(أضف نوناً:
قراءة في "نون" أديب كمال الدين) للدكتورة
التونسية حياة الخياري- صادر عن دار
العربية للعلوم ناشرون، بيروت 2012- عبارة
عن عمل أكاديمي عن مشغل الشاعر العراقي
أديب كمال الدين. وهو عمل تبشيري بكون
أعمال هذا الشاعر أخذت تحتّل اهتماماً
أكثر جدّية وسعة من قبل، بل إن نصوصه باتت
تكوّن مادة خلافية في مناهج النقد
للمهتمين. وكتاب الخياري نموذجي من هذه
الناحية.
وعلى الرغم من
كثرة الكتابات حول تجربة الشاعر أديب كمال
الدين, إلا إنه يبدو أن الدكتورة لم تستفد
منها كثيراً, وقد يكون العُذر في ذلك
مخافة الاطالة في دراسة أكاديمية محصورة
بكمية صفحات وكلمات مُعينة.
وقد كابدت
الدكتورة جهداً في تحليلها لتجربة الشاعر
لكنها مع صبر سنوات خمس نجد أنها كانت في
عجلة من أمرها في بعض المواطن. ولنقدّم,
كي لا نسقط في التعسف, بعضَ النماذج على
هذه الدعوى:
تقول الدكتورة
حياة الخياري
ص12: إن الشاعر
أديب كمال الدين إذ يعتمد ثنائية الحرف
والرمز فهو عمل يتضمّن الظاهر والباطن
والتصريف والتكثيف. وهو استنتاج غريب
ومستغرب: غريب أن الدكتورة الكاتبة
استفتحت كتابها بكون شاعرنا يعتمد في
استخدامه الشعري للحرف على المقولة
القرآنية بكون الرمز هو توليد وأحياء.
والتوليد والإحياء مسألة خاصة بالنسبة
للظاهر والباطن التي هي أعمّ بكثير. لذلك
نجد أن الشاعر أديب كمال الدين أكثر
الشعراء المعاصرين استخداماً لثيمة الحرف
لكنه بقي يختلف عن بقية الشعراء الذين
ملأوا سِلال قصائدهم بتراث النِّفَّريّ
وابن عربي والحلاج. لا يوجد في أيّ نص
لأديب كمال الدين ما يُمكن أن يُقرأ على
أساس الظاهر والباطن الصوفية.(المؤلفة
تقارن بعض الأحيان بين نصوص أدونيس ونصوص
كمال الدين, وهي محاولة جريئة فعلاً لكن
فيها الكثير من الالتباس, خصوصاً وإنها
تخلط أعتمادات الرؤى مع اعتمادات الرؤيا
مثلاً).
يُمكن بسهولة
لمس الاختلاف الكبير بين عشرات الشعراء
الذين حاكوا وقلّدوا نص المواقف
والمخاطبات للنفّريّ, وبين طريقة أديب
كمال الدين. الطرف الأول يتماهى مع
النِّفَّريّ, يحاول أن يكون جزءاً جديداً
من المتصوّف القديم. والثاني يطلب من
المتصوف التراثي أن يكون جزءاً من أسلوبه
الخاص في الكتابة.
وهو قول
مستغرب أيضاً لكون الدكتورة حياة هي ذاتها
مَن يذكر نصوص شاعرنا الحاوية لمفردات
قرآنية التي تحيل إلى النص القرآني بكثرة
لكنها تجعل الشعر يقرأ النص المقدس بطريقة
خاصة, يكون الشّعر قراءة عن تجربة ذاتية,
ليس ذاتية المتصوفة القائمة على بُنى
معرفية معروفة, بل ذاتية أداتها التشكّلات
الأدبية المُعتصرة في آلام التجربة
الحياتية للشاعر. فالشاعر لا يُضيف نوناً
إلى كون مُنجز, لا يضيف جزءاً إلى كل,
وإنما يخلق نونه الخاصة التي هي عالمه
وشخصيته حيث الكتابة وشمٌ لجسد يغازله
ويعتمد عليه باستمرار. لذا فالحرف لدى
شاعرنا هو معنى خاص, معناه هو لا يتكشّف
إلا في سياق كتاباته هو لا خارجها ولا
بنوع من التضمين يجاورها. ولا أريد لكلامي
أن يحوي بعض القسوة المنّفرة و إلا لقلتُ
أن هناك ما نراه التناقض بين كون تجربة
الشاعر هي إضافة نون إلى الكون, وبين كونه
يكتب بحسب آلية الظاهر والباطن, فالمعنى
التأويلي الصوفي لا يُضيف بل هو يولّد فقط
كما كتبت الدكتورة نفسها !
فالشاعر هنا
يوطّن الكتابة أن تكون أسلوبه الخاص
وعلامته الفارقة وليس كما تقول الدكتورة
حياة الخياري إن الشاعر ص12 (إعادة الحياة
للموروث الرمزي ولكن في أوج التماهي مع
اللحظة الجمعية). وهو قول فيه انزلاق
تعبوي وتحشيد حماسي, وأديب كمال الدين هو
التجربة الكبيرة في الابتعاد عن كل صخب
مرتبط بهذا الموضوع. ولستُ أدري كيف خرجت
الكاتبة بهذه النتيجة بدون طرح أيّ مقدمة
توصل إليها. ثمّة نوع من الاعتباطية بين
بعض التحليلات وبين بعض النتائج رغم عدم
خلوها من التلميح الذكي والطريف. وقد يكون
بعض التعثّر مرّده إلى استخدام بعض
الأدوات قبل فحص مناسبتها مع نص شاعرنا
(مثلاً في ص44, تستخدم مصطلح التبئير هكذا
بدون أية مقدمة لتسويغ القول واستخدام
المصلطح. بالإضافة إلى عثّة الانشائية
التي تعاني منها غالبية الكتابة
الأكاديمية).
من الملاحظتين
السابقتين يتبيّن لنا إنه لا يمكن لنا
موافقة الدكتورة الكاتبة على استعمالها
التراث الصوفي, وإن كنّا نجد إنه من
الموضوعية الأعجاب بطريقة إرجاع نصوص
شاعرنا إلى جملة من الآيات القرآنية
وطريقة تحليلها لهذا الموضوع. بالإضافة
إلى اختيارها لشاعر حيّ معاصر هو اليوم
وتدٌ من أوتاد خيمة الاختلاف النقدي
للمختصين.
شكراً
للدكتورة حياة الخياري التي أضافت لنا
مادة جديدة للمناقشة سيّما وأن بحثها هو
بحث رائد في حقله الأكاديمي والنقدي
والشعري. إذ غالبا ما يتجنب الباحثون
الأكاديميون الخوض فيه لأنه يتطلب منهم
احاطة معرفية عميقة بعلوم القرآن المجيد
والتصوّف والحروف والشعر والنقد والتراث.
كما أن أديب كمال الدين استخدم الحروف
استخداما خاصا فحاور مستويات الحرف
الصوفية والتراثية والروحية والتشكيلية
والدلالية والخارقية والطفولية، وهو – أي
الشاعر- يعتقد أن كل حرف يتملك هذه
المستويات كما صرح بذلك في لقاءات صحفية
عديدة أُجريت معه. فكان هناك بالنتيجة نون
مقدسة أي نون العرفان والتصوف، ونون
النسوة، ونون الحرف، ونون التشكيل (الهلال
والنقطة)، ونونات أخرى. وقد تابعت
الدكتورة حياة هذه النون بصورها وأشكالها
المختلفة في مجاميع الشاعر: نذكر منها،
(أخبار المعنى)، (النقطة)، (ما قبل
الحرف.. ما بعد النقطة)، (نون), (شجرة
الحروف)، (أربعون قصيدة عن الحرف)، (أقول
الحرف وأعني أصابعي)، ( مواقف الألف)
لتخرج إلى القراء بكتابها النقدي المتميز,
الذي فيه من الملاحظات النافذة أكثر بكثير
من ملاحظتنا العابرة هنا .
*******************************************************
*(أضف نوناً:
قراءة في "نون" أديب كمال الدين) – تأليف:
د. حياة الخياري. منشورات الدار العربية
للعلوم ناشرون – بيروت ، لبنان 2012