أبجديّة البحر

    

      

   شعر: أديب كمال الدين

 

  إلى: جواد الحطاب

      

 

 

* تغريدة

 

البحرُ غرّدَ في دَمي والبحرُ يقتاتُ الحنينْ.

مالي أراكَ مُعَذَّباً والموجُ سيّدُنا الدفينْ؟      

  

 

* المُغنّي

 

البحرُ أشرقَ ثُمَّ أرعدَ في دَمي

وأنا المُغنّي قد أفوقُ الدهرَ في حلمي العتيّْ

حيناً، وحيناً اشتكي نفْسي لنفْسي

شجراً يهزُّ العاصفةْ

مِن جِذعِها حتّى أظنّ بأنَّ ليليَ ينحني!

 

* جريمة

 

مِن أيّ إناءٍ أسطوريّ وُلِدَتْ ذاكرةُ الموجة؟

مِن أيّ بلادٍ قد قَدمتْ؟ في أيّ زمانْ؟

ولماذا تختارُ الليلَ مكاناً

كي تطلقَ فيهِ النارَ على الأغصانِ وتتركني

أتلوّى بدمي وأدمدم مصروعاً في لوحِ السَّـفرِ؟

  

* الساعة

 

الماءُ يعلو ثُمَّ يعلو

والموجُ مُختالٌ فخورْ

والبحرُ أخرجَ رأسَه حتّى يرى ما قد جرى.

لا تبتئسْ يا قلب هذي ساعة بَطُلتْ، أسنّتُها البعادْ.

لا تبتئسْ يا قلب واشعلْ في غياهبها البخورْ.

 

  

* أكاذيب

   

1.

البحرُ يكتبُ قصةَ الأفعى ويغتالُ الغزالْ.

البحرُ جرحٌ غامضٌ ودمٌ ينزُّ.

البحرُ جرحٌ هائلٌ، قبرٌ عظيمْ.

2.

البحرُ لم يرسلْ لنا نجماً صغيراً كانَ أوعدنا بهِ.

البحرُ أوعدنا كثيراً لم يفِ.

البحرُ لم يرسلْ لنا طوقَ النجاةْ.

البحرُ ضيّعنا وضاعْ.

 

 

* السفن البعيدة

 

لكنّما السفن البعيدة

عادتْ محمّلةً بويلاتِ الصدى.

والموجُ يذهبُ حيثُ يأتي،

يأتي ليذهب والطيورْ

أَلَقٌ خرافيٌّ يدورْ.

 

  

* حقيقة

 

البحرُ فرَّخَ في دمي سِرْباً من الموتى!

 

 

* امرأة

 

البحرُ قد يبكي وقد تبكي النجوم

لكنّما لا شيء يبقى للتذكّرِ أو يدوم.

في موتيَ المقتولِ أبحثُ عنكِ يا امرأةً

تفرُّ من الغزاة

ومن الأفاعي والجنونْ.

وأظلُّ أبحثُ أو أغنّي جائعاً عُريانَ

ما بين المفازات البعيدة

وأظلُّ أقتلُ ساعةً في إثْرِها أُخرى تخونْ.

 

 

* لحظة حُبّ

 

البحرُ يخضرُّ ويصفرُّ ويحمرُّ ويقعي

وأنا أقذفُ في كلِّ خلاياه الجواهر.

 

 

  

* الشمس تغوص

 

1.

الشمسُ ترسمُ فوقَ غصنِ البحر حرْفاً من حروف البرتقالْ.

الشمسُ أُنثى لا تُطالْ

ودمٌ يضيع

وفمٌ يئنُّ إلى ابتهالْ.

2.

الشمسُ تهبطُ والغروب

ألَقٌ يذوب.

مَالي أراكَ مُهَيَّأً للنفي والسفرِ البعيدْ؟

مَالي أراكَ مُهَيَّأً كدمِ الشموسْ؟

3.

الشمسُ قد رحلتْ تماماً..

مثلما امرأة مُطلّقة تودّعها ليالي البيت، والأطفالُ، جارتُها الكذوبْ.

الشمسُ قد غربتْ فحانَ دمُ المُغنّي للوثوبْ.

  

 

* أبوّة

 

1.

البحرُ أبٌ قاسٍ يتعمّدُ تخويفي بالسكّين.

البحرُ مواعيد زائفةٌ وإشاراتٌ غامضةٌ من ألقٍ وأنين.

البحرُ حروبٌ مشتعلةْ

وأناسٌ قد هجروا الأوطانْ،

ناموا في الليل عرايا كالأسماكْ.

البحرُ قصائد باتتْ

تتقرّى كفّيها قربَ النارْ

لترى سرَّ شبابي.

البحرُ نساءٌ ينزعن الأغلالْ

يرقصنَ بفجرٍ أسطوريّ أغنيةَ السفنِ الغرقى

وأنين الربّان

ويقلنَ بهمسِ البلّور...

فأقومُ، أنا الطفل المسحورْ،

أتلمّسُ خاصرةَ الرملِ، تلالَ الطين.

2.

اهبطْ فالبحرُ خرافة.

سقطتْ أعذاقُ الروحِ بوسطِ الموجْ،

سقطتْ كلماتُ الحُبّ وطافَ العشبْ

وامّحتِ الساعات.

يا للعنةْ!

لم تأتِ إليَّ بماسِ البحرِ كما فعلَ الناس.

يا للخيبةْ!

وأتيتَ إليّ 

بعيونِ فقيرٍ وحنين شهيدٍ وكلامِ نبيّ

وبأغنيةٍ قالتْ:

"البحرُ دمٌ ينزفُ أبداً من جرحِ إلهْ".

3.

البحرُ أبٌ يذبحني الليلةَ بالسكّينْ!

 

 

  

  

الصفحة الرئيسية

All rights reserved

جميع الحقوق محفوظة

Home