في مجموعته
الجديدة "الحرف
والغراب" الصادرة
حديثاً في بيروت عن
الدار العربية للعلوم
ناشرون، يستحضر
الشاعر العراقي
المقيم في أستراليا
أديب كمال الدين
(مواليد 1953 – بابل
– العراق) أربعين
قصيدة كتبها بين 2011
و2012. المجموعة
الجديدة هي الخامسة
عشرة في مسيرة الشاعر
باللغتين العربية
والانجليزية منذ أولى
مجاميعه الشعرية
"تفاصيل" سنة 1976،
وفيها يشكّل الموت
ثيمة محورية ومركزية
لدى الشاعر الذي يمضي
ساعياً نحو كشف وجوهه
وإماطة اللثام عنها.
ولا يقصد الموت على
مستوى الفرد والذات
البحت، بل على مستوى
العالم الذي لا يكفّ
الشاعر عن مساءلته،
وكذلك في انعكاس غياب
الآخرين على الشاعر
نفسه، خاصة إذا كان
موتهم مرتبطاً
بخسارات كان في
الإمكان تجاوزها أو
انكسارات كان يمكن
ترميمها. الشاعر هنا
لا يتوانى عن استحضار
شخوص راحلين كنماذج
تشكّل معادلات
موضوعية للموت كنهاية
أو خاتمة لا محيد
عنها:
أيّها الموت،
أيّها الوحشُ
المُهذّب،
كيفَ تغيّبُ
مُكلّمي وتؤامَ روحي
ومرآةَ حرفي؟
كيفَ تغيّبُ
قلباً،
كلّ نبضةٍ
فيه حاء،
وكلّ حاءٍ
فيه باء،
وكلّ باءٍ
فيه بَسْملَة
الأنبياء؟
عُرِفَ عن
أديب كمال الدين
الملقَّب ب"الحروفي"
وعن قصائد ارتباطها
بالحرف، وهو المفتتح
الذي ينسحب على عنوان
مجموعته الشعرية
الجديدة "الحرف
والغراب" ويشي بها.
لكن كلمة الحرف وإن
جاءت مرتبطة بألف لام
التعريف، سوى أنها
ظلت نكرة لجهة تحديد
أي حرف مقصود
بالدلالة أو المفتتح
هنا، والذي سيكون
جسراً للعبور والكشف.
العنوان إذاً يشي
بغراب معطوف على حرف،
أي بسابق ومسبوق،
فالحرف كان في البدء
فهو ليس بمنجى من
المساءلة لأن وجه من
وجوه الحقيقة حتى وإن
كان ذلك الحرف هو حرف
"الألف" الذي يتقدّم
الحروف جميعاً في
تراتيبه الهجائية
وارتباطه بأول الخلق
نوح:
رأيتُ الألفَ
يبكي في مستشفى
الغرباء
ويسألُ في
ألمٍ فادحٍ:
ما الذي جاءَ
بهذا الملك المسكين
إلى هذه
المهزلة؟
أما الغراب
فهو من الرموز
الأثيرة لدى الشعراء
من دون سواهم، ويغصّ
بإحالات ودلالات
عديدة: وجودية
(الظلام- العدم–
الانهزام) أو منسربة
من الموروث الشعبي
(الشؤم- النحس) أو
ميثيولوجية (قصة
النبي نوح حين أرسل
غراباً بعد واقعة
الطوفان ليأتيه بخبر
حول ما إذا كانت
اليابسة قريبة) كالتي
سخّرها الشاعر أديب
كمال الدين في
قصيدته: "الغراب
والحمامة" قائلاً:
حينَ طارَ
الغرابُ ولم يرجعْ
صرخَ الناسُ
وسط سفينة نوح
مرعوبين.
وحدي – وقد
كنتُ طفلاً صغيراً-
رأيتُ جناحَ
الغراب،
أعني رأيتُ
سوادَ الجناح،
فرميتُ
الغرابَ بحجر.
هل أصبتُه؟
لا أدري.
هل أصبتُ منه
مَقْتَلاً؟
لا أدري.
لماذا كنتُ
وحدي الذي رأى
سوادَ الغراب
ولم يره
الناس؟
لا أدري.
كما لا تخلو
بعض قصائد المجموعة
من استحضارٍ لأسماء
كانت لها بصمتها في
الحياة، مثل: لوركا،
الغزالي (ناظم)،
فيروز، دوستويفسكي،
سلفيا بلاث، وأخرى
استدعاها الشاعر
ليمارس ضدّها نوعاً
من النقد أو المقارعة
اللاذعة، كما هو
الحال مع الشاعر
العراقي يوسف الصائغ
صاحب السيرة الذاتية
"الاعتراف الأخير
لمالك بن الريب":
أيّها
الشاعرُ اليوسفيّ:
لِمَ خذلتَ
نفسَك؟
لِمَ خذلتَ
مالكاً معك؟
لِمَ خذلتَ
سيّدةَ التفّاحاتِ
الأربع؟
لِمَ أيّها
اليوسفيّ؟
هل كانَ
مشهدُ الذهبِ لا
يُحتَمل؟
أم كانَ
مشهدُ الرعبِ لا
يُحتَمل؟
أم أردتَ
الذي كانَ فوقَ
الجَمل؟
*******************************
الديوان :
الحرف والغراب
الشاعر :
أديب كمال الدين
الناشر:
الدار العربية للعلوم
ناشرون، بيروت، لبنان
2013.
|