلاتُكِ لم تصلْ
رغمَ أنّ عنقكِ كانَ دافئاً
نعم، فلقد كنتِ في صيفكِ الملآنِ بالأسرار.
11.
كنتِ مليئة بالموسيقى،
مقمرة كليلةِ صيف،
طيّعة كجوهرةٍ تضيءُ في الظلام،
ساذجة كببغاء تلثغ،
وخرقاء كضحكةِ مجنون.
12.
أنتِ مَن علّمني الرقص:
الرقص فوقَ جثثِ الحروف
وركام الساعات الكبيرة المُحترقة.
13.
أنتِ غرابي.
كانَ ينبغي أنْ أقولها في بدءِ القصيدة
لأُرِيحَ وأستريح.
شكراً أيّتها الموسيقى
شكراً أيّتها الموسيقى.
شكراً لأنّكِ تغسلين دمي من هذيانه
وروحي من شظاياها.
شكراً لأنّكِ
تثبتين لي أبداً
أنَّ البحر أكثر سواداً ممّا ينبغي،
وأنَّ
أصدقائي الغرباء
أكثر سذاجة وعناداً ممّا ينبغي،
وأنَّ
بانتظار حروفي
نقاطاً لا تنتهي عندّ حدّ.
شكراً أيّتها الجميلة كطفلة
والعذبة كقُبْلَة
والضائعة كمستقبلي الذي يشبهُ سيركاً من الأعياد:
أوّلها عيد السمّ
وآخرها عيد الموت جوعاً.
شكراً!
أمجاد النقطة
أيّتها النقطة
ما الذي أعطيتِني مِن أمجاد؟
أنا عبدكِ الفقير
وخادمكِ المخلص الذي خدمكِ أربعين عاماً
وأعلَى صرحَكِ حتّى جاوزَ الغيوم؟
أهو مستقبلكِ الوديع كلُغمٍ أرضيّ
أم دنياكِ القادمة بهيئةِ نمورٍ ومروّضي نمور،
بهيئةِ مُهرّجين وطبّالين وآكلي حشرات،
بهيئةِ شعراء حفاة لا يجيدون فنَ الأتكيت
أو السير وراء اللافتات
أو الجلوس
إلى مائدةِ اللئام؟
أيّتها النقطة
كيفَ سرقتِ عذابي وعُريي؟
وبِمَ قايضتِ حروفي وخربشاتي وجرحي؟
وأين كتبتِ اسمي:
مع شعراء الوهم أم شعراء المُستحيل؟
مع شعراء الحُبّ أم شعراء الأسى؟
مع الشعراء التماسيح أم شعراء دموع التماسيح؟
اركعْ
فركعت
1.
حينَ نظرتُ
إلى ساعتي
لم أجدْ فيها أيّاماً ولا سنوات
بل وجدتُ فيها أنهاراً من الحلمِ والموسيقى والكلمات.
فحلمتُ ولعبتُ وكتبت
حتّى كدتُ أموت من الحلمِ والموسيقى والكلمات،
حتّى كدتُ أموت من الغرق.
2.
حينَ طردتُ الموتَ من النافذة
دخلَ من الشبّاك.
وحينَ طردتُه من الشبّاك
دخلَ من النافذة.
هكذا خرجتُ من الباب
لأجدَ الموت
يحملُ سيفاً ودرعين،
مسدساً وثلاثَ بنادق
ومدفعاً من النوعِ الثقيل.
3.
حينَ احتضن الآباءُ أبناءَهم
والعشّاقُ حبيباتهم
والفجَرَةُ دنانيرهم،
لم أجدْ مَن يحتضنني إلّا الله
الذي قالَ: (اركعْ). فركعتُ.
فانشقَّ صدري وطارَ منه طائرُ الخوف.
وقالَ: (اسجدْ). فسجدتُ
على سجّادتي الصغيرةِ المُمزَّقة
حتّى تحوّلتُ
إلى دمعة،
بل نقطة.
4.
من الصباحِ إلى المساء،
ومن المساءِ إلى الصباح،
لعبَ الأطفالُ بكرةِ الفرح
وثيابِ العيدِ الزاهية.
أمّا أنا فلم أجدْ ما ألعبُ به
سوى الحروف:
حروف زاهية كعيدٍ غامضٍ عجيب.
5.
ولكنْ، كيف تحوّلت الحروفُ هكذا؟
كيفَ تحوّلتْ حاءُ الحرّيّةِ إلى حاءِ الحرب،
وسينُ السّرِّ إلى سينِ سقوطِ الأسنان،
وميمُ المُرادِ إلى ميمِ الموت؟
6.
حينَ نظرتُ إلى ساعتي
لم أجدْ فيها أيّاماً ولا سنوات
بل وجدتُ فيها أنهاراً من ميماتِ الموت
وواواتِ الموت
وتاءاتِ الموت.
فبكيتُ شبابي وشموخي وشروخي
وبكيتُ شكوكي.
7.
نظرَ اللهُ إليَّ وقالَ: (انهضْ). فنهضتُ.
وقالَ: (اركعْ). فركعتُ.
فانشقَّ صدري
وطارَ منه طائرُ الموت
كغيمةِ حزنٍ زرقاء،
كغيمةِ حزنٍ كبرى.
دجلة
1.
سقطتُ من الحرف
فتلقّفتني النقطةُ عصفوراً ضَالّاً
وألقتْ دجلة القبضَ عليّ
بتهمةِ حيازةِ الحروفِ الممنوعة.
2.
دجلة، يا دجلة، يا دجلة
مَن سمّاكِ بهذا الاسم العجيب؟
ومَن علّمَ أجسادنا على الغرق
حينَ تلامسُ ماءَك الغامض؟
3.
دجلة، يا دجلة، يا دجلة
يا حوريّةً صغيرة
وضفيرةً صغيرة
يا عاشقةً صغيرة
أحُبّكِ
أحُبّكِ
أحُبّكِ.
فمَن علّمكِ أنْ تشيحي بوجهِكِ
حينَ أريدُ أنْ أقبّلَ شفتيكِ الدافئتين؟
4.
دمعي أحاطَ بي
فرفعتُ عيني إليكِ
يا دجلةَ السحرِ الأسْوَد والعُري الأسْوَد.
كانَ جرحي أكبر من عنوانِكِ السرّيّ
وأعظم من غرقى فراتكِ الطفل.
وبدأتُ أتمتمُ عند قدميكِ العاريتين
نجمةً تهبطُ تهبطُ تهبطُ
حتّى تضيع في أقصى سماواتِكِ الوحشيّة.
5.
دجلة، يا دجلة، يا دجلة
ما الذي حوّلني مِن مَلِكٍ إلى شحّاذ؟
ومِن فيلسوف إلى مجنون؟
ومِن ضحكةٍ إلى تابوت؟
الزمن يركض، الزمن يغرق
1.
الزمنُ يركضُ يركض
كلصٍّ يطاردهُ شرطيّ شاهراً مسدسه الكبير.
الزمنُ يغرقُ
كطفلٍ يلفظُ أنفاسَه الأخيرة
أمامنا نحن الفقراء
الذين خُلِقنا دونَ أيدٍ أو أقدام.
2.
الزمنُ شيخٌ كبير
طيّبٌ كلحيته البيضاء
لكنْ حينَ أردتُ أنْ ألقي عليه تحيةَ الوداع
فوجئتُ بغرفته المليئة بآثارِ الحنّاء
مليئةً بالمرابين والجلّادين واللصوص
وقهقهاتهم وترّهاتهم وأنفاسهم الثقيلة.
3.
الزمنُ حروفي ونقاطي التي حاصرتني بأذرع الساعات.
والزمنُ ساعاتي التي تبحثُ دونَ جدوى
عن ذراعين طيّبتين
وشفتين مليئتين بالدفء والقدّاح.
4.
الزمنُ قارورةٌ سُكِبَ فيها الفرح
ووضِعَتْ على رفِّ قلبي.
غير أنَّ القطط السُود كسرت القارورة
فلم أخرجْ لطردِها
لأنّ قلبي ماتَ من النزيف،
ماتَ من الفرح.
5.
الزمنُ امرأةٌ تتعرّى
أمامَ كلابٍ عالية الظهر،
قويّة ومُبتهجة
كأذنابها المرتفعة.
6.
الزمنُ أُمٌّ ألقتْ ابنها من فوقِ الجسرِ الحديديّ
مخافة الجوع
فبكى طفلها الرضيع على أخيه الغريق
أربعين سنة كاملة.
7.
الزمنُ خرافة نحاولُ تصويرها
وترميمها بالأصباغِ المُزيَّفة
وإلصاق قصائدنا الساذجة
على سياجِها المُنهار.
8.
الزمنُ أصدقائي الذين ماتوا دونَ سبب
سوى
أنهم ارتبكوا قليلاً
أمامَ شبحِ الحُبّ
أو شبح الموت.
9.
الزمنُ شمعةٌ لا تكفُّ عن إشاعةِ الظلام
وأيّام أُلقِي القبض عليها
بتهمةِ التعرّي في الأسواق.
10.
الزمنُ عودٌ ودفٌّ وناي
غرقوا في دفء أغنيتكِ
التي تطاردني من شارعٍ لشارع
ومن بيتٍ إلى بيت.
11.
الزمنُ ثرثرةٌ لا تُطاق
وسخافاتٌ لا نهاية لها
وجعجعةٌ تصمُّ الآذان.
12.
الزمنُ إطلاقةٌ ناريّة
فقفْ أمامها هادئاً
لتصلَ إلى قلبكَ الطيّب!
خُرافات
إلى: عبد الرزاق الربيعي
1.
الخُرافةُ اتّسعتْ
لتشملنا جميعاً جميعاً،
والحفلةُ التنكّريةُ اكتملتْ.
اخترنا أنا وأنتَ يا حرفي الجارح
دورَ العُراة
ليسَ لأنّنا نحبّ العُري فقط
بل لأنّنا لا نملكُ الملابس.
وحتّى لو أُعْطِينا شراذم الملابسِ المُستعملة
فمَنْ يؤكّدُ لنا أنّنا نستطيع ارتداءَ ما يَسترنا
بعد هذا التعريّ العجيب؟
2.
الخُرافةُ اتّسعتْ.
* أطفالنا في المهدِ، مَن لهم؟
- اللهُ لهم.
* وأحزاننا في المهدِ، مَن لها؟
- السوطُ لها.
* وأساطيرنا في الحرفِ، مَن لها؟
- اللاجدوى لها.
* بل العبث يا حرفي المُغفّل.
فالخُرافة اتّسعتْ واشترتْ
مظلّةً لأحلامِها المَثقوبة
وخرجتْ عاريةً إلى الشارع
فتبعها كلُّ سفهاءِ الأرض.
3.
الخُرافةُ اتّسعتْ.
(مَن أنتَ؟ ومِن أينَ أتيت؟) سألني السائل.
فدهشتُ وأنا أحملقُ في عينيه.
(مَن أنتَ؟ وإلى أينَ ستذهب؟) سألني السائل.
فاحرنجمتُ ودمعتْ عيناي
(مَن أنتَ؟ وأينَ ستموت؟)
نظرتُ إلى جُثّتي: لم تزل الحرارةُ فيها
فبكيت.
4.
الخُرافةُ اتّسعتْ.
في العواصم التي ترتدي العقالَ والمايوه
بحثنا لأحزاننا عن مَنافٍ جديدة
فهربَ الأصدقاءُ منّا،
تركونا نؤكل في الصحراء.
الخُرافةُ اتّسعت اتّسعتْ
حتّى أنّني أنا الذي حملتُ حرفي صليباً
وسطَ العواصم
بكيتُ وغنّيت،
غنّيتُ وصلّيت،
صلّيتُ وتهجّدت.
ونظرتُ فلم أجدْ مَن يعينني على حفرِ قبري
سوى الموتى الذين استقبلوني وجُثّتي
في شلالِ ضحكٍ هادر.
حوريات الفردوس
1.
تلمّستُ دمعتي: صادقةً كصادٍ، كقاف.
تلمّستُ طفولتي: عاريةً كثيابِ شحّاذ،
وتلمّستُ أزمنتي: زمهرير آب.
2.
تلمّستُ عُريي: هباءً منثوراً.
تلمّستُ هبائي: حفنةً من نساء،
وتلمّستُ نونَ نسوتي: حفنةً من تراب.
3.
تلمّستُ ترابي
فكانَ قسيمُ النارِ معي وأمامي
قدّامي، وسطَ حروفي.
وجلستُ، تلمّستُ ماضيي،
فرعبتُ من بياضِ لحيتي
واتساعِ خرقتي
وقلّةِ حيلتي.
4.
تلمّستُ فصولي
يميناً كيمين
وشمالاً كشمال
وما لا يجيء قد لا يجيء
وما لا يُرى قد يُرى.
فخرجتُ من جسدي :
ميّتاً في زيّ حيّ
وحيّاً في تابوتِ ميّت.
5.
تلمّستُ فراتي فكانَ غريباً.
تلمّستُ غربتي: بحراً من الظلام
وتلمّستُ ظلمتي، فوقعتُ في شقِّ قبري.
6.
وتلمّستُ قبري دافئاً كإصبعِ طفل
والترابُ منه يسّاقطُ بالعبث،
يسّاقطُ بالفرح،
أنا الذي بَصَمتُ حاءَ الفرح
وحاءَ الحرّيّةِ والحنين والحُبّ
أجلسُ قربَ قبري،
ألعبُ بطيورٍ بِيض،
أنامُ وأصحو،
أدخلُ وأخرج،
أبتسمُ وأرتجف،
وطيوري تحلّقُ حولَ قبري
حروفاً من نور.
7.
تلمّستُ جَدّي:
أعنّي على بلواي
صرختُ: أعنّي على طفولةِ حُبّي
وصيحاتِ جسدي،
أعنّي على غربانِ ليلي وهشيمِ حروفي،
أعنّي على جفافِ حَلْقي وهباءِ يومي.
تلمّستُ جَدّي دهراً فدهراً
حتّى سجدتُ على بابِ جهنّم
وأنا أتنفّسُ حوريات الفردوس.
ارتباك الزاي
1.
كانت الزاي ارتباكاً جديداً
بنقطتها التي تشيرُ إلى فوق. فوق ماذا؟
فوق جبل؟
فوق لغم؟
فوق ظلماتٍ لا حدّ لها؟
فوق ماذا؟
فوق ركامِ كلماتٍ ضائعة
وأشباحٍ تجرُّ خيباتها؟
فوق ماذا؟
موسيقى فارغة كفؤاد أمّ موسى،
وجِنّ يبكون وليّهم الذي ماتَ مصعوقاً برؤياه
وتركَ دمه يبلّل لحاهم وثيابهم القصيرة؟
2.
كانت الزاي ارتباكاً جديداً
وأنا أقايضُ ارتباكاً بآخر،
أنا تاجر الارتباك،
أنا مُموّل المُرتبكين الحالمين
بجهنّم باذخة خالدة.
3.
كانت الزاي واضحةً
وبسيطةً حدّ الارتباك،
ساذجةً كخربشاتِ طفل.
لكنّ نقطتها تشيرُ إلى فوق...
فوق ماذا؟
وجوه دونَ ملامح
ورؤوس أينعتْ وحانَ قطافها اللذيذ.
فوق ماذا؟
فوق نساء ضائعات: عوانس وأرامل
وساعات تنتظرُ غودو
الذي جلسَ في مقهى العدم
يدخنُ سكائره الرديئة
ويحلمُ، ويشتمُ، ويحلم.
يحلم بماذا؟
لكنّي رأيتُ الزاي ولمستُ نقطتها
فخذاً مرسوماً على الجدار
وأكاذيب حقيقية
وأزمنة حميرٍ مُلوَّنين
يغنّون:
يا للجمال،
يا للبهجة،
يا للذهول!
4.
هل الزاي نونٌ جديدة؟
ضحكتُ لطيبةِ سؤالي
فالقوافي واحدة
والمدن واحدة
لكنّ الحروف اختلفتْ باختلافِ الأهلّة،
باختلافِ النقاط،
باختلافِ مجرّاتِ الدم.
5.
كانت الزاي مُدناً جديدة
بنساء تُركنَ في الممرّات
للزمنِ يأكلهنّ
ويحطّمُ أثداءهنّ.
تُركنَ للزمنِ يسحقُ أفخاذهنّ
بسيارته ذات الدخان الأسْوَد
وهنّ يُولْوِلْنَ
ويُوَلْوِلْنَ.
ويُوَلْوِلْن.
6.
ثُمَّ ماذا؟
الزاي تتحرّكُ وتبيع
وتبادلُ لهجتَها القديمةَ بأخرى مُزيَّفة
وتنشرُ أغاني المراهقين وترّهات الأمل.
ثُمَّ ماذا؟ ثُمَّ ماذا؟ ثُمَّ ماذا؟
لكنّ الزاي أغنية لا تجيء
وإنْ
أتتْ فغزلها عنيف،
عنيف كقنبلة.
ضحك
سقطَ المطرُ
قطرةً قطرةً،
مَوجةً مَوجةً،
بحراً فبحراً
حتّى طلعت الشمسُ راقصةً بنورها العجيب.
ضَحِكَ الأطفال
وطاروا خلالَ أشجار اللوز والتفّاح والبرتقال.
ضَحِكت الصبايا الصغيرات
وانتبهن إلى نهودهنّ الجميلة
وضَحِكت العاشقاتُ اللائي حطّمهنّ العشق
وصيحاتُ الجسدِ المكبوتِ كلّ ليلة.
ضَحِكت العصافيرُ والزرازير
وسطَ النورِ والدخان.
ضَحِكت الساعاتُ والمستشفيات
والمرضى الذين يبحثون عن وميضِ الشفاء.
ضَحِكَ الشرطيُّ والطاغية
ومفجّرُّ القنابلِ والموظفُ البليد
وحرسُ الحدودِ المُرتشون.
ضَحِكَ الأولياءُ والذاهلون والمنفيّون.
ضَحِكت الراقصاتُ بملابسهنّ العارية
وضَحِكَ تلامذةُ المدارس
ومحاسبو المصارف
وسائقو التكسيّات.
ضَحِكَ الحمّالون
وبائعو الفواكه واللصوصُ والمُخبرون.
ضَحِكَ العباقرةُ وأنصافُ العباقرة
والمُخنّثون والعابرون.
ضَحِكَ المُبتهجون بالعُري
وامتلاءِ المائدةِ بالنبيذ.
ضَحِكَ القتلى والغرقى
ثُمَّ ضَحِكَ الموتى جميعاً.
واشتدَّ الضحك
اشتدَّ
اشتدَّ.
وحدي كنتُ أتأمّل المشهد
وأبكي.
وحدي كنتُ أتأمّل المشهد
وأموتُ ببطء.
رسالة الحروف
1.
أيّتها الرسالة: مَتى تَصِلِين؟
مَتى تفتحين عليَّ الباب
لتمسحي عن حروفي الأنين
وعن نقاطي الدموع؟
2.
كم انتظرتكِ!
مرّتْ طيورُ الطفولةِ ولم تَصِلِي.
ومرّتْ طيورُ الصبا
وطيورُ الشباب
وطيورُ الدهور
وأنتِ لا تنعمين عليّ بريشِكِ
ولا
بمنقاركِ الدافئ الصغير.
3.
آ..........غموضُكِ أذهلَ روحي
فتطلسمتُ في حروفكِ،
وتنقّطتُ بدمكِ المسفوح
وبكيتُ في غرفتكِ العاريةِ وثيابكِ العارية.
4.
يا رسالتي: مَن أنتِ؟
ومَن كتبك؟
5.
أخافُ أنْ أموت دونَ أنْ أقرأ
سينَكِ الكبرى
ولامَكِ المُقدّسة العظمى!
6.
يا رسالتي المُحترقة كباخرةٍ مُحترقة
دمعتي حاصرتني
حينَ تذكرتُ موتَ ساعي البريد.
7.
أرجوكِ
تعبتُ من الرجاء
فَلُمّي حطامي.
وبدّدي ذكراي
بأزرقكِ وأحمرك
وطوابعكِ ذات الطواويس.
8.
يا رسالتي
قيلَ
إنَّ في ظرفكِ شمسي
فتعجّبتُ.
وقيلَ
إنَّ فيه طالعي
فدُهِشتُ
بل قيلَ
إنَّ ملائكتي قد دخلتْ فيه
لتحتفلَ بغموضِكِ القادمِ ليبدِّدَ وضوحي
فجُننتُ!
9.
آ..........
قُوديني إليك
كما يقودُ المبصرُ أعمى إلى الفرات
ليسبحَ فيه
ويبصر طفولته العذبة
وشموسه المنطفئة وسطَ النخيلِ وصيحاتِ البطّ.
10.
أيّا يكونُ مُرسلكِ... تعالَي.
أيّا يكونُ مُرسلكِ: حيّاً أو ميّتاً،
ضائعاً، غريقاً، مرميّاً في المجاهيل... تعالَي.
فلقد سفحتُ
أربعين عاماً
أنتظرُ قدومَكِ المفاجئ عندَ ضفاف الأنهار
وعندَ خضرة الأولياءِ وحنّة حيطانهم
وعندَ دموع طسم والم وكهيعص.
11.
يا أعجوبتي الضائعة في بريدِ اللامعنى،
يا مغنّيتي التي أشعلتْ قلبي بذكرى الربيعِ الميّت
وذكرى طيران الأساطير وانتحارها في الأزقّة،
كيف ينبغي لي أنْ أخاطبكِ
لأوهمكِ بصدقي
وأصدقكِ بوهمي؟
12.
يا نقطتي التي لم تصلْ بعدَ أربعين موتاً
من التعلّقِ بقشّةِ الحروف
ها
أنذا أجلسُ في نَفْسي درويشاً أعمى
مُتمترساً في غيبتي ووسوستي
أنتظركِ
وأنتظركِ
وأنتظرك.
13.
يا
رسالتي
إنْ لم تَصِلِي فسوفَ أسوّفُ سينَكِ،
وألمّ لامنا وآلامنا في قارورةِ العبث
ثُمَّ أذروها في راءِ فراتِ طفولتي
إلى أنْ أموت!
الحفلة
إلى: صلاح كمال الدين
سقطَ الحرف
وضاعَ العمرُ الذي يتعكّزُ ليلَ نهار.
سقطَ وضاع،
ضاعَ وتزحلق،
تزحلقَ وامَّحَى،
امَّحَى وتكهرب،
تكهربَ وذاب،
ذابَ وغاب،
غابَ فانكسرت الأبواب
ودخلتُ على فرسِ الخيبةِ أحملُ سيفي،
أمتشقُ عذابي وكلماتي، حقّي ونوري،
وصرختُ.
لكنّ الحرف انكسر الليلة
فأقمتُ له مأتماً
ولم أدعُ إليه أحداً سوى نَفْسي.
وحين حضرتْ نَفْسي فتّشتُها كثيراً
وتأكدتُ أنّها لا تحمل شيئاً ممنوعاً
ثُمَّ سلّطتُ عليها ضوءَ دمي
فخرجَ منها شيءٌ فيه جلال القاف
وصور الطفولةِ الحافية
ونهر الفراتِ الأدرد
والخيبات التي لا تنتهي عند حد.
حينها صرخت:
آهٍ سقطَ الحرف
أيّها المجانين.
انتبهوا فالحفلةُ عارمةٌ
(وأنتم لا تخلون من الأكاذيب)
الحفلةُ ستبدأُ بالأكاذيب
(فاحذروا الدخول من بابِ الراقصات)
ثُمَّ تبدأ الدموعُ بالهطول
وسأشرحُ لكم ألفَ مشهد بكائيّ لي
ولآبائي وأجدادي وأبنائي.
فاحذروا
فَمَن سيشاركني سيُمحَق في هذه الحفلة المجنونة،
احذروا
احذروا.
سقطَ الحرف
ولذا سأقرأُ عليكم روحي في سندان القصيدة
والقصيدة في سندان الموت
والموت في سندان الفجر
والفجر في سندان الأحلامِ المخنوقةِ بالماء،
الماءِ، الماءِ، الماء
وأقرأُ عليكم عُريي الظاهر
لنهبطَ إلى عُريي الباطن
وأحلم أن تموتوا كي تتخلّصوا من ضحالتكم
أيّها الأجلاف الحُفاة
أيّها الشعراء الذين ضيّعوا أنفسهم فلم يضيعوا.
انتبهوا
صوتُ الموسيقى مُدوّياً مُدوّياً يجيء
ليغّطي صوتَ سقوطِ الحرف
لكنْ...
لا...
فسقوطُ الحرفِ بهيٌّ أيّها العُراة.
انتبهوا
انتبهوا
الموتُ على الباب
ونحن ضيّعنا شموسنا بحثاً عن الخبز
فلم نجد الملح.
وبحثنا عن الملح
فلم نجد الذاكرة.
وبحثنا عن الذاكرة
فلم نجد اللباس.
وبحثنا عن اللباس
فلم نجد القميص.
وبحثنا عن القميص
فلم نجد العمامة.
سقطَ الحرف
احذروا
احذروا
وجدتُ العمامةَ مُلطّخةً بالدمِ، مُعطّرةً بالحلم
وفي وسطها شمس المرايا تسطعُ، تسطع.
فهلّلتم.
قلتُ لكم: هلّلوا
هلّلوا أيّها الحُفاة.
الحرفُ يسقطُ يسقط
ونحن نضيعُ وسطَ عرينا الأسْوَد
الذي ملأ علينا كلّ شيء.
ما قبل الحرف.. ما بعد النقطة
2006 -
أزمنة للنشر والتوزيع، عمّان، الأردن، ط 1
،
أصدقائي الأوغاد والمنفيّون والسذّج
.1
حينَ جلستُ إلى الساعة،
كانت الساعةُ شابّاً مقتولاً
قربَ كنيسةِ أحزان العالم.
جاءَ أصدقائي الأوغادُ والمنفيّون والسذّج
ووضعوا صليباً خشبيّاً
قربَ دماءِ الجُثّة
ووضعوا ورداً لا اسم له
وآساً وفاكهةً مُعفّرةً بالتراب.
قالوا: مَن هذا المقتول؟
وما معنى الساعة؟
2.
حينَ جلستُ إلى المرأة،
كانتْ جسداً بَضّاً
من عسلِ الوحلِ وريشِ البومة.
كانتْ ملآنةً بالعُريّ الذهبيّ
وبالعُريّ الفضيّ
وبالعُريّ الأسْوَد.
جاءَ أصدقائي الأوغادُ والمنفيّون والسذّج،
قالوا: ما معنى المرأة؟
وكيفَ يكونُ العريُ أسْوَد؟
3.
كيفَ يكونُ اللحنُ على هذا الحال؟
كيفَ سأصفُ، اللحظة، موتي الأبديّ
وضياعي في جسدٍ من لعنةِ الحُبّ
وعذاباتِ الرغبةِ والشوق؟
كيفَ يكون الحالُ على هذا المنوال؟
من غيمتي الصغرى،
أعني من غيمتي الخضراء
إلى درجٍ يمضي إلى مأساةٍ
من عسلِ الوحل،
إلى درجٍ يمضي حتّى الأسفل
ليلامسَ أياماً تتطايرُ كالريش،
إلى درجٍ يمضي
حتّى جُثّة ذاك الشاب المقتول
وصيحات صليبه الخشبيّ
وفواكه قلبه المُعفّرة بالتراب.
آ. . .
كيفَ يكون –
يا مَن قالَ:
"كنْ فيكون" –
مقتولاً جئتُ إلى الدنيا
وسأغادرها مقتولاً أيضاً؟
4.
لا
لا
سأعيدُ كتابةَ هذا النصّ!
فلقد احتجَّ أصدقائي الأوغادُ والمنفيّون والسذّج
على العنوان:
جاءوا في الليل،
قلعوا الصليبَ الخشبيّ
ووضعوا تراباً فوقَ دمي المتناثر.
وحاولَ بعضٌ منهم
أنْ يأكلَ فاكهتي المُلقاةَ على الأرض.
واحتجّوا على متنِ النصّ:
أخرجَ أوّلهم سكّيناً ليهددني
وقامَ الآخرُ بشتمي
وقامَ الثالثُ بكتابةِ تقريرٍ سحريّ أو سرّيّ
عن غيمتي الخضراء
ودرجي الهابط إلى الأسفل
وأيّامي: أيّام الريش.
5.
بعدَ سنين من كتابةِ نَصّي هذا
قُتِلتُ قربَ نهرٍ ميّت
في آخر قارّاتِ العالم.
جاءَ أصدقائي الأوغادُ والمنفيّون والسذّج
حملوني في تابوتٍ أسْوَد،
حفروا الأرضَ ووضعوني فيها.
قالوا: لم نفهمْ ما قال!
كانَ يكتبُ حروفاً ونقاطاً صوفيّة
ويصفُ الدنيا كسريرِ امرأةٍ من عسلِ الوحل
ويصفُ المنفى ككتابِ مجانين وعُراة!
أحياناً يضحكُ من فوق الدرج ليقول:
هذا درجٌ يمضي حتّى الغيمة
أو حتّى أيام الريش!
أحياناً يتحدّثُ عن عُريّ ذهبيّ
أو فضيّ أو حتّى أسْوَد!
قالوا: لم نفهمْ!
هل كانَ إلهيّاً أم كانَ خرافيّاً؟
إنسيّاً أم جنّيّاً؟
هو أزرق وأنتِ زرقاء
1.
أنتِ تشبهين البحرَ في كلِّ شيء.
نعم،
هو أزرق
وأنتِ زرقاء.
هو ساذجٌ أخرق
وأنتِ ساذجةٌ أكثر ممّا ينبغي.
هو صاحبُ المعاني التي تبدأُ بالفِرَاش
وتنتهي بالموت.
وأنتِ صاحبةُ الفِرَاش
هناك يبدأُ معناكِ بالظهور
شيئاً فشيئاً
لينتهي بالغرقِ والموت.
2.
نعم،
البحرُ يشبهُ جسدكِ المليء بمشاعل النار
فلهُ أثداءٌ من الرغبة
تهبطُ وتعلو
ولكِ ثديان من الحمّى
يعلوان أبداً.
وله سيقان من الحلم
ولكِ ساقان من الزلازل
يبدأ عذابهما بالقُبلِ التي تصعد
يميناً ويساراً
لتنتهي قربَ بابِ الخرافة
بما يشبه القتل الجماعي
لمئاتِ الفارّين من المعركة.
3.
وعلى ذكرِ القتلِ والزلازل،
فالبحرُ يخرجُ أثقالَهُ بين حينٍ وحين
ليذبحَ عشّاقه ومُحبّيه
وأنتِ تخرجين أثقالكِ
كلّ يومٍ وليلة
كي تذبحي عاشقكِ الخائن
ولكنْ ليس برعبِ الزلازل
بل بسكين تغرقُ في الصدأ والطين.
4.
ما أحلاكِ إذن
وأنتِ تفسدين عليَّ حفلتي منذ الصبا
وأنتِ تفسدين عليَّ قصيدتي من المطلع
وأنتِ تفسدين عليَّ أنفاسي
بأنفاسكِ المليئة بالرغبة.
حينها لا يبقى لي من مُتسع
سوى أنْ أتعرّى أمامكِ
مَليئاً بالهذيان.
وأنتِ تتعرّين أمامي
مَليئةً بالمكائد والأسرار،
مَليئةً بناركِ وأمطاركِ وأغانيكِ ودموعك،
مَليئةً بصيفكِ وربيعك،
مَليئةً باستسلامكِ الشجاع
ومَليئةً، في آخر المطافِ، بضياعي الأعمى.
5.
أنتِ تشبهين البحر
لا شكّ في ذلك!
ولكنْ أيّ معنى يختفي خلف هذي الحقيقة؟
لقد ضعتُ بين يديكِ قبلَ أربعين قرناً
طفلاً ملعوناً،
وملاكاً مُصاباً بحمّى الجذام،
وشيخاً منفيّاً في أقاصي العالم،
وشاعراً يشكو أبداً من وحشةِ الشمس،
وشمساً تتقلّبُ في سماءٍ ضيّقة،
وسماءً تلعبُ تحتَ عرشِ الذهب،
وذهباً يتقاتلُ من أجله السافلُ والملك،
وملكاً لا يأبهُ لصيحاتِ شعبه الذي يحيطُ بقصره
حاملاً، كلّ ليلة، المشاعلَ والسكاكين.
6.
أنتِ تشبهينَ البحر
لاشكّ في ذلك!
لكنْ أيّ معنى يختفي خلفَ ذلك البحر،
خلفَ تلك الزرقة العجيبة التي تبدأ
لكي لا تنتهي
أو تنتهي كي تبدأ من جديد؟
خلف تلك المراكب الضائعة
والبحّارة الذين يرقصون أو يبكون
على سطحِ سفنهم المُبحرة أبداً،
خلفَ تلك المدن التي تنتظرهم لتنساهم أبداً،
خلفَ ذاك البياض الذي لا أفهمه،
خلفَ ذاك السواد الذي لا أتقبّله،
خلفَ ذاك الاحمرار الهابط الصاعد،
خلفَ تلك التي تعجزُ عن وصفها الحروفُ والكلمات،
خلف ذكراكِ الحيّة الميّتة،
خلف ذكراكِ المُقدّسة؟
7.
أنتِ تشبهين البحر!
كم يتقلّب البحر!
انظري:
جسدكِ مُسجى
وأنا أتلمّسُ بأصابعي شمسكِ الحارقة،
أهبطُ مرعوباً إلى بابِ الخرافة.
كم حلمتُ بها
أيّتها الضائعة أبداً،
المُسجاة قربَ جسدي أبداً،
كم حلمتُ ببابِ الخرافةِ وشمسِ الخرافة.
ولذا مثل مَن يستسلم
لقدرهِ الذي يشبهُ سيركاً من المجانين
تركتُ أصابعي قربَ تلك الباب
تتلمّسُ طفولتي وشبابي وشيخوختي،
تتلمّسُ حروفي ونقاطي.
آه
كم حلمتُ بتلك الشمس المُتقلّبة
كموجةِ بحرٍ تولد
من اليمينِ إلى اليسار،
من الطيرِ إلى الغيمة،
من الأزرقِ إلى الأصفر،
من الوقوفِ إلى الهرولة،
من الرفضِ إلى الاستسلام،
من النارِ إلى الثلج.
لا
لا
لا ثلج أبداً
هناك نارٌ تتنقّلُ معي
كما تتنقّلُ لعنةُ الجذامِ في الجسد،
كما تتنقّل لعنةُ الفقرِ مع الفقراء،
كما تتنقّل الإشاعةُ بين أفواه العجائز،
كما تتنقّل الحروفُ من كلمةٍ إلى كلمة
ومن قصيدةٍ إلى قصيدة
ومن موتٍ إلى موت!
ضجّة في آخر الليل
قالت النقطة:
انظروا إلى هذا الأرعن الذي ملأ
عليَّ الشارع
ضجيجاً وصُراخاً.
وقالَ الحرف:
انظروا إلى هذه الخائنة التي سرقتْ
قلبي وفلذّةَ كبدي
وتركتني أنامُ على الرصيف.
صمتَ الناس،
أعني الكلمات.
صمتت الكلمات،
أعني الناس
واحتاروا في أمرِ هذه الضجّة العجيبة
آخر الليل.
جاءَ أحدُهم وصبَّ الماء
فوقَ رأسِ الحرف.
وجاءَ الآخر
ليسألَ الحرفَ عن مدلوله ومعناه.
وجاءَ الثالث
ليحدّقَ كالمشدوهِ في هذا الحرف
المرمي في آخر القصيدة.
أمّا النقطة
فاختفتْ وسطَ بيتِ خيانتها المنيف
لتتركَ الحرف يبكي ويصرخُ ويولول
وسطَ صهيلِ الكلمات،
أعني وسط صهيل الناس!
تمثال
في نوبةِ غضبٍ مجنون
أحرقتُ صورَكِ كلّها.
ولم أعرفْ حينها
أنّ رمادَ صورِكِ
قد تجسّدَ في ذاكرتي
تمثالاً كاملاً لا ينقصهُ أيّ شيء،
تمثالاً ألمسهُ بأصابع البخيل
كلّ يوم
فأُدْهَشُ
لأنَّ الحرارةَ لم تزلْ فيه.
وأدهشُ
بعدَ أنْ أقبّلهُ مَرّاتٍ ومَرّات
أنّ قلبهُ ينبض!
نعم،
كلُّ تماثيل ذاكرتي
كانتْ مُهشّمة، دونَ رؤوس.
وحده تمثالك
كانَ كاملاً
ولا ينقصهُ إلّا الكلام!
مطر أسْوَد، مطر أحْمَر
.1
بعدَ أنْ خرجنا من الحرب
نرتدي معطفَ الرعبِ والجنون
اتجهنا إلى بغداد
يتقدّمنا صاحبُ الجند
مُمتطياً حصانه الأبيض مزهوّاً
ونحن من خلفه نجرُّ أقدامنا جرّاً
حُفاةً، شبه عراة.
قالَ، حينَ ظهرتْ مآذنُ المدينة،
"سأختارَ لكم موتاً جديداً".
فضحكنا
وتساءلَ الشيوخُ منّا
عن الموتِ الجديدِ وَجِلين
أما نحن، خيرة الجند،
فتصوّرنا الأمرَ مزحةً عابرة.
.2
لم تمرّ سوى شهور
حتّى قرّر صاحبُ الجند
أنْ يشنّ حربَ النار
على جيرانه النائمين في العسل.
فبدأنا بالحرقِ، حرقِ كلّ شيء:
المواشي والأغنام والمزارع،
الأسواق ومخازن الغلال
ثُمَّ حرقنا بيوتَ الشرطةِ والتجّار
والمخابزَ والمدارسَ والمطاعم.
ثُمَّ أُمِرنا أنْ نحرقَ المساجد.
ارتبكنا قليلاً
كيفَ لنا أنْ نحرقَ المساجد؟
غيرَ أنّ صاحبَ الجند
مَثّلَ أمامنا بجُثّةِ جنديّ رفضَ الأمر.
فما كانَ منّا
إلّا أنْ دخلنا بيوتَ الله
نحرقها ونطلق صيحاتِ الرعب،
الرعب من الله
الرعب من أنَفُسنا
والرعب من الرعب!
3.
مرّتْ سنين طويلة
حتّى غطّتْ بغداد
غيمةٌ لا أوّل لها ولا آخر
وبدأتْ تمطر.
كانت الغيمةُ سوداء كجهنّم
فنزلَ المطرُ أسْوَد كالقير.
ضحكَ الأطفالُ أوّل الأمر للمطر
لكنهم بكوا
حينَ أصبحتْ وجوههم كالقير.
واستبشرَ الزرّاعُ خيراً
لكنّهم وجموا إذ رأوا أشجارهم
تموتُ ببطء
ثُمَّ جاءَ الدورُ للسحَرَةِ الذين وقفوا
في أزقّة المدينة
ينتظرون المطر ينزلُ في أوانيّهم.
كانوا يرقصون
فهذا المطرُ رديفٌ للسحْرِ الأسْوَد،
قالوا إنّهم سيسحرون به كلَّ شيء
حتّى صاحب الجند نَفْسه!
4.
استمرَّ سقوطُ المطرِ سنوات وسنوات.
كبرُ الأطفالُ وهرموا وماتوا
اغتمَّ الفلاحون
بل ماتوا من الغمّ.
وحدهم السَّحَرَة كانوا يرقصون.
فالمطرُ الأسْوَد
كانَ عوناً عجيباً للسحْرِ الأسْوَد.
هكذا سحروا المدينةَ كلّها:
سحروا الجندَ فصاروا لصوصاً وقَتَلة
وسحروا الشيوخَ فصاروا كذّابين وتافهين
وسحروا صاحبَ الجند
فاختفى في حفرةٍ داخل الأرض
تاركاً لهم قصوره وذهبه وحصانه الأبيض
ثُمَّ سحروا المطرَ الأسْوَدَ نَفْسه
فصارَ مطراً أْحْمَر:
مطراً من الدمِ القاني
صبغَ وجوهَ السَّحَرةِ ولحاهم وأوانيهم
ثُمَّ صبغَ طلاسمهم وحروفهم وبخورهم
ثُمَّ صبغَ ذاكرتهم وصيحاتهم وأصابعهم
حتّى ضاعوا إلى الأبد
وضاعتْ معهم بغداد إلى الأبد.
يا بائي وبوّابتي
1.
معَ أنّني أطلقتُ عليكِ اسمَ الباء
ثُمَّ أطلقتُ عليكِ اسمَ النقطة
(بعدَ أنْ قيلَ لي إنّ كلَّ الباءِ في النقطة)
فإنّني لم أُشْفَ بعد مِن جراحي التي سبّبتْها
سكاكينُكِ وشراشفُكِ وروائحُك.
نعم، لم أُشْفَ
معَ أنّني كتبتُ
سبعين ملحمة في ذكراكِ
وسبعين قصيدة لتمجيدكِ
وسبعين بيتاً لِعدِّ دموعي المُتساقطة
في الطرقاتِ من أجلكِ
وسبعين، سبعين.
نعم،
فلقد سطا عليكِ الزمان
وتناهبتكِ اللذّة ذاتَ اليمينِ وذاتَ الشمال.
وحينَ كنتِ بين ذراعيّ
تلثغين بمفاتن نهديكِ وساقيكِ
سطا خدمُ العرشِ ليسرقوكِ منّي
ونهبوا عرشَ ذهبكِ ومفاتنكِ وملابسكِ الداخليّة.
2.
كانَ المشهدُ أكثر كابوسيّة ممّا أحتمل.
إذ كانَ يتطلّب أنْ أقلعَ عينيّ
وأنْ أقطعَ رأسَ الحروف
وأعلّقها على بوّاباتِ العبث
ولم تكنْ لديّ حروف بالمَرّة.
وكانَ المشهدُ يتطلّبُ أنْ أخرج
إلى الشارعِ عارياً،
عارياً تماماً.
وما كانَ هناك من شارعٍ في الأرض
يمكن أنْ أمشي عليه
بقدميّ المُلتصقتين ببطني،
يا ملكةَ العُري والفجيعة
يا بائي وبوّابتي
يا بليّتي وبَلبَلَتي.
3.
كانَ خروجي مُدوّياً
لأنّني كنتُ مَن يحملُ رأسَه بنَفْسه
فوقَ رمحٍ عظيم.
وكانت النسوةُ والملائكةُ تهربُ منّي
وهي تحملُ طبولَها وأبواقَها الكبيرة.
خرجتُ،
لم أجدْ مَن يقول: نعم
لرأسٍ محمولٍ على رمحٍ عظيم.
كانت الطرقاتُ جافّةً
والشمسُ ساطعةً
والغرباءُ يتلعثَمون
وهم ينظرون إليّ:
ما هذا؟
أهو جِنّيّ أم أنسيّ؟
أهو صوفيّ أم مُلحد؟
أهو قربان أم خرافة؟
4.
وخرجتُ،
عبرتُ الأسلاكَ والحدود،
عبرتُ المعنى والكلمات المُتقاطعة،
عبرتُ النقطةَ والوحشةَ والحلم،
عبرتُ الأحشاءَ الداخليّةَ والأعضاءَ التناسليّة.
عبرتُ الذي خرّبَ البلاد
وباعها من أجلِ حفنةٍ من الجراثيم
وعبرتُ الذين باعوا كلَّ شيء
من أجلِ حفنةٍ من الشتائم.
وعبرتُ، عبرتُ
حتّى لم يعدْ هناك مِن شيء أعبره.
يا فجيعتي،
يا مَن قتلتني في سنِّ العشرين
وظلّتْ تلاحقني حتّى السبعين.
أما مِن راحة؟
أما مِن هدنة؟
أما مِن صوابٍ
لهذا الخطأ الذي يحتاطُ لكلِّ شيء،
لهذا الخطأ الذي يقودني من خطأٍ
إلى آخر أكثر فتنة وصواباً؟
5.
انظري
لقد تركتُ
- من أجلِ أنْ أنساكِ –
الفرحَ الذي يتصاعدُ من دَرْبَكةِ الخيول
والحمامَ الذي يتصاعدُ من حَمْحَمةِ الرغبة.
وتركتُ الأنهارَ المُقدّسةَ وغير المُقدّسة
والجبالَ التي يقفزُ عليها السكارى
وتنامُ عليها الوحوش.
تركتُ – مِن أجلِ أنْ أنساكِ –
حتّى ما لا ينبغي تركه
لأيّ عاقلٍ أو مجنون
دونَ أنْ أنالَ ما أريد.
يا كَرَبي وبلائي،
يا بهائي ولوائي،
يا شبابي المُدمّى
وموتي الأبله الذي ينتظرني
ساهماً في آخِر قارّاتِ العالم.
اعترافات النقطة
قالت النقطة:
مرَّ عشرون عاماً
أو ثلاثون
ربّما أربعون.
لم أعدْ أتذكّر الرقم
لكنّني أتذكّرُ أنّني قدتُكَ إلى الهاوية
- أيّها الحرف -
قدتُكَ إلى السعيِر، فجهنّم، فَسَقر
ثُمَّ ألقيتُ بكَ في مهاوي الجحيم.
أتذكّرُ أنّني نسفتُ معناك
وأشعلتُ ذاكرتك
وألقيتُ القبضَ عليك
باسم الحُبّ
ثُمَّ خنتُكَ في أقرب فرصة!
أتذكّرُ أنّني علّمتُكَ كيفَ يطيرُ الطير
بل أنّني خلقتُ منكَ طيراً،
أنّني علّمتُكَ كيفَ يسيرُ النهر
بل أنّني فجرّتُ منكَ نهراً
وفجرّتُ منكَ مِئذَنةً وقبراً
وفجرّتُ منكَ خرافةً للشعراء والمجانين
وعرّفتُ بكَ إذ كنتَ طيناً
فصرتَ أسطورةَ كلّ شيء حيّ
وأسطورةَ كلّ شيء يموت.
نعم، أيّها الحرف،
هلّا تذكّرتني
هلّا تذكّرتَ يوم كنتُ أنفخُ فيكَ الروح،
روحَ اللذّة.
وما كنتَ تعرفُ معنى الروح
ولا معنى اللذّة.
هلّا تذكّرتَ يوم جعلتكَ تتلمّسُ المعنى
وتدخلُ بابَ المبنى
وكنتَ غرّاً غريراً
وكنتُ أفعى!
هلّا تذكّرتَ دمعاً يصبُّ من عينيّ
قربَ باب الذهب.
هلّا تذكّرتَ أنّني وردة
وعطاياي لهب.
وكانتْ بصدري تفّاحة الماء
ورمّانة من عنب
ثُمَّ صلبتُكَ – بالمُكرِ – عندَ بابي
وادّعيتُ عليكَ فضعتَ
كما يضيعُ الرملُ في العاصفة.
هلّا تذكّرت
أنّني بعضكَ الحيّ
أو بعضكَ الجمر
خلّفتُ من بعدِكَ الدهر
يقومُ ويعوي
مثلما الكلب.
وخلّفتُ من بعدِكَ الشمسَ حذاءَ طفلٍ يتيم
والقمرَ يتعرّى عندَ كلّ بابٍ قليلاً
فيطردهُ الناس
ثُمَّ إلى نومِهم يرجعون.
جُثّة في البئر
1.
كنّا أولاداً
ولنا أب شيخ
حينَ غيّبه الموت،
لم يتركْ لنا شيئاً
سوى بئرٍ طيّبة الماء.
غيرَ أنّ أحدنا،
لسببٍ ما، بالَ في البئر.
فضربه إخوته حتّى كادوا أنْ يهلكوه.
قلتُ لهم: لا بأس
لم يزل الماءُ نقيّاً
فالبئرُ، كما أظنُّ، تجدّدُ ماءَها
والصحراءُ التي تحيطُ بنا من كلِّ صوب
لا ترحم.
2
مرّتْ سنواتٌ وسنوات
حتّى صارَ أخونا رجلاً.
غير أنّه لم يزلْ يبول في البئرِ كلّ يوم
حتّى إذا أمسكَ به إخوته هذي المرّة
لم يتركوه إلّا جُثّةً هامدة
ألقوا بها في البئر
وبقوا يشربون من البئر.
فالبئر، كما يظنّون، تجدّد ماءها
والصحراء التي تحيطُ بهم من كلِّ صوب
لا ترحم.
3
أمّا أنا فاخترتُ الصحراءَ هذه المَرّة.
قلتُ لنفسي
وأنا ألفظُ آخرَ أنفاسي:
نعم
العطشُ أرحم.
الموتُ - أعني الصحراء- أرحم!
اذهبوا للجحيم
1.
كانَ بإمكاني أنْ أروّضَ
شيئاً من جمهرةِ الحروف
لأعلنَ أنّ
الكأسَ كأسي.
لكنّ الدورَ كانَ صعباً حدّ الطوفان
والجسد ضعيفاً كان.
2.
كانَ الدورُ صعباً
إذ كانَ دوري هو دور أوديب
ودور هاملت
ودور الساحراتِ
اللواتي قلنَ لماكبث ما قلن
ودور المُهرّج
ودور المأمون ودور الرضا
ودور
الذي حُمِلَ رأسُه فوقَ الرماح
ودور الذي صُلِبَ على جسرِ الكوفة
ثُمَّ ذُرَّ
وسطَ الفرات
ودور الذي صُلِبَ على بابِ بغداد
ورماه مريدوه بالورد.
كانَ
دوري دور ابن المُقفّع،
والتوحيديّ،
والشريف الرضيّ
ودور مالك بن الريب
وصولاً إلى السيّاب.
3.
أيُّ دور، إذن، هوذا؟
بل أيّة مسرحيّةٍ ينبغي
أنْ
أقومَ
ببطولتها؟
مَن هو المخرج، هنا، أيّها الأصدقاء؟
مَن سيضعُ لنا الموسيقى
التصويريّة
لنرى
دمَ أوديب يتدفّقُ من بين عينيه؟
مَن سيصمّمُ الملابسَ للساحرات
وماكبث،
والمهرّجِ،
والشريف الرضيّ؟
مَن سينصبُ لنا خشبةً لصلبِ الحلّاج؟
مَن سيشعلُ التنّورَ لنرمي فيه ابن
المقفّع؟
ومَن سيقودُ السيّاب في الشارع
وقد خذله جسدهُ الضعيف؟
نعم،
أيّها الأصدقاء
كانَ الدورُ صعباً
والجسد ضعيفاً كان.
4
.
لكنّه دوري الأثير
دوري الذي أُرغِمْتُ على فعله،
على فعلِ كلِّ
تفاصيله.
أيّ
دورٍ، إذن، هوذا؟
أيّة
مسرحيّةٍ هي ذي أيّها الاصدقاء؟
مَن هو المخرجُ الذي سيقودُ كلَّ
هذا الخراب
دونَ
أنْ
تشعروا بالملل؟
انتبهوا أيّها الاصدقاء،
كفّوا عن التلفّتِ
والتدخين،
كفّوا عن الكلام،
كفّوا رجاءً.
فلقد بدأت المسرحيّةُ فعلاً.
ها هي الستارة تُسْحَبُ بهدوء
والمسرحُ خالٍ وخالٍ وخال،
المسرحُ مظلمٌ مظلمٌ
مظلم.
وليسَ هناك مَن يبدّدُ هذه الظلمة المُرعبة
إلّاي.
صفّقوا أيّها
الأصدقاء،
صفّقوا قليلاً
قليلاً،
صفّقوا كثيراً كثيراً
إنَني
أنحني
أمامكم.
صفّقوا
آهٍ... صفّقوا.
فلقد انتهت المسرحيّة
دونَ
أنْ
تشيرَ إلى شيء،
دونَ
أنْ
تقولَ
أيَّ
شيء!
شكراً
إنّني
أختفي.
بابُ
الموتِ رائعٌ بانتظاري
والأرضُ، أمّي الطيّبةُ، تريدُ جسدي.
والتاجُ، رغم
البريق، مُزيّف
كمزحةٍ قالها المُهرّج.
والساحراتُ امتطين غيمةَ الحلم
عاريات تماماً
وطرن فوقَ الفرات
وفوقَ السؤال
وفوقَ الزمان
وفوقَ
المُمثّلين الذين اختفوا
ماكبث الذي هو
أنا
وأوديب وهاملت والشريف الرضيّ
والسيّاب.
كلُّ شيءٍ تبخّرَ في هدوءٍ عجيب.
صفّقوا أيّها الأصدقاء
صفّقوا.
إنّها ساعة الافتراق،
ساعة الرعب،
ساعة
أنْ
نكونَ
أو
لا نكون.
صفّقوا
ثُمَّ اذهبوا للجحيم!
ساحر
حينَ افترشَ الأرض
وأخذَ يعزفُ موسيقاه الشجيّة،
بدأ بعزفِ الطفولة
فتساقطتْ من حوله بالوناتُ الأعياد
والفراشاتُ المُلوّنة.
وحينَ بدأ بعزفِ الربيع
تساقطتْ من حوله الأثمارُ والأزهار.
وحينَ بدأ بعزفِ الصيف
تساقطتْ من حوله صيحاتُ مراكبِ البحر
وملابسُ النساءِ وضحكاتهنّ ومَراياهنّ الصغيرة.
وحينَ بدأ بعزفِ الخريف
اظلمّت السماءُ واكفهرّتْ
وأحاطتْ به عواصفُ البرقِ والألم.
لكنّه حينَ عزفَ الموت
ذُهِلَ على الفور
إذ أحاطتْ به مئاتُ الجُثث
من كلِّ جانب
وبدأتْ ترقصُ رقصةَ العذابِ الكبرى.
ارتبكَ الموسيقيّ
بل أصابهُ الفزع
ودمعتْ عيناه
بل أجهشَ في البكاء
وأخذَ يعتذرُ بحرارةٍ إلى الجُثث.
لكنَّ الجُثث لم تفهمْ
أيَّ كلمةٍ من كلماته
واستمرتْ ترقصُ وترقص!
شجرة وحيدة
مرّتْ قرون طويلةٌ على فراقنا.
غرقَ مركبُ نوح ثانيةً في الطوفان
فصارَ على الناجين
أنْ يجرّبوا الصبر
من دونِ نبيّ.
واحترقت المدنُ العظيمة
خلفَ الجبالِ والزمنِ والأمطار
واحترقت الأحلامُ كلّها:
أحلامُ العصافيرِ وأحلامُ الطغاة،
ولم أزلْ أنتظر
أنْ ألتقي بكِ يوماً
لأستعيدَ معكِ
قصةَ رحلتنا الأولى مع نوح،
مع الأمل،
مع الحمامةِ والغراب،
لأستعيدَ معكِ
ذكرى المدنِ العظيمةِ التي احترقتْ بعيداً،
وأستعيدَ معكِ شيئاً من الحلم
على سريرنا الضيّق.
نعم
لم أزلْ أنتظركِ
لأقولَ لكِ ما لم يقلهُ أحدٌ مِن قبل،
ولأشيرَ إليكِ
بإصبعي الوحيد الباقي حيّاً في كفّي:
لم أزلْ أنتظركِ
مُستمتعاً بانتظاركِ
مثلما تنتظرُ شجرةٌ وحيدةٌ في الصحراء
صاعقةً أقبلتْ إليها من السماء
مليئةً بالنارِ والموت.
قصيدتي المغربيّة
1.
قالت النقطة:
حبيبتي المغربيّة
لها ميمٌ رطبةٌ دافئة
وسينٌ فتحتْ لبّها للوحوشِ المُهذّبين
ولها ألف مثل أفعى الكلام.
2.
حبيبتي المغربيّة
لها باءٌ غير باء البسملة
ولها حلمٌ من جنونٍ مؤكّد
أحتاجُه مثلما أحتاجُ إلى حبّةٍ مِن هواء.
3.
سأبدأُ كتابةَ هذه المغربيّة
لكنْ، بماذا؟
أحتاجُ، هنا، إلى أبجديّةٍ مِن معاول،
أبجديّةٍ مِن سكاكين،
إلى أبجديّةٍ من هذيان مُركَّز
ونزيفٍ مُؤكَّد.
4.
يا إلهي
أحتاجُ أنْ أطيرَ بجناحيّ نسرٍ وعينيّ صقر
من قارّةِ الكنغرِ الوحشيّ
إلى قارّةِ البرابرةِ الناعمين.
من قارّةِ دخولِ المعنى في اللامعنى
إلى قارّةِ السِّحْر الأسْوَد
واللغة التي تفتحُ ساقيها رويداً رويداً.
5.
أعنّي إلهي
فقصيدتي المغربيّةُ تومضُ لي،
أنا نقطةُ المعنى
أنا نقطةُ الغرباءِ المحرومين
أنا نقطةُ جنونِ الشاعرِ وهذيانه المُرّ.
أعنّي إلهي
فقصيدتي المغربيّةُ تومضُ لي
أنا نقطةُ الجنونِ الأبهى
أنا نقطةُ الملائكةِ في مرايا الطفولة
أنا نقطةُ مَن قالَ لكَ شيئاً مُريباً
وولّى بعيداً
أنا نقطةُ مَن يتهدّجُ بالدمع
حينَ يسمع صيحاتِ حرفك
أنا نقطةُ مَن لا حرف لهم
أنا نقطةُ مَن لا نقطة لهم.
إلهي
تباركتَ
تعاليتَ
كيفَ لي أنْ أطيرَ بجناحيّ نسر
من بلادِ الكنغر
إلى مدنِ السِّحْر؟
كيفَ لي أنْ أعانقَ فاس ومكناس،
أنْ أبايعَ عرّافةَ السِّحْر والجنس
في بلادِ الرباط؟
6 .
تباركتَ
باركْ هذا الحلم،
بَسملْه بالبسملة،
حَوْقلْه بالحوقلة
وأطلقْ له جناحين من جبرائيل
وصيحةً من إسرافيل
وقلْ له وأنتَ تنظرُ للماءِ والشمس:
كنْ فيكون
فإذا بالمغربية صارتْ كلامَ الجسد
وجسدَ الكلام
وإذا بها غيمةً من هيام
وإذا بها تنفثُ في روحي سحرَ الكتابة،
وتطلقني ـ أنا النقطة ـ فأهبطُ من أعلى عليين
إلى أسفل سافلين،
أهبطُ معي نارُ الغزاة
ونارُ البدو
ونارُ الهنودِ الحمر
ونارُ القراصنة
ونارُ الفراعنة
ونارُ أنكيدو وكلكامش
ونارُ أور وبابل
ونارُ آلاف المشاعل.
أهبطُ فيها رويداً رويداً
وأجتاحُها بالطلاسم
وأجتاحُها بالهذيانِ المُركَّز
وأجتاحُها فجراً ففجراً
ليلاً فليلاً
وأجتاحُها قوساً فقوساً
نهداً فنهداً
ثُمَّ أصعدُ أو أهبطُ في سهلها المغربيّ
حتّى أصل إلى نهرِها المقدّس
وأبدأ إحراقها شيئاً فشيئاً
أحرق كفَّها التي قبّلتْني
وأحرق نهديها اللذين استجابا كالعبدِ لي
وأحرق بطنَها الذي أكلَ لبَّ حلمي
وأحرق أجراسَها وأحراشَها وساحلَها البربريّ
وأحرق بوّابتها المقدَسةَ الكاذبة
وأحرق أسرارها: سرّاً فسرّاً
ثُمَّ أتلاشى معها غيمةً مِن دخان.
حوارات النقطة
1.
قالت النقطةُ: مَن أنا؟
قالَ الحرفُ: أنا مَن؟
قالت النقطةُ: مَن أعطاني تاجاً
أنا الذي ادّعى كينونتي الأولياءُ والصالحون؟
قالَ الحرفُ: مَن سرقَ حذاءَ طفولتي
أنا الذي نسفَ ذاكرتي الكذّابون والشويعرون؟
قالت النقطة: هل يكفي أنْ أطلقَ رصاصةً
على رأسِ شاعري لأموت
وأريحه من عذابِ الموت؟
قالَ الحرفُ: هل يكفي أنْ أباغته
بخرابِ الماءِ وفضيحةِ الماء
ليموت كاتبي
وأموت قبله فرحاً دونَ ذنب؟
قالت النقطة:
يا لهذا الارتباك الفسيح الذي يغطّي الكون!
فقالَ الحرف:
يا لسماء الارتباك التي بدأتْ بغيمةٍ
ولم تنتهِ بأخرى أبداً!
2.
* قالت النقطة:
هل تصدّقُ أنّ شِعْركَ سيغيّرُ من كتابِ الثّمَرة؟
- قالَ الحرفُ: لا.
* وهل سيغيّرُ من كتابِ النهر؟
- قالَ الحرفُ: لا.
* وهل سيجعلُ الشمسَ أكثر اصفراراً أو احمراراً؟
- قالَ الحرفُ: لا.
* وهل سيجعلُ الثدي أكثر لذّة أو إخلاصاً؟
- قالَ الحرف: لا.
قالت النقطة: إذنْ كُلِ الثّمَرة
أيّهذا المُغفّل،
وامتطِ البحر
أيّهذا الضائع،
ونمْ على رملِ الشاطئ المُشمس
أيّهذا المحروم،
وقبّل الثدي تقبيلاً
أيّهذا المهووس.
نعم، فالموتُ سيأكل الثّمَرة
ويمتطي البحر
ويجفّف الثدي
وحتّى الشمس لنْ تسلم منه!
3.
قالَ الحرف: هل النقطةُ جسد؟
أجابت النقطة: جسد مَن؟
قالَ الحرف: هل النقطةُ ميناء؟
أجابت النقطة: لسفينةِ مَن؟
قالَ الحرف: هل النقطةُ تجديف؟
أجابت النقطة: لِمَ لا تحسن السؤال؟
قالَ الحرف: ولِمَ لا تحسنين الإجابة؟
قالت النقطة: يا لخواء الحرف!
قالَ الحرف: يا لحكمة النقطة!
4.
قالت النقطة:
انظرْ إلى نقطةِ الدم
إنّها تشبهني.
قالَ الحرف:
انظري إلى النخلةِ التي زرعوها في الأندلس
إنّها تشبهني.
قالت النقطة:
أيّهذا المُعذَّب
أنا بعضٌ منك!
ضحكَ الحرفُ وقال:
أيّهذي المُعذَّبة
أنتِ بعضٌ منّي!
5.
سألت النقطةُ الحرف:
كيفَ تعرّفتَ إلى جنونِ الموت
ولم تتعرّفْ إلى جنونِ الحقيقة؟
قالَ الحرف: لأنّني شغلتُ بنَفْسي
فأنا الموت وأنا الحقيقة!
6.
وسألت النقطةُ ثانيةً:
ما الذي أتى بنا من الشرقِ إلى الغرب
من الحزنِ إلى الكآبة؟
فأجابَ الحرف:
هل كُتِبتْ علينا اللوعة في اللوحِ المسطور
أم كُتِبَ علينا الحرمان إلى أبد الآبدين؟
7.
قالت النقطةُ للحرف:
انظرْ إليَّ، ما أجملني!
انظرْ إليَّ، ما أشهاني!
هكذا ستظلّ تبكي جمالَ جسدي
ورقّةَ حضوري،
ستظلّ وتظلّ
حتّى تفنى أو تتحوّل إلى محضِ خيال!
وكانَ الحرفُ، حقّاً، محض خيال!
8.
وسألت النقطةُ ثالثة:
هل مِن الشؤمِ أنْ أرتبط بكَ
ارتباط
الأرضِ بالسماء،
وارتباط الحلمِ بمُخَيّلةِ الشاعرِ/ الطفل
وارتباط الجيمِ بالجُثّةِ والجنون؟
هل مِن الحقِّ أنْ تضيع معي
بحثاً عنّي
وأنا بعض منك؟
أم مِن الحقِّ أنْ أضيع معك
بحثاً عنكَ
وأنتَ بعض منّي؟
9.
فأجابَ الحرف:
نعم، أسيرُ سعيداً
من منفى مظلمٍ إلى منفى مضيء.
ردّت النقطةُ بهدوء عجيب:
أسيرُ من منفى ضيّقٍ كالقبر
إلى آخر شديد الاتساع كالزلزال
في حبورٍ ما بعده حبور!
10.
أتذكرُ كيفَ استباحوا جميعاً طائرتنا الورقيّة؟
كيفَ أستبدلوا حلمنا بلَحْمِ الكوارث
وصبانا بألمٍ كافر؟
أتذكرُ كيفَ كنّا نركض
مثل المجانين وسطَ الشوارع
حينما تحضرُ الروح
من حلمِها الذي يشبهُ غيمةً من تراب؟
أتذكرُ كيفَ أضعنا الصواب؟
هكذا تساءلت النقطة
وهي تبكي قربَ بابِ الذهب.
قربها الحرف كان
دمعةً من لهب.
11.
كنتُ سيّدة الماء،
سيّدة الطيور الحُمْر والفراشات الصُفْر،
سيدة النوم والصبا،
سيدة الجَمْر والقُبلات العسل.
- هكذا تذكّرت النقطةُ أمجادَها الغابرة-
كنتُ، لكنّهم أفسدوا حفلتي بسكاكينهم الطوال،
أفسدوا إذ أقاموا على بابِ قلبي
تماثيلهم القاسية
واستباحوا دمي
جمرَه، نومَه في الرحيق.
ذبحوا طيرَ صدري،
أكلوا عسلي قُبْلةً قُبْلةً،
أكلوا جسدي من ألفه إلى يائه
ومن يائه إلى يائه.
يا لهم
يا لسكاكينهم
يا لأحقادهم
يا لدمي الذي فاض كدجلة وقتَ الغروب
ووقتَ السكارى
والذي دمدم
بكلِّ حروفِ الأرضِ حزناً
كحزنِ الفراتِ المقدّس.
12 .
قالت النقطة:
ما الذي حدثَ لكَ وقادتكَ صبواتكَ إليّ؟
لم تكنْ أكثر من كأسٍ
- أيّها الحرف -
فكيفَ همتَ في الطرقات،
وركبتَ البحار
وامتطيتَ الغيمةَ بحثاً عنّي؟
لم تكنْ أكثر من كأسٍ
- أيّها الحرف -
فكيف خلقتَ موتَكَ بيدِكَ
وخلقتَ أرجوحةَ حياتِكَ
من ثيابِ طفولتي المُمزَّقة؟
أيّها العارف
كيفَ ضعتَ بكلِّ هذه البساطة؟
وكيفَ سرقتكَ من جحيمِ معرفتِكَ وطمأنينتك
إلى جنّةِ جهلي وجنوني وجبروتي؟
ما الذي حدثَ لك
لتتلقّى كلّ يومٍ طعنات القصيدة
وحراب الكلام
وأسنّة الموت؟
ما الذي حدثَ لك
لتقودكَ خطاكَ إليّ
أنا ملكة الرغبة
وصيحة الماء التي لا حدود لها؟
عرق ودم
كتبَ صديقي الشاعر
قصيدةً عن النجمة
فأُصِيبَ بالتهابِ السحايا،
ووجدوه بعد أربعين عاماً
ميّتاً في الشارع
وبيده قنّينة العَرَق.
أما أنا فكتبتُ قصيدةً عن الغيمة
فأُصِبتُ بالجنون
ومتّ في آخرِ قارّاتِ العالم،
لكنهم، لحسن الحظِّ، لم يجدوا جُثّتي
ووجدوا، بدلاً عنها، قنّينةَ دم.
صيحات النقطة
1.
قالَ الحرف:
لم أعدْ مِن نَفْسي بعد،
ضعتُ في نقطتِها القاسية
وتضاريسها المليئةِ بصورِ الموت.
لم أعدْ مِن نَفْسي بعد.
فلِمَ كلّ هذه القصائد الوحشيّة بانتظاري؟
2.
استبدلتُ جلّادي بجلّادٍ آخر،
كانَ الأوّلُ طويلاً وكذّاباً
وكانَ الثاني قصيراً مليئاً بالسمّ.
استبدلتُ أغلالي بأغلالٍ أُخَر،
الأولى كانتْ صدئة
والثانية مليئة بالمجهول.
واستبدلتُ مدينتي بمدينةٍ أُخرى:
الأولى كانتْ بلا هواء أو نساء
والثانية كانتْ بلا ماء أو شمس.
3.
لم يعد الشِّعرُ قادراً
على مُجاراةِ ما يجري.
فالواقعُ تحوّلَ إلى مزحةٍ سوداء
يردّدها كلّ دقيقةٍ عقربا الساعة
دونَ أنْ ينظرا إلى الخلف
أو إلى الجمهور.
4.
* هل تتذكّر الجبل؟
- أتذكّرهُ كَلُغْم.
* هل تتذكّر دجلة والفرات؟
- أتذكّرُ دجلة كراقصةٍ تخرجُ من الملهى
تقتلُها الخيبةُ والإعياء.
وأتذكّرُ الفراتَ سكّيراً
يشخرُ أمامَ الملهى ذاته.
* هل تتذكّر الصحراء؟
- أتذكّرُ قمرَ الرعبِ فيها
فأموتُ من الرعبِ فيها.
. 5
* هل تؤدّي، في العادةِ، أدواراً
مسرحيّة؟
- نعم،
أُؤدّي دورَ الزاهدِ بفشلٍ تام،
وأطرقُ بابَ الموتِ كلّ يوم
علّه يعطف عليّ
فيدخلني في دهليزه الضيّق.
6 .
*
ما الذي فعلتهُ لتنالَ كلَّ هذا العذاب؟
- أظنُّ أنّني حلمتُ بقوّة،
حلمتُ بشغفٍ،
حلمتُ بعنفٍ.
وكانَ حلمي أبيضَ كفراشة
وطيّباً كمعلمِ قرية
ولذيذاً كصباحِ عيد.
7 .
* هل جرّبتَ الموت؟
- نعم.
* هل أناديه مِن أجلكَ؟
- ولِمَ تناديه وهو ينظرُ إليّ
من خلالِ عينيكَ ويديكَ وكلماتِك؟
8 .
لكنّني كلّ حين
أنظرُ في المرآة
لأتأكّد أنّني لم أمتْ بعد!
9 .
عجيب
ما علاقةُ المرآة بالموت؟
بل ما علاقةُ المرأة بالموت؟
بل ما علاقةُ المرآة بالمرأة؟
وما علاقةُ الموت بالموت؟
10 .
المرأةُ مطربةٌ من طرازٍ فريد
تنفخُ الحياةَ في أعضائي
وتقودني إلى حديقةِ البهجة،
إلى حديقةِ الكتابة.
لكنّني أتفتّتُ من الألم.
جسدي صُنِعَ، وا أسفاه، من الرماد:
رماد القصائد المُريب.
11.
لاسمكَ طعم الشهدِ على لساني.
نعم،
فبعدَ أنْ شربتُ كأسَ الفراق
وكأسَ اليُتم
وكأسَ الذئبِ في الصحراء
وكأسَ الشمس
وكأسَ الحُبّ
وكأسَ الخيانة.
وأخيراً
بعدَ أنْ شربتُ كأسَ الموت
وطوّحَ السُّكْرُ بي
وألقاني على أرصفةِ العالم،
صارَ لاسمكَ طعم الشهدِ على لساني
يا إلهي.
12 .
نعم
سكنَ الليل
وسكنَ القلب
وسكنَ البؤبؤ.
صارتْ سعادتي حيّةً
كراقصةِ باليه
تدورُ حولَ جسدها
تدورُ، تدورُ، تدور
حتّى يبزغ الفجر.
13 .
وقال
الحرف:
يا إلهي
لماذا أتحدثُ كثيراً عن الموت
لا عن الفجر؟
ألأنّني رأيتُ التابوتَ وجلستُ فيه؟
أم لأنّني أحملُ تابوتي فوقَ ظهري
حينَ يختفي الناس
وأحمله بين ضلوعي
حينَ أدخلُ الأسواق
وأصافحُ السُّوقَةَ
والببغاوات؟
14 .
يا
إلهي،
ومضةً من نقطتِكَ تخفّفُ من عذابِ قلبي.
ومضةً قبلَ أنْ نفترق،
وتذهب أنتَ مُضيئاً إلى عرشِكَ المُضيء
وأذهب أنا مُظلماً إلى تابوتي الأسود.
. 15
ومضةً
يا إلهي
أنتظرها مثلما تنتظرُ الأرضُ العطشانةُ الغيث،
مثلما ينتظرُ المريدُ شيخَه الذي ضاع
قبلَ سبعين دهراً،
مثلما ينتظرُ الميناءُ المهجور
سفينةً، أيّ سفينةٍ كانتْ
حتّى لو كانتْ سفينة القراصنة،
مثلما ينتظرُ البحرُ الغروبَ الذي سيلبسه
لباسَ الدمِ الراقص،
مثلما ينتظرُ اليتيمُ أباه
بعد ألف سنة من الدمعِ والبرد،
مثلما ينتظرُ المحكومُ عليه بالإعدام
لحظةَ إطلاقِ النار.
. 16
ومضةً
فلقد أتعبني الرقصُ فوقَ حبالِ اللغة
وفوقَ جبالِ اللغة.
ومضةً
فلقد تعبتُ من الرقص
مشياً على الرأس
ومشياً على الكأس.
وتعبتُ أكثر
من انتقالاتِ نقطتي المُرّة
وصيحاتِها: صيحاتِ الهنودِ الحمر
وصيحاتِ أطفال الملجأ
وصيحاتِ الدراويش!
قصّة حُبّ
1.
عندَ ساحلِ البحر
وجدتُ الكثيرَ من العظامِ البِيض،
عظام لسلاحف منقرضة،
لكلابٍ سائبة،
لطيورٍ ذات أحلامٍ كبيرة،
لخيولٍ وبغالٍ وجِمَال.
كيفَ اجتمعتْ كلُّ هذه العظام في الساحل؟
هل حدثَ زلزالٌ ما؟
فيضانٌ من نوعٍ خاص؟
2.
كانَ المشهدُ مُغرياً،
صرتُ أجلسُ كلّ يومٍ عندَ ساحلِ البحر
وأكتبُ قصّةَ حُبّي بواسطةِ العظام.
أبدأُ بجمعِ العظامِ الصغيرة
وأرتّبُها واحداً بعدَ الآخر
حتّى أصلَ إلى العظامِ الكبيرة.
لكنّي،
وا أسفاه،
لا أستطيع أنْ أنهي قصّةَ الحُبّ هذه!
لماذا؟
لأنّني أبحثُ عن جمجمةٍ
أضعُها في النهاية
فلا أجد!
تُرى: كيفَ اجتمعتْ هذه الخيول والبغال
والسلاحف والجِمَال
والكلاب والطيور
ليغيّبها الموتُ كلّها،
كلّها هنا،
دونَ أنْ تتركَ جمجمةً واحدةً،
جمجمة واحدة أنهي بها قصّةَ حُبّي؟
جسور
1 .
قالت النقطةُ للحرف:
لم يكنْ قلبُكَ مُولوداً في برجِ الحمل
بل في برجِ العذاب.
كانَ قلبُكَ وميضاً من القُبْلةِ والخطيئة،
من الرغبةِ والطيورِ التي تحلّقُ من قارّةٍ إلى قارّة،
كانَ وميضاً من الكلمةِ التي مزّقتها السكاكين
والكلمة التي طُلِبَ من الممثّلِ الأخرسِ الأعمى
أنْ يطلقها في نهايةِ المسرحيّةِ البلهاء
ليعلنَ نهايةَ العالم!
2.
قالَ الحرفُ للنقطة:
هل تتذكّرين الجسورَ التي عبرناها؟
كانتْ جسوراً
مليئةً بالفراتِ والسمكِ اللابطِ تحتَ أشعةِ الشمس.
كانتْ جسوراً مليئةً بالدوّي والدخان،
مليئةً بالعيونِ التي كادتْ أنْ تفترسَ جمالَكِ،
وكانتْ مليئةً، بعدئذ،
بالخناجرِ التي مزّقتْ جسدَكِ البضّ
وحلمكِ العظيم.
ياه...
هي ذي جسور علي بن الجهم
حيث لا رصافة،
وجسور الرصافة
حيث الكرخ يحترقُ كلّ يوم
ويغرق.
3.
وقالَ الحرف:
هل تتذكّرينني بعدَ هذا الفراق؟
هل تتذكّرين ذلك الأعمى الذي غسلَ قدميكِ بالحليب
أربعين عاماً،
ذلك الصبيّ الذي كانَ يغرقُ كلّ يوم
في فراتكِ العالي ونهدكِ الناري،
ذلك المهووس إذ افترشَ الصوفَ النتن
وارتجفَ تحتَ ذيلِ الكلب
كي يرى نورَكِ الأسْوَد؟
وهل تعرفين مغزى أنْ أطير
من أجلِ عُريكِ العجيب
من كلمةٍ عجيبةٍ إلى كلمةٍ أعجب،
ومن قصيدةٍ مُلغَّزةٍ إلى قصيدةٍ أكثر تلغيزاً وارتباكاً،
ومن بحرٍ أحْمَر إلى بحرٍ أكثر احمراراً
ومن قارّةِ الطغاةِ والجياعِ والملعونين
إلى قارّةٍ أشدّ شراسة من النمر
وأجمل من قفزةِ الكنغرِ الوديع؟
4.
وقالَ الحرف:
هل تتذكّرين كم أرادوا أنْ يكشفوا سرَّكِ؟
كانوا يطرقون البابَ كالمجوسِ يحملون ناراً مُزيّفة
ليبادلوها بوهجكِ الأسْوَد
أو يحملون ريشاً مُنهَكَاً وقطناً مُبَلَّلاً بروائح زَنِخَة
أو أطرافاً آدمية وُضِعَ عليها الجبس
ويصرخون:
أيّها الحرف
لِمَ لا تنزل نقطتكَ من الأعالي؟
ألا تعجبكَ هدايانا: الريش والقطن والجبس؟
أما تعبتَ من الجلوسِ فوقَ الجبل
وكتابةِ القصائدِ فوقَ سطحِ البيت
حيث الصيف المُقمر والعذاب المُزدهر؟
وقالوا،
أو قالَ بعضُهم:
يا لسرّكَ
يا لإعجوبتكَ الماثلة أيّها الحرف
لقد أُعْطِيتَ نقطة ففرحتَ
وأُعْطِينا لغة كاملة فلم نفرحْ.
ياه،
أيّتها النقطة،
لم يعرفوا أنّكِ أعظم
من لغةٍ كاملة
لأمّةٍ مُعذَّبة تنامُ فوقَ سطحِ البيت
حيث الصيف المُقمر
والأشباح التي تقفزُ عاريةً كعُري السكاكين.
حصانان أسْوَد وأحْمَر
1.
كنّا نجلسُ عاريين في الصحراء
حينَ
اقتربَ منّا حصانان أسْوَد وأحْمَر.
فقمتِ بعينين دامعتين
وقبّلتِني القُبْلَة الأخيرة.
فدُهِشتُ
ثُمَّ امتطيتِ الحصانَ الأسْوَد
وقلتِ بصوتٍ مُرتجفٍ: وداعاً.
فذُهِلتُ.
لكنّي قلتُ لنفْسي:
سأمتطي الحصانَ الأحْمَر
إنْ عصفَ بي الشوق
وعذّبني الحُبّ.
هكذا اقتربتُ من جسدِكِ العاري
لأقبّلَ شفتيكِ وثدييكِ
ولأراكِ تختفين مثل سهمٍ في الصحراء.
2.
مرّت ساعاتُ الذهول
ساعة إثر أخرى
وأنا أنظرُ إلى جسدِكِ العاري
يمتطي الحصانَ الأسْوَدَ ويختفي في الأعماق.
ثُمَّ سرعانَ ما عصفَ بي الشوق
وعذّبني الحُبّ
فالتفتُ إلى حصاني الأحْمَر
لم أجده.
ووجدتُ الشمسَ تغيبُ على امتدادِ الصحراء
مثل أسدٍ أحْمَر.
قطرات الحُبّ
1.
كانتْ تقطّرُ قطراتِ الحُبّ
قطرةً قطرةً في فمي
وهي تحاولُ أنْ تطفئ عطشي الجُنونيّ
ورغباتي الجُنونيّة.
كانتْ تقطّر
وهي تجلسُ نصفَ عاريةٍ
بدثيين عامرين بالنار
وبساقين عامرتين بالسذاجةِ واللذّة.
كانتْ تقطّر
وهي تجلسُ فوقَ سريري الضيّق
في غرفتي الخضراء ذات الستائر الثقيلة
خوفاً من جيراني الفضوليين،
في درجي المؤدّي إلى جهنّم المظلمة
وسقفي الرطب الذي سرعانَ ما انهار
فسقطَ درجي المؤدّي إلى الماضي،
إلى الماضي الذي يشبهُ حبلَ مشنقةٍ
قتلَ آلافَ الأرواح.
وسقطَ جيراني الفضوليّون الواحد تلو الآخر
وسقطتْ ستائري الثقيلة
وسقطتْ غرفتي الخضراء
وسقط َسريري الضيّق
ثُمَّ
سقطتُ
أنا
عضواً
فعضواً
إلى القاع،
إلى جهنّم المُظلمة،
إلى الماضي الذي يشبهُ حبلَ مشنقةٍ
قتلَ آلافَ الأرواح.
2.
وحدها
حبيبتي بقيتْ مُعلّقةً في الهواء
وهي تقطّرُ قطراتِ الحُبّ
قطرةً قطرةً
نصفَ عاريةٍ
بثديين عامرين بالنار
وبساقين عامرتين بالسذاجةِ واللذّة.
بقيتْ هكذا
تقطّرُ قطراتِ الحُبّ
في فمي العطشان حدّ الجنون،
في فمي الذي لا وجود له
بقيتْ تقطّر
دونَ جدوى
دونَ أمل.
3 حاءات
بمسمارٍ طويل
ثقبتِ قلبي
لاهيةً، ضاحكةً، عارية
كشمسٍ تشرقُ فوقَ البحر.
وحينَ بدأ قلبي ينزف
جمعتِ قطراتِ قلبي
وكتبتِ بها،
كتبتِ بإصبعكِ على صدري:
"الحقد".
فاستمرَّ قلبي ينزف.
ثُمَّ كتبتِ:
"الحرّيّة".
فاستمرَّ قلبي ينزف.
ثُمَّ تعرّيتِ تماماً
وكتبتِ:
"الحُبّ".
فتوقّفَ قلبي عن النزيف
وتوقّفتْ شفتاكِ عن الهذيان.
امرأة بشَعر أخضر
1
لخمسين عاماً
كانَ يرسمُ اللوحةَ ذاتها، لوحة الموت:
امرأة دون عمر مُحَدَّد
تسوقُ سيّارةً سوداء،
سيّارة مُسرعة
تسوقها امرأةٌ عارية.
عبرَ نافذة السيارة
ترى ثديي المرأةِ عاريين
وترى شعرها أخضرَ منثوراً
وترى ملامحها الساذجة.
خلفها توابيت،
توابيت مَن؟
السيارةُ مُسرعة
والرسّامُ مُرتبكٌ
لأنَّ المرأة ذات الشعر الأخضر
بثدييها العاريين،
بعينيها الكبيرتين،
بملامحها الساذجة
تحدّقُ فيه طوالَ الوقت.
هل كانتْ تدعوه؟
لأيّ شيء؟
2 .
مرّ خمسون عاماً
ولم يكمل اللوحةَ بعد.
لكنّه في صباحٍ عجيب
رأى عبر شبّاكه ما رأى:
آه، إنها شجرة الليمون مثمَّرة، يا إلهي!
بسكّينٍ حادة
قطع ليمونتين من الشجرة
وبسرعة
قطعهما إلى أربع شرائح
وبسرعة
أخذ أنبوبةَ الصمغ
ليضع الصمغ
على الجانبِ الرطبِ من الليمونتين
ثُمَّ لصقهما كعجلاتٍ لسيارةِ الموت.
الآن اكتملتْ لوحته
لم يعدْ ينقص سيّارةُ الموتِ أيّ شيء!
3.
كان فرحاً كطفلٍ، كطفلٍ حقيقيّ
لكنّ وجهه يشحبُ بسرعة
ليصبحَ بلونِ الليمون
فيما كانت المرأة
بشعرها الأخضر المتطاير،
بثدييها العاريين،
بعينيها الكبيرتين،
بملامحها الساذجة
تسوقُ السيّارةَ بسرعة
لتطلق قهقهاتها الفارغة من أيّ شيء!
حقائب سُود
عندَ بابِ المحطّة
وقفَ الحرفُ وصاح:
يا سائقَ القطار
أريدُ أنْ أركبَ قطارَكَ
ولكنْ معي حقائب ثقيلة كالصخر.
معي حقيبة الطفولة؛
حقيبة جدّتي ودموعي ولعبي وسطَ المزابل.
ومعي حقيبة الصبا؛
حقيبة العزلة القسريّة في الغرفةِ العالية
والشمس المقسومة إلى قسمين
والحرمان الأعمى
والأحلام،
آه الأحلام التي لا تكفُّ عن التناسل.
ومعي حقيبة الشباب؛
حقيبة الضياع واللاأين
والارتباك ما بينَ طيبة قلبي وصبوات شبابي،
ما بينَ نقطة الباء وباء النقطة،
ما بينَ الألف والنقطة.
ومعي حقيقة الكهولة؛
حقيبة الأسقام والأوجاع،
حقيبة مَن ينتظرُ اللاشيء،
أعني مَن يريدُ أنْ لا ينتظر شيئاً
ومَن ضيّعَ عمرَه في الانتظار.
ومعي حقيبة المنفى،
حقيبة العذابِ المَسلوقِ والمُملّح.
ومعي...
آ...
آ...
لماذا تركتني يا سائقَ القطار؟
لماذا هربتَ وملأتَ كلَّ شيء
بالبخارِ والضجيج؟
لماذا تركتني أصرخ
كالطفلِ الضائع
وسطَ وحشةِ المحطّة؟
مباهج الرندلمول*
1.
شارعٌ ملؤه الورد،
ملؤه الحلم،
ملؤه سيقان حوّاء يمتدّ
من أقصى النساء
إلى أقصى المساء.
والسماءُ هنا سجّادةٌ
فرشتها الموسيقى بأحلامِ مَن جاء
مِن أقصى المساء
إلى أقصى الظلام.
2.
قلتُ للرندلمول:
هل يمكنُ أنْ تمسحَ من شاشةِ
النوم
صورَ الطفولةِ
العارية
وعذاباتِ الفراتِ وشمسه الحافية؟
قلتُ له:
هل يمكنُ أنْ تمسحَ من شاشةِ
الرأس
ازدحامَ الأسئلةِ في موقفِ الرأس،
وازدحامَ الحروفِ في موقفِ الصمت؟
هل يمكنُ أنْ تمسحَ من شاشتي
مخاوفَ من طينٍ وجمرٍ ودمع؟
3.
قلتُ
له:
إنّني أعمى
هل تستطيع أن تقودني إلى جسدِك
لأنام بين الثديين
وأقبّل فيكَ سماءً
وماءً وجمراً وورداً ودمعاً؟
ضحكَ الرندلمول
وصبَّ فوقَ رأسي كأساً من الورد
ثُمَّ صبَّ فوقه غيمةً من موسيقى
ومضى راقصاً، عارياً، وخفيفاً.
********************************************
الرندلمول: الشارع الرئيس في مدينة أديلايد الأسترالية حيث يقيم الشاعر. وعلى
جانبيه تفتح
المحلّات
التجاريّة أبوابها، وفي وسطه محلات بيع الزهور، ويفترش الموسيقيّون الجوّالون أرضه
ليعزفوا أو يغنّوا.
إلى أين؟
1.
الشراعُ وسطَ السفينة.
السفينة وسطَ البحر.
البحر وسطَ قلبي،
قلبي الذي يغرقُ
شيئاً فشيئاً
في حلمه الهادئ العنيف.
2.
السفينةُ وسطَ البحر،
السفينةُ تمضي بجسدينا
أنا وأنت.
أنتِ عاريةٌ كالرغبة.
وأنا الرغبة نفْسها، عريها، نارها الخالدة.
أقبّلكِ من أقصى الصباحِ إلى أقصى المساء،
أقبّلكِ من أقصى الشفتين إلى أقصى القدمين،
أقبّلكِ من أقصى الدمِ
إلى أقصى البحر.
والبحرُ يمضي بنا عاريين
إلى أين؟
أصرخُ:
يا إلهي، إلى أين؟
سؤال
1.
حينَ وصلَ إلى القصيدةِ الأربعين،
قرّرَ أنْ يكتبها عندَ البحر
فذهبَ إلى البحرِ وقتَ الليل.
لم يجدْ أحداً
ووجدَ سفينةً على وشكِ الإبحار.
صرخَ بالقبطان المُلتحي
أنْ يأخذه معه
فلم يردّ عليه
واستمرَّ يدخن غليونه.
وصرخَ بالمرأةِ العارية
فلم تردّ عليه
وبقيتْ تنظرُ إلى البحرِ المُخيف.
وصرخَ بالكلبِ القابعِ عندَ قدميها
فردَّ عليه بالنباح.
2.
أبحرت السفينة
فأخذَ يركضُ خلفها كالمجنون
ثُمَّ التقطَ، في غضبٍ، حجراً
ورماه عليها
فكسرَ شُبّاكاً في السفينة.
أيّ شُبّاكٍ هذا؟
أهو شُبّاك القبطان؟
أم شُبّاك المرأة؟
أم شُبّاك الكلب؟
3.
هذا هو السؤال الذي ظلَّ
يُعذّبه لسنين وسنين
منذ أنْ عادَ من البحر!
جسر بعشرات الثقوب
1.
كانَ
يحملني بين يديه الطيّبتين
ويعبرُ بي جسراً ضيّقاً من الحديد،
جسراً مثقوباً بعشراتِ الثقوب،
كلُّ ثقبٍ يقذفُ بكَ إلى الماء،
بيسرٍ شديدٍ إلى الماء،
والماءُ قويّاً كان
كساحةِ إعدام.
2.
كانَ يحملني بين يديه الطيّبتين
دونَ أنْ يحذّرني
من النظرِ إلى الثقوب،
إلى الماءِ العنيف،
إلى جُثثِ الأطفالِ التي كنتُ أراها
من ثقوبِ الجسرِ تطفو
والنساء القرويّات يحاولن إنقاذها
دون جدوى.
لم يحذّرني أبداً
ولذا بعدَ أنْ عبرتُ الجسر
صرتُ أُلقي بالأطفالِ في الماءِ العنيف
وأبقى مذهولاً حينَ أراهم
يطفون من تحتِ ثقوبِ الجسر،
الجسر الذي صرتُ أعبره وحدي،
وحدي كلّ يوم
وأنا أموتُ من الرعب.
حمامة
يوماً ما
كانتْ لنا حمامة بيضاء.
أحببناها بشغفٍ،
أحببناها بجنون،
ولأنَّ السماء مليئة بالعواصفِ والصواعق
فقد قُتِلت الحمامةُ فجأةً،
هكذا فجأةً.
فأخذتِ أنتِ ساقَها الجميلة
وأضفتِ لها ساقاً
وصنعتِ منها سريراً للّذّة.
وأخذتُ أنا جناحَها الكسير
وعلّمته الكتابةَ والحروف،
فصارَ يعلّمني الشِّعْر؛
قصيدةً إثر قصيدة
وكتاباً إثر كتاب
حتّى أصبحتُ شاعراً
لا همَّ له سوى الحديث عن الحمامة:
الجناح الذي صارَ حرفاً
والساق التي أصبحتْ سريراً.
صورتان لبئر
1.
ذكراكِ تشبهُ بئراً مهجورة
تخرجُ منها الأشباحُ كلّ ليلة
لتعنّفني بإشاراتها وحركاتها.
وحين تجدُ أنّني لا أفهمُ البَتَّة في لغةِ الإشارة
تصرخُ
وتولولُ باكيةً
ثُمَّ تعودُ من حيث أتتْ!
2.
ذكراكِ تشبهُ بئراً سوداء
اعتدتُ لأربعين عاماً
أنْ ألقي الحجارةَ فيها
علَّ نبعاً سحرياً يبزغُ منها،
علَّ طيوراً بِيضاً تباغتني بأجنحتها،
علَّ أحلاماً ذات سيقان طوال
تخرجُ من جدرانها،
علَّ وعلَّ.
لكنّ الذي يخرجُ فعلاً
- بعد أن ألقي مئاتٍ من الأحجارِ في البئر-
هو سلاحف غامضة تتحركُ في أعماقها
فأبقى أراقبها مدهوشاً
كأيّ مجنونٍ سعيد!
فَخّ
كانَ كلُّ شيءٍ يجري سريعاً
مثل لعنة مكتوبة منذ الأزل.
سريعاً دخلتُ أحراشَ جسدِكِ
لأستسلمَ بين تلاله
مثل جيشٍ من المُغفّلين.
وسريعاً جلستُ في حديقةٍ صيفيّة
لأرى بقلبٍ أزرق
الوحوشَ وهي تحتفل
لتطلقَ كالبالوناتِ قهقهاتها وترّهاتها.
وسريعاً
توهّمَ الطفلُ في داخلي
أنّه يستطيع
أنْ يمثّلَ – مثلكِ – دورَ الوحش.
وسريعاً
تركتِني وحيداً
في غرفةٍ سوداء بفندقٍ يطلُّ على نهرِ العذاب،
تركتِني أزحفُ إلى جهنّم زحفاً،
تركتِني أتدرّبُ على دورِ الميّت
حتّى الموت.
الأعزل
1.
إلهي
أرسلْ إليّ ذئبكَ: الموت
حتّى يواجه قلبي الأعزل
ويمزّقه إرباً إرباً.
إلهي
أرسله إليّ
لن أطرده،
لن أقاومه،
لن أهربَ منه.
ولماذا أفعل ذلك
وقد تحوّلتْ حفلتي إلى سيركٍ من المجانين
وشمسي إلى شمعةٍ سوداء
وكينونتي إلى مزحةٍ سوداء؟
2 .
إلهي
سأخرجُ إلى الشارع
لألتقي بذئبِكَ
أمّا ملائكتكَ بأجنحتها البِيض
فإنَّ قلبي الجريح
لم يعدْ يُحسن الإنصات
إلى رفيفِ أجنحتها.
إلهي
أعذرني
وأعذرْ لغتي العارية
ذلك أنّ كائناً أعزلَ مثلي
لا يستطيع أنْ يتحمّل،
كلّ يوم،
تراجيديا نوح
وغرابه وحمامته وطوفانه العظيم،
لا يستطيع أنْ يتحمّل نارَ إبراهيم
وحفلةَ الرعبِ التي ألقاه الكَفَرةُ فيها
راقصين مبتهجين،
ولا يستطيع، كما فعل يوسف الصدّيق،
أنْ يواجه أسطورةَ العذاب
لذلك الطفل الذي عاشَ في البئر،
وفي القصر،
وفي السجن،
وفي العرش.
إلهي
أرسلْ إليّ ذئبَك
فربّما يُجفّفُ الموت
مستنقعَ حياتي إلى الأبد،
وربّما يكون فمُ الذئب
شجاعاً
بما يكفي لإنهاء
حفلة الطوفانِ والنارِ والعبوديّة.
شعراء الحرب
حينَ ألقى البحّارةُ أصحابُ العيونِ الزرق
القبضَ على صاحبِ الجندِ في حفرته العجيبة،
فرَّ شعراءُ الحربِ جميعاً:
فرَّ كبيرُهم إلى بلادِ الظلام،
وفرَّ صغيرُهم إلى بلادِ الضباب،
وفرَّ الثالثُ إلى بلادِ الواق واق،
وفرَّ الرابعُ إلى بلادِ الأسكيمو،
وفرَّ الخامسُ إلى بلادِ الراياتِ السود
وفرَّ السادسُ إلى بلادِ الراياتِ الصُفْر
وفرَّ السابعُ إلى بلادِ الفلافل
وفرَّ الثامنُ إلى بلادِ القلاقل
وفرَّ التاسعُ إلى بلادِ العماليق
وفرَّ العاشرُ إلى بلادِ المنجنيق.
وهكذا انتشرتْ جرثومةُ الحرب
في أرضِ اللهِ كلّها!
وداعاً
حينَ وصلَ إلى الشاطئ المهجور
قرّرَ أنْ يكتبَ قصيدته الأخيرة
ويقول وداعاً، وداعاً لكلّ شيء.
هكذا خلعَ ثيابَه جميعاً
ثُمَّ أزالَ جلدَه عن جسده
ثُمَّ رمى اللحمَ والعظمَ جانباً
فلم يبقَ منه إلّا القلب.
أمسكَ القلبَ بعينين دامعتين
فسمعَ البحرَ يدقّ بآلاف الأيدي
على جوانب قلبه
حينها قرّرَ أنْ يستسلمَ للبحر،
فترك قلبه يطفو فوقَ الموج،
فوقَ الموجِ الذي أخذَ يدفعه شيئاً فشيئاً
إلى الملح،
إلى الأعماق،
إلى المجهول،
إلى الأسماكِ المُتوحّشةِ التي أثارها
مرأى الدمِ وهو يطفو فوقَ الموج.
أمل
مرّتْ قرون طويلة
منذ أنْ تمنيّتُ أنْ أراكِ.
تقلّصَ النهار
وصارتْ ساعاته بعددِ أصابع اليد.
وصغرت الشمس
وأصبحتْ، كما يقول العارفون، بحجمِ برتقالة،
مثلما أصبحَ القمرُ بلونِ البحر،
والبحرُ بلونِ الصحراء
والصحراءُ بلونِ قلبي.
نعم،
مرّتْ قرون طويلة
منذ أنْ كفّت الأفعى
عن تجديدِ ثوبِها كلّ ربيع،
وكفَّ الموتى عن الشعورِ بالألمِ أو الندم،
وكفَّ الماضي عن ملاحقتي
في الشوارعِ الخلفيّة،
لكنّي لم أزلْ أتمنى أنْ أراكِ
لأقولَ لكِ الكثير
أو لكي لا أقول لكِ أيَّ شيء على الإطلاق.
ألوان
قالَ الطبيبُ الذي يرتدي قميصاً أبيض
وبنطلوناً أبيض
وحذاءً أبيض
- هل كانتْ طفولتكِ بيضاء؟
· (لا).
- هل كانَ شبابكِ أبيض؟
· (لا).
- هل كانتْ شيخوختكِ بيضاء؟
· (لا).
- قالَ الطبيبُ: إذن، ماذا تنتظرين؟
· قالت: (أنتظرُ الموتَ ليأتي ويأخذني
مرتدياً طفولةً سوداء
وشباباً أسْوَد
وكهولةً سوداء.)
مدّ الطبيبُ يده ذات القفّاز الأبيض
إلى الضحية.
فأبعدها الموتُ برفق
كانَ الموتُ يبكي على الضحيةِ بدموعٍ سُود.
لكنّ الضحية نَفْسها
وجدتْ في الأسْوَد،
في آخرِ المطاف،
طمأنينةَ الألوانِ كلّها.
اختباء
حينَ قرّرتُ أنْ أراكِ ثانيةً،
بدأتُ أزيلُ الأحجار
عن وجهكِ الدافئ الذي أختبأ خلفها
(يا إلهي: مِن أين جاءتْ هذه الأحجار؟
أهي سنواتُ الفراقِ التي تحجّرتْ
بفعلِ الصواعقِ والأمطارِ والحروب؟)
هكذا بدأتُ أزيلُ الأحجارَ الثقيلة
الواحدة تلو الأخرى
بأصابعي التي عذّبها الحرمان
حتّى إذا وصلتُ إلى الحجرِ الأربعين
اختفى وجهُكِ من جديد
تاركاً لي أنفاسَه الدافئة
كأثرٍ ساحرٍ لا يزول.
سهرة صامتة
كلّ يومٍ أموتُ عندَ الصباح
ثُمَّ أستيقظُ عند الليل
فلا أجد أمامي،
على مائدتي
سوى شمعة عتيقة ذابَ نصفها.
أشعلُها
فيحضرُ على الفور
ملاكُ الحياةِ وشيطانُ الشعر،
ليجلسا، في هدوءٍ مريبٍ، حولي.
أحدهما في اليمين
وثانيهما في اليسار
وأبقى بينهما
صامتاً كالحجر
حتّى الصباح!
بكاء الحاجب
وقالَ الحرف:
يا سيّدَ الملكوت،
يا سيّدَ الموعد والقيامة والبذرة والزوبعة،
يا سيّدَ الحيّ والميّت،
ياسيّدَ التراب والماء،
أيُعْقَل أنّ هذا الذي يقف ببابِكَ
يحمل مرايا شمسه المنكسرة
وشظايا قلبه
وبقايا عظامه وجُثّته
لا يجدّ ردّاً على خرابه الشاسع
وموته الساطع؟
أيُعْقَل هذا
يا سيّدَ القباب الذهبيّة والأنهار المُقدّسة
أنْ أبشّره بأنّ قصائده الآتيات
سوف تجيء من غيرِ شمسٍ ولا ماء
وأنْ لا مناص له
مِن أنْ يرمي جُثّته
تحتَ عجلاتِ قصيدةٍ مُدمّاة
أو قطارٍ أبله
أو نهرٍ منفيّ مثله؟
أيُعقَل
وقد كتبتَ لي -
وأنا خادمكَ
المخلص وحاجبكَ المطيع-
أنّني لن أظلم حبيباً أبداً
ولن أحطّم مرآةَ عاشقٍ البَتَّة
ولن أضيّع نقطة
ولن...؟
أيُعقَل وأنا أزحفُ على رأسي وكأسي
وأنا أقودُ كينونتي التي تشبهُ مرآةَ أعمى
عبرَ صراطكَ المُتكلّم
وقدركَ المُتكلّم،
وأنا أنتقلُ فيكَ وبكَ ومنك
من جلجلةٍ إلى جلجلة
ومن قارّةٍ إلى قارّة
ومن رعبٍ إلى رعب
ومن زلزلةٍ إلى زلزلة
ومن واقعةٍ إلى واقعة؟
أيُعقل
أنْ أجلسَ أربعين عاماً عندَ بابكَ
-
وأنا الحاجب
-
فلا يُفْتَح لي
ولا يُردّ على صرخاتي
التي ملأتْ جسدي طيوراً مَيِّتة
من أقصى جسدي إلى أقصاه؟
أيُعْقَلُ
يا مَن اختصَّ نَفْسه براءِ الرحمة
وميمِ الملكوت
يا مَن جلسَ على عرشِ ال(كنْ فيكون)
أنْ أشربَ من كأسِ دمي
كلّ يوم وليلة
فلا أموت
وأنتَ الذي يسمعُ نبضةَ سرِّي
ونوني وكافي وقافي؟
أيُعْقَلُ
أنْ تتركني أتشحّط بدمي
ودمي يتشحّط بي؟
خنجر أسْوَد، صرخة بيضاء
كانَ يتبعها وهي تنتقلُ من شارعٍ إلى شارع،
ومن زمنٍ إلى زمن،
ومن منفى إلى منفى.
كانَ يتبعها دونَ أنْ يعرفَ سرَّها،
دونَ أنْ يصلَ إلى رحيقِها.
مَن هي؟ يا إلهي، مَن تكون؟
لم يكنْ يعرفها أو يعرف سرّها.
فقط
كانَ يعرفُ أنّه جزء منها.
ربّما هي الشمس وهو البحر
أو الأم وهو الطفل
أو الأنثى وهو الذكر.
ربّما هي النقطة وهو الحرف
أو المعجزة وهو النبيّ
أو اللعنة وهو الشيطان.
لم يكنْ يعرفها أبداً.
فقط
كانَ يتبعها
ضائعاً مثل دمعةِ طفلٍ يتيم.
وكلّما اقتربَ من سرِّها،
أو خُيّل إليه أنّه اقتربَ من سرِّها،
التفتَ ليرى خنجراً أسْوَد يثقبُ ظهره،
ويرى صرخةً بيضاءَ تخرجُ من فمه
وتتناثرُ كالزجاج.
سُجود
إلى: عيسى حسن الياسري
1.
حينَ وصلَ الشاعرُ إلى بَلاطِ الملك
قال: حرفي مقدّسٌ كسرِّ الفرات
ونقطتي طيّبةٌ جميلةٌ كدجلة.
فقالَ له الملكُ: اسجدْ!
رفضَ الشاعرُ أمرَ الملك
فَطُرِدَ من البَلاطِ شرّ طردة.
وحينَ وصلَ الشاعرُ إلى أعداءِ الملك
قال: حرفي عظيمٌ كسرِّ الفرات
ونقطتي زاهدةٌ غامضةٌ كدجلة.
فقالَ أعداءُ الملكِ: اسجدْ!
رفضَ الشاعرُ الأمر
فَطُرِدَ، كذلكَ، شرَّ طردة.
2.
هكذا انتقلَ الشاعرُ من ملكٍ إلى ملك
ومن سجودٍ إلى سجود
ومن رفضٍ إلى رفض.
انتقلَ، أولاً، إلى ملكِ الشقاقِ والنفاق
ثُمَّ انتقلَ، ثانياً، إلى ملكِ القلاقلِ والفتن
ثُمَّ إلى ملكِ الحرب
ثُمَّ إلى ملكِ الجنس
ثُمَّ إلى ملكِ الأكاذيبِ والترّهات
ثُمَّ إلى ملكِ "الصد مارد"
ثُمَّ إلى ملكِ "الواق واق"
ثُمَّ إلى ملكِ المنافي السعيدة
ثُمَّ إلى ملكِ المنافي التعيسة
ثُمَّ إلى ملكِ الراياتِ السُود
ثُمَّ إلى ملكِ الراياتِ الصُفْر
ثُمَّ إلى ملكِ الذهب
ثُمَّ إلى ملكِ الرماد
ثُمَّ إلى ملكِ اللصوص
ثُمَّ إلى ملكِ التُيوس
ثُمَّ إلى ملكِ الإذاعة
ثُمَّ إلى ملكِ الخَلَاعة
ثُمَّ إلى ملكِ العذاب.
وعندَ كلِّ ملكٍ يُطْلَبُ منهُ السجود
فيرفض.
فيُطرَدُ من البَلاطِ شرَّ طردة.
3.
لم يكتفِ بعضُ الملوكِ بالطرد
بل أمرَ جلّاديه بسحلِ الشاعر
من البلاطِ حتّى الشارع.
وقامَ بعضُهم بسحلِ الشاعرِ بنَفْسه.
وقامَ الآخرُ بجَلْده بنَفْسه.
ثُمَّ قامَ الأخير–
وكانَ أكثرهم غلوّاً وعتوّاً –
بإطلاقِ كلابه السُود
لتنهشَ حتّى الموت
جسدَ الشاعرِ الهزيل.
4.
حينَ ماتَ الشاعر
التقى بملكِ الحروفِ الذي هشَّ له وبشّ
وقالَ له: لنْ آمركَ بالسجود
بل سأجلسكَ معي على العرش!
رغمَ أنَّ عرشي شديد البساطة!
ثُمَّ نهضَ ملكُ الحروف
وشقَّ قميصَه من الفرح،
فبانت الحروفُ مُشرقةً كالشمس.
وقالَ للشاعر: اخترْ حرفَك!
فاختارَ الشاعرُ العينَ والياءَ والسينَ والألف.
ضحكَ ملكُ الحروفِ وقال:
أيّها الشاعر
لقد اخترتَ أنْ تُصلَب
وأنْ تمشي إلى الجلجلة!
ما أعظمك!
وأنتَ تُصلَب هنا أو هناك
دونما أتباعٍ أو أحبّة،
دونما تلامذةٍ أو مُريدين،
دونما وردةٍ تُعلّقُ على جبينك
أو تُرمى عليك،
دونما أيّ شيء سوى اسمك،
دونما أيّ شيء سوى حرفكَ ونقطتك!
آراء في التجربة
توطئة لتغيير جذري في الأساليب ينفي أديب كمال الدين أن في البدء كانت الكلمة،
ويؤكّد الحرف. ليس حرفنا الذي أصابه الانكسار وإنما تحدّي حروفياته للواقع برموزها
وعرائسها وأحلامها وتصوّفها وأساطيرها. هذا الحرف/ الجُزَيء اتّسع فصار كلمةً،
جملةً، نصّاً، كائناً حيّاً. جريء يريد أن يبتدع الواقع/ المثال. فللنون حياة خاصة
ونقطة مشعة وللباء والحاء وكلّ الحروف. إنّه يبني الشعر حرفاً بسماتٍ وأشكالٍ
ومعانٍ وقدرات على التكامل. إنّه يكوّن العالم الشعري جزءاً جزءاً، يبدأ بالتميّز
ولا يتنكّب عنه، وبين الحبّ ولا جدواه وبين الحياة ونقيضها تنثلم الحروف والكلمات
والقصائد وتتهاوى العوالم. ولكن يبقى الشعر، الشعر الرائع وما أقلّه، ومن هذا
القليل قصائد لأديب لا تتطلّع إلى حكم ولكن تفرضه، ولا إلى قيمة ولكن تتجاوزها.
قصائد منه، ومن شعراء، طوقتهم العقود، بعد الرواد، تبقى تزودنا بأمل الشعر مزهواً
باستقبال كلّ الأزمنة الآتية.
أ. د. جلال الخيّاط
كتاب (الحروفي: 33 ناقداً يكتبون عن تجربة أديب كمال الدين الشعرية) إعداد وتقديم
د. مقداد رحيم، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت 2007
ص 361
*
إنّ قراءة شعر أديب كمال الدين عبر مجموعته "النقطة" تشبه إلى حدّ كبير ما قاله في
إحدى "محاولاته":
في سُلّمِ الحظّ
كلّما صعدتُ درجةً هوتْ تحتَ ناظري
وبدا السُلّمُ عميقاً حدّ اللعنة.
إنّها تشبه "سُلّم الحظّ" تماماً، فنحن كلما ظننا بأننا نشرف عليها، ونحيط بتفصيلات
كافية لتقديم معرفة بصددها، بدت لنا أكثر عمقاً، وأكثر سَعَةً، وأكثر تناقضاً
أيضاً، ولاحت لنا خبرة تلك السنوات الطويلة التي تختفي خلف هذه "المحاولات"، سنوات
الكتابة، والتأمل، وممارسة الحياة.
د. حسن ناظم
(النقطة: دراسة في معاني الحروف) كتاب (الحروفي: 33 ناقداً يكتبون عن تجربة أديب
كمال الدين الشعرية) إعداد وتقديم د. مقداد رحيم، المؤسسة العربية للدراسات والنشر،
بيروت 2007 ص 172
*
من الجليّ أنّ الشّاعر الحروفيّ أديب كمال الدين لا يفقد الخيط النّاظم بين
الماهيّة اللغويّة للحرف باعتباره "رابطة"، والاستعمال المجازيّ للحرف بمعنى "الألم
المعنويّ والأدبيّ"، لكنّه يصهر تلك المعاني الرّمزيّة المتوارَثة بالبعد الصّوفيّ
التّجريديّ، دون أن يغفل عن مركزيّة الأنا في العمليّة الإبداعيّة، ولا عن معاناة
الذّات المتقلّبة على لظى المعرفة، بين كائن التّشكيل وممكن التّأويل.
د. حياة الخياري
كتاب (أضفْ نوناً:
قراءة في "نون" أديب كمال الدين) تأليف: د. حياة الخياري، الدار العربية للعلوم
ناشرون، بيروت، لبنان 2012 ص 15
*
إنّ
عالم الشاعر أديب كمال الدين عالم مترامي الأبعاد، متعدد المستويات والتجارب
والتقنيات التي تمتد مما هو واقعي ورمزي إلى ما هو فانتازي وتعبيري وتجريبي. وهو
عالم يمتلك حضوره وخصوصيته، من خلال علامات تطرد، ورموز وثيمات ما تني تتردد مؤكدة
بعدها الدلالي، ومعبرة عن خصب تجربته.
د. صالح هويدي
كتاب (الضوء والفراشة: مقاربات نصيّة لنماذج من الشعر العربي) تأليف: د. صالح
هويدي، منشورات دائرة الثقافة والإعلام الشارقة، الإمارات 2015 ص 69
*
في
تجربة الإنسان: (أديب
كمال الدين) تنبثق رؤيتان متلازمتان، الأولى: تجربة الشاعر، والأخرى تجربة الشعر،
والجامع بينهما يحيل على (نصوص) لا تقف عند اليومي، والتاريخي، والمغيّب، والمعلن،
والعدمي، والصوفي، والمؤمن حدّ العشق، والعاشق حدّ الايمان، وإنّما تتجاوز تلك
(الأطر) إلى منطقة الاكتشاف الخاص. وإذا
كانت (نصوص) الشاعر قد اهتدت إلى ما سمّاه النقد بـ(الحروفيّة) التي نقلت الشعر،
والشاعر إلى آفاق معرفيّة، وأسلوبيّة مميّزة، فإنّ الحروفيّة نفسها أخذت برقاب نصوص
الشاعر الجديدة إلى حقل الإشارات المطلقة تلك التي تغامر في خطاب الذات العليا، وهي
مكبّلة بالمحن، والأسرار، والحروب، والمتناقضات الضاجّة بسؤال الوجود.
أ. د. فاضل عبود التميمي
(الحضور
القرآنيّ والصوفيّ في "مواقف الألف" للشاعر أديب كمال الدين) جريدة العالم (العراق)
3 – تشرين أوّل 2012
*
عالم الحرف في شعر أديب كمال الدين عالم متمرد على كل حدٍّ،
غير أنه
متطلع إلى كل مدٍّ في اتساع آفاقه، إنه عالم يتنامى فيه الاختلاف مقابل الائتلاف،
يضمر فيه العقلاني مقابل اللاعقلاني، عالم يحاكي زمنا يتجسد فيه غياب المعنى؛ الأمر
الذي حيّر معه دور الكلمة، وركنها إلى كل ما هو مبهر ومدهش، عالم فيه ضلّ الشاعر مع
حروفه، وظلّ هائما حين صار كل حرف يحمل شحنة من الدلالة، هي في علاقة اضطراب مع
واقع الشاعر الناتج من انفصام معناه عن مبناه.
أ. د. عبد القادر فيدوح
كتاب (أيقونة الحرف وتأويل العبارة الصوفيّة في شعر أديب كمال الدين) تأليف:
د. عبد القادر فيدوح،
منشورات ضفاف، بيروت، لبنان 2016 ،
ص 53
*
إنَّ كلّ قصيدة في شعر أديب كمال الدين هي في حقيقتها جذوة شخصية في كيان من اللهب
الروحي والشعري، ولا تتم كتابتها بعيداً عن ذاكرة الشاعر، تلك البئر الطافحة حتى
القرار بمخزون لا ينتهي من الأوجاع.
وقصائده تأتي من الذاكرة، من منطقة بعيدة، يثوي فيها كل ما هو طريّ ونديّ، ومع هذه
الطراوة والنداوة ثمة جروح غائرة بالوجع تستعاد بما فيها من لهب كأنها تتفتح الآن
مع الألم، وتقطع الطريق على النسيان.
د. ديانا رحيّل
(الذاكرة: ملاذ الروح ووجعها) جريدة الدستور
)الأردن(
10 نيسان - أبريل 2015
*
أديب كمال الدين كشاعر وكإنسان صاحب رؤية (تكاد تكون تجلّياً) في الله والخلق
والكون وجميع ما نراه وما لا نراه من عوالم.
د. ضياء نجم الأسدي
(تشابيه لواقعة الخلق) مجلة الأديب العراقي، (العراق) العدد الخامس 2011
*
اللغة ووعي الموت حدان يلتقيان، يداخلان في شعر أديب كمال الدين، إذ يفكك الشاعرُ
اللغةَ بالقصد كي يصل بها إلى تخوم العدم، كي يخترق صوتية الحرف محاولاً بذلك
استعادة بهجة الكلمة ووهج الصوت المعبّر عن التواصل الحميم بين ظل الفكرة وظواهر
الأشياء. ولأنّ الحياة تراكم صور، بها يثبت التكرار فالموت هو السكين القادر على
اختراق كثافة الوجود لإحداث الانقطاع وتفكيك المتصل. إذ ترغب الذات في مغامرة
الخروج عن السبل المسطورة بالاندفاع إلى أقاصي تجربة الحياة والكتابة معا.
أ. د. مصطفى الكيلاني
(كتابة النصّ الشعري المختلف)
كتاب (الحروفي: 33 ناقداً يكتبون عن تجربة أديب كمال الدين الشعرية) إعداد وتقديم
د. مقداد رحيم، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت 2007
ص 37
*
عرف أديب كمال الدين أنّ الحرف مفتاح باب الوجود، ومفتاح القلب، مفتاح الجسد والعقل
والروح، الحرف مفتاح، والحرف عالم مغلق يحرِّض العاشق الرائي على فتحه. الحروف
مفاتيح بعضها لبعض، وعوالم تتداخل بعضها في بعض. لكل حرف جسد، ولكل حرف روح. وفيهما
ما فيهما من أغوار ومسالك وثراء وغموض جسد الإنسان وروحه. ولكأنّ الحرف صنو الإنسان
ومرآته. ولكأنّ الإنسان يتكشف كما البحر في قطرة، وكما الكون في إنسان، في صورة حرف
وروحه. وإذن كم من الأسرار والألغاز والأحجيات تختبئ في الحرف الواحد. ذلك أننا
نتشكل وعياً ووجوداً بالحرف، بضوء الحرف وسحره.
سعد محمد رحيم
مقدمة كتاب (إشكاليّة الغياب في حروفيّة أديب كمال الدين) تأليف: صباح الأنباري،
منشورات ضفاف، بيروت، لبنان 2014 ص 9- 10
*
يكتب أديب كمال الدين قصائده على خلفية ثقافية صوفية، فهو شاعر متصوف، وليس متصوفاً
شاعراً، يعبّر عن تجربته الصوفية بالشعر.
د. ناظم عودة
(من البصيرة إلى البصر) موقع قاب قوسين 8 نيسان 2016
*
إنّ شعر أديب كمال الدين يكشف الأعماق التي تظهر غالباً خلال التهميش العنيف. إنه
يكشف عن الجرح الذي يسببه الشعور بالاستلاب في الكثير من الأرواح المعَذَّبة.
د. آن ماري سميث Anne-Marie
Smith
كاتبة أسترالية من أصل فرنسي، رئيسة الجمعية الأسترالية للكتّاب متعددي الثقافات.
(أجنحة عظيمة حقاً!)
مجلة Transnational
Literature
جامعة فلندرز، ولاية جنوب أستراليا، العدد 2 تشرين
الثاني
2009
*
إنّ
النصّ الذي يأسر الشاعر أديب كمال الدين ويدفعه لخلقه ورميه إلى ذائقة المتلقى هو
النصّ المتماوج على حدّة اللغة، وقسوة الصورة، والإيغال في تشظّيات النفس
الإنسانيّة.
د. سامان جليل إبراهيم
(صرخات
وتساؤلات)
بوّابة الأهرام الإلكترونية (مصر) 14
نيسان 2015
*
يتجلّى الحرف
كعلامة جمالية فريدة في كتابة الشاعر العراقي المبدع أديب كمال الدين ، فهو يحمل
دلالات التمثيل المجازي للصوت من جهة، ويقع كبديل للذات، والأنثى، ولعلامات
الحكايات، والتراث، والأسطورة، والصيرورة الإبداعية الكونية من جهة أخرى.
د. محمد سمير عبد السلام
(الصيرورة الجمالية للحرف) أخبار
الأدب (مصر) 6 شباط 2015
*
رغم أنّ أديب كمال الدين يستلهم تجربته من تراث شعري عريق أغنى مسيرته، إلا أنه
يبقى متفرّداً في الإفادة من الموروث الشعري والفلسفي في كتابة قصائده.
شاكر حسن راضي
(أديب كمال الدين: من بلاد الرافدين إلى أستراليا: الشاعر هو الشاعر) ملحق أوراق،
صحيفة المدى، (العراق) العدد 2574
في 9 أيلول 2012
*
جدير ذكره أنّ الشاعر أديب كمال الدين قد أنجز حتى الآن 18 مجموعة شعرية منذ عام
1976 وحتى الآن. وقد حظيت تجربته الشعرية باهتمام نقدي واسع على الصعيدين العراقي
والعربي إضافة إلى بعض الدراسات النقدية باللغة الإنكليزية مثل دراسة الشاعرة
والناقدة الأسترالية جود أكولينا، والدكتورة آن ماري سميث، والدكتورة هِثر تايلر
جونسن وغيرهم من النقاد والباحثين المنهمكين في الكتابة عن المشهد الشعري العالمي.
عدنان حسين أحمد
(قصائد من نسيج وحدها مكتوبة بتقنية السهل الممتنع)
موقع الحوار المتمدن 10 آذار 2016
*
إنّ الخوض في تقانات الشاعر أديب كمال الدين التداولية لا تتم إلّا بمتابعات
محايثة، تتشكل أو يتشكل على ضوئها بيان الإنجازية الأول في الشعر العراقي الحديث
ربما لقدرة فعل الحفر لديه أو لما يتأتى له من بوادره
نفسية ومنازع معرفية فضلاً
عن اغترافه لمعين لا ينضب من تشوّفات صوفية، وإيماضات عرفانية رافق
كل ذلك تناسق لأنظمة كلّية لسانية سعت إلى إثارة الآخر
في إحساسات العرف أو هدفت إلى بعث الخراب في بعض انزياحات النظام. لنقل إن استخدامه
لغائية مفرطة في الحنين إلى موئل الهجرة الأولى: البحر والسفينة وإنسانية مرجعيات
الكون لديه وانتظام الوجود وإيقاع لغته السردي كان
الملهم الأول له في تبنيه لتشكيل آلية إبلاغ خاصة بخطابه التداولي.
أ.
د. هاني صبري آل يونس
(شعرية الإنجاز لدى أديب كمال الدين)
جريدة الزمان
(لندن) العدد 5172 في 4 آب 2015
*
أديب
کمال الدين خاض معرکة شاملة في تجربته الشعريّة وأصبح شعره متمیزاً في الشکل
والمضمون؛ فلهذا السبب أخذت خریطة هذا الشعر تجمع في ثنایاها الإیقاع والإیحاء
والرمز ومعطیات فنیة أخری لخصوبة النصّ وثرائه، لیسایر تطورات الأحداث الراهنة علی
أرض الواقع والحداثة الشعريّة کی تصبح مفرداته من عیار إبداعي نادر. وقد وظّف أديب
کمال الدين الکثير من الآليات الشعريّة الفنية الحداثية للتعبیر عن تميّزه
الإبداعي روحياً وأسلوبياً بحيث تتماشی مع روح العصر وتطلّعات الشاعر وطموحاته.
والمقصود من آليات التعبير هي الوسائل التي يعتمدها الشاعر في تجربته للإيحاء
والتأثیر بدلاً من المباشرة والتصريح، فتنقل المتلقّي من المستوى المباشر للقصيدة
إلى المعاني والدلالات الکامنة وراء النصّ.
د. رسول بلاوي
كتاب (آليات
التعبير في شعر أديب کمال الدين) تأليف: د. رسول بلاوي، منشورات
ضفاف، بيروت، لبنان 2015 ص 9
*
لقد استطاع الشاعر أن يفلسف حياتنا الصاخبة الضاجّة بالقلق والحرمان والحروب،
ويترجم جوهرها الذي يراه قابلاً للتجوهر بعد أن رأى كلّ شيء، وسمع كلّ صوت، وأبصر
بالعين والأذن والقلب كلّ شيء.
صباح الأنباري
كتاب (إشكاليّة الغياب في حروفيّة أديب كمال الدين) تأليف: صباح الأنباري، منشورات
ضفاف، بيروت، لبنان 2014 ص 28
*
"الحروفي" توصيف أدبي ارتبط بالشاعر
المبدع أديب كمال الدين، حيث انتبه هذا الشاعر مبكراً لطاقة الحرف العربي/ شكلاً
وصوتاً وطلسميةً/ واستثمر هذه الطاقة بدراية واعية تمتد الى جذرِ تكوينٍ ديني،
وطوّعها شعرياً بحيث أصبحت تجربته الشعرية مرتبطة بالحرف، وكانت تجربة متفردة من
بين تجارب مجايليه السبعينيين في مشهد الشعر العراقي.
ريسان الخزعلي
(الحروفيّ : طار الغراب بحروفه)
جريدة الغد (العراق) 20 تموز 2014
*
أديب كمال الدين شاعر ذو تجربة عميقة وغنية قائمة على المكابدة الحقيقية، ومعانقة
الهم الإنساني، وقد أقام هذه التجربة على الإخلاص لفنه، وتطوير أدواته وتحولاتها-
منذ بواكيره الأولى- من قصيدة التفعيلة إلى قصيدة النثر، واستطاع عبر هذا المخاض
الطويل مع الكتابة أن يؤسس منطقة خاصة به، منطقة تسمى (الحرف والنقطة)، إذ أُطلِقَ
عليه تسمية الشاعر الحروفيّ، أو شاعر الحروفيّة الجديدة، وهي منطقة لا يمكن لأيّ
شاعر آخر تقليدها أو استنساخها.
عبد الأمير خليل مراد
(فضاءات
السياق الدلالي عند أديب كمال الدين في مجموعته : في
مرآة الحرف) ملحق أوراق، جريدة المدى (العراق)
3 نيسان 2016
*
يتخذ الشاعر أديب كمال الدين من الأسطورة قناعاً لرحلته الزمنية وهي رحلة وجودية
بامتياز حيث تنشطر الأسطورة لديه إلى صورة ومرآة ولا تكاد تفرق بينهما فإن غابت
الصورة غابت المرآة وكأنهما متن وهامش ولكنهما متعادلان في مستوى القيمة الرمزي. أي
لا سيادة لأحدهما على الآخر، وهو هنا يستثمر تقنية القناع بصورة متفرّدة وغير
مسبوقة، إذ لا يتخذ من شخصيات الأسطورة قناعاً له بل يتخذ من متنها قناعاً ليقول ما
يريد ويغدو الحدث الأسطوري حدثاً مركّباً يضم الحدث الأصلي والحدث النصّي أي الذي
كتبه في نصّه وهو غير منظور، ويغدو نصّه مرآة محدّبة تضمّ وتجمع كلا الحدثين وكلا
البطلين، أقصد بطل الأسطورة والشاعر.
د. نعيم عموري
(موتيف شخصية نوح "ع" في شعر أديب كمال الدين) مجلة آداب الكوفة، جامعة الكوفة،
العراق، العدد 1 ، 2015)
*
التحمت روح الشاعر العراقي أديب كمال الدين بالحروف إلى الحد الذي زخر بها شعره،
وفاضت بها لغته فيضاً صوفياً نورانياً التحم بالحياة والموت والعالم الآخر والماء
والنار والدم والضياء، كما فاضت بجرح الإنسان في صراعه مع الذات .
د. منال البستاني
(محنة الشاعر، محنة الإنسان) جريدة العالم (العراق) 16 تشرين الثاني 2015
*
لما كان الحرفُ ميدان اشتغال الشعراء، فبه يمتازون عن سواهم، وبحرفته صوغًا
وتشكيلاً يتميّزُ بعضهم عن بعض، كان الشاعر أديب كمال الدين يرسمُ هويّته ويشقّ
اسمه بين عديدٍ من أسماء الشعراء بانشغاله الأثير في شكلانية الحرف وصوغه بطريقةٍ
تلتقي بكثيرٍ من أوجهها مع الشعراء المتصوّفة، إذ كان انهمامهم بالحرف واضحاً لا
يحتاج إلى إثبات، ولعلَّ الشاعر أراد أنْ يستلهم تجربتهم الحروفية، ولكن بشيءٍ من
التميّز، حين انفتح شبّاك عالمه الشعري على كثير من موضوعات الحياة اليومية، فكان
لشعره أنْ يستوعبها من خلال نافذة الحرف التي عكف عليها منذ تجربته الأولى (تفاصيل
1976) وحتى آخر مجموعةٍ له (في مرآة الحرف 2016)، وبذا تحقّق رهان الشاعرية الفذّة
التي آمنَ بها وجعلها هويّةً تُميّزه عن سائر الشعراء.
د. وسام حسين العبيدي
(جماليات التناص في مرآة الحرف) مقالة ألقِيتْ في الاحتفالية الخاصة التي أقامها
البيت الثقافي البابلي بمحافظة بابل احتفاء بمجموعة "في مرآة الحرف" 12 نيسان 2016
*
دأب الشاعر السبعيني المغترب أديب كمال الدين طوال مسيرته الإبداعية على استثمار
الحمولات التشكيلية والشعرية والإيقاعية والدلالية والعرفانية لبؤرتي الحرف
والنقطة. ويندر أن تجد عناوين لمجموعاته تخلو من مفردة الحرف، أو أسماء حروف بحد
ذاتها.
باقر صاحب
(حروفيّات
أديب كمال الدين)
جريدة الصباح (العراق) 9 شباط 2016
*
وجد الشاعر العراقي المغترب أديب كمال الدين ذاته في أغوار الحرف ومدياته التي لا
تنتهي. وجد نفْسه ناسكاً حافي القدمين في ممالك الحرف العربي المقيم في الفكر
والروح والجسد.
حميد المختار
(حروف الروح) جريدة الصباح (العراق) 14 أيلول
2014
*
بعد أن أتيح لي الاطلاع على المجلّد الأول- الأعمال الكاملة للشاعر العراقي الكبير
أديب كمال الدين، بتُّ على يقين تام أن الحرف كائن خرافي يمتلك سطوة جبّار ممكن أن
تسحر شاعراً ليعشقه إلى حد الجنون. الحرف نفسه تعلّق بأديب وذاب في كيانه، وتعشق
بكينونته فأصبح الحرف أديباً وأصبح أديب حرفاً، ومحيت الحدود وتاهت المسافات، ليولد
نبع صاف رقراق عذب يجري يتيماً في صحراء التيه يبحث عن المفقودين الذين أنهكهم
العطش، ليسقيهم شربة قصيدة ونبض حكمة وبعض بقايا الروح وقليلا من غبار وطن.
صالح الطائي
(أديب كمال الدين حرف غرّد في منفى) جريدة كل الأخبار (العراق) 17 آذار 2016
*
إذا كان الشعر في أبسط تعاريفه هو التعبير عن مشاعر الشاعر، فإن معناه يختلف عند
الشاعر أديب كمال الدين،
إنّه في تصوّره لحظة من البوح الروحي والتعبير العرفاني الذي يمزج بين جمالية
الصورة وعمق الفكرة.
محمد يوب
(تقاطعات الشعرية والصوفية في ديوان: مواقف الألف) مجلة طنجة الأدبية (المغرب) 11
نيسان 2012
*
شكّل الانزياح في أسلوب الاستعارة حيزاً مهماً في شعر أديب كمال الدين،
فأظهر عنايته واهتمامه به، إذ نال الأسلوب الاستعاري أعلى مراتب الجمال
والإبداع في شعره، فهو لون وفن خيالي مبالغ فيه؛ لأنه يسوق فكر المتلقي
إلى آفاق الخيال فيُؤنْسِن الطبيعة، ويُنطق الجماد، ويُحرّك الساكن،
ويبثّ الحياة فيما لا حياة له.
د. علي الزيدي ومها يوسف الصافي
( تشكيل
الصورة وانزياحها في شعر أديب كمال الدين) مجلة كلية التربية للعلوم
الإنسانية، جامعة ذي قار، (العراق) 2016
*
إنّ الفضيلة الكبيرة التي تُسجّل لأديب كمال الدين أنّه يسير ولا يتعب،
يفتح قدره على مصراعيه من أجل أن يمسك الحقيقة التي هي مملكته الواسعة
التي يسافر إليها وهو يحمل زاد المعاناة والورع والوعد. إنّه الشوق
الذي يضيق به الصدر ولا تسعه إلّا الحروف التي يغوص فيها وبها ليوسع
تجربته.
رياض عبد الواحد
(استبطان المعنى والنفاذ إلى الأشياء)
مواقع كتابات والنور والمثقف 16 شباط 2011
*
لقد أعطى الشاعر أديب كمال الدين لكلماته علائق جديدة، محاولاً ربط
أفكاره وانفعلاته المتبانية ببعضها، فكان بارعاً في السيطرة على الحركة
لزيادة الترقب في الإيقاع الداخلي الذي
اختاره
بمهارة عالية، وفنية دقيقة تنمّ عن دربة ودراية وتمكّن من أدواته
الفنية، وبراعته في انتقاء مفرداته ليكون بارعاً في التعبير عن أدق
المشاعر، وأعقدها، وكذلك الحالات الفكرية المعقدة. هذا ما جعل نصوصه
الشعرية تنثّ إحساساً بالانعتاق من حدود الزمن، وحدود الفضاء مما يولّد
لدى المتلقي ذلك الاحساس بالنمو المفاجئ فسمت صوره على الحدود القديمة
للتعبير، لأنّه أضفى عليها قوّة إدراك خاص، وجمالية جديدة للتجربة
فكانت الصورة لدى الشاعر أديب إعادة خلق مثالي باهر للتجربة لرؤية ما
وراء الإدراك إلى داخل الأشياء التي يريد تصويرها.
د. خليل إبراهيم المشايخي
(تشظّي الحرف
في غروب النقطة) مواقع المثقف وكتابات وأدب وفن والحوار المتمدن 8
كانون أول 2008
*
الحرف عند الشاعر أديب كمال الدين روح مُعذَّبة تبحث وترقص وتبكي وتسأل
هذا وذاك عن أشياء أصبحت بعيدة المنال، كما أن الحرف عنده إغراء
للآخرين للكتابة عنه حتّى آخر الزمان.
فيصل عبد الحسن
(إغراء الحرف في ديوانين) صحيفة العراق 25 شباط
1994
*
إنّ النصّ الشعري- ظاهراً- على قدر بعيد من الشفافية واليسر، في الوقت
الذي هو عميق وملغَّز ومستفِز، وتلك سمة بارزة في شعر أديب كمال الدين.
مالك مسلماوي
(توهّجات حكاية المقهى)
مجلة آفاق أدبية (العراق) العدد 2 لعام 2013
*
قصائد الشاعر العربي الكبير: أديب كمال الدين لا يجدر بك أن تقرأها
مرّة واحدة، بل مرّتين أو ثلاثا حتّى تفصح لك عن مكنونها وقد تبخل عليك
فلا تفصح إلّا عن القليل من أسرارها ولو أعدت قراءتها مرّات ومرّات.
محمد محمد السنباطي
(انكسرت المرآةُ فتدفّق البحر!)- جريدة الوطن الجزائري (الجزائر) 20
تموز 2015
*
تتشاكل الحوارات عند كمال الدين لتشكّل بنية كليّة للنصّ، وتجتهد الذات
الساردة في تشعير دراما الحوار عبر سلسلة من الإزاحات في التشكيل
الصوري والدلالي. كما أن إلتماعات الصور الشعرية في نصوص الشاعر تشعّ
بقوة الضربات التصويرية، وبثّها الشعري، هي في غاية الدقة والعمق
والمخيال الشخصي.
شاكر مجيد سيفو
(الحلم الكارثي في نصوص الشاعر أديب كمال الدين) ملحق أوراق، جريدة
المدى (العراق)، العدد 2550 في 29 تموز 2012
*
عند أديب كمال الدين سيقول الحرف عبارات القصائد، ويجتهد لتكوين
بنائيات الشعر، غير أنه سيكون علينا نحن أن نعيد الحرف إلى دلالاته، أو
بالأدق إلى منابعه الأولى، تلك التي منحته اسمها وصورتها وظلالها
المفتونة، بما في الألم ذاته من عصيان يحرّض على الشعر، بل يؤسس له
طريق الصعود.
راسم المدهون
(شعر الواقع الخفي) جريدة الحياة (لندن) 9 حزيران 2011
*
وجدنا إلى جانب شعراء معدودين ضالّتنا في هذا الشاعر الفذّ. ففي سطوره
الشعرية تجد الكلمة الشفيفة، والحس الرهيف، والنغمة المحببة، والرمزية
الموحية، والشاعرية المبدعة، فحيث تعتكف في محراب شعر أديب كمال الدين
تجد نفسك معتكفاً مع نبي من أنبياء الشعر مرهف الاحساس، ألفَ حبَّ
الناس ومقارعة الطغاة، وعانى من المآزق لكن دون أن يفقد نغمة التحدّي
وبارقة الحياة والأمل والتفاؤل.
خالص مسور
(دراسة نقدية في ديوانه الموسوم ب "أربعون
قصيدة عن
الحرف")
مواقع أدب وفن وعروس الاهوار والنور
9 تشرين الأول 2009
*
إنّ شعر أديب كمال الدين المنفصل إلى طبقات في المعنى وظلّه، غنيّ
بالصورة البارعة واللغة المختارة ذات الضربة النفّاذة غالباً، فالشاعر
يدفع- وهو يختار مدى واسعاً لموضوعه الشعري- ضريبةً ثقيلةً صادرةً من
القلب إلى الخسارة والأسى.
جود أكولينا
Jude Aquilina
شاعرة وناقدة أسترالية
(قراءة في شعر أديب كمال الدين: ظلال الظلام) جريدة الزمان، (لندن) 29
نيسان 2009
*
يتحوّل الصوف في تشكيلات الشاعر أديب كمال الدين الصوفيّة الى حرير
موصلي أصيل، حرير تاريخي حداثي يظل يشفُّ حتى يتلاشى المنظور ليتفتح
المدلول ويفوح، فهو نصّ يمتلك القدرة على بلورة رؤى الشاعر لذاته
وكينونته وللذات العلية والكون والوجود من حوله، مبدعاً في التصوير
بالإشارة المستندة إلى الترميز والتجريد معاً، ولارتكاز التجربة
الشعرية على موهبة ومعرفية عميقة، عرفانية جمالية وفلسفية فإنّ التشكيل
سيظل ينهل من منابع ثرّة ذات مستويات متعددة مما يجعلها بحاجة لقراءة
تأويلية ذات مستويات وآفاق مفتوحة هي الأخرى، فبدون المعرفة المعمقة
وامتلاك أدوات الكشف الذوقي والجمالي لا يمكن للتلقي أن يمتلك مفاتيح
النصّ ولا العثور على مزاياه الخاصة. إنّ صوفيّة أديب كمال الدين
المبدعة شعرياً هي صوفيّة التحضر بأخلاق ملوكيّة حسب أبي حيان
التوحيدي، وهي دعوة لرقي التهذيب والسمو بالإنسان نحو المقامات الراقية
مادام موجوداً
للاختبار.
أ. د. بشرى البستاني
(المبدع أديب كمال الدين والشعريّة المبهِرة) جريدة
بلادي اليوم (العراق) 4 شباط 2014
*
يحتفي أديب كمال الدين بجوهر الشعر وماهيته الحقيقية التي تومض من خلال
الموقف الحياتي، ومن خلال المشاهدة والتأمل، ومن خلال اللغة الأليفة
الدانية التي تعبر عن هذا الموقف وتلك المشاهدة. فليس في أسلوب الشاعر
معاظلة أو التواء أو تحايل بياني أو بديعي في الصياغة، بقدر ما فيه من
الانسيابية والصدق والإشراقة اللطيفة.
وعليه فإن الشاعر يشتغل أكثر على المعنى الكلّي الذي يسكن في بنية
النصّ ويتشكّل عبر رحلة الكتابة. والشاعريّة في نصوصه كامنة في
الإيحاءات العامة التي تطّرد بتؤدة أثناء فعل القراءة وتترسّخ لدى
المتلقّي وتجعله يلاحق تدفّق النصّ واطراده إلى منتهاه. ففي النهايات
دائماً هناك لون من الوصول الأخير الذي يشبع توق القارئ ويملأه بالغبطة
والفهم.
د . نجمة إدريس
(عن النخلة والكتابة فوق الماء) جريدة الجريدة (الكويت) العدد 1800 في
27 تشرين الثاني 2012.
سيرة ذاتيّة
أديب كمال الدين
Adeeb Kamal Ad-Deen
شاعر، ومترجم، وصحفي
* مواليد 1953 – بابل – العراق.
* بكالوريوس اقتصاد - كلية الإدارة والاقتصاد - جامعة بغداد
1976.
* بكالوريوس أدب إنكليزي – كلية اللغات – جامعة بغداد 1999.
* دبلوم الترجمة الفورية - المعهد التقني لولاية جنوب أستراليا -
أديلايد - أستراليا 2005.
* أصدر المجاميع الشعرية الآتية:
-
تفاصيل -
مطبعة الغري الحديثة –
النجف 1976
.
-
ديوان عربيّ – دار الشؤون الثقافية العامة –
بغداد 1981
.
-
جيم – دار الشؤون الثقافية العامة – بغداد
1989.
-
نون - دار الجاحظ – بغداد 1993.
-
أخبار المعنى - دار الشؤون الثقافية العامة –
بغداد 1996.
-
النقطة (الطبعة الأولى) -
مكتب د. أحمد الشيخ - بغداد
- باب المعظّم 1999.
-
النقطة (الطبعة الثانية) - المؤسسة العربية للدراسات والنشر- بيروت
2001.
-
حاء – المؤسسة العربية للدراسات والنشر - بيروت 2002.
- ما
قبل
الحرف
..
ما
بعد
النقطة
-
دار
أزمنة
للنشر
والتوزيع
-
عمّان
–
الأردن 2006.
- شجرة الحروف - دار أزمنة للنشر والتوزيع - عمّان – الأردن 2007.
- أبوّة
Fatherhood
- (بالإنكليزية) دار سيفيو- أديلايد- أستراليا 2009.
- أربعون قصيدة عن الحرف - دار أزمنة للنشر والتوزيع - عمّان- الأردن
2009
- أربعون قصيدة عن الحرف-
Quaranta poesie sulla lettera
(بالإيطالية: ترجمة: د. أسماء
غريب)- منشورات نووفا إيبسا إيديتوره - إيطاليا 2011.
-
أقول الحرف وأعني أصابعي - الدار العربية للعلوم ناشرون - بيروت –
لبنان 2011.
-
مواقف الألف - الدار العربية للعلوم ناشرون - بيروت - لبنان 2012.
- ثمّة خطأ
Something Wrong
- (بالإنكليزية) دار ومطبعة
Salmat
- أديلايد – أستراليا 2012.
-
الحرف والغراب - الدار العربية للعلوم ناشرون - بيروت - لبنان 2013.
- تناص مع الموت: متن در متن موت (بالأورديّة: ترجمة : اقتدار جاويد) -
دار كلاسيك - لاهور - باكستان 2013.
- إشارات الألف – منشورات ضفاف – بيروت –
لبنان 2014
- الأعمال الشعرية الكاملة: المجلّد الأوّل- منشورات ضفاف – بيروت –
لبنان 2015
- رقصة الحرف الأخيرة - منشورات ضفاف – بيروت – لبنان 2015
- في مرآة الحرف - منشورات ضفاف – بيروت – لبنان 2016
* كتب صدرت عن تجربته:
- (الحروفيّ: 33 ناقداً يكتبون عن تجربة أديب كمال الدين الشعرية)-
إعداد وتقديم الناقد د. مقداد رحيم - المؤسسة العربية للدراسات والنشر-
بيروت 2007. والنقّاد المشاركون هم: أ. د. مصطفى الكيلاني، أ. د. عبد
العزيز المقالح، أ.
د.
بشرى موسى صالح
، أ. د. عبد الإله الصائغ، أ. د. حاتم الصكر، د. ناظم عودة، د. حسن
ناظم، أ. د. عبد الواحد محمد، د. عدنان الظاهر، عبد الرزاق الربيعي،
صباح الأنباري، علي الفواز، وديع العبيدي، عيسى حسن الياسري،
د.
خليل
إبراهيم المشايخي، زهير الجبوري،
د.
محمود جابر عباس،
د.
صالح
زامل حسين، هادي الربيعي، فيصل عبد الحسن، د. إسماعيل نوري الربيعي،
نجاة العدواني،
د. حسين سرمك حسن،
رياض
عبد الواحد، واثق الدايني، ريسان الخزعلي، أ. د. محمد صابر عبيد،
د. عيسى
الصباغ، عدنان الصائغ،
يوسف الحيدري، ركن الدين يونس، معين جعفر محمد، ود. مقداد رحيم.
- (الحرف
والطيف: عالم أديب كمال الدين الشِعريّ "مقاربة تأويليّة")– أ. د.
مصطفى الكيلاني (نشر اليكتروني) 2010.
- (الاجتماعيّ
والمعرفيّ في شعر أديب كمال الدين) – د. صالح الرزوق- منشورات ألف
لحرية الكشف في الإنسان– دمشق وقبرص 2011.
- (أضفْ نوناً: قراءة في "نون"
أديب كمال الدين) – د. حياة الخياري -
الدار العربية للعلوم ناشرون- بيروت - لبنان 2012.
- (تجلّيات الجمال والعشق عند أديب كمال الدين) - د. أسماء غريب -
منشورات ضفاف - بيروت - لبنان 2013.
- (إشكاليّة الغياب في حروفيّة أديب كمال الدين) - صباح الأنباري -
منشورات ضفاف - بيروت - لبنان 2014.
- (آليات التعبير في شعر أديب كمال الدين)- د. رسول بلاوي -
منشورات ضفاف - بيروت - لبنان 2015.
- (أيقونة
الحرف وتأويل العبارة الصوفيّة في شعر أديب كمال الدين)- د. عبد القادر
فيدوح-
منشورات ضفاف – بيروت- لبنان 2016.
- (التداولية
الحوارية : تأويل خطاب المتكلّم في شعر أديب كمال الدين)-
د. هاني آل يونس - دار دجلة- عمّان – الأردن 2016
* فاز بجائزة الإبداع الكبرى للشعر، العراق - بغداد 1999.
* نال تكريم برلمان ولاية نيو ساوث ويلز عن منجزه الشعري والصحفي
المتميز، أستراليا- سدني 2016.
*
شهادات جامعية:
- د. حياة الخياري: (الرموز الحَرْفية في الشعر العربي المعاصر) رسالة
دكتوراه بمرتبة الشرف الأولى من كليّة الآداب والعلوم الإنسانية، سوسة،
الجمهورية التونسية 2011. تناولت الرسالة أعمال أدونيس، أديب كمال
الدين، أحمد الشهاوي.
- مشتاق طالب محسن: (التناص في شعر أديب كمال الدين) رسالة ماجستير
بتقدير جيد عال من كليّة التربية، ابن رشد، جامعة بغداد، العراق 2014.
- نوال فاضلي : (توظيف الموتيف في شعر أديب كمال الدين) رسالة ماجستير
بتقدير جيد جداً من كليّة الآداب والعلوم الإنسانية، الجامعة الأراك،
إيران 2015
- ليلا یادگاري: (دلالات الألوان في شعر أديب كمال الدين) رسالة
ماجستير بتقدير امتياز من
كليّة الآداب والعلوم الإنسانيّة، جامعة خليج فارس- بوشِهر، إيران 2016
-
فاطمة بو عذار:
(توظيف التراث في شعر أديب كمال الدين) رسالة ماجستير
بتقدير جيد عال
من كليّة الشريعة، جامعة چمران، إيران 2016.
- إبراهيم خزعل العبيدي: (التشكيل الاستعاري في شعر أديب كمال الدين)
رسالة ماجستير
بتقدير جيد جداً عالي من كلية التربية للعلوم الإنسانية، جامعة ديالى،
العراق 2016 .
-
ياس عوض رشيد: (المرجعيات الثقافية في شعر أديب كمال الدين)
رسالة ماجستير
بتقدير جيد جداً من كلية الآداب، جامعة البصرة، العراق 2016 .
- هاجر قواسمية: (الخصائص الأسلوبية في ديوان"الحرف والغراب" لأديب
كمال الدين) رسالة ماجستير من كلية الآداب واللغات، جامعة سوق أهراس،
الجزائر 2016.
* محاضرات عن تجربته:
- واثق الدايني: (فلسفة المعنى بين النظم
والتنظير- دراسة في مجموعة "أخبار المعنى" لأديب كمال الدين–(
محاضرة أُلقيت في الاتحاد العام للأدباء والكتّاب في العراق ببغداد 2
تشرين أول – أكتوبر 1996.
- زهير الجبوري: (قراءة في "ما قبل الحرف.. ما بعد النقطة") محاضرة
أُلقيت في قاعة نقابة الفنانين بمحافظة بابل- العراق 16 آذار- مارس
2007.
- عبد الأمير خليل مراد، جبّار الكوّاز، عباس السلامي– (قراءة في
مجموعة "ما قبل الحرف.. ما بعد النقطة")- محاضرة أُلقيت في نقابة
الفنانين بمحافظة بابل- العراق 2007.
- زهير الجبوري: (شعرية الحروف: قراءة في شعر أديب كمال الدين) -
محاضرة أُلقيت في الاتحاد العام للأدباء والكتّاب في العراق ببغداد -
27 تشرين أول- أكتوبر 2007.
- مازن المعموري- (صناعة الكتاب الثقافي: كتاب "الحروفي" أنموذجاً) –
محاضرة أُلقيت في
الاتحاد العام للأدباء والكتّاب ببغداد- 30 كانون الثاني 2008.
- أمسية نقدية خاصّة بعنوان: (تداخل الفنون في شعر أديب كمال الدين)
أقامها اتحاد الأدباء والكتّاب في محافظة ديالى، وشارك فيها:
1- القاص صلاح زنكنة بدراسة عنوانها: (المنحى السرديّ في مجموعة: "شجرة
الحروف").
2- الناقد سمير عبد الرحيم أغا بدراسة عنوانها: (تـشكيل الحرف وتشكيل
اللون: قراءة تشكيلية في مجموعة: "أربعون قصيدة عن الحرف").
3- الشاعر أمير الحلاج بدراسة عنوانها: ("النقطة" وجدلية اصطياد
المعنى). أُقيمَت الأمسية في مقرّ الاتحاد بتاريخ
22 شباط 2011.
- مالك مسلماوي- قراءة في (ما قبل الحرف.. ما بعد النقطة)- محاضرة
أُلقيت بدار بابل للثقافة والفنون والإعلام بمحافظة بابل،
14 مايس 2011.
- أمسية نقديّة خاصّة عن مجموعة "الحرف والغراب" أقامها أساتذة قسم
اللغة العربية في كلية التربية – جامعة ديالى. والأساتذة المشاركون هم:
1- د. وسن عبد المنعم الزبيدي التي كانت ورقتها بعنوان (أديب كمال
الدين في الحرف والغراب).
3- د. أنمار إبراهيم أحمد الذي كانت ورقته بعنوان (الدلالة السيميائية
المضمرة في الحرف والغراب).
4- د. علي متعب العبيدي الذي كانت ورقته بعنوان (حينما يذبل عود
الياسمين: تصورات عن الحرف والغراب).
5- أ. د. فاضل التميمي الذي كانت ورقته بعنوان (حمامة الشاعر وغرابه:
قراءة في مجموعة: الحرف والغراب). أدار الأمسية التي أُقيمَتْ في اتحاد
أدباء وكتاب ديالى بتاريخ 10 - 10 -2013 الناقد أ. د. فاضل التميمي.
- أمسية خاصّة احتفاء بصدور مجموعة (في مرآة الحرف) أقامها بيت بابل
الثقافي في محافظة بابل وشارك فيها الأدباء:
عبد الأمير خليل مراد، د. وسام حسين العبيدي، مالك مسلماوي، ركن الدين
يونس، سعود بليبل، معين جعفر محمد،
كامل الدليمي. وقد قدّم الأمسية التي أقيمت في 12 نيسان- أبريل
2016، الشاعر عبد الهادي عباس.
* أمسيات خاصّة ومهرجانات:
- أمسية خاصّة بمناسبة صدور مجموعة تفاصيل - محافظة بابل – 1976.
- مهرجان الأمّة الشعري- فندق الرشيد - بغداد 1984.
- مهرجان المربد – (عدّة دورات).
- ربيع الشعر: ملتقى الشعر العراقي الفرنسي – بغداد – القصر العباسي
2000.
- أمسية خاصّة بمناسبة صدور مجموعة (النقطة) -
اتحاد الكتّاب والصحفيين العراقيين (المنفى) -
الأردن – عمّان - نيسان 2002.
- مهرجان الشعر العربي – بيت الشعر الأردني- الأردن – عمّان 2002.
- ملتقى الشعر الأسترالي– مدينة تاونسفيل - أستراليا 2003.
- ضيف أمسية في جمعية الشعر- أديلايد - أستراليا - كانون أول 2004.
- ضيف أمسية
Gallery de la Catessen
- أديلايد – أستراليا – آب 2006.
- حفل توقيع صدور ترجمة (أربعون قصيدة عن الحرف) إلى اللغة الإيطالية -
بالرمو - إيطاليا برفقة المترجمة د. أسماء غريب والشاعر الإيطالي
فينشينسو بومار
والناقد الإيطالي
ماريو مونكادا دي مونفورته الذي
قدّم قراءة نقدية للمجموعة. الاحتفالية من تقديم الكاتب الإيطالي
فينشينسو بريستد جاكُمو 10 آذار 2012.
- أمسية خاصّة في قاعة جامعة لاهاي- هولندا. تقديم الروائي محمود
النجار، والشاعر مهدي النفري الذي قدّم قراءة نقدية بعنوان (الحلم في
شعر أديب كمال الدين) 17 آذار 2012.
- حفل توقيع صدور مجموعة: (ثمّة خطأ)، اتحاد كتّاب ولاية جنوب أستراليا
- أديلايد- أستراليا. تقديم الناقدتين الأستراليتين: د. آن ماري سمث
ود. هِثر جونسن 12 تشرين أول– أكتوبر 2012.
- مهرجان الجواهري الثالث والرابع، منتدى الجامعيين العراقي الأسترالي،
سدني، أستراليا، 2015 و2016.
* أنطولوجيات:
-
معجم البابطين للشعراء العرب المعاصرين- مؤسسة جائزة عبد العزيز سعود
البابطين للإبداع الشعري- جمع وترتيب: هيئة المعجم– المجلد الأول-
الطبعة الأولى- 1995- مطابع دار القبس للصحافة والطباعة والنشر-
الكويت.
- مختارات من الشعر العراقي المعاصر– إعداد: أ. د. محمد صابر عبيد –
اتحاد الكتّاب العرب- دمشق – سوريا.
- بلد آخر
Another Country
- (بالإنكليزية)-
تحريرTom
Keneally, Rosie Scoot
- منشورات مجلة
Southerly
- سدني – أستراليا 2004.
- أنثولوجيا الأدب العربي المهجري المعاصر- إعداد: لطفي حداد - دار
صادر- بيروت، لبنان 2004.
- أنطولوجيا للشعر العراقي المعاصر- (بالإسبانية): إعداد وترجمة
Esteban Castroman
منشورات
Clase Turista
- بوينس آيرس- الأرجنتين.
- العراق - (بالإنكليزية) - أنطولوجيا للشعر العراقي المعاصر - إعداد
وترجمة سهيل نجم وصادق محمود وحيدر الكعبي – منشورات أتلانتا ريفيو –
ربيع وصيف 2007 – الولايات المتحدة.
- على شواطئ دجلة - (بالإسبانية) - أنطولوجيا للشعر العراقي المعاصر –
إعداد وترجمة عبدالهادي سعدون- بمشاركة محسن الرملي والمستعرب الإسباني
أغناثيو غوتيريث – منشورات البيرو إي لارانا – كاراكاس- فنزويلا- آب
2007.
- أفضل القصائد الأسترالية لعام 2007 (بالإنكليزية) -
The Best Australian Poems 2007
– إعداد وتقديم الشاعر والكاتب الأسترالي : بيتر روز
Peter Rose
- ملبورن، أستراليا- تشرين أول - أكتوبر 2007.
- الثقافة هي-
Culture is
(بالإنكليزية)- إعداد: الناقدة الأسترالية: د. آن ماري سيمث.
Anne-Marie Smith
- منشورات ويكفيلد برس، أديلايد- أستراليا- تشرين أول- أكتوبر 2008.
- عراقيون غرباء آخرون (أنطولوجيا الشعر العراقي الجديد) (بالإسبانية)،
إعداد وترجمة: عبدالهادي سعدون، دار كوسموبويتيكا، قرطبة، إسبانيا،
2009
- القيثارة والقربان: الشعر العراقي منذ السبعينيات حتى اليوم
(مختارات)، تقديم وتحرير سهيل نجم، منشورات ضفاف،
الشارقة- بغداد 2009
-
لوحة أوروك
Uruk
A Portrait of
- مختارات من الأدب العراقي (بالإنكليزية) - ترجمة: خلود المطلبي - دار
هرست وهوك للنشر، بريطانيا 2011.
-
ديوان الحلّة: أنطولوجيا الشعر البابلي المعاصر، اعداد: د. سعد الحداد،
منشورات دار بابل للثقافات والفنون والإعلام، مطبعة الضياء، النجف،
العراق 2012.
-
أفضل القصائد الأسترالية لعام
2012 (بالإنكليزية)
The Best Australian Poems 2012
. إعداد وتقديم
الكاتب الأسترالي:
جون ترانتر
Jone Tranter
ملبورن،
أستراليا -
تشرين أول
-
أكتوبر
2012.
* مسرحيات:
- (ما قبل الحرف.. ما بعد النقطة)- مسرحية راقصة مُعدّة من قصائد
مجموعة: ( ما قبل الحرف.. ما بعد النقطة)- إعداد: ذو الفقار خضر. قام
بأدائها الفنانان ذو الفقار خضر وميثم كريم الشاكري اللذان جسّدا
شخصيتي المسرحية: الحرف والنقطة. أخرجها ذو الفقار خضر على خشبة نادي
الفنانين بمحافظة بابل، العراق 21 نيسان – أبريل 2007.
- (الحقائب السود) سيناريو مسرحية بونتومايم ذات فصل واحد مُعدّة من
نصوص الشاعر أديب كمال الدين -
إعداد:
علي العبادي 30- 5- 2009.
* ترجم إلى العربية قصصاً وقصائد ومقالات لجيمس ثيربر، وليم كارلوس
وليمز، آن سرايلير، والاس ستيفنز، إيلدر أولسن، أودن، كاثلين راين،
اليزابيث ريديل، جيمس ريفز، غراهام غرين، وليم سارويان، دون خوان
مانويل، إيفا دافي، فلادمير سانجي، مارك توين، موري بيل، إيغرا لويس
روبرتس، أدولف ديغاسينسكي، جاكوب رونوسكي، روست هيلز، ألن باتن وعدد من
شعراء كوريا واليابان وأستراليا ونيوزيلندا والصين وغانا.
* أعدّ للإذاعة العراقية العديد من البرامج: "أهلاً وسهلاً"، "شعراء من
العراق"، "البرنامج المفتوح"، "ثلث ساعة مع..."، "حرف وخمس شخصيات".
* عمل في الصحافة منذ عام 1975 وشارك في تأسيس مجلة (أسفار).
* عضو نقابة الصحفيين العراقيين، والعرب، والعالمية.
* عضو اتحاد الأدباء في العراق، وعضو اتحاد الأدباء العرب.
* عضو جمعية المترجمين العراقيين.
*
عضو اتحاد الكتّاب الأستراليين - ولاية جنوب أستراليا، وعضو جمعية
الشعراء في أديلايد.
* تُرجمت قصائده إلى الإنكليزية والإيطالية والفرنسية والإسبانية
والكردية والفارسية والأوردية.
* يقيم في أستراليا.
* موقعه الشخصي
www.adeebk.com
|