النص
الموازي
في
شعر
أديب
كمال
الدين:
"العنونة
أنموذجاً"
أ.د.
نجاح
هادي
كبة
*
النص
الموازي
في
اللغة
الفرنسية
يتكون
من
جزأين
para
و
text
. فالجزء الاول يرتبط في الأصل اليوناني بعدة معانٍ كالمشابهة
والمماثلة والمساواة والملائمة والموازاة والمجانسة، أما الجزء
الثاني فهو النص، ويعود أصله عموماً إلى بلوغ الغاية واكتمال
الصنع ((كتاب عتبات جيرارجنيت من النص إلى المناص، عبد الحق
بلعاد، الدار العربية للعلوم، ناشرون ومنشورات الاختلاف، ط1،
2008م، ص:43)). والمقصود بالنص الموازي- بحسب جيرارجنيت-
هو العنوان الرئيس، والعناوين الفرعية، والمقدمة،
والملاحق، والهوامش، والاهداءات, والعبارات التوجيهية.
* دلالة العنوان ورموزه في شعر أديب
كمال
الدين:
سأتناول هنا
المجلد
السادس
من
الاعمال
الشعرية
الكاملة،
وذلك
لأنه
يمثّل
آخر
ما
أبدعه
الشاعر.
يقع
المجلد بـ(289)
صفحة
من
القطع
المتوسط،
ويحوي
على
عنوانات
فرعية
عامة
بحدود
(5)
عنوانات،
تتفرع
إلى
عنوانات
فرعية
خاصة
تضم
كل
واحد
منها
عدداً
كبيراً
من
القصائد.
وكل
عنوان
عام
أو
خاص
هو
دال
لمدلول
فهو
نص
موازٍ
للقصائد،
ففي
تحت
العنوان
الفرعي
العام
(شخصيات
حروفية)،
نلاحظ
عنوانات
خاصة
لقصائد
مثل:
(الآخر
الذي
هو
أنا)
و(زها
حديد)
و(شارع
الذاكرة)
و(شارع
القهقهات)
و(البحر
والحرف)
وغيرها
كثير.
وكل
هذه
العنوانات
نص
موازٍ
للقصائد
عبّر
عنها أديب كمال الدين
ومثّلها
تمثيلاً
دقيقاً
بأسلوب إبداعي
حتى
كأنّ
العنوان
تكثيف
موجز
لما
يدور
في
القصيدة
فهو
يعطي
كنص
موازٍ
المساواة
مع
القصيدة،
لاحظ
قوله:
لم أكنْ مُحتاجاً إلى ما تقول،
كنتُ مُحتاجاً إلى شفتيكَ.
ولم أكنْ مُحتاجاً إلى شفتيكَ بل إلى لسانِك.
لا لم أكن مُحتاجاً إليه بل إلى روحِك.
لا لا لم أكنْ مُحتاجاً إليها بل إلى حائك،
أعني إلى بائك،
أعني إليك.
وأعرفُ أنّكَ لا تعرفُ نَفْسَكَ مِثْلي
ولم
يكتف
الشاعر
بهذا
التقديم
ليدل
على
المساواة
والحلول
بالآخر
مع
العنوان،
بل
نراه
يصرح
انه
مثله
لكي
يطابق
العنوان
القصيدة،
يقول:
فقدْني إليك.
نعم، جميلٌ أن ألتقي بأعمى مِثْلي،
تائهٍ مِثْلي
يبحث عنّي
ولا يتركني أهذي في الطّريق
إلى أن أموت.
ومما
زاد
في
مساواة
العنوان
للقصيدة
توظيف
الشاعر
الأسلوب
القصصي
في
السرد
الذي
يبدأ
بعرض
وعقدة
فحلّ.
فالأسلوب
القصصي
يحافظ
على
الوحدة
العضوية
للقصيدة
كما
أن
العنوان
العام
الفرعي
(شخصيات
حروفية)
نص
موازٍ
للقصيدة
من
خلال
توظيف
الشاعر
للحروف
ورمزيتها.
والعنوان
الفرعي
الخاص
(زها
حديد)
نص
موازٍ
يدل
على
الملائمة
للقصيدة،
ذلك
لأنّ
القصيدة
جاءت
على
شكل
سيرة
(ببلوغرافيا)
لزها
حديد،
فكان
العنوان
نصا
موازياٍ
للقصيدة
لا
ينبو
عنها
بل
هو
يمثّلها،
يقول:
بعينين أوسع من عيني زرقاء اليمامة
وأجمل من عيني زرقاء اليمامة،
ستكتبين شِعْراً عجيباً
على هَيئةِ عماراتٍ وناطحاتِ سحاب
وتهبينه، في كرمٍ حاتميّ، مدنَ العالم.
.......
لكنّي سأعتذرُ لكِ مَرّةً،
بل ألف مَرّة،
لأنَّ دجلة لم تغسلكِ بمائها السِّحْريّ.....
والشاعر
مهتم
بالمضمون
ويختار
له
الشكل
المناسب
في
أكثر
قصائده،
لذلك
جاء
اختياره
لأسلوب
السيرة
ملائماً
لاهتمامه
بالمضمون،
وجعل
العنوان
نصاً
موازياً
للقصيدة،
فاستطاع
أن
يكسب
عاطفة
المتلقي،
ف(زها
حديد)
ماتت
في
ديار
الغربة.
لأنَّ دجلة لم تغسلكِ بمائها السِّحْريّ
وأنتِ تموتين - وا حسرتاه - بعيداً بعيداً،
ولأنَّ الفراتَ - وا أسفاه - لم يقبّل الأرضَ بين يديكِ
وأنتِ تقولين للأرضِ وداعاً
بعدَ أن تركتِ عليها ألفَ بابٍ مُضيء بالسِّحْرِ والمُستحيل.
ويأتي
العنوان
الفرعي
الخاص
(حلمي
خرافي)
تحت
العنوان
الفرعي
العام
(حروف
من
الشمس)
نصا
موازيا
للقصيدة،
فالعنوان
(حلمي
خرافي)
مفسِّر
للقصيدة
ومشابه
لها
لأن
القصيدة
تحكي
حلماً
خرافياً
ومن
هنا
أصبح
العنوان
نصاً
موازياً
ومشابهاً
ومساوياً
للقصيدة
ولا
ينبو
عنها،
فالقصيدة
تحكي
حلماً
خرافياً
رآه
الشاعر،
ينساب
فيه
أسلوب
الشعر
السردي
بهدوء
بشعرية
زمانية
ومكانية-
كما
يسميها
ياسين
النصير-
يقول الشاعر:
البارحة حلمتُ أنّني فتحت
شبّاكَ عمري على مِصْراعَيه
فكانَ النّهارُ مُدهشاً
فأخذتُ أشربُهُ بلطفٍ وهدوء.
ثُمَّ عدتُ إلى النّوم
لأستيقظَ عندَ المساء،
لم يزل الشّبّاكُ مفتوحاً كما هو
والنّجومُ تضيءُ تضيءُ تضيءُ السّماء
فمددتُ ملعقتي الصّغيرةَ السّحريّة
وبدأتُ آكلها نجمةً نجمةً.
وحينَ شبعتُ
عدتُ إلى حلمي الخرافيّ ببطءٍ عظيم.
لقد
كان
حلم
الشاعر
قلقاً
بين
ثنائية
اليقظة،
النوم،
فالمرئيات
تتراءى
له
بين
حالتي
اليقظة
والنوم.
فبعد
أن
نام
فتح
شباك
عمره
على
مصراعيه
فأخذ
منه
الحلم
مأخذاً
ثم
نام
واستيقظ
ليرى
نفسه
وهو يمدّ ملعقته
الصغيرة
السحرية
ليأكل
النجوم
نجمةً
نجمةً
حتى
شبع
وعاد
إلى
حلمه
الخرافي،
بعد
أن
توحّد
في
اليقظة
مع
جمال
الكون
فهو
يقضان
نائم
فأصبح
الحلم
خرافياً
ليس
في
النوم
بل
وفي
اليقظة،
ولكن
الحلم
يبقى
خرافياً،
لأنّ
التصور
والخيال
في
أثناء
تلازم
اليقظة
بالنوم
هو
نوع
من
الحلم،
وبذلك
تحقق
المقصد
من
أن
العنوان
نص
موازٍ
للقصيدة.
ويأتي
العنوان
الفرعي
الخاص
(روايات)
تحت
العنوان
الفرعي
العام
(قال
لي
حرفي)
نصا
موازيا
للقصيدة،
فالقصيدة
تقترب
بالتجنيس
من
القصة
القصيرة
جداً
وتنتهي
بضربة
مفاجئة،
وفيها
تفاصيل
عن
روايات
عن
تاريخ
ولادة
الراوي
العليم
أو
الذات
الثانية
ما
جعل
العنوان
نصاً
موازياً
للقصيدة،
يقول:
قالَ لي حرفي:
أينَ وُلِدتَ؟
قلتُ: وُلِدتُ في أرضٍ تحوّلتْ إلى مدرسة.
وفي روايةٍ أُخرى
تحوّلتْ إلى مستشفى للمجانين.
وفي روايةٍ ثالثة
تحوّلتْ إلى أرضٍ للندمِ والبكاء.
فقالَ: وماذا فعلتَ؟
قلتُ: جمعتُ كلَّ هذه الروايات
وذهبتُ إلى تلك الأرض المزعُومة
فوجدتُها قد تحوّلتْ إلى ذكرى.
إنّ
توظيف
الحوار
(قال)
و(قلت)
و(فقال)
و(ماذا)
ساعد
الشاعر
على
البناء
السردي
للمبنى
الحكائي
من
خلال
الأسلوب
السببي
ما
جعل
القصيدة
قريبة
بالتجنيس
من
القصة
القصيرة
هذا
بالإضافة
إلى
أن
القصيدة
انتهت
بضربة
مفاجئة.
هذا
البناء
القصصي
حافظ
على تماسك
الوحدة
العضوية
للقصيدة
فعكس
مضموناً
وكان
العنوان
نصاً
موازياً
له.
*******************
الأعمال
الشعرية
الكاملة:
المجلّد
السادس،
أديب
كمال
الدين،
منشورات
ضفاف،
بيروت،
لبنان 2020
*******************
نُشرت في جريدة البينة الجديدة بتأريخ 1 تموز 2021