يا شاعرَ الحروفِ
المريرة
رأيتُكَ البارحة
تحملُ حقيبتَكَ
السوداءَ من جديد
حزيناً كقاربٍ مُحطّمٍ
على ساحلٍ مهجور.
خفتُ أن أسألك
عن اتجاهِكَ الجديد،
أعني عن منفاكَ
الجديد.
خفتُ أن أسألك
فقد كنتَ تتعكّز على
ضياعِكَ الأبديّ
وعلى صمتِكَ الذي لا
يطيقُهُ الجبل
وعلى وحدتِكَ ذات
السياط السبعة.
خفتُ حتّى أن ألقي
عليكَ السلام
فَمَن يضمنُ لي أنّكَ
ستعرفني
بعدَ أن أفترقنا منذ
أيام نوح،
منذ أن ضاعَ يوسف
وباعه إخوةُ الذئبِ
إلى ظلامِ البئر،
منذ أن رُفِعَ رأسُ
الحسين على الرماح،
منذ أن صُلِبَ زيد
الشهيد على بابِ الكوفة،
منذ أن صُلِبَ
الحلّاجُ ورماهُ مريدوهُ بالورد،
منذ أن قُتِلَ الملكُ
المسكينُ بين خالاته وعمّاته،
منذ أن اشتعلتْ بغداد
سبعين مَرّة
بالحربِ والرعبِ
والنهبِ والزلزلة،
منذ أن غادرتُ أو
غادرتَ
بابل الأسطورة
والبَلْبَلة
وعلى بابها الكبير
كانَ كلكامش وأنكيدو
والأفعى
يشيرون إلى صورةِ
مأساتهم
التي لا تكفُّ عن
التكرارِ في كلِّ يوم
وكأنّهم يبوحون بسرٍّ
خطيرٍ إليك.
فقلْ لي:
أيّ سرٍّ كانوا يبوحون
به؟
ولِمَ أنت،
دونَ غيرك،
مَن يُباحُ له بالسرِّ
العظيم
يا شاعرَ الحروفِ
المريرة؟
|