أيّتها المرآة
شعر: أديب كمال الدين
(1)
أيّتها المرآة
تذكّرتك الآن.
تذكّرتُ اسمَكِ وكان مزيجاً من الضحكِ والبكاء
وتذكّرتُ قُبْلَتَكِ وكانتْ مضيئةً بالوهم
وتذكّرتُ موتكِ أيضاً.
وتذكّرت،
نعم، تذكّرتُ كلَّ شيء
وأنا أنظرُ إليكِ وفيكِ وبك.
تذكّرتُ شبابي الذي سقطَ من النافذةِ الخلفية
لمسرحيةِ الغربة في العَرَبة،
والعَرَبة في العائلة،
والعائلة في الجسد،
والجسد في الغربة.
تذكّرتُ أيضاً
(يا للسرور!)
صباي في الغرفةِ المعلّقةِ بسماءِ الحرمان،
ومنظر الصبيان يلعبون في الشارع
وأنا أنظرُ إليهم دون عينين.
كما تذكّرتُ
(وهذه إضافةٌ مهمة)
ركضي من شارعٍ إلى شارع
حين سمعتُ باسمٍ من أسمائك
فَرِحاً كأنّما مُنحتُ خاتم سليمان!
(أهو العباءة؟!)
(2)
هذه فرصةٌ لا تتكرّرُ للوضوح.
ولذا سأتذكّرُ معكِ غرقي في النهر
ثم خروجي منه إلى سرِّ الأنثى
وهي تلبطُ فيه مثل السمكة،
السمكة التي ستسحرني
ثم تذرُّ رمادي وقصائدي
في عذابٍ أخّاذ.
كما سأتذكّرُ طفولتي: دمعتي
وهي تحاصرني كلّ ليلة
من ليالي الشتاء
لأنني ولِدتُ لحرفٍ قاسٍ
ولنقطةٍ أكثر قسوة.
كما سأتذكّر
أمام سيل أمواجكِ أيّتها المرآة
يدَ الغريقِ تصرخ
ذات اليمين وذات الشمال
(أتراها يدي؟)
كما سأتذكّر أنني تهتُ في اسمِ الله
رغم حنيني إليه،
حنيني الذي ربّما يشبه حنينه إليّ.
(3)
إذن، تهتُ وأنا أنظرُ إليك،
ففيكِ رأيتُ لهيبَ النار
ولمعان الذهب
وشبّاكَ الحلم
ودائرةَ الرغبة
ومثلثَ الجسد
ولامَ الحرف
وشينَ النقطة
وطائرَ الموت.
ومع أنّكِ، أيّتها المرآة،
تشبيهن المرأةَ إلى حدٍّ كبير،
بل كأنّكِ المرأة نفسها،
لكنّكِ
(وهذا هو الفرق الوحيد)
صادقة حدّ اللعنة
وهي (كما أظنّ) كاذبة حدّ اللعنة.
مع ذلك،
فإنني أفضّلُ أن أترككِ الآن
لأنّ حديثَ التذكّرِ مُتعِبٌ ولا نهاية له
مثل أيّ حديثٍ مخيفٍ آخر.