بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

ديوان عربيّ

 

شعر: أديب كمال الدين

 

 دار الشؤون الثقافية العامة، ط 1، بغداد، العراق 1981

 

 

 

الأعمال الشعرية الكاملة : المجلّد الأول

منشورات ضفاف، بيروت، لبنان 2015

الترقيم حسب الطبعة الثانية

لوحة غلاف ط 1 للفنان رافع الناصري وتنفيذ: ايمان عبد الحسين

 

 

 

* ديوان عربيّ                      261

   - ديوان الأسئلة                            263

   - ديوان المقابلات                          266

   - ديوان عربيّ                             272

   - ديوان الأشياء                            274

   - ديوان الرقصات                          276

   - ديوان الأغاني                          283

   - ديوان المراثي                           287

 

 

 

 

 

 

 

ديوان الأسئلة

 

  

 

رؤيا

*** 

 

إذ أرى خفْقةً

تهبطُ الآن في الريحِ تستنفرُ الذاكرة،

خفقةً ناحلة

تسكنُ الصمتَ والتمتمة،

أسألُ الفجرَ هذا الصديق العتيقْ:

ما الذي يعرفُ الطفلُ عن أمّهِ أو أبيهْ؟

*

إذ أرى قُبْلةً هامدة

تسكنُ الليلَ بين الأصابع

مثل صرخات طفلٍ بعيدْ،

أسألُ الفجرَ هذا الصديق العتيقْ:

كم تُرى تبعدُ الشمسُ عن ظلّها؟

كم تُرى تبعدُ الشمسُ عن

لغوها المختفي في الزرازير والنحل

والدخانِ، البنادق؟

كم تُرى تبعدُ الشمسُ عن جرحِها المستفيقْ؟

*

إذ أرى كلْمةً ناتئة

تختفي في سطور الدفاتر،

كلْمةً ذات عينين قد صيغتا وحشةً داكنة،

كلْمةً تحتفي وحدها بانتصاراتها القائظة،

أشتكيها الزرازيرَ والنحلَ والفجر

والدخانَ، البنادق.

أشتكيها، إذنْ، خفْقةً تسكنُ الصمتَ والتمتمة.

أشتكيها، إذنْ، أو أخاف

أنْ تظلّ الصديقْ.

 

 كم

****

 

كم مِن جهدٍ يلزمني كي أمسكَ أياماً راحلةً

كقطارٍ مُسرع

أو مثل ظنون تتمطّى كغطيطِ السكّير؟

كم مِن جهدٍ يلزمني لأغنّي

للقبّعةِ المرميّةِ في الريح؟

*

كم مِن جهدٍ يلزمني كي أذكرَ شيئاً

مرّ هنا أحرقَ كلَّ الأشجارِ وبخّرَ منها الفجرَ وأعطى

لربيعِ الحبّ نشيدَ السكّينْ؟

كي أنسى أنهاراً مرّتْ

وطيوراً قالتْ في أذني شيئاً،

أثداءً باركت النوم؟

 *

كم مِن جهدٍ يلزمني كي أبكي أو أضحك؟

كي أمسكَ كأساً مِن فرحٍ محمومْ،

كي أحرقَ أقنعتي في ليلٍ صافٍ كالثلج،

أخطو في فجرٍ أسْوَد مجنون؟

 

 

 

ديوان المقابلات

 

 

 

  

مقابلة أولى

*******

 الصوت والصدى

***********

 

أ ـ  الصوت

 

في الليلِ الأسْوَد

يتحدّثُ هذا القلبُ الغامض

بحديثٍ غامض

عن مدنٍ وشوارع مرّتْ كقطارٍ مزدحمٍ مهمومْ،

عن أصواتٍ ضاعتْ

ونساء يبكين الظلَّ وأحجار الظلّْ.

*

في الليلِ الأسْوَد

يتحدّثُ هذا القلبُ الغامضُ عن حرفٍ

غطّى عينيه بقبّعةِ الحلمِ البيضاءْ،

عن حرفٍ ممتلئ بأنينِ الماءْ،

عن حرفٍ محترقٍ مجنونْ.

*

في الليلِ الأسْوَد

يتحدّثُ هذا القلبُ الغامض

عن أنهارٍ تأتي أو ترحلُ ضاحكةً

بثيابِ الفجرِ، جبالٍ غطّتْ هامتَها بغيومِ الثلجْ،

وطيورٍ قد طارت هاربةً من وقعِ خُطى الصيّادين.

*

في الليلِ الأسْوَد

يتحدّثُ هذا القلبُ الغامض،

كي ينسى شيئاً أو يتذكّر شيئاً

لينام.

 

 

ب ـ  الصدى

 

مِن أيّ بحارٍ أو وديان أو أشجارْ

يأتي هذا الصوتُ البشريُّ الغامض،

يأتي هذا الحلمُ الأسْوَد

كي يوقظني من صحوي أو نومي؟

*     

مِن أيّ جبالٍ أو أمطارٍ أو أصقاعْ

يأتي هذا الزائر؟

ولماذا يتركني حيناً كالغيمِ العاثرِ، حيناً فستاناً

لعروس مجنوناً بالقُبلات؟

*  

مِن أيّ نبوءاتٍ أو أحجارٍ أو أحداقٍ

يأتي ليشتّت تيجاني، يرميها في الشارع

أو في أمواجِ النهرِ الصاخب،

ليُشتّت ساعاتي، يرميها في الليلِ الموحش

أو يرميها- أبداً- في النارْ؟

 

 

 

مقابلة ثانية

*******

 ملاحظتان عن الأشجار

***************

 

- أ-

كانتْ أشجاري في الشمس

وأنا أتفيّأُ ظلَّ الراحةِ تحتَ مياسمها

فرحاً فالظلُ ودودٌ والشمسُ الذهبيّة..

تهدي قسطاً من ضوءٍ يحوي

شيئاً من فرحي الأسطوريّ،

جسدي النائم في كرسيّ من ذاكرةِ الأشجارْ.

*

هبّتْ عاصفةٌ زرقاء.

أغمضتُ عيوني:

أتغادرني الأشجارْ؟

الجذرُ الأسْوَدُ يربطُها برنينِ الأرض!

أأغادرها؟

وتجيءُ العاصفةُ الزرقاءُ فيبكي قلبُ الأشجارِ بصمتٍ، لكنّ الأغصانْ

لا تملك أنْ تخفي شيئاً فتضجُّ جميعاً. أغمضتُ عيوني:

ستظلُّ هنا الأشجارْ

تحملُ أحرفَها، خفْقَ الكونِ النائم فيها..

إذ مَن يقدر أنْ ينزع منها حرفاً أو حرفينْ

لتصير "شجاراً" أو "شاراً" ؟

تحت الأشجارْ

ثملاً من شدّةِ حزني صرتُ أغنّي:

يا قلبي، يا لغة الأشجارْ

يا أشجاري، يا لغة القلبْ. 

 

- ب -

شجرٌ مقطوعُ الكفّين.

شجرٌ يحوي بضعَ حماماتٍ في بعضِ سماءْ.

شجرٌ يتبّسمُ طفلاً من مرحٍ

أو طفلاً يخفي صيحاتِ الآه.

ويجالسني.

ويجالسني دوماً.

مرّاتٍ إذ يغضبُ مِن لا جدوى الحلم الضيّق.

في شرفةِ نومي يدخلُ كي ينسى

بعضَ الوقت ويوصدها بالمفتاح ِالأخرس.

فأظلّ وحيداً كالأعمى. 

 

 

مقابلة ثالثة

******* 

 

أغنيتان

*****

 

1.

غربة في الجسد

قد أقامَ بأحداقها الليلُ

ضاحكاً كاللهب.

غربة في الجسد

بويعتْ في غيابِ الجسد.

2.

آهِ عادَ السنونو لأعشاشهِ ضاحكاً كالنسيمِ العليلْ.

آهِ عادتْ طيورُ البحارِ البعيدة

والذئابُ الغريبة.

آهِ عادتْ خُطى العاشقِ، العاشقة

والسنين المريرة،

والمغنّي العجوزْ.

آهِ عادتْ خُطى كلِّ شيء. ولكنني

لم أعدْ منذ مليون عام وحيداً

أشيبَ الرأسِ مُكتهلاً بالعذابِ، إذنْ

فلأغنِّ بصوتٍ خفيضٍ لأسأل

كلَّ شيء يمرّ:

هل تراني أعود؟ لماذا؟ لِمَن؟

 

 

  

 

 

 

 

ديوان عربيّ

 

 

   

الساعة يأتي

كالطيرِ الأبيض مُرتحلاً بحنينِ العشبْ

وطنٌ قد غادرهُ النومُ الأبيض.

الساعة يأتي

وطنٌ وأنين،

وطنٌ مرتجفٌ كأنين. 

*

الساعة يأتي

سأقولُ، إذنْ، ورصاصُ الأعداءِ امتلكَ الجسدَ الفاني،

مَن يحضرني في مائدتي الدمويّة:

أشوارع فارقها الجوع،

أشوارع فارقها الخوف،

أشوارع لا تبكي أحداً؟

الساعة يأتي

قمرٌ مرتحلٌ بأنين،

قمرٌ مرتجفٌ كأنين.  

*

مَن؟

- وأكاد أقومُ إلى موتي الممتدِّ على مائدةِ الشارع-

لصٌ أغبر،

شرطيٌّ أخرس، ذكرى فجرٍ ضائع؟

الساعة يأتي

زمنٌ مرتحلٌ بأنين،

زمنٌ مرتجفٌ كأنين.  

*

الساعة يأتي

سأقولُ: ربيعَ الربِّ اشرحْ لي صدري

واشرحْ لي مائدتي الدمويّة، مائدةَ الهجراتْ

واشرحْ لي كيف تقومُ الليلةُ مثل مراكب ذاهلة 

شعثاء الشعرِ، العينين، الشفتينْ.

واشرحْ لي شي...ئاً...

لم يبقَ من الساعة

إلّا خيط اللحظاتِ. سلاماً لربيعِ الربِّ، سلاماً

يا كلّ دمي، زمني، كفّي الدمويّ المغموس

برحيقِ عذابِ الأرضْ.

وأقولُ سلاماً

سأقومُ، الساعةَ، مثل الماء.

 

 

  

 

 

 

ديوان الأشياء

  

 

 

جبل

****

 

كانَ قربَ البيوت القديمة

ساكناً هادئاً دونما وردة أو شجر.

كانَ قربَ البيوت القديمة

واقفاً بانتظار الليالي التي لا تجيء

وهي ملآنة بالقمر،

بالمواعيد أو أيّ شيء.

كانَ قربَ البيوتْ

فجأةً... حاصرته البيوتْ

بخطى من سكون.

فجأةً... احتواه المطر

بين أغصاني الصامتة

وانتهى- يا لبؤس الصدى-

كومةً من حجر.

 

غرفة

****

 

غرفة كنتُ أودعتُها صورتي

عندما يحتويها المساءُ الوحيدْ

والليالي التي ترتدي الفقرَ ثوباً،

ترتدي الروحَ أسطورةً من حروفْ.

غرفةٌ عرفتْ كلْمةً سطّرتْ

كلَّ شيء، أشارتْ إلى ما ترى

خلف شباكها المستجيرْ.

غرفةٌ فرشتْ ثوبَها للصعاليكِ في آخرِ الليل،

للكؤوس التي تختفي

بين عينين قد صيغتا من لهبْ

بين كفيّن قد صيغتا من ربيعِ الألم.

غرفةٌ فرشتْ ثوبَها

للأغاني التي تبتدي بعد أنْ ينتهي البائعونْ

من صراخِ النهارِ الطويلْ،

بعد أنْ تنتهي النسوةُ الناضجاتُ الجسد

من خطى الفتنةِ القاسية.

غرفةٌ: مسرحٌ للضجيجِ، البكاءِ، المرح!

 

 

 

 

 

 

ديوان الرقصات

 

   

 

الرقصة الأولى

*********

 

اهبطي

مثل حرفٍ بليغٍ يرومُ المثولْ

بين أيدي السطورْ،

مثل سجنٍ يرومُ الهروبْ،

مثل نهرٍ يمارسُ ألعابَه الغامضة،

مثل مِيتٍ يُعادْ.

وارقصي. ها هنا آسنا يحتفي،

ثلجنا يختفي، عشبنا يرتوي.

ها هنا ريحنا المُبهِجة:

ريحُ مِيتٍ يُعادْ.

 

... دورةً، دورتينْ.

 

أطلقي صرخةً خافتة،

نظرةً خافتة

مثلما الماء إذ يستفيق

من لظاه العميقْ.

... نظرةً ثُمَّ أخرى

... خطوةً ثُمَّ أخرى

... دورةً  ثُمَّ أخرى.

... نظرةً مِن حنينْ.

 

إنني أنحني مثل آسٍ فتيّ،

أختفي في جفونِ العيونْ،

أشتهي أن أكونْ.

إنني أنتشي بالكلامْ

عامراً بالرؤى والجموحْ.

 

 

الرقصة الثانية

*********

 

* انظرِ الآن ماذا ترى؟ 

- ها هي الريح

والعصافيرُ من نومها أقبلتْ وهي تنأى. الدخانْ 

ساهماً كالأسى يرقبُ الآن، خلفَ الوجوه، الزمانْ.

والعيون التي تحتوي ميسمي

لم تكنْ تفهم العشبَ إذ ينحني

وردةً تحتوي شمسَ هذا اللقاء: الجنونْ.

قيل لي إنّها خفقة

للينابيع إذ يفتحُ الفجرُ أجفانه بالضياءْ.

إنّها ميسمٌ للعناقيد إذ ترتوي بالغناءْ.

إنّها رنّة الكأس أو قُبْلة تشتهي أنْ تلفَّ الجسد،

تنحني بين أوراقه شمعةً مِن دموعْ.

 

... دورةً... دورتينْ.

 

* انظرِ الآن ماذا يكون؟

- العصافيرُ ذكرى تجول

كلّما أضحكَ الوردُ أعشابَه بالدخانْ.

العصافيرُ ذكرى تجولُ القطاراتِ والأنهر النائمة،

المنافي التي أشعلتْ لونَ أثوابِها.

والعصافيرُ مُذ غادرتْ نخلَها المُنتظر

عانقتها السنين التي أشعلتْ جمرةً بين أجفانها.

 

* أشعلتْها إذن!

- ها هي الريحُ من نومها أقبلتْ تعصفُ

والعصافير قدّامها تركضُ.

ها هي الريحُ من نومها أقبلتْ تركضُ

والعصافير قدّامها تعصفُ.

 

... دورةً ثُمَّ أخرى،

... خطوةً ثُمَّ أخرى،

... نظرةً مِن وجومْ.

 

 

الرقصة الثالثة

********

 

حطّمِ الصوتَ هذا الذي يرتديني دماً غامضاً!

يرتديني لقاءً لنهرٍ عميقِ العذابْ

وانكساراتِ ليلٍ طويلِ الغيابْ.

يرتديني إذنْ؟ حطّمِ الصوت!

 

... نظرةً ثُمَّ أخرى

... خطوةً ثُمَّ أخرى

... دورةً ثُمَّ أخرى.

 

أيْ دمي يا دمي! هل ترى طائراً

ظلّ وقت انهمار السماءْ؟

هل تراني دمي؟ حطّمِ الصوتَ والريح!

إنني أستطيعُ المسافة

أنْ أقول الفضاءْ:

إنني حضنُ طفلٍ بريء،

إنني وحشةُ الأقبية،

إنني قُبْلةٌ هامدة.

 

أطلقي نظرةً مثلما القلب إذ يستفيق

من لظاه العميقْ.

 

... دورةً... دورتينْ.

 

إنني أستطيعُ الحقيقة،

أستطيعُ الغناءَ الذي كانَ لي شاهدي المنفرد،

كانَ لي ورقة مُعشبة،

ضحكة الفجرِ عند انعتاق الخيولْ،

بسمة الطيرِ عند اشتداد الشتاءْ

وانحدار البساتين من نومِها كالعروسْ.

فلنغنِّ: الفراقُ الفراقْ

أتعبَ الفجرَ والطفلَ. هذا الفراقُ الفراقْ

أتعبَ الظلَّ والجرفَ والعشبَ. هذا الفراقُ الجَموحْ

أتعب َالماءَ هذا الجَموحْ.

 

... دورةً للهبوطْ،

... دورةً للهبوطِ الثقيلْ،

... دورةً  للحنين الثقيلْ.

 

الرقصة الرابعة

********

 

لم يزلْ وردُنا صابراً والكمانُ الوحيدْ

لم يزلْ راقصاً مثل نبع يتيمْ.

راقصاً مثلما وردة تُشتَهى

وهي سكرى بغصنِ الظلامْ،

مثلما وردة بالغتْ في الكذب

واشتهتْ أنْ ترى أيَّ شيء:

جثّةً أينعتْ أو حنينَ النهارْ.

 

... دورةً... دورتينْ.

 

أطلقي صرخةً خافتة،

نظرةً خافتة

مثلما النار إذ تستفيق

من لظاها العجيبْ.

... خطوةً للأنينْ،

... خطوةً للجنونِ البليغْ،

... خطوةً للهدوء المريبْ،

... خطوةً للحنينْ.

 

أطلقي صرخةً مِن سكونْ:

كم تريدين لي أنْ أكون

مثل مرثية انتهتْ واختفتْ؟

كم تريدين لي أنْ أكون الكمان اليتيمْ،

الكمان الذي شجَّ أوراقَه الناتئة؟

كم تريدين لي أنْ أموت؟

 

أطلقي صرخةً مِن وجومْ:

ربّما كي نموت،

كي نواصلَ في ألمٍ لحننا المستديمَ الثقيلْ.

أطلقي صرخةً مِن ربيعْ:

كي نغنّي معاً لحننا الخالدَ المُستحيلْ!

 

 

ديوان الأغاني

 

 

 

 

مُفتتح راقص

********

 

صوّبْ:

هذي الوردةُ تهبط.

إنْ تقطفها تهبطْ

 *

صوّبْ:

القُبْلةُ جاءتْ عاريةً،

ذهبتْ عاريةً.

ذهبتْ؟ أين؟

الشارعُ يرفعُ أطرافَ الثوب،

أو يشربُ خمراً كالمذهولْ.

والشارعُ ضيّعه الشارع

والشارعُ يصطادُ الشارع.

لكنّ المُخرج لا يرغب

في إلغاءِ السككِ البيضاء ومروحةِ النومِ المُعشِب

والبحرِ المبتعدِ الأطرافِ إلى حدّ الفتنة

والنومِ على زندِ امرأةٍ

بلّلها الليلُ فاضحتْ باردةً مثل الزبدة.

 *

صوّبْ:

النخل. الجسد. الفندق.

الأسماك. الأطفالْ.

والريحُ تناقشُ في مرحٍ:

هل يأتي فجرٌ يطلبُ كرسيّاً؟

والريحُ تقول:

الجسرُ يؤدي للمنفى

والنهرُ يؤدي للجسر

والجسرُ جميلٌ كالوردة.

 *

الفصلُ طويلٌ كالرقصِ الليليّ وأفواجِ الموتى

وكأغنيةِ البحّارةِ والصخرِ الجارف،

كالصيفِ الممتلئ الأردافْ.

والمخرجُ يرقصُ حيناً ويغنّي:

مرحى للريحِ، الأسماء، الشارع،

مرحى للرغبةِ والطفلِ البكر،

مرحى للقُبلاتِ المرميّةِ ما بين الأحلامْ،

ما بين جدار الآلام.

 *

صوّبْ:

هذي الوردة

إنْ تقطفها تهبطْ

في الصبحِ المثلجِ أوراقاً تلتفّ بطعمِ الشارع.

 

 

أغاني رأس السنة

***********

 

1. 

وهنالك أشجارٌ سودٌ لم ترحلْ بعد لبغيتها

وهنالك أيّامٌ لم ترحلْ بعد لمتحفِها

وهنالك ......آه.

 

وهنالك وجهكِ يرصدني أبداً

في كلّ المنعطفاتْ.

أدماه الحزنُ وحاصره القمرُ الذئبيّْ،

أغنته الوحشة

وقليلُ الزادِ وبُعْدُ الشُقّة.

وهنالك وجهكِ..... آه.

2.

هذي الليلة

أكتشفُ السرَّ بأبّي طفل في العام السابع والعشرين.

هذي الليلة

أكتشفُ السرَّ بأنّي كهل قد أتعبه أرقُ الأحفاد.

هذي الليلة

أكتشفُ السرَّ بأنّي كوكبه الدرّيّ المتألّق

في أحداقِ محمّد

وربيعِ اللهْ.

3.

مِن أجلكَ يا مَن يحضرني الليلة وجهُهْ

يا مَن يعرفني ويكاد

يا مَن لا اسم له، لا عنوان

أرسلُ برقيةَ تهنئةٍ

من دونِ حروفٍ أو معنى.

وأنام.

 

 

 

 

 

 

 

ديوان المراثي

 

 

   

ثلاث مراثٍ إلى آدم

************

 

1.

في هدأةِ هذا الإيقاع

أرثي مجدَك:

هذا الملكوت الكونيّ..

الرغبة في صهرِ الشمسِ وترويض الأقمارْ.

أرثي بؤسَك:

هذا الوطن الممتدّ حروفاً فارغةً تحبو،

وغيوماً ضاحكةً تبكي من جوعٍ أو رعب.

في هدأةِ هذا الإيقاع

أرثيكَ وأرثي نفْسي

وخطى الإيقاع،

أمتدُّ سماءً فارغةً حتّى القاع.

2.

مَن أعطاكَ الأسماءَ؟ ومَن قال: شراعاً،

خذْ هذي الأرض شراعاً أو قبراً،

حلماً أو كابوساً؟

مَن قال؟ أجبْ!

يا ملكاً محكوماً بعذاباتِ النسيانْ.

3.

لم تهبطْ وحدكَ. قيل بأنَّ امرأةً قد هبطتْ

من روحِكَ كي تنثرَ رملَكَ أو جمرَكَ أو اسمَك

في النهرِ، البئرِ، الصحراء

ويكون رمادُكَ شاهدةَ الدنيا في خاتمةِ القصّة

وضياعِ الحاءْ.

 

 

 

 ثلاث مَراثٍ إلى نفْسي

 *************

 

 من أين؟

******

 

مِن أين أجيءُ وأفتحُ أبوابَ خلاصي

وأنا أملكُ روحاً: وطناً لعصافير الشِعْر،

للقُبْلةِ والأمطارْ،

للسحرِ الأسْوَد والريحِ الخضراء؟

 

 

حصاة

****

 

مثل حصاة تُرمى في البحر

حتّى تصل القعر،

تمضي مرثيّةُ عمري. 

تمضي، تمضي وأنا أرقبُها

فرحاً مغروراً مقتولاً

في أوّل طلقة،

فرحاً مُرتعداً مُنتشياً

بالموتِ وبالخُذلانْ.

 

 

 

 

 الرقصة

*****

 

يا لأساي الذي

هدَّ بي الأبواب.

يا لأساي الذي

يشكو ولا يغتاب.

يا لأساي الذي

يمشي كما أمشي!

 

 

 

 

All rights reserved

جميع الحقوق محفوظة

 

 الصفحة الرئيسية